حميد العنبر الخويلدي - مستوى البلوغ قوة باطنية من نقطة الشروع الى نقطة الحسم.. قراءة في سقوطٌ ارجواني للشاعر نور الدين المنصوري

نص حداثوي. ( سقوطٌ ارجواني ) للشاعر المغترب نور الدين المنصوري


يسقط المساء
على ضفاف القرية سرمديا
فيصاب كل ما يبدو بعيدا
بالدهشة
تبدأ وجوه الناس بإرتجال الوداع
وداع البدايات التي لم تبدأ
وداع الكلام الذي يحترف أبجديات خرساء
في حضور ما ألفه فضاء الروح من أحزان
في عيون النسوة التي تفيض بالأحلام و الرغبات
في وجوه الأطفال الذين يسيرون حفاة نحو غدهم العبثي
كل شيء يجيء صامتا و كئيبا
وفي قلب الشاعر يخدش ألماً
يلبس قناع الأمل.
‏Nor Eddine Mansouri


=================================


مستوى البلوغ قوة باطنية
من نقطة الشروع الى نقطة الحسم..
نص نقدي مقابل

وعند غضون المشاهدة الاولى بالتحديد ، حيث النظرة العيان للنقد ، تعرف حقيقةً انّ النص حائز على نجاحه ام لا ، نعم هناك صفات للظاهر فيه ، تغشي
جسد النتاج تكسيه جمالاً وصفاءً ونكهةً ، مايجعل حواسك مشبعةً به ، و ذائقتك تنجذب نحوه برغبة تامْةٍ ،وكالناظر من مكانه لثمرات
الفاكهة وهي معلّقة بامهاتها الشجر والنخل او بسلال العرض لها ، فصفاتها معجبةٌ مونقةٌ باصفرها واحمرها يانعها ونافث ريحها الزكي وعاطر شذاها ،تُنبيك انها اتمّت دورة النضج وباتت في مستوى بلوغها الوافي من كمال الصورة واتمامها ، فتدعو للقطاف او السقوط الايجابي حتى انّ فراقاّ طوعاً يحدث عندها وينقطع الارتباط مع الاصل الام ، ذلك مثله في الاتمام النصي ، اخيراً يفترق النص عن منتجه عن حثيث ذاته ورهجاتها الدافعة، ويبدو راكباً اعني النتاج نظامه الحركي الكوني كمخلوق طرأ او وفد عرض الوجودات المعلن والذي نحن منه الان،،
هكذا هي القصيدة حتماً ، فهي ثمرات لشجر الروح نعم -:هي الخوخة المجتباة - الروح المطلقة في دينامية فعلها الاسترسالي ، بين النسبي المتوغل فيها وبين الواقعي المفتوح الباب والحلقات ، الروح تلك الحركة الاثيرية الحرْة ، والتي تعتبر نافذة القدري ورسالته ، تاتي الاشارة عنها من الغيوب الماورائية البعيدة ، الى الذات عنوةً ، فضلاً عن ان تكون هذي الذات سامية و عبقرية طبعاً،
روحُ المبدعِ شبّاكُهُ على العدمي وجناحه القوي المُجرَّب والمدرّب على رياضات الغوص والهجرة ، فكلما كان الجَّنى بارعاً متميّزاً تستجلبه ، كانت الصيغ الفنية بديعةً جاذبةً لِلْآخَر ، والجنى نعني به التقاط الخامة الاصل والحافلة بالمعنى النموذج والمترابط مع الشكل والمضمون في نفس الوقت نظاماً ترابطياً اعتبارياً، والتي نعني الخامة ستشترك مساهَمةً منها بخلق الصور والبُنى التوالدية،، التي تزيد من جمال النتاج كلما احسن المبدع تصيّراتِها ،، وعلى قرار ( خلقَكَ فسوّاكَ فعدلَكّ ) هذا ناموس كوني يُحْتذى به ، تطبيقاً كلياً على كل العناصر والرموز المادية في الطبيعة والوجود ، وكذلك في التعبيري اسقاطاً منا للفعل الفني على الورق او الحجر في النحت او اي شي يستوعب الحال ونجاحه ، وحتى في الحرفي والصناعي ،ومااكثر المصنوع اليوم من الطابوقة للمركبة القمرية ، مروراً ببرج خليفة واسد بابل
،،،،،،،،،،،،
هكذا ومن اول وهلة مع نتاج المبدع /نور الدين المنصوري /، لامسه النظر في لحظة الاستلام والتلقي نعم ، ايقنّا ان الخوخة كانت اجتازت مستوى بلوغها بكل عافية وروساء،، وكانت قطعت ادوار الاتمام بكامل نظم الصيرورة الجمالية ،ونسجل ما افترضناه من تأشير ،،
نعم العبارة النصية يملأها الخصب والصفاء والسواء ، مونقةً مزهرةً بالمعنى الذي يفرض عليك الرغبة في التجاذب والمقاربة حتى تكاد تندمج معه ويندمج معك وتصبحان في دورة حياة تختلف عن كينونة
حالكما ومآلكما الاوّليّينِ ، المتلقي مجذوب حتما، ينفرض عليه قدر جديد من الشد والدخول ، لحين
ما يرتوي ، فهو ساخن حتى يبرد ،،وذاك يحدث الافتراق ،انها لذة حتما ولكن بصيغة اخرى ، قد تصل بك للرعشة والارتداد البايلوجي ، هي مثلها نعم تماماً مثلها ، وهذي بطبيعتها قوى ناعمة لاتُحْكم من قبلك ابداً ، انما يحكمها النص فيك ، عند التلقّي الحقيقي ، وعندما يكون النص حائزاً على اشارة الميتافيزيقي وهوية سواد العدمي حيث المكوث والوفادة طوعاً من هناك ،، امّا ان ياتي النتاج غير ممهور بعماء العدم والعدم المسفر وولادته ودفعه ، فهذا مكرور ومتجر وبارد ، ولايصلح لان يكون خالداً ،،يكون للاستهلاك ممكن وانموذج للضعيف يؤشْر عليه ،،
( يسقط المساء ،،،
على ضفاف القرية سرمدياً،،
فيصاب كل مايبدو بعيداً بالدهشة ،،)
صورة باذخة من لدن عامر بالتجربة والرياضات الروحية التي اتممت المناويل في النضج ووعي الفعل ، واعلنت عن مستوى يمسك الوجود بالمباشر متى شاء ،،يعني وصل المبدع الى مستوى بلوغ عال في تجربة التناول ، واستلهام جمال الكيفيات الفنية ذاتياً، اذ لو وصل اصبحت روحه الموهوبة حمّالةً لهيكله الجسدي وما احتوى من توابع ، وقادرة على الحلول حتماً، باعتبار ان الفنان يجيد درس التحوْل وتغيّر الهيئة ،وهنا لحظة مهمة جداً في الموقف، هو ان المبدع يطرح نفسه حالا وعاجلاً من انه الابهى والاحس خِلقةً وصورةً من جميع الخليقة ، حدَّ انتباه جميع الرموز وما له علاقة وترابط مع بنية النص ، حيث المرام حيث الغاية ، اذ تصبح جميع الشيئيْات طوعاً لايعاز هذا الفنان ، ولو قدر ان يجتاز هذي المحطة ، نعم استطاع مسك السر ، واستطاع استحواذ الحقيقة ونظامها ،
( تبدأ وجوه الناس بارتجال الوداع،،
وداع البدايات التي لم تبدأ ،،
وداع الكلام الذي يحترف ابجديات خرساء ،،
في حضور ماألفه فضاء الروح من احزان ،،)
هنا في هذه الصورة وبعدما اتقن /الشاعر المنصوري نور الدين / هندسة ومعمارية وجود المكان في النص ، وهذا استعداد فني لمدرسة الادباء الغربيين ، ان يرسموا وينحتوا المكان ،.
( يسقط المساء
على ضفاف القرية سرمدياً )
ومن ثم انزال حيثيات المعنى الجمالي لحوقاً واقساطاً بما تملي عليه اجتهاداته الفكرية والفنية ، وان سألتَ عن حاصل الزمن فهذا يتجلى بمحمول الذات وما اشتملت عليه من مخارج ومداخل فلسفته الخاصة ،ونظم محدثاته لغرض غرس شجرة البهاء المنشودة ،،
حتى اخذ نور الدين يكشف ويهتك السُّتر عن اطروحته المتجلية في عرض التناص وتراكبات الموضوع ،
ويدع جيوب ومخابي شجونه ان تتفتق فتنثر زهور حزنه ولآلىء الامل في نفسه الطامحة لعالي الافق ،،
حيث الصورة والتبويب المغامر بالرؤى المعلنة والمستترة ،
( في عيون النسوة التي تفيض بالاحلام والرغبات ،،
في وجوه الاطفال الذين يسيرون حفاةً نحو غدهم العبثي ،،
كلُّ شيءٍ يجيء صامتاً وكئيباً ،،
وفي قلب الشاعر يخدش ألماً،،
يلبس قناع الامل ،،)
هنا ميْز المبدع انساغ ما جاء به ، باعتباره العارف والمشخّص ، وبيده عنقود المعاني ،فبكيف وب متى واين وحيثما وبكل التلوين والتنويع والتعدد ،جابه وتصدى ، ليخلق الحِسن
ويغيّر ركام الرث ينقضها ابدالاً واستعمالاً ، ولم ينس نفسه ، فلعله الحكيم النبوي ولعله الصارخ بالبرية وعلى غرار الاثر والمعجزة تلك في القدم ،اذ قال ونطق ،
( وفي قلب الشاعر يخدش الماً
يلبس قناع الامل ،،،) جاعلاً الريادةَ له والاجتهاد في الحال قبل الاخرين ،،


ا٠حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري
- العراق -



-------------------------------------------
* نور الدين المنصوري: مغربي مغترب بإيطاليا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى