د. مصطفى السواحلي - خواطر دار السلام (131) فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ؟

هذا عنوانُ مقالٍ قصيرٍ نشرْتُهُ في جريدة "صوت الأزهر" منذ نحو عشرين سنة، عندما كان العملُ جاريًا في نفقِ الأزهرِ للسَّيَّارات، وأُشِيعَ أنَّ شارعَ الأزهر سيكونُ للمُشَاة فقط، تمهيدًا لتحويلِ المنطقةِ إلى ساحةٍ مفتوحةٍ خاليةٍ من الضَّجيجِ والتلوُّثِ؛ لجذبِ السِّياحةِ العالميَّةِ، فقلْتُ فيه ساخرًا: ليسَ أمامَ مَنْ لا يستطيعون المشيَ لمسافاتٍ طويلةٍ، وبخاصَّةٍ كبارُ السِّنِّ من أساتذةِ جامعة الأزهر، ناهيك عن المرضَى المُتَرَدِّدين على مستشفى الحُسَيْن الجامعيّ إلَّا أنْ يصرخُوا داخلَ النَّفَقِ صُراخَ أهلِ النَّارِ: فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ؟
وشاءَ اللهُ ألَّا يتحقَّقَ شَيءٌ مِمَّا وعدوا به؛ فقد كان حُلْمًا ينتمِي إلى العصر الرُّومانسيّ، وليس له من الواقعيَّةِ أدنى نصيبٍ، فنحنُ أمامَ شارعٍ شديدِ الزِّحامِ، وبه جامعةٌ ومستشفى وأنشطةٌ تجاريَّةٌ متنوعةٌ، ومن المستحيلِ تحقيقُ ما وَهِمُوا إلَّا بعدَ إيجادِ بدائلَ لها جميعًا. ولعلَّها كانتْ محاولةً لدغدغةِ مشاعرِ الناسِ بنقلهم على أجنحةِ الخيالِ إلى تلك الصُّورةِ الرُّومانسيَّةِ الحالمةِ، وإرضائِهم بما رَضِي به جميلُ بنُ مَعْمر (ت82هـ) من محبوبته بُثَيْنَةَ، حيثُ قال:
وَإِنّي لَأَرْضَى مِنْ بُثَيْنَةَ بِالَّذِي *** لَوَ ابْصَرَهُ الوَاشِي لَقَرَّتْ بَلَابِلُهْ
بِلَا، وَبِأَلَّا أَسْتَطِيعَ، وَبِالمُنَى *** وَبِالوَعْدِ، حَتَّى يَسْأَمَ الوَعْدَ آمِلُهْ
وَبِالنَّظْرَةِ العَجْلَى، وَبِالحَوْلِ تَنْقَضِي *** أَوَاخِرُهُ، لَا نَلْتَقِي، وَأَوَائِلُهْ
واليومَ، أجدُنِي مُضطرَّا إلى إعادةِ استخدامِهِ، لا إسقاطًا على نفقِ الأزهرِ، والمشروعِ الذي كان صَرْحًا من خيالٍ فَهَوَى، وإنَّما على النَّفقِ المُظلمِ الذي صارتْ إليه الرَّسائلُ العلميَّةُ في الجامعاتِ الحكوميَّةِ والأهليَّةِ بلا مثنويَّة، والذي صار حالُنا معه كما قال شيخُ المعرَّة (ت449هـ):
كَأَنَّنَا فِي قِفَارٍ ضَلَّ سَالِكُهَا *** نَهْجَ الطَّرِيقِ، وَمَا فِي القَوْمِ خِرِّيتُ!
فقد تفاعلُ القُرَّاءُ الأعزَّاءُ مع الخاطرةِ الماضيةِ: "صائدُ السَّرَقات"، ومن قبل ذلك مع الخاطرةِ رقم (120) التي نشرتُها أواخرَ العامَ الماضي بعنوان: "الشَّهاداتُ الزَّائِفَة"، وأبانتْ التَّعليقاتُ الكثيرةُ عن ثلاثة أمورٍ:
الأولُ: أنَّ القضيَّةَ تُلامِسُ جُرْحًا غائرًا ودُمَّلًا مُمِدًّا تئنُّ منهُ قلوبُ أهلِ العلمِ، فهي تُمَزَّقُ كلَّ مُمَزَّقٍ مع كلِّ شهادةٍ زَائفةٍ، ومع كُلِّ دَعِيٍّ مُتَصَدِّر، ومع كلِّ مُؤسَّسةٍ لا ترجو لله وَقارًا، ولا ترعى للعلِم حُرمةً، فهي تنثرُ الشَّهاداتِ نثرَ الحَصَى؛ لِيَلْتقطها أولئكَ الأدعياءُ الذين يشترونها بثمنٍ بخسٍ دراهمَ معدودةٍ، وكانوا فيها من الرَّاغبين.
الثاني: أنَّ الظَّاهرةَ منتشرةٌ انتشارَ النَّارِ في الهشيمِ، فما عادَ يومُ حَليمَةَ بِسِرٍّ! ولم تعدْ جامعاتُ "بير السّلم" تتوارى خَجَلًا، ولم يعدْ حَمَلةُ شهاداتِها الزائفةِ يبتغونَ نَفَقًا في الأرضِ، بلَ يلتمسون سُلَّمًا في السَّماءِ يرتقون به إلى المناصبِ الرَّفيعةِ بطرقٍ شيطانيَّةٍ لا يُجِيدُها الشُّرَفاءُ، ممَّا أغرى المُقْعَدِين بدخولِ المِضْمارِ للتَّنافُس، الذي لم يَعُدْ شَريفًا، والذي عَفَا فيهِ زمنُ المَثَلِ العربيِّ العَبْقَرِيّ: "زَاحِمْ بِعَوْدٍ، أَوْ دَعْ"، وإنْ تعجبْ فعجبٌ أنْ يجترئَ صديقٌ حاصلٌ على شهادةِ الدُّبلومِ على أنْ يقولَ لي منذ نحو أسبوعينِ جادًّا لا مازحًا: وأنا أيضًا أريدُ دُكْتوراه مثلَ فُلان، فقلتُ له: قَدِّمْ في تلك الجامعةِ الأوروبيَّة التي قدَّم فيها، واكتبْ أيَّ شيءٍ ولوْ هُرَاءً كما كتبَ، فقال: لا، أنا لا أريدُ أنْ أكتبَ شيئًا، أريدُ شخصًا يكتبُ لي، وأنا أدفعُ له!
الثالثُ: أنَّ كلَّ الشُّرَفاءِ الغَيُورينَ يبحثون عن حَلٍّ، للخروجِ من هذا النَّفقِ المُظلمِ، فلم يعدْ الدَّاءُ غامضًا، ولا توصيفُ أسبابِه وأعراضِه مُستحيلًا، فهو أجْلَى من الشَّمسِ في ضُحاها، وأبْدَى من بَدْرِ التَّمامِ إذا تَلاها، ولكنْ: ما الدَّواءُ؟ فليس طبيبًا مَنْ يجمعُ عليكَ عِلَلَ الأوَّلينَ والآخرينَ، ثمَّ يقولُ لك: انتظرْ حتَّى يأتِيَكَ اليَقينُ!
ويقيني أنَّ الدَّواءَ بالغُ المرارةِ، والمخرجَ شديدُ الصُّعوبَةِ؛ لأنَّ الدَّاءَ متعلِّقٌ بخرابِ ضميرِ الإنسانِ، ومتى طال التخريبُ بنيةَ الإنسانِ فأفسَدَها من الداخلِ، فقلْ على العلْمِ لا عليه السَّلام، كما أنَّ له شِقًّا حكوميًّا؛ فلنْ يتمَّ الإصلاحُ إلَّا على يدِ حُكومةٍ لها سياسةٌ تعليميَّةٌ رشيدةٌ، فهي تُلْزِمُ الرَّاغبين بمسارٍ تعليميٍّ واضحِ الصُّوَى، وتسنُّ القوانينَ الرَّادعةَ لملاحقةِ المُتلاعبين ومَنْ يُظاهِرُونهم، ولا ننسى أنَّ له شِقًّا اقتصاديًّا، فالجامعاتُ الحكوميَّةُ ضعيفةُ الميزانيَّة، والجامعاتُ الأهليَّةُ تقوم على المصروفات الدراسيَّة للطُّلاب، فهي تتوسَّعُ وتتساهَلُ رغبةً في المزيدِ من الزَّبائنِ؛ كالتَّاجرِ الذي يخدعُ الناسَ بتخفيضِ الأسعار، وهو يقدِّمُ لهم بضاعةً مُزجاةً، بل سِلْعةً بائرةً مَغْشوشةً!
ولستُ أرى حلًّا إلَّا بلائحةٍ موحَّدةٍ يتبنَّاها المجلسُ الأعلى للجامعات، ولا يعتمدُ شهادةً خارجةً عن المسار الذي حدَّدَهُ، فتبقى حِبرًا على ورقةٍ كاسدةٍ في يد حاملها؛ كأنَّها نقود أهل الكهفِ، لا يُشترَى بها أزكى الطَّعام ولا أخبثُهُ!
وهذه اللائحة تضعُ بدايةً دليلًا معتمدًا لكتابة الرسائل العلميَّة، وتُنظِّمُ عملية الحصول على الشَّهادات فوق الجامعيَّة (الماجستير والدكتوراه)، من خلال تتبُّع مسار ولادَتِها؛ ابتداءً من مرحلةِ الخِطْبة حتى مرحلةِ ما بعد الولادة، وذلك من خلال هذا المقترح المبدئيّ:
أولًا: مرحلة التقدُّم للالتحاق وشروط القبول:
(1) أنْ يكونَ المُتقدِّمُ حاصلًا على درجة الليسانس/ البكالوريوس من جامعةٍ مُعترفٍ بها، قبل التقدُّم للحصول على الماجستير، وعلى الماجستير قبل التقدُّم للحصول على الدكتوراه؛ شريطة ألَّا يقل مجموعه التراكميّ في المرحلة السابقة عن 70%، فمن الملاحظ أنَّ بعض الجامعات تتهاونُ في هذا، فتقبلُ الطِّمَّ والرِّمَّ؛ فَرَحًا بِغُثاءِ السَّيْلِ، أو رغبةً في أرقامٍ بشريَّةٍ وماديَّةٍ، ولا أستبعدُ أنْ تقبلَ إحداها صاحِبَنا الحاصلَ على الدَّبلوم في مرحلة الدكتوراه مباشرةً!
(2) أنْ يكونَ حاملًا لشهادةٍ تدلُّ على إجادته اللغة الإنجليزيَّة، والحاسب الآليّ، فلم يعدْ مقبولًا أن يلتحقَ أحدٌ بالدِّراسات العليا أيًّا كان تخصُّصُه وهو أُمِّيٌّ بلغة العصرِ، ولا شكَّ أنَّ إلزامَ المتقدِّم بها في مرحلة الشباب أيسرُ كثيرًا من مطالبته بها بعد أنْ يتقدَّمَ به العمر.
(3) أن يجتاز اختبارًا للقبول، وهو اختبارٌ في القدرات العامَّة؛ لقياس مدى استعداده العقليّ؛ لأنَّ بعض الحاصلين على تلك الشَّهادات لا يؤهِّلُهم استعدادُهم العقليُّ إلَّا لسريرٍ في إحدى مصحَّات الأمراضِ العقليَّة، علمًا بأنَّ هذا الاختبارَ ينبغي أنْ يكونَ مُوَحَّدًا ومحوسبًا وتحت إشرافِ جهاتٍ ذاتِ مصداقيَّةٍ ومحلٍّ للثقة.
ثانيًا: مرحلة الدراسة:
(1) تُحدَّدُ ساعاتٌ معتمدةٌ للدراسةِ في مرحلتي الماجستير والدكتوراه على السواء، فلم يعدْ مقبولًا الالتحاقُ بنظام البحث فقط، وتكفي الدراسة لمدةِ سنةٍ واحدةٍ ممتدَّةٍ في كلِّ مرحلة، على أن تكون المقرَّراتُ مُتناغمةً مع الجديد في حقلِ التخصُّصِ المعرفيّ، وليس اجترارًا لِمَا دُرِسَ من قبل!
(2) تُحدِّد اللائحةُ لكلِّ برنامج عددًا من المواد الأساسيَّة في كلِّ تخصُّصٍ بتوصيفاتها، لا تقلُّ ساعاتها عن 70% من جملة الساعات المعتمدة، وتترك النسبة الباقية للموادِّ التي تقرِّرها بعضُ الجامعات دون غيرها، مثل القرآن الكريم في جامعة الأزهر مثلًا، ومواد الفلسفة الوطنيَّة التي تلزم بعضُ الدول كافَّةَ الطلابِ بدراستها.
(3) الحضورُ وجوبيٌّ في كافَّةِ الموادِّ الدراسيَّة، والطالبُ الذي لا يحضر بنسبة 70% يمنع من دخول الامتحان، فباب التعليم المفتوح والتعليم عن بُعْد يجبُ أنْ يوصدَ في مرحلة الدِّراسات العليا؛ لأنَّ التفاعل الحيّ بين الأساتذة والطلاب مطلبٌ ضروريٌّ، وقد شدَّدتْ عليه أدبيَّاتُ التلقِّي في تراثنا الشَّامخ.
ثالثًا: مرحلة إعداد الرسالة:
(1) يقتصرُ إصدارُ براءات التَّسجيلِ للموضوعِ على جهةٍ واحدةٍ يتقدَّم إليها الباحث، فتعطيه قائمةً بكلِّ بحثٍ تطرَّق لهذا الموضوع من قريبٍ أو بعيدٍ، على أن يتولَّى القسمُ المختصُّ تقييمَ مدى اختلاف الدراسة الجديدة عنها، وعلى أنْ يكتبَ الباحثُ فصلًا كاملًا عن الدِّراسات السابقة، تُلْزِمُ الجامعاتُ المحترمةُ به الباحثين تحت عنوان: (Literature review)، فقد ذهبتْ أسطورةُ الموضوعِ البِكْرِ الذي "يرتادُ حقلًا لم تطأه قَدمان، ويفترعُ أبكارًا لمْ يطمثهنَّ إنسٌ قبلي ولا جانّ"، على حدِّ تعبيري في رُبَّانِ الحداثةِ في مقدمة رسالتي للماجستير!
(2) يقتصرُ الإشرافُ والمناقشةُ في مرحلة الماجستير على الأساتذة المساعدين "المشاركين"، وفي مرحلة الدكتوراه على الأساتذة؛ فبعض الجامعات تسندُ مناقشة الماجستير إلى محاضرين لم يحصلوا على الدكتوراه بعد! وأمَّا الذين حصلوا على الأستاذيَّة الوهميَّة من جامعات "بير السلم" دون نتاجٍ علميٍّ ولا امتحانٍ، فليس لهم إلَّا يكونوا حصبَ جهنَّم!
(3) لا يسمحُ للأستاِذ بأنْ يتولَّى الإشرافَ على أكثر من خمس رسائل في الوقت نفسه؛ فقد حدَّثني أحدُ الزُّملاء أنَّه مشرفٌ على (42) رسالة، فقلتُ له: أنا أتميَّزُ غيظًا من أربعٍ؛ لأنَّني أقرأ كلَّ كلمةٍ، وأراجعُ الرسالة عدَّةَ مرَّاتٍ، فأنَّى يتسع وقتُكَ لهذا الجيشِ العرمرمِ؟!
رابعًا: مرحلة التقييم:
(1) تُفْحَصُ الرِّسالة قبل التقدُّم بها للتقييمِ من خلال أحدِ برامج كشف السرقاتِ العلميّة، على أن تتولَّى هذه المهمَّةَ جهةٌ موحَّدةٌ بها خبراتٌ احترافيَّةٌ، وبعيدةٌ عن الشُّبهات، كما تُفْحَص من حيث التزامها بالدليلِ المعتمدِ شكلًا ومضمونًا.
(2) لا يُكْتَفَى في التحكيم بمجرد التقارير كما هو حاصل في بعض الجامعات، وإنَّما لا بدَّ من مناقشةٍ، سواء عن طريق الحضور المباشر وهو الأصل، أو عن طريق أحد البرامج التفاعليَّة، مع استمرار التفاعل بين الطالب والممتحِنِ في مرحلة التَّصحيح.
(3) توحيدُ لائحةِ التقديراتِ، وأقترحُ العملَ بالنظام العالميِّ الذي يقصر التقديرات على خيارات خمسة: (ناجح دون تعديلات، ناجح بتعديلات بسيطة، ناجح بتعديلات جوهرية دون إعادة التقييم، ناجح بتعديلات جوهرية مع إعادة التقييم، راسب)، وذلك للقضاء على التقديرات الجزافيَّة، ومَحْق أسطورة: "التوصية بالطبع والتداول بين الجامعات"، التي يُصِرُّ عليها بعض الأساتذة؛ وتعطى جُزافًا مجاملةً للباحثِ أو للجنةِ الإشراف!
خامسًا: مرحلة ما بعد التقييم:
(1) يتعيَّنُ على الباحث في مرحلة الماجستير نشرُ مقالةٍ علميَّةٍ واحدةٍ في مجلَّة محكَّمةٍ، واثنتين في مرحلة الدكتوراه قبل اعتماد درجته، على أن تكونَ في مجال التخصُّص، ولا يتعيَّنُ أن تكون جزءًا من الأطروحةِ، ويمكن أن تكون بالاشتراك مع المشرف أو باحث آخر، شريطةَ ألا يزيدُ العدد على اثنين، فقد جاءتني بعضُ البحوثِ للتحكيم عليها سبعة أسماء!
(2) يُجْرَى اختبارٌ موحَّدٌ للقدراتِ مرَّةً ثانيةً بعد الحصول على الدرجة، على نحو ما يسمَّى بامتحان الزَّمالة بالنسبة لخرِّيجي كليَّات الطِّبِّ، وقد كانَ من قبل اختياريًّا، وبلغني أنَّه سيكونُ وجوبيًّا، وذلك لإيصادِ البابِ أمامَ مَنْ حصلوا على الشَّهادات عن طريق المجاملة أو السَّرقةِ أو بأقلامِ الآخرين.
(3) لا يقتصرُ الاختبارُ على التخصُّصاتِ الدَّقيقة، بل يشملُ الحقولَ المعرفيَّةَ العامَّةَ، فثمَّة اختبارٌ موحَّدٌ لكافَّة خرِّيجي برامج اللغة العربيَّة، وثانٍ لخرِّيجي كليات التربية، وثالث لخرِّيجي كليات الطبِّ على اختلاف تخصُّصاتهم، فلم يعدْ مقبولًا أن يكون المتخصِّصُ في الأدب والنقد ضعيفًا في النحو، أو المتخصِّصُ في التفسير جاهلًا بعلوم الحديث، أو المتخصِّصُ في الجراحة غافلًا عن الأمراضِ الباطنةِ.
وختامًا: فهذا مقترحٌ مبدئيٌّ من حصاد تجربتي المتواضِعةِ تدريسًا وإشرافًا وتقويمًا ومناقشةً، ولا شكَّ أنَّه في حاجة ماسَّةٍ إلى إثراءٍ من تجاربِ الآخرين:
فَالمَرْءُ مِرْآةٌ تُرْيهُ وَجْهَهُ *** وَيَرَى قَفَاهُ بِجَمْعِ مِرْآتَيْنِ
وما هدفي منه إلَّا أنْ تستعيدَ تلك الشَّهاداتُ جَلالَها وهيبَتَها، وأنْ تستردَّ الحياةُ الجامعيَّةُ حيويَّتَها ودورَها، وأنْ تعودَ ثقافةُ الكيف بدلًا من ثقافة الكمِّ التي تتبنَّاها بعضُ الجامعات، وأنْ ينحسرَ ذلك الطوفانُ الذي أهدرَ قيمةَ الجادِّينَ وسطَ غُثاءِ السَّاقطين، وأنْ يُقْضَى على تلك الكياناتِ الوهميَّةِ التي تجمعُ الفَشَلَةَ والمُرتزقةَ من سِقْطِ المَتاعِ، وأنْ تُغْلقَ تلك الدَّكاكينُ التي يقومُ فيها لُصُوصُ المعرفةِ بإعداد البحوث والرسائل بأثمان معروفة، وأنْ تتبنَّى الدولةُ ملاحقَتَها ملاحقةَ الإرهابيِّين أو تُجَّارِ المخدِّرات، فهي وربِّي أخطرُ وأقْتَلُ؛ لأنَّها تقومُ بتجريفِ العقول، وتشكِّلُ تهديدًا حقيقيًّا لمستقبل الأمة:
عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللهُ؛ إِنَّهُ *** لَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي خَلِيقَتِهِ أَمْرُ
إِذَا اشْتَدَّ عُسْرٌ فَارْجُ يُسْرًا؛ فَإِنَّهُ *** قَضَى اللهُ أَنَّ العُسْرَ يَتْبَعُهُ اليُسْرُ


* * *

نجز في بندر سري بجاوان – بروناي دار السلام
الجمعة، 7 ذو القعدة 1442هـ
الموافق 18 يونيو 2021م


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى