محمد الشحات محمد - ساقي المُلْهَمين والذات الشاعرة.. قراءة في مقال "أنا والكركديه ومحمود بيه!!" للكاتب والناقد عمرو الزيات

* اعترف الكاتب (الساخر) عمرو الزيات من أول كلمة في مقاله القصة، بقوله: (اُجبِرتُ)، فمن أجبره/أجبرته، وعلى أي شيء، وما علاقة ثلاثي العنوان (الكاتب والكركديه ومحمود بيه) بالساقي في النادي القاهري وحلاق القرية،
ولم وصف الساقي كاتبَنا الناقدَ "عمرو الزيات" بأنه (عَلم، أبيضاني، وذو شَعر خفيف)؟
قد يكون ذلك الوصف عينَ الزورِ -على حد قول الزيات الغارق في قراءة "صندوق الدنيا" لشيخه المازني- وقد يكون ردا مناسبا للسياق من الساقي على ما دار في ذهن الزيات، وظهر من عينيه التي لا ترى في الساقي إلا (الشعر الكثيف وطول القامة وأسنانه الغريبة وأذنيه) والوصف إياه (ساقي الحمير)، ورأى الساقي ذلك زورا؛ في حق دواخل الإنسان عموما، فكان رده من جنس العمل، ليلفت نظر الزيات، وما اعتبره زورا في حقه: (الشَعر الخفيف) قياسا على "لا يفل الحديد إلا الحديد"، وكذلك الزور بالزور،
وإذا كان المازني -من خلال كتابه وقصة حلاق القرية- شغل الزيات -بالقراءة- عن سارة التي تؤدي تمرين السباحة، رغم انتظاره انتهاء هذا التمرين، فقد خطف الساقي الزيات، وشغله عن المازني وقصته المصورة في كتاب، بقراءة قصة أخرى مصورة في صفحات الواقع، بل استدعى الساقي تفكير الزيات النقدي، وأغلى أمنياته (أن يكون محمودا)، ولم لا؟
كان الزيات (الساخر) حريصا على ألا يظن القارئ أن أحدا ما أجبره على الجلوس على مقهى النادي؛ فقد كان في انتظار ( سارة حتى تنتهي من تمرين السباحة)، ورغم حرصه هذا، فقد دل على من أجبره/أجبرته، خصوصا بعد قدر (كسر ذراع محمد)، وهل لأحد أن يختار أو يعترض على القدر؟
وهل تداعيات القدر، أو تبعاته تحمل قدرة القدر نفسه؛ فهي أقدار جديدة، ولا اعتراض عليها، مثل شعور الأبوة أو أمر الزوج (الزوجة) لزوجها، وغيره؟ وهل الهرب من القدر وتداعياته الأقدار لا يكون إلا بقدر جديد، ولو دفع هذا الجديد الٱخرين لتذهب بهم الظنون مثلا؟
رافق المازني كاتبنا الزيات وتلبسه، حتى أن معايشة الزيات لقصة (حلاق القرية) من كتاب (صندوق الدنيا) للمازني انعكست على تعامله وكتابته حول الساقي، فأطلق صراحة على الساقي لقب (ساقي الحمير)، والمازني نفسه لم يصرح بمثل ذلك حول الحلاق، إنما اكتفى -ساخرا- بالإشارة: (ويظهر أن معاشرةَ الحمير بلَّدت إحساسَه ..، فعجبتُ له لماذا يجيء إليَّ بكل أدوات الحمير؟)
للواقع الفصل في زمن الفعل ومكانه، وقد يتغير هذا الفصل/الحكم بإعادة قراءة الفعل/النص؛ فالتداعيات كثيرة، والاحتمالات أكثر، وقد كان "الخضر" معلما وملهما لكليم الله موسى، (ولا تذهبْ بنفسك الظنونُ)؛ إذْ مما يحمد للساقي أن جعل الزيات وهو (واهمٌ الوهمَ كلَّه) أن يعيش - ولو لحظات- بالاسم الذي كان يتمناه: (محمود)، وأسعد أذنيه بسماعه، في الوقت الذي كان يلمز الزيات أذني الساقي، بل منح الساقي كاتبنا الزيات -بكلمة واحدة- درجة (الباهوية)، ولم يخرج موسًى، أو يأمر بالهبوط، مثل حلاق قرية المازني، وكان أكثر حضورا، وصدقا ودربة في فن التعامل؛ ومما جاء على لسانه: "حضرتك عَلم ..، ولِمَ أجاملُ حضرتك؟! ، وأخبرَني الزميلُ ..، أشار تلك الناحية حيث تجلسون .."، في مقابل تبلد إحساس (حلاق القرية) في قوله: (تفضلْ .. ، اجلسْ على الأرض ..، ألا تريد أن تحلَق؟) ، وعندما سأله المازني: (ألا يمكن أن أحلقَ وأنا قاعدٌ على الكرسي؟) كان رد الحلاق مقتضبا حادا، رد من خلاله على السؤال بسؤال، يحيل القارئ سيميائيا إلى تعبيرات الوجه المتجهم وتهديد حركة اليد، حاملة (الموس) بكلمة (وأنا؟)
أما حديث الساقي، كان غير ذلك تماما؛ فكلمة "حضرتك" كلمة معروفة عن المصريين، يقولونها أدبيا للتعبير عن الرقي والاحترام، وكذلك في وصفه الزيات: "عَلم" للمدح، وليس التملق؛ فقد (أخبره زميل الوردية)، ثم كلمة "تجلسون" الجمع وهو يكلم المفرد توكيد المدح؛ لأنه يرى في شخص الزيات الذي يخاطبه ناقدا مثقفا (يقرأ في كتاب، ويتكلم بأسلوب راق، ويطرح التساؤلات، ..)، وأما قوله "أشار تلك الناحية" تظهر جليا ذكاء الساقي، فلم يحدد شخصا بعينه، إنما (تلك الناحية)، وهو بذلك أكد الذكاء، وحصن نفسه من اختيار الشخص الخطأ، وفي الوقت نفسه حصن زميله من أي اتهام، فالناحية صحيحة، بدليل (أن أحد (أعضاء) النادي وضع يدَه على كتف الساقي ..، قائلا: تعال هات الكركديه .. أنا محمود بيه).
لم يكن الساقي متجهما، باعتراف الكاتب "الزيات" نفسه: (قالها مبتسما وكأنه يعرفني من بعد خلق آدم – عليه السلام – بجيل أو جيلين على أقصى تقدير) ، اعتراف صريح بابتسامة الساقي، وإن جاء هذا الاعتراف بأسلوب الزيات الساخر، كما اعترف بأنه (اُجبِر) من أول كلمة في المقال، وأشار إلى من أجبره/أجبرته بسخريته المعتادة، وكذلك كان عضو النادي مبتسما: (أومأ (العضو) برأسه يهمس – مبتسمًا - في أُذُن هذا الساقي)، مما جعل الكاتب أن يبتسم هو الٱخر، وإن كانت ابتسامته للمازني: (التفت إليّ الساقي فوجدَني عدتُ إلى القراءة في صندوق الدنيا، وأبتسم للمازني)، وهنا الزيات يبتسم، وكان من قبل يعترف: (أضحك تارةً وأفغَر فمي أخرى) ما يدل على تفاعله مع الناس، والتأثر بهم، بعد أن كان يكابر ويتيه -عنيدا- بأنه يكرههم، رغم اعترافه بأنه مجبر، أو أجبر، فاعترف، ومن تلك المكابرة مثلا:
- (وهل افتتان الناس بهذا الكركديه يحمِلُني على حبه؟!
- لكنكً قلت: إنك لا تحب مَن يشربه، فهل تكره الناس جميعًا؟!
قلت: نعم.)
وكذلك "العند" في قوله: (جاء دورُنا لنحوّل دفة الحديث؛ وما كنا لنسمح لساقي الحمير هذا أن يغيّر مجرى الحديث كما يشاء ونحن نتبعه، ومتى كنا تابعين له أو لغيره من المشعوذين؟!)
وهنا لحظة تنوير أخرى؛ فالكاتب الذي يكره (الكركديه) يحب اسم (محمود)، لكن (الكركديه) مطلب محمود هذا، ونصيبه الذي لن يصيب أحدا غيره، وإن كان هذا (الغير) يطلب أن يكون هو نفسه صاحب النصيب، فعليه أن يقبل -إن لم يحب- بعض ما كان يرفضه، وهذا اللين من صفات من أراد أن يكون محمودا ..، وقد قبل الزيات الجلوس -بحب- والانتظار في مقهى النادي، رغم ما صرح به: (أضِيقُ بالناس ومجتمعاتِهم، وتلك سمةٌ أصيلةٌ وإن عمَّقها الديوانيون)، ورغم أن تلبسه المازني الديواني، إلا أنه انشغل عنه بالساقي، ولم يعد إلى شيخه بابتسامة إلا بعد أن تركه هذا الساقي، واتجه بمشروب (الكركديه) إلى طالبه الذي استقاه (محمود بيه) الحقيقي/الواقع.
ما يشير إلى أن الكاتب الناقد عمرو الزيات يرفض المتكبرين أو (الطاووسيين)، وحاملي حقيبة الدعاية لهم (المشعوذين)، بالإضافة إلى (الأنصاف أدعياء الأدب أحلاسِ الظلام سماسرةِ الثقافة)، ويقلبها رأسا على عقب، فلم يقبل "الكركديه" وهو مجرد رمز لمجرد أن من يتعاطونه/ يشربونه كثيرون، وبالمثل رفض أن يكون تابعا لحوار الساقي، وأدار هو الدفة، وقد يدفعه (العند) إلى قسوة، وإن غلفها بالسخرية؛ فهو يطعمها بأحكام، غالباً ما يستلهمها من واقع أبطال الحدث، بينما يكون لين الجانب مع من يلمس فيهم الحب والإخلاص، ويبادلهم حبا بحب وإخلاصا بإخلاص، وزيادة، فالعبرة في كلمة (اُجبِرتُ) التي استهل بها مقاله؛ وقد وصف الزيات صوت الساقي بأنه (صوتٌ عجيبٌ حقا يشبه صِياحَ الديكة)، ولم يشبهه مثلا بنهيق (الحمير)، وهو التشبيه المناسب مع ما أطلقه الزيات على الساقي (ساقي الحمير)، وبما يتوافق مع القصة الموازية (حلاق القرية) وتلميح "المازني" إلى ذلك، ويبدو أن الزيات الناقد العنيد قد أحب هذا الساقي، فلم تقبل الذات الشاعرة الإساءة للساقي، رغم أن الزيات كان يريد صراعا يوازي صراع المازني مع الحلاق، ولكن حبه للساقي جعله يبتسم للمازني قائلا: (ٱه يا مازني يا مجرم!)،
وفي الأثر أن من تداعيات صياح الديك أن يسأل الناس ربهم من فضله؛ لأن الديكة ترى ملاكا، فتصيح، بينما يكون نهيق الحمار إذا رأى شيطانا، فيتعوذ الناس بالله من الشياطين، ورغم رفض (الزيات الناقد) بعض الظاهر من الساقي، إلا أن الذات الشاعرة عند الزيات لم تر في جوهر هذا الساقي تكبرا، أو ادعاء، ولا أحد الذين لا تصلح معهم إلا اللغة الحادة من (الأنصاف أدعياء الأدب أحلاسِ الظلام سماسرةِ الثقافة)؛
فبرغم (الصلع) الموجود في رأس الزيات نفسه إلا أن الساقي - وهو يرى الزيات ويخاطبه وجها لوجه- لم يعرض فعلا بالزيات، وأكد على ما قاله زميله: "الشَعر الخفيف"، وكأن الساقي أدرك أنه يتحدث مع رجل مثقف ناقد، فقدم مراعاة الشعور على الشَعر، وألهم كاتبنا هذا النص الإبداعي، فكان جديرا بلقب "ساقي المُلْهَمين"،
وفي (الشَعر الخفيف) إسقاط على النسبية، ولا مطلق إلا الله، وهو ما ذكر به الساقي كاتبنا الزيات في الختام: إنا لله و إنا إليه راجعون،
وأحسب أن (الجِنة) التي تصورها الساقي -كما رأى الزيات في (أيقن)- ما هي إلا انعكاس لسحر الكتابة في أعماق الكاتب الناقد؛
هذا السحر الذي دفع الزيات لكتابة هذا النص النقدي الساحر الساخر من وحي الواقع وعمق الإبداع والذات الشاعرة.
..
...
وهذا هو نص مقال "أنا والكركديه ومحمود بيه!!" للصديق عمرو الزيات.
--
اُجبِرتُ - بعدما كُسِرَتْ ذراعُ ولدي محمد - على الذهاب للنادي مساء اليوم، ولا تذهبْ بنفسك الظنونُ أيها القارئ فتحسب – وأنتَ واهمٌ الوهمَ كلَّه – أن شخصا ما أجبرني على الذهاب، والحذَرَ كلَّ الحذر أن تكون متيقنًا أن زوجتي (زوجي) فعلَتْ ذلك!! كنتُ انتظر سارة حتى تنتهي من تمرين السباحة، وأنا لا أفعل ذلك كثيرًا؛ فأنا - وهذا حق - أضِيقُ بالناس ومجتمعاتِهم، وتلك سمةٌ أصيلةٌ وإن عمَّقها الديوانيون - رحمهم الله - في نفسي، كان رفيقي في رحلة الانتظار تلك كتابَ المازني (صندوق الدنيا)؛ فأستاذُنا المازني خيرُ ملاذٍ نلوذ إليه - بعد الله - من البشر وشرورِهم، كنتُ أطالعُ بعضَ مقالات الصندوق مستغرقًا مع المازني و(حلاق القرية)، أضحك تارةً وأفغَر فمي أخرى؛ وهكذا شأني مع شيوخي الراحلين؛ يظن من يراني أني أقرأ لهم؛ رغم أني أحَدِّثهم ويحدِّثونني. فجأةً قاطعَني أحدُهم ممن يطوفون حولي كأنني بيتُ الله العتيق، لا يعرفون من لغة الحوار إلا جملةً واحدة: ( تشرب إيه يا بيه؟! )
وعندما أكون بالنادي - رغم قلةِ ذهابي إليه - أُلقي بلساني ولغتي الحادة جانبًا قبل ولوجي إحدى بواباته؛ فلا ذنْب للدهماء إن نالَهم مني ما يكرهون، إن تلك اللغةَ الحادةَ - في رأينا - لا تصلح إلا لهؤلاء الأنصاف أدعياء الأدب أحلاسِ الظلام سماسرةِ الثقافة.
كان الصراعُ بين المازني وحلاقِ القرية ونشوةِ الحدث قد بلغا الذروة في تلك الفقرة من مقال حلاق القرية "ويظهر أن معاشرةَ الحمير بلَّدت إحساسَه فإنه لم يعتذر لي ولا عبِئَ بسؤالي شيئًا، ثم أخرج الموسى من طراز المقص و«مكنة» من هذا القبيل أيضًا، فعجبتُ له لماذا يجيء إليَّ بكل أدوات الحمير؟ وسألته عن ذلك فقال: إن الله مع الصابرين. وبعد أن أفرغ مِخلاتِه كلَّها انتقى أصغرَ الأدوات، وأصغرُها أكبرُ ما رأيتُ في حياتي. ثم أقبل عليَّ وقال: «تفضلْ.»
قلت: «ماذا تعني؟» قال: «اجلسْ على الأرض.» قلتُ: «ولماذا بالله؟» قال: «ألا تريد أن تحلَق؟» قلت: «ألا يمكن أن أحلقَ وأنا قاعدٌ على الكرسي؟» قال: «وأنا؟» قلت في سري: وأنت تذهب إلى جهنم ونعم المصير، وهبطتُ إلى الأرض كما أمر، ففتح موسًى كالمِبرَد، فقلت: «إن وجهي ليس حديدًا يا هذا»، قال: «لا تخفْ إن شاء الله»، ولكني خفتُ بإذن الله، ولا سيَّما حين شرع يقول: «باسم الله، الله أكبر»، كأنما كنتُ خروفًا، ويبصق في كفه ويشحذ الموسى على بطن راحته، ثم جذبَ رأسي، فذعرتُ ونفرتُ ووليتُ هاربًا إلى أقصى الغرفة "
قاطعَني الرجلُ (ساقي الحمير) بلغة العارف الواثق: الكركديه يا محمود بيه!! قالها مبتسما وكأنه يعرفني من بعد خلق آدم – عليه السلام – بجيل أو جيلين على أقصى تقدير.
سألت نفسي: كيف عرف هذا الرجل أني كنت أتمنى لو أُطلِقَ عليّ أبي - يرحمه الله - محمودا؟! وكيف عرف أني أكرهُ هذا الاسمَ الذي يدعونني الناسُ به منذ وُلدتُ وحتى أُبعَثُ حيَّا؟! ومَن الذي أخبره أني أضِيق بحَمل هذا الاسم؟! يذهب معي إلي العمل، ويصحبني في الطريق، ينام معي ويستيقظ متى استيقظت، متى يفارقني بلا عودة؟!
نظرتُ إليه فإذا به طويلُ القامةِ ذو شَعرٍ كثيف، يحسب نفسَه - رغم أسنانه الغريبة وأذنيه - من أكثر أهل الأرض وسامًة، له صوتٌ عجيبٌ حقا يشبه صِياحَ الديكة.
قلتُ له: ما هذا يا رجل؟!
فقال: الكركديه يا محمود بيه!
- أنا لم أطلب هذا المشروب، ولا أحبه ولا أحب من يشربه.
- كيف هذا يا محمود بيه؟! إن الناس جميعَهم يحبون الكركديه..
- وهل افتتان الناس بهذا الكركديه يحمِلُني على حبه؟!
- لكنكً قلت: إنك لا تحب مَن يشربه، فهل تكره الناس جميعًا؟!
قلت: نعم.
حار ساقي الحمير، ولم يَدرِ كيف يجيب، ويبدو أن الأمر كان أكبرَ من طاقته، أو أنه ظنَّ أن بي جِنةً، وخشي على نفسه فعاد إلى الكركديه: "طيب يا محمود بيه، ماذا أحضر لك غير الكركديه؟!"
جاء دورُنا لنحوّل دفة الحديث؛ وما كنا لنسمح لساقي الحمير هذا أن يغيّر مجرى الحديث كما يشاء ونحن نتبعه، ومتى كنا تابعين له أو لغيره من المشعوذين؟!
قلنا: مَن أخبرك باسمنا؟! قال مبتسمًا: حضرتك عَلم يا محمود بيه، قلت يا صديقي: لا تأخُذَنَّك المجاملةُ فتبالغَ في مدحنا، بيد أن ابتسامتنا قد خَدَعتْ الرجلَ فأسرع قائلًا: معاذَ الله، ولِمَ أجاملُ حضرتك؟!
قلنا: مَن أخبرك باسمنا يا رجل؟ قال: تبادلتُ مع زميل لي (الوردية) وأخبرَني الزميلُ أنكم طلبتم كركديه، قلنا له: وماذا قال زميلكم تحديدًا؟!
قال: عندما سألتُه لمن الكركديه؟؟ أشار تلك الناحية حيث تجلسون، ثم وصفكم لي، قلنا: نعم، وكيف وصفنا زميلكم يرحمكما الله؟! قال: مما ذكره من أوصافكم، "ستعرف محمود بيه (الأبيضاني ) ذا الشعر الخفيف، الذي يجلس وحيدًا.
قلنا غاضبين صائحين والناس تنظر إلينا: وكيف يتبجح ويلفق لنا أوصافًا بعيدةً عنا بُعدَ الأرض عن جوِّ السماء؟! صحيحٌ أني ذو بشرةٍ (بيضاءَ)، وصحيحٌ أيضًا أني أجلس وحيدًا؛ لكنَّ الكذبَ كلَّ الكذبِ، والزورَ عينَ الزورِ أن يقول عنا: (ذو شعر خفيف) كاد الرجل يسقط مغشيًا عليه؛ بيد أن أحد (أعضاء) النادي وضع يدَه على كتف ساقي الحمير قائلا: " تعال هات الكركديه على التربيزة بتاعتي "، نظر إليه الساقي واجمًا، أومأ (العضو) برأسه يهمس – مبتسمًا - في أُذُن هذا الساقي: أنا محمود بيه!
التفت إليّ الساقي فوجدَني عدتُ إلى القراءة في صندوق الدنيا، وأبتسم للمازني، وأقول: ( أه يا مازني يا مجرم!) فأيقنَ أنني ذو جِنة، وولَّى من أمامي يضربُ كفًا بكف، وهو يردِّدُ: لا حولَ ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى