سهيل خليل - الفقر والإبداع

قال الفنان « فان كوخ » في رسالة إلى شقيقه « ثيو» : يا ثيو أن الفقر يمنع بزوغ الروح , وقال ايضاً : يجب أن أرسم , ولكن الخبز أكثر أهمية , أرجو أن ترسل لي خمسين فرنكاً , والفنان الروسي نيكولاي بيرسمالي شيغللي « كان يسرق واقيات الحوانيت التنكية كي يرسم عليها , وكان مضمون لوحاته اللحم المشوي والخضار والفواكه , لأنه كان جائعاً , ولي صديق فنان كان يعيش تحت درج إحدى البنايات وكان المكان يتسع لسرير عسكري وكرسي وبابور كاز , وهذا الفنان يعيش اليوم في النمسا لوحاته تباع بآلاف الدولارات , ومنذ سنوات أقام أحد الفنانين معرضاً للوحاته , واشتريت منه لوحة , وعندما دفعت له ثمنها بدأ يبكي , وسألته عن سر بكائه فقال : هي اللوحة الوحيدة التي بعتها وأذكر تشايكو فسكي الذي عانى من وضع مادي سيء , وكانت هناك الأميرة « ناديا فون ميك » التي تبعث له كل فترة مبلغاً من المال كي يكتب لها لحناً , كانت تطلب لحناً كي لا تجرح مشاعره واسأل الروح قائلاً : لماذا كتبت على فئة من المبدعين الفقر والحاجة والحرمان , في الوقت الذي يعيش فيه الكثير من اللصوص في بحبوحة وراحة بال ?
هل تذكرون الشاعر الرائع سليمان عواد الذي كان يسكن في قبو رطب وبارد , ولي صديق شاعر يكتب أجمل الأشعار كان يسكن في غرفة لا يزيد ارتفاعها عن المترين وكانت رائحة مجرور البناء تملأ فضاء الغرفة , ورغم ذلك لم يكن يشكو , وأحد شعراء اللاذقية كان يسكن في غرفة صغيرة , وقد أطلق عليها اسم « قاعة المتنبي » وشاعر كبير يعيش في اللاذقية في بيت لا يدخله الضوء ورغم ذلك فهو ضاحك أبداً , ولي صديق يعيش في بيت صغير ويدفع أجره ثلاثة آلاف ليرة شهرياً , وقد سألته كيف يعيش فهز رأسه بأسى وقال : أعيش على البرغل والزيتون والبصل , أما اللحمة فنشم رائحتها من عند الجيران , وفي قريتنا كانت هناك عائلتان الأولى عائلة غنية والثانية عائلة فقيرة كان ابناء العائلة الغنية صفر الوجوه نحيلي الأجساد , بينما ابناء العائلة الفقيرة فكانوا يتمتعون بصحة رائعة , قال لي رب العائلة الغنية : أنا أطعم أولادي أفضل أنواع الطعام , اولادي هزيلون بينما ابناء جاري الفقير يسمنون وكأن الطعام الجيد يذهب إليهم , قلت في سري : انها عدالة السماء .. وأذكر الان قريتنا منذ خمسين عاماً , يوم كان طعام الجميع موحداً , وذلك حسب أسعار الخضار , فكانت الكوسا عندما تباع بـ « الكوم » طعاماً للجميع : محاشي كوسا , كوسا مقلية , برغل بالكوسا , كوسا بالبصل والبندورة , وكوسا بالكوسا , وصدقوني أن تلك الأيام كانت أكثر جمالاً رغم الفقر الذي كنا نعيش .. وكل موسم كوسا وأنتم بخير ..!
الأحد 6 / 8 / 2006



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى