حاميد اليوسفي - الوجه الذي لا يظهر في المرآة

التقى الصديقان سين وجيم اليوم في المقهى ، ودار بينهما هذا الحوار :
س ـ هل ستشارك في الانتخابات القادمة ؟
ج ـ لا زلت مترددا ، لم أحسم موقفي بعد !
س ـ يقولون بأن مشاركتك في الانتخابات ، تحدد مستقبلك ، ومستقبل أبنائك !
ج ـ منذ أكثر من ثلاثين سنة وأنا أشارك في الانتخابات ، لكن من أصوت عليهم يخيبون ظني ، ويحتلون المراتب الأخيرة . ويعودون في الانتخابات المقبلة ، ونكرر معا نفس الخطأ . ونُخفي هزائمنا بشقاء الطريق وطوله .
س ـ وهل ستترك الفرصة للخصوم ، ليثقلوا كاهلك بالضرائب ، وتحرير الأسعار ، ورفع الدعم ، ورهن مستقبلك ومستقبل أبنائك بالديون الخارجية ؟
ج ـ إذا شاركت ، سأكرر نفس الخطأ ، وسأراهن على الحصان الخاسر مع إحساس كبير بالمرارة . وسيفوز الخصوم أيضا ؟
س ـ إذا قدم لك مرشح مبلغا من المال هل ستصوت لصالحه ؟
ج ـ سأحكيها لك مثل الخرافة . عملت في بداية مشواري المهني بمنطقة نائية من المغرب غير النافع . في نهاية الموسم الأول جاءني تلميذ متقدم في السن ، وقيل لي فيما بعد بأنه متزوج وله أبناء ، وعرض علي أن ألبي الدعوة إلى وليمة اعتاد أن يقيمها للمدرسين في نهاية السنة حتى يتمكن من الحصول على معدلات تؤهله للنجاح . فخيرته بين أمرين أن أضع له النقطة التي يستحق ، وهي أقل من المعدل ، وأشارك في الوليمة ، وبين أن أترك النقطة كما أدخلت عليها بعض التعديل لتقترب قليلا من المعدل ، ولا أشارك في الوليمة . فاختار الحل الثاني . ومنذ ذلك اليوم لم يعد أي تلميذ يدعوني لحضور ولائم من هذا النوع .
س ـ إذن ماذا نفعل ؟ هل نستورد لك حزبا من الدانمارك أو السويد ؟
ج ـ وهل رأيتني مثل أهل السويد ، أضع ثمن الحليب والجرائد أمام باب البيت ؟ نحن يا أخي نستعمل بدل القفل ثلاثة . ليس الأمر بهذه البساطة . المنطق شيء ، والواقع شيء آخر .
س ـ كيف ؟
ج ـ ألم تر أن المال هزم أغلب الأحزاب ، فتخلت عن مناضليها ، ورشحت أصحاب المال ؟ المال يغتال نوعا معينا من الأفكار . المال جبان وعنصري يكره المصلحة العامة ، ويُقدس الربح ، ويشتري الفكر الذي يُسبح بحمده ، والدين إذا دخل السياسة أفسدته .
س ـ إذن الصراع أصبح واضحا : المال مقابل المال ، ولا تنسى اللحية ! اللحية أيضا تملك المال ، وتضيف إليه فهما معينا للدين ؟!
ج ـ والله المواطن المغلوب على أمره ، أصبح حائرا بين الاثنين ! بين المرشح الذي يملك المال ، أو المرشح الذي يملك المال ، ويطيل اللحية ! هكذا ضاعت الأفكار والبرامج وتوارت إلى الخلف .
س ـ إذا كان الأمر كذلك ، لماذا لا يصوت الناس على من يملك أكبر قدر من المال ، أو من يملك اللحية الأكثر طولا والأشد بياضا ؟
ج ـ أو على مرشح معدم مثلنا ، لا يملك مالا ، ولا يلبس لحية ، حتى لا يتهمك بعض اليسار بخيانة القيم النبيلة !
س ـ ولكنه سيتغير بسرعة ، وبدل الموتوسيكل سيركب المرسيديس ، ويرحل إلى العاصمة !
ج ـ هذه الانتخابات عندنا ملعونة ، تسحر دم من ينجح فيها ، ولا يخرج منها إلا أحمق أو مسحورا .
س ـ والبرنامج الانتخابي ؟!
ج ـ قال مرشح لشاب: امنحني صوتك أضمن لك طريقا إلى الجنة* ، فرد الشاب : أعرف الطريق إلى الجنة ، أريد طريقا إلى الجامعة والمستشفى والعمل .
هذا الشاب للأسف ، يمقت الأحزاب والنقابات ، ويدعو إلى شطبها ، ويطالب في نفس الوقت بالديمقراطية ، وهو بالإضافة إلى ذلك غير مسجل في اللوائح الانتخابية .
س ـ للأسف هذه هي المأساة التي تتكرر مع كل انتخابات .
ج ـ كل هذه الأحزاب ، وكل هؤلاء المرشحين ، وكل هذا البقر لم يهبط من السماء . تقول بأنهم لا يمثلونك ، وتجدهم في الواقع يمثلونك ، ويتحدثون ويشرعون ، أو ربما يسرقون باسمك .
إنهم الوجه الحقيقي الذي نستحقه أو لا نستحقه ! ننتقده ونشتمه باستمرار ، ونغسله كل صباح ، لكنه فقط يتوارى عندما ننظر إلى المرآة ، ونرى بدله وجها آخر .

الهامش :
*الشعار مقتبس بتصرف
مراكش 22 غشت 202

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى