ريم عبد الباقي - عالهدا..

وقفت في سكون ترنو لقرص الشمس المتأرجح على صفحة البحر، أسرها بريق انعكاسه وتماوج الوانه، رغم جمال المشهد بدا وجه البحر عابسا كئيباً، حتى النوارس التي اعتادت الرقص على إيقاع مداعبة الهواء للأمواج بدت حزينة، خائفة، تحلق بسكون هي الأخرى كالأشباح.
أخرجها صوته الأجش من سحر المشهد، تلفتت نحو مصدر الصوت رغم علمها أنها لن تجد أحداً.. لطالما تمنت أن يتلبس ذلك الصوت جسدا تستطيع أن تراه فربما يشعرها بالأنس والأمان..
كانت لهجته حاسمة قوية وهو يطالبها بأن تنفذ ما أجلته طويلا.
وقفت تفكر في تلك اللحظة التي لطالما حلمت بها وهابتها.. عاد الصوت يستفز مشاعرها: كفاك جبناً، كفاك تشبثاً بهذه السفينة المتهالكة.. ألم تكن كل تلك السنوات الضائعة في محاولة ترميمها كافية؟!
لاح لها زمن طويل امتدت مشاهده حتى التحمت زرقة البحر الداكنة مع شفافية زرقة السماء ومازالت المشاهد تتوالى..
كانت في زمان آخر، وجوه كثيرة لاحت أمامها أخذتها الى مكان بعيد غمرها الحنين إليه.. غلبها شعور الانتماء لذلك المكان المجهول الذي سكن صدرها دائماً..
أمرها الصوت بحدة أفزعتها: آن الأوان.. هيا.. ما لذي يخيفك؟! هذه السفينة غارقة لا محالة إن لم يكن اليوم فغدا، لم التأجيل؟!
فقط أغمضي عينيك..
شعرت بغصة في حلقها خنقتها، قالت بوهن: ليس لدي طوق نجاة ولا اعرف السباحة.
قال الصوت بحنان بالغ: وهل تظنين انه عندما تغرق السفينة ستنمو لك أجنحة؟!
إذا كنت غارقة لا محالة فعلى الأقل اكسبي شرف اتخاذ القرار ومحاولة النجاة..
اختفت كل المشاهد وراء غلالة الدمع التي غشت عينيها..
وضعت كفها على صدرها بألم تتحسس قلبها الذي استحال لطائر صغير مبلل يرتجف خوفاً وبرداً.
حاول الصوت تهدئتها: لم تكن تلك حياتك يوما، فلم تتمسكين بها، انظري أمامك
هل ترينها؟
مسحت الدمع الذي أعماها ونظرت غير مصدقة.. كانت هناك.. تلك الطفلة السعيدة، تطارد موجة وليدة تريد أن تمسكها وعندما تنساب زبداً من بين أصابعها تتعالى ضحكاتها لتحاول من جديد، تقفز وتركض بكل ثقة فوق الماء بلا خوف.
ابتسمت بسعادة، ركضت نحوها دون أن تعي.. شاركتها اللعب والضحك..
لكنها توقفت فجأة..
وعت لما حدث لكن بعد فوات الأوان..
وقفت على السطح البلوري تتلفت حولها في فزع، تعالت الأمواج القوية تتجه نحوها، لكنها كانت تصل حتى قدميها فتتكسر دون أن تمسها، تماهت زرقة البحر مع اصفرار الشمس بشكل بديع أبهرها، تطايرت خصلات شعرها التي عادت طويلة تغطي ظهرها في الهواء بفرح.
نظرت خلفها بذهول.. فلم تجد من السفينة المتهالكة سوى ظل اسود لاح لها من تحت الماء.
هدأ العصفور في صدرها وعاد ينبض برتابة مريحة.
استدارت نحو الأفق وأكملت السير، تشق وجهها ابتسامة بوسع المدى الذي امتد أمامها الى ما لا نهاية، تتمايل بانسجام ودلال وهي تدندن بأغنية فيروز..
عالهدا رقص الغزلان
عالهدا قطف الرمان
عالهدا حكايات الحب البيقولوا ما أسعدا
وفي حلوة ما كان بيعرفها حدا
عا الهدا غَط الغرام وآخدا
ما أسعدا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى