صابر العبسي - لم لم تنتج الثورة التونسية شعراءها بمعنى هل بقي أولاد أحمد شاعر الثورة اليتيم؟ (عن الصحفية عواطف البلدي)

الثورة لا تنجب شعراء بل الشّعراء هم ينجبون الثّورة. هذا سؤال يصدر عن وعي سكوني أحادي شمولي عن وعي قبلي تقليدي إحيائي لا يخرج عن كون الأيديولوجي محددا أساسيا للشعر دونه لا يلقى حفاوة من قبل السلطة مما يحيلنا مباشرة إلى المفاضلات على نحو يرسخ مقولة الشاعر الأوحد والكاتب الأوحد والمفكر الأوحد... فلا مناص من إعادة الإنتاج لرؤية قصووية في اختزال التعدد والوفرة والتنوع إلى مؤتلف متشابه مستهلك ولاسيما أن الشعر بكافة أشكاله وتجلياته أي الشعر الحقيقي الأصيل لا ينتج بقدر ما يخلق، وإذا كنا إلى حدّ هذه اللحظة لا نملك حدا جامعا مانعا لماهيته فإننا نتفق على أنه إعادة تسمية للعالم وللأشياء وما دام هو كذلك فهو لا يعدو أن يقوم إلا بدور ثورة اللغة على ذاتها وعلى مواضعاتها أي إحدى أهم مميزات الشعر أن يكون انشقاقا وانفلاتا من عقال المحدد الما قبلي وخروجا عن الأعراف والمتعارف عليه المؤتلف إلى المجهول المتوحش والمختلف فالشعر لا يكون شعاراتيا ولا مناسباتيا وإن كان مضمونه قضية عادلة وما على الشاعر ألاّ يترك أدواته الشعرية جانبا كي لا يسقط ضحية الآني العرضي السياسوي الفج وكي لا يكون نسخة مشوهة لواقع كف أن يكون كذلك وفي هذا السياق لا أؤمن أن يكون الشعر خطابا تهويميا استمنائيا معتما مغلقا على ذاته فما أسهل على المرء أن يكتب ما لا يفهم على حد عبارة شوبنهاور فإنه لزاما عليه كذلك ألاّ يسقط في الشعاراتية السياسوية الفجة وألاّ يضيع في ما ليس منه وفي ما ليس من دوره. ههنا يمكن القول إنّ الشعر كالنبوة لا يورث وما من أحد يخلف أحدا وليس هناك شعراء ثورة وشعراء لا ثورة بل الشعر الأصيل لا يكون إلاّ ثوريا بالضرورة وأما شاعر الثورة بمفهومها السياسي الضيق ليس شاعرا أصلا أطلّ علينا أولاد أحمد ببيان شعري للثورة عن أي ثورة يمكن أن نتحدث دون نص، دون فكرة ونحن نثمّن فيه هذه القدرة على أن يتحول فجأة إلى جنرال جمالي يؤسّس ما سيسميه بالقيادة الشعرية قد سارع بذلك كما سارعت الأحزاب في محاولة الاستئثار بالحراك الجماهيري بما هو انتفاضة الهامش ناطقة رسمية باسمها وهو بذلك ينصّب نفسه بنفسه قائدا شعريا عبر منصات إعلامية هي الأخرى لم تكن في الحقيقة إلاّ أبواقا للسلطة لا غير فالشعراء لا يحتاجون إلى قيادة أو إمارة. إن ذلك كله يكشف مدى زيف وعي النخب في تمثّلاتها الواهية المسلْفنة إزاء الحداثة وإن رفعت شعاراتها عاليا على مستوى القول انتهكتها على مستوى الفعل والممارسة فلا شعراء للثورة بل ثمة ثورة شعراء على واقع جحيمي لا يطاق لأن أحد أدوار الشعر الخطيرة هو أن ينفخ الروح في الأشياء وإن كانت حطاما.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى