لطيفة زهرة المخلوفي - شذرات في نقد توزيع الدور الاجتماعي

يحتل مفهوم الدور مكانة مركزية في الدرس السوسيولوجي؛ بحيث يمكن من فهم وتفكيك السلوك الاجتماعي للفرد انطلاقا من الدور المعد له سلفا.
وفي هذا السياق تشكل الأسرة "ميكروكوزم" اجتماعي microcosme social، وتناول تحليل شبكة العلاقات داخل هذه البنية يكشف أن تحديد الدور بين الأفراد هو صورة مصغرة للتوزيع العام داخل المجتمع بطابعه الغير متساوي، والذي ينطلق من تقسيمات جنسانية للوظائف المنوطة بكل من الرجل/الزوج والمرأة/ الزوجة ويشمل هذا التوزيع الأبناء كذلك من منطلقات كونهم مشاريع رجال ونساء.
إن القيمة المهيمنة داخل الأسرة تنزح نحو ربط المرأة بالفضاء الخاص؛ العمل الزراعي في المجال القروي، اضافة الى واجب خدمة الرجل وأعمال الرعاية المنزلية، وفي مقدمتها مهام الأمومة باعتبار العرف الاجتماعي يرى كينونة المرأة تتحقق بموجبها، ومن منطلقات المهام الطبيعية والقداسة العائلية وكذا مفاهيم التضحية يتم تبرير الطابع المجاني لكل هذه المهام الملقاة على عاتق النساء.
هذه الأعمال السالفة الذكر تدرج في دائرة اعادة الإنتاج باعتبارها فضاء لانتاج الحياة وديمومتها، وهو ما يجعلها مهمة وضرورية، وتستفيد منها الرأسمالية في مراكمة الأرباح كما تفعل في دائرة الإنتاج.
تغلب على المجتمعات التقليدية ايضا رؤية اعتبار وظيفة الزوج هي العمل خارج البيت والانفاق على الأسرة، لكن طبيعة تطور نمط ومتطلبات الحياة الاجتماعية أسهم بشكل جلي في فرض ضرورة خروج النساء لسوق الشغل وهو ما استفاد منه نمط الإنتاج الرأسمالي بالدرجة الأولى حيث تمكن من خفض تكلفة الانتاج باعتماده على جذب اليد العاملة النسائية الرخيصة، وتأنيث قطاعات عدة منها قطاع النسيج ووحدات التصبير ..الخ.
وارتباطا بعلاقة الأدوار، والتي نتعرف سماتها كعلاقات تبعية : تبعية المرأة للرجل، تبعية الأبناء للآباء، الأصغر للأكبر وهكذا... في اطار ما يسمى بالنظام الأبوي للأسرة كأول بنية تضطلع بمهام الضبط الإجتماعي واعادة انتاج قيم الثقافة السائدة بطابعها الرجعي المستلب.
ومن المفيد هنا أن نشير الى كون التغيرات الطارئة على بنية الأسرة بفعل خروج المرأة لسوق الشغل لم تغير من طابع المحافظة الذي ترعاه وتنتجه الأسرة؛ بحيث يستمر الخضوع لهذا الثابث بفعل التربية الاجتماعية والتي تجعل من الفرد ذو الأعضاء الجنسية الأنثوية امرأة سماتها السلبية والخضوع والقهر، بينما المذكر رجلا سماته الهيمنة والايجابية، ويتم الاستناد هنا الى سيرورة تبرير قوامها أن البيولوجي متحكم في الدور الاجتماعي.
إن التنشئة التي نتلقاها جميعا، ونحن النساء بشكل خاص، تجعل التقسيم الجنساني حاضرا ومؤطرا لسلوكاتنا الاجتماعية واختياراتنا، وكأنه الدور الطبيعي. والخروج عنه تم بمقتضى الضرورة، فعزوف المرأة عن الزواج والأمومة استرجال.
ومنه توضع المرأة العاملة أمام تحديات وهمية ذات طابع ذكوري يتصالح مع الطابع المجاني لمهام الرعاية دون قيد أو شرط، بحيث يفرض عليها الرضى التام ووجوب التوفيق بين العمل المنزلي والعمل المأجور وأي تقصير في مهام الرعاية المنزلية فهو مرفوض ويجعلها تحس بأنها أخلت بقانون الثابث مما يستوجب العودة لقوقعة الفضاء الخاص.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى