ديوان الغائبين ديوان الغائبين : سيرغي يسينين Sergej Aleksandrovic Esenin - روسيا - 1895 - 1925.

سرگي ألكسندروڤتش يسنين (بالروسية: Серге́й Алекса́ндрович Есе́нин؛ بالإنگليزية: Sergei Yesenin؛ عاش 3 اكتوبر 1895 - 27 ديسمبر 1925) كان شاعراً غنائياً روسياً. أحد أكثر الشعراء الروس شهرة وشعبية في القرن العشرين. إلا أنه انتحر في عمر الثلاثين.
في عقد 1910

ولد سيرجي ألكساندروفيتش العام 1895 وانتحر اواخر العام 1925، ومع هذا كان لديه من الوقت ما كفاه لكـــتابة عدد كبير من النصوص الشعرية وغير الشعرية، بعدما نزح من الريف الذي ولد وترعرع فيه الى موسكو، حيث خاض النضال الســياسي وحقق دراسة جامعية متألقة جعلت أشعاره مليئة بالفولكلور الروسي. كذلك كان لديه من الوقت ما يكفيه ليتزوج أربع مرات متتالية، وأنجب أربعة أطفال، من ثلاث نسوة (اثنتان منهن كن زوجاته). ما جعل حياته مصدر إلهام لكثر من المؤلفين، وهي حياة صورتها التلفزة قبل سنوات من الآن في مسلسل روسي أثار اهتماماً كبيراً، معيداً ذكر الشاعر المتمرد إلى الواجهة.

لم يكن الشاعر والكاتب الروسي سرگي يسنين، المبدع او المثقف الوحيد في دياره الذي وضع بيده حدّاً لحياته خلال تلك السنوات الصعبة والمؤسية من تاريخ روسيا وقد تحوّلت قبل ذلك بسنوات الى اتحاد سوفياتي وصارت تحت عهدة ستالين وريث المؤسس لينين، إذ خلال النصف الثاني من سنوات العشرين، كثر الانتحار والاختفاء في اوساط شبان مبدعين كانوا هم اصلاً من أوائل الذين آمنوا، قبل ذلك بعقد من السنين بالثورة الروسية، آملين منها ومتوقعين لها ان تعمل على «خلق العالم من جديد» وعلى ان «تبعث» من داخل الأفئدة تلك النزعة الإنسانية التي كانت أزمان الحروب والاضطهاد قد دفنتها عميقاً. طبعاً ليس هنا المكان الذي تحلَّل فيه كل ضروب الأفكار والمشاعر والخيبات التي كانت وراء سلسلة انتحارات واختفاءات طاولت بعض اكبر الأسماء في عالم الفنون والآداب، والسياسة والقيم أيضاً خلال تلك السنوات... ولكن حسبنا ان نذكر اسماء مثل فلاديمير ماياكوفسكي، وسيرغاي يسينين ومايرهولد وترتياكوف... وغيرهم، حتى ندرك حجم الكارثة التي سبّبها مجيء ستالين وسياسته الديكتاتورية في بلد كان بالكاد عرف كيف ينهض من كوارث الصراعات ولهيب الثورة. وإذا كنا هنا نتوقف عند يسينين باعتباره الحال الأكثر نموذجية، فإن هذا الشاعر الشاب الذي انتحر وهو بالكاد بلغ الثلاثين من عمره، فعل مثل كثر من زملائه: لم ينتحر هكذا في شكل مباغت... ولم يسع حتى الى ان يجعل من امر انتحاره سرّاً عسيراً على التفسير، فهو، ببساطة وكما كانت حال الآخرين، كتب خلال السنوات الأخيرة من حياته نصّاً -كالعادة لم ينشر إلا بعد موته- روى فيه كل شي، ولم يرو انتحاره طبعاً ولم يتحدث عنه مباشرة، وإنما رسم للواقع الذي يعيشه في وطنه صورةً تفسِّر ما سيحدث. ولعلنا لن نكون بعيدين من الصواب هنا إن قلنا إن ما كتبه يسينين في ذلك النصّ أتى ذاتياً تماماً كما يجدر بنصّ لشاعر ان يكون، لكنه أتى في الوقت نفسه عامّاً، بحيث إنه يبدو حقاً قادراً على التعبير عن الحال العامة التي أشرنا اليها.

بالنسبة الى سرگي يسنين، تحمل وصيته الأدبية هذه عنواناً في منتهى الوضوح: «بلاد الأوباش». غير ان الأوباش في هذا النص ليسوا الحكومة التي كان شاعرنا معادياً لها، ولا رجال السلطة الظاهرين او السريين، فالشاعر ما كان ليجرؤ على إطلاق هذا الوصف على سادة البلاد... بل بالأحرى، ما كان يريد ان يعطي السادة الجدد هذا الشرف، فالأوباش بالنسبة إليه هم الآخرون: اللصوص الحقيقيون، قطاع الطرق... العابثون سرقة وفساداً في بلاد تعمّها الفوضى. والشاعر لا يقف ضد هؤلاء... بل ثمة في قصيدته ما يجعلنا نرى فيهم آخر الشعراء... وثمة زعيم من بينهم هو الأعتى والأقسى، وهو الذي ينطق باسم الشاعر نفسه، يعبر عن افكاره. يقول آماله الخائبة ويأسه المقيم.

كتب سرگي يسنين «بلاد الأوباش» (وتعرف أيضاً باسم «اعترافات أزعر» خلال العامين 1922 - 1923، اي حتى قبل موت لينين ووصول ستالين الى السلطة. ولكن في زمن كان من الواضح ان لينين لم يعد صاحب الكلمة الفصل في السياسة السوفياتية، وفي وقت كان الحسّ الثوري بدأ ينحدر لحساب مساع خرقاء لبناء دولة تهمل كل القيم التي كانت الثورة تنطحت لتحقيقها. وكانت تلك السنوات صعبة، ليس فقط على الصعيد الفكري او على صعيد الآمال الثورية.

بل كذلك على صعيد الحياة العامة للناس العاديين. وهذا العمل الشعري الطويل الذي اشتغل عليه يسينين طوال عامين، لم يكتمل ابداً... كما أن ما كتبه منه لم ينشر كله خلال حياته، بل كان على الشاعر ان يموت، وأن تنشر اعماله الكاملة في العام 1927 حتى ينشر ما أنجز من «بلاد الأوباش»، كاشفاً لمن كان لا يزال يتساءل عن دوافع انتحار الشاعر في العام 1925، عن بعض تلك الدوافع، او عن خلفياتها على الأقل.

في ذلك النص الشعري، اذاً، رسم يسينين صورة شديدة الضراوة والمرارة لمعظم سمات الحياة اليومية الروسية خلال تلك الحقبة التي تلت مباشرة الحربَ الأهلية بين «الحمر» و «البيض»... خلال تلك الحقبة لم يكن في وسع الحكومة بعدُ ان تمتلك من الإمكانات ما يخلّصها من ذلك «الشر المستطير» الذي يرافق عادة كل مرحلة انتقالية في كل امة... اي عمليات السرقة والنهب التي يمارسها محترفون ينتمون الى عصابات منظمة، وهؤلاء المحترفون هم الشخصيات الرئيسة في هذا النص الشعري. ويبدأ النص بحوار يدور بين مفوضَيْن من اهل الحكومة، احدهما هو تشيكتسوف، المفوض المكلف حفر خط سكة حديد في منطقة الأورال، والثاني زميل له. وغاية هذا الحوار هي ان يرسم لنا بقدر كبير من الواقعية والمرارة ذلك الوضع البائس اليائس الذي يعيشه الشعب، الذي هو اصلاً -بحسب الحوار- شعب كسول ورجعي الأفكار. وبعد مشهد الحوار التمهيدي هذا، يجعلنا الشاعر نشهد عملية نهب قطار، من طريق افراد عصابة قوية وشرسة يتزعمها اللص نوماخ، الذي سرعان ما يقدمه إلينا يسينين بصفته شاعراً ولصاً في الوقت نفسه. ويؤكد لنا الشاعر ان نوماخ هذا لا يمكنه ان يجد سبيلاً لحياته خلال تلك الحقبة الصعبة إلا عبر ركوب المخاطر. وفي مشهد تال، يطالعنا شرطي صيني هو ليسا-تشن، يأخذ على عاتقه مهمة مطاردة نوماخ، غير ان هذا سرعان ما يفلت منه بحيلة تثير الإعجاب. ثم سرعان ما نكتشف ان نوماخ، خارج اطار اعمال السرقة والنهب وقطع الطرقات، إنما يسعى الى تأسيس حركة مضادة للثورة تتألف من كل اولئك اليائسين الذين هم على غراره، لم يبق لهم إلا ان يجازفوا لاستعادة حياتهم وأوضاعهم. واللافت هنا هو ان يسينين لم يخترع شخصية نوماخ، بل هو استقاها من سمات و «مآثر» لص حقيقي كان واسع الشهرة ومطارداً من الجميع في ذلك الحين، ويعرف باسم ماخنو (وواضح ان يسينين جعل اسمه من الأحرف نفسها التي تشكل اسم اللص الأصلي، إنما مقلوبة).

وكان ماخنو هذا معروفاً بأفكاره المعادية للسوفيات، ومن المؤكد ان يسينين كان يعرف ماخنو هذا شخصياً... ولكنه رسم له في القصيدة صورة تجعله أشبه بأن يكون معبِّراً عن يسينين نفسه فكراً، وسمات، وتعبيراً... ذلك ان الأفكار التي يعبّر عنها نوماخ مشهداً بعد مشهد في القصيدة، ليست في الواقع سوى الأفكار نفسها التي كان يسينين يعبر عنها في ذلك الحين، واصلاً الى حد الكفر بأحلامه الثورية القديمة، ساعياً الى المساهمة في بناء فكر -وربما عمل ايضاً- معاد للثورة. والطريف ان يسينين جعل اللص يتكلم دائماً عبر استخدام صور شعرية ومجازات مدهشة، وعبر استخدام لغة راقية، ولا سيما حين يعالج في حديثه مواضيع كان يحلو ليسينين ان يعالجها في نصوصه الأخرى، مثل حب الطبيعة ونعي التآخي بين البشر والإيمان بالماضي... من هنا سيكون واضحاً ما ان تكشف هذه القصيدة ان اختيار يسينين للصٍّ-شاعر رجعيِّ التفكير بطلاً لهذه القصيدة، لم يكن عبثاً، بل كان محمَّلاً بشتى انواع المعاني والدلالات... ما جعل دارسي اعمال يسينين وحياته يعتبرون «بلاد الأوباش» وصيته السياسية ورسالة انتحارية.

أثره الثقافي

بالرغم من أن الدولة قد أقامت جنازة مهيبة له، إلا أن معظم كتاباته كانت محظورة من الكرملن أثناء حكم يوسف ستالين ونيكيتا خروشوڤ. وقد كان نقد نيكولاي بوخارين له سبباً في حظر أعماله. فقط في 1966 أعيد نشر معظم أعماله.

******

كان ابن فلاح وأنهى فقط المدرسة الدينية التي يتخرج منها المعلمون للعمل في المدارس الابتدائية.
عاش يسينين حياة قصيرة مليئة بالأحداث الدرامية فقد عاصر ثورتين وحربا عالمية حصدت الملايين من الأرواح البريئة وجلبت المآسي لمن بقي على قيد الحياة في ظل هذه الأحداث العارمة كتب الشاعر ملحمتين "روسيا تمتد" و"روسيا السوفييتية" وقد مد فيهما الشاعر يده إلى قرية كبيرة لم يعرفها من قبل. ولم يستطع الشاعر أن يجتاز وعيه القروي حتى النهاية.

يعود الشاعر إلى التاريخ ومصير الفلاح الروسي محاولا فهم ما تحمله الثورة لهم فكتب ملحمته الشهيرة "بوجاتشوف" وفيها يتفجر سؤال مؤلم: هل ستحمل الثورة مأساة جديدة للشعب كما جرى في ثورة بوجاتشوف؟ وعندما قرأ بوجاتشوف أمام غوركي قال الأخير: جعلني اضطرب حتى التشنج وغصت حنجرتي بالبكاء. ومر الشاعر بأيام مرة وشك وتأرجح وعدم ثقة بالمستقبل فقد انتابته الأحزان والأفكار الكئيبة من جراء الحرب الأهلية التي دامت سنوات وكذلك الدمار الذي لحق بالبلاد ويتساءل الشاعر: "إلى أين يحملنا قدر الأحداث"؟

ملحمته الشعرية "آنا سينجينا" من أضخم الأعمال الفنية وتقوم على أساس غنائي، الحب الأول لابن فلاح عشق شابة جميلة من فئة الأغنياء ولكن هذا التصادم بين المحبوبين يجري على قاعدة الحياة الشعبية الواسعة وصبغ هذه الملحمة بمشاكل اجتماعية حادة استقبلها معاصروه بدهشة وإعجاب.

وصلت إلى روسيا بعد الثورة مباشرة الراقصة الأمريكية ايزدورا دونكان ويقال إنها كانت معجبة برومانسية الثورة من شدة إعجابها قررت البقاء وتأسيس مدرسة للرقص. وقع يسينين الشاب في اسر ذكائها وموهبتها ومظهرها المتطرف. فتزوجا وخرجا في جولة حول العالم وخلال عام ونصف زارا ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وبعد عودته راح ينظر إليه بعين الشك والريبة على الرغم من تصريحاته تغيرت آرائي في وطني بعد زيارتي لأمريكا وهذه الرحلة "زادتني حبا لوطني" وقبل مصرعه التراجيدي في ظروف غامضة كان قد أدمن الخمر وارتياد أماكن اللهو.

عاش يسينين حياة قصيرة، ثلاثون عاما ولكنه ترك إرثا شعريا غنيا منحه الخلود. إن شعره قريب لكل من يقرأه بغض النظر عن قوميته فقبل مصرعه صدرت أشعاره المترجمة في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وفي عدد من البلدان الأوروبية وقد ترجمت أعماله إلى 32 لغة.

* روسيا

أمازلت على قيد الحياة يا عجوزتي؟
و أنا مازلت حياً. سلام إليك. سلام
ليتدفق فوق بيتك الريفي
ذلك النور المسائي المحال وصفه
.
يكتبون إلى أنك تخفين قلقك
و أنك شديدة الحزن علي
وأنك غالباً ما تسيرين في الطريق
معطفك البالي ذي الزي القديم.
غالباً ما يترآى لك شيء واحد
في عتمة المساء الزرقاء
تتصورين امرأ غمد مدية في قلبي
أبان شجار في الحانة.

لاشيء من هذا، يا عزيزتي، اطمئني
انه مجرد هذيان مضنٍ .
فما أنا بالسكير المدمن لدرجة
أموت ولا أراك.

___________

من كتاب (من ديوان الشعر الروسي)
ترجمة د. حياة شرارة- المؤسسة العربية للدراسات و النشر-1983

***

ينسج الفجر أشعته الوردية على البحيرة

ينسج الفجر أشعته الوردية على البحيرة
ويبكي القطا بترنم في غابة الصنوبر
وفي مكان ما تبكي صفارية من أعماق جوفها
وحدي لا ابكي، فروحي مضاءة
اعلم، تخرجين عند المساء إلى ما وراء الطريق
ونجلس على كومة من حشيش غضه تحت كومة الجيران
وأغار بالقبل حتى السكر واذبل كالورد
وانتشي من الفرح بدون كلام
أنت بنفسك رميت ثوب عرسك الحريري وحملته أنا
السكران حتى الصباح بين الأشجار
دع القطا يبكي بترنم
فهناك كآبة مفرحة في الفجر الوردي

*

ترجمة: فؤاد العلوش



سيرغي يسينين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى