فيصل سليم التلاوي - إني أرى ما لا أريد.. شعر

سلمت يمينكِ يا ربـــــابْ إذ لوّحت خَللَ الضبابْ
سلمت عيونك تُمطر الأشواق في زمن الســـراب
فيَكُفُ رملٌ عن تَوَجُعِهِ وتخرج نبتها أرضٌ يباب
أربابُ قد ضاع الصبــــــا مني وفارقني الشـباب
ومضيتُ في الدرب الطـــــويل أدقُ بابًا إثر باب
كل المنافذ أوصـــــدت دوني وأنكرني الصِحاب
أربابُ قد حار الدليلُ وغاب في بحرٍ عُـــبــــاب
وطويت أشرعتي وما أمّلتُ من عيش لُبـــــــاب
ورضيت في سفري الطويل من الغنيمة بالإياب
ولجأت منكِ إليك، لا تتعجليني بالعتـــــــــــــاب
وعلى شواطئ مقلتيكِ أنخــتُ رحليَ والركــاب
وغرقت في اليمِّ الذي لا عَودَ منه ولا مـــــــآب
وعتا عليَّ الموج يغمرني، وليس سـوى الهِداب
خيطٌ ألـــــــــوذ به إذا ما الرمشُ أرخى أو أناب
آتٍ إليكِ يــهزني شـــــوقٌ ويُضنيني غيــــــاب
ومن الفراق يُمضُّني جـــرحٌ ويدميني خِضاب
ومن الزمان ذوائبٌ بيضُ النواصي يا ربــاب
فأنا أطلُ على الذي في هولـــهِ فصلُ الخطاب
وأنا أرى ما لا أريد وما أحـــــــاذر أو أهاب
إني أراني في ذهولي أذرع الأرض الخراب
وأنا أرى فيما أرى ويشِفُّ من خلف الحجاب
روعًــــا أنوءُ بحمله ويذيقني مُــــرّ المُصاب
إني أرى الخنساءَ عفـَّـر وجهها الدامي تُراب
لا مثل صخــرٍ في الرجال ولا تدانيه الرقاب
وأرى ابن روميٍّ تطيّـــــر ثم أدمن الاكتئاب
ويحنُّ مثل النوق ما أغفا دُجىً وهمى سحاب
أو كلما ناحـــــت حماماتٌ على غصنٍ بغاب
هيجنهُ فتقاطـــرت عيناهُ بالشجـــــن المُذاب
فإذا العصيُّ من الدموع غدا غزيرَ الانصباب
ولمحتُ طيف أبي فراسٍ عيَّ عن ردِّ الجواب
وعلى تخوم الروم أسرج خيلهُ وطــوى كتاب
ومضى وفي جنبيهِ أشواقٌ وأحلام ٌعِــــــذاب
ما غالها أسرٌ ولا موتٌ لهُ تُحنى الرقــــــاب
بل ظلّ في سمع الزمان وفي حكايا تُستطاب
" زينُ الشباب أبـــو فراسٍ لم يُمتّع بالشباب"
يا حسرةً تُدمي القلوب وتملأ الدنيا عـــذاب
كأسٌ يغًصُ الشاربون ولا مفرّ من الشراب
ويجيء قبل أوانهِ متصيدًا غضّ الإهــــاب
ويخلّف الثكل المُروّع والجراحات الرِغاب
وصدىً يُولول كلما ولَّى تأذن باقـتــــــراب
فإذا الشجيُّ بكل عصــرٍ للشجيّ له انتساب

فيصل سليم التلاوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى