أ. د. عادل الأسطة - روايتان

نسيان com
نسيان com هو آخر كتب الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وهي أشهر من أن تعرف، على الرغم من أن الناشر – وهو دار الآداب – أورد ما يلي على غلاف الكتاب: صاحبة الثلاثية الشهيرة: ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير. اختارتها مجلة Forbes الأميركية بين النساء العشر الأكثر تأثيراً في العالم العربي والأولى في مجال الأدب. يتجاوز مبيعات كتبها مليونين وثلاثمائة ألف نسخة، احتلت المرتبة 49 بين أقوى 100 شخصية عربية حسب مجلة Arabian Business.
ولا أدري لماذا وضع الناشر على الغلاف – الى جانب العنوان واسم المؤلفة ودار النشر – ختماً فيه عبارة "يحظر بيعه للرجال". أتقصد الكاتبة من وراء ذلك تسويقه هي التي راجت كتبها؟ أم أنها حقاً تقصد المعنى الحرفي للعبارة؟ وما إن يدلف المرء إلى صفحات الكتاب الأولى حتى يلحظ أن الكاتبة تميز بين رجال ورجال، فلا يروق لها بعض هؤلاء، فيم تفخر بالرجال الرجال، وترى في الأخيرين نماذج تتطلع إليهم، إذ دونهم ما كان للحياة أن تستمر، فالنساء يلذن بهؤلاء حين تضيق بهن الدنيا وتحشرهن في الزاوية الأخيرة. وسيكون الرجال الرجال حاضرين حضوراً طاغياً في ذهن المؤلفة، وهي حين تقدم نصيحة الى امرأة ما تقول لها:
"أحبيه كما لم تحب امرأة/ وانسيه كما ينسى الرجال"، ما يعني أن أحلام تتعلم من الرجال شيئاً مهماً هو قدرتهم على النسيان، وسيكون هذا عنوان كتابها، بل إنها ستؤسس موقعاً على الإنترنت عنوانهwww.nessyane.com ، به تواجه امبريالية الذاكرة. والأطرف أيضاً أنها لا تتعلم من الرجال فقط، ولا تنكر حاجتها اليهم، هي التي كتبت عبارة: يحظر بيعه للرجال، الأطرف أنها في بلاغها رقم 1، خاطبت المذكر لا الأنثى: "إلى من يشاركني الرأي، ويود الانخراط في حزب جديد لا ذاكرة له"....... و: "ليخبر قارئ هذا الكتاب من لم يقرأه منكم". لماذا إذاً كتبت: يحظر بيعه للرجال؟ ألتشتريه امرأة ما وتهديه للرجل؟ ربما. وربما مستغانمي متأثرة بـ (بول دي مان): تقول الكتابة شيئاً وتقصد عكسه.
حين قرأت مقالاً عن الكتاب في الإنترنت قرأت عنوانه: نسيان ك. وظننت أن ك هو يوسف. ك أو من يشبهه في رواية (فرانز كافكا) الشهيرة: المحاكمة. ولكن الأمر مختلف، إذ يبدو أن المرأة هي الضحية هذه المرة، لا الرجل.
وربما ما يلفت النظر في الصفحات الأولى من كتاب مستغانمي الجديد العبارة التقليدية التي يوردها الناشر، بالاتفاق مع المؤلف، وهي: "جميع الحقوق محفوظة: لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب او اي جزء منه او تخزينه في نطاق استعادة المعلومات او نقله بأي شكل من الأشكال، دون إذن خطي من الناشر". إنها عبارة تحذير ثانية، فهل تقصد الكاتبة ما ورد فيها أم أنها ترى أنها عبارة لا تعني سوى عكسها؟
تهدي الكاتبة كتابها الى قراصنة كتبها، فهي لا تعرف أحداً انتظر إصداراً جديداً لها، كما انتظروه..، وهي – كما تقول – مدينة لهم بانتشارها، فلولاهم ما فاضت المكتبات بآلاف النسخ – المقلدة طبق الأصل – عن كتبها. فهل كان إهداؤها هذا محقاً؟، وهل كان انتشارها حقاً ومعرفة القراء بها عائداً إلى هذا أم أنه يعود الى رفعة أدبها؟ هل قصدت ما قالت؟
وسنجدها تضيف العبارة التالية:
"يسعدني أن يجد الكل في هذا الكتاب باب رزق" الله يجعلني غابة والناس حطابة" و"المجد للصوص.. جميعهم. هذا زمن الأيدي التي تنهب لا تلك التي تكتب".
ويبدو أن أحلام خبرت مأساة الكتاب العربي جيداً، فحقوق النشر، على ما يبدو، حبر على ورق، وتحذير الناشر غدا، لفرط تكراره، بلا معنى، أو أنه يعني العكس. كأنما يقول الناشر: اكتبوا ما شئتم، فلا أحد يقرأ. ومن يطبع كتاباً لن يربح وإنما سيخسر. وهذا ما يتم غالباً الا في حالات طبعاً هي الحالات التي تشبه حالة أحلام مستغانمي، مثل نزار قباني ومحمود درويش ومظفر النواب ونجيب محفوظ وأحمد مطر، فهؤلاء رائجون حيث لا يخسر ناشر من وراء طباعة أعمالهم.
وسنعود الى التحذير: يحظر بيعه للرجال. يرد في الإهداء أيضاً ما يلي: "ثم... الى صديقتي تلك،/ إلى نبل ترفعها أرفع هذا الكتاب،/ وإلى النساء اللواتي عقدن قرانهن على الانتظار،/ وإلى "الرجال الرجال" الذين بمجيئهم تتغير الأقدار".
هل تبدو الكاتبة ساخرة، بخاصة حين وضعت كلمتي: الرجال الرجال، بين مزدوجتين؟
أظن أن نسيان com يحتاج الى قراءة دقيقة لتبيان مغازي الكتابة والكاتبة ومراميها. أظن ذلك.

رغبات.. ذلك الخريف
"رغبات.. ذلك الخريف" (2010) هي آخر روايات الكاتبة ليلى الأطرش، الفلسطينية المتزوجة من أردني، الساحورية المقيمة الآن في عمان. وكانت ليلى أصدرت روايات عديدة أولاها "وتشرق غرباً"، تلتها "صهيل المسافات" و"امرأة للفصول الخمسة" و"ليلتان وظل امرأة" و"مرافئ الوهم". ومكان ولادتها ونشأتها ثم زواجها، ومكان إقامتها، وموضوعات رواياتها، هذه كلها مادة وفيرة تمكن الباحث والدارس من إثارة سؤال الهوية لليلى وأدبها. أهي فلسطينية أم أردنية أم عربية؟ وكل ذلك يحضر أيضاً في الرواية التي تتعدد أمكنتها: عمان وباريس وايوا، ويتعدد شخوصها: لاجئون فلسطينيون في الأردن، وأردنيون وسودانيون، وتتداخل أزمنتها وتمتد منذ النكبة حتى سقوط بغداد وإعدام صدام حسين. كل ذلك يحضر بأسلوب بانورامي وبلغة تقارب أحياناً كثيرة لغة الشعر، وبأسلوب سردي يذكر قارئ نجيب محفوظ برواياته الفلسفية: اللص والكلاب مثلاً. كأنك، وأنت تقرأ "رغبات.. ذلك الخريف" تقرأ نجيب محفوظ في رواياته الفضلى الناضجة فنياً. لكنك تتذكر أيضاً علاء الأسواني في روايتيه: "عمارة يعقوبيان" و"شيكاغو". تتذكر الأولى وأنت تتابع التغيرات التي طرأت على المكان وسكانه، على مدينة عمان بعامة، ومخيم الحسين بخاصة. وتستحضر، في أثناء متابعتك التغيرات التي ألمت بابن مخيم الحسين، وهو شخصية محورية في الرواية، تستحضر شخصية ابن حارس عمارة يعقوبيان، فقد تحول كل منهما من إنسان عادي محب للفتيات الى متدين يريد نشر الدين بالعنف. وتستحضر، في أثناء قراءتك عن قصة الحب بين الطالب العربي والطالبة العربية في مدينة (أيوا) الأميركية، تستحضر رواية شيكاغو وعلاقة شيماء بطارق وما آلت اليه. هل كانت روايتا الأسواني من قراءات ليلى الأطرش؟ سؤال يثيره المرء بعد أن يفرغ من قراءة "رغبات.. ذلك الخريف".
وربما تذكر المرء، وهو يقرأ مراسلات أحمد على "التشات"، ربما تذكر أيضاً رواية عزمي بشارة "حب في منطقة الظل" وما قام به بطلها عمر، فالمراسلة على "التشات" حاضرة حضوراً بارزاً هناك، كما أنها حاضرة في رواية "مدن لقلوب قلقة". عالم جديد تشكل على أرض الواقع يتشكل الآن في أرض الرواية، وبدا واضحاً في رواية رجاء الصانع "بنات الرياض". يحب أحمد لطيفة دون أن يلتقيا، ويتحادثان تشاتياً.
رواية "رغبات.. ذلك الخريف" ترصد الواقع الأردني منذ العام 1948، وتقارب موضوعات ربما لا يعرفها الرجال، ولا تعرفها الا امرأة، فتجيد الكتابة عنها وفيها، ما يفتح سؤال أدب المرأة على مصراعيه: هل هناك خصوصية لأدب المرأة؟ "رغبات.. ذلك الخريف" رواية تستحق أن تقرأ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى