أمل الكردفاني- استقلال القضاء أم توازنه..الأكذوبة

في الولايات المتحدة يقوم الرئيس بترشيح القضاة الفدراليين ثم يصدق مجلس الشيوخ على ذلك، وتتوزع مقاعد القضاء بتعيينات من الجمهوريين والدموقراطيين، بحسب الفائز في الانتخابات الرئاسية. يعني ذلك أن عليك أن تتوقع انتماءً سياسياً للقضاة كل بحسب الحزب الذي عينه في القضاء. تمثل مشكلة تعيين القضاة ورئيس القضاء أزمة في الانظمة الدستورية، إذ في نهاية الامر لا بد أن يكون هناك حضور وتأثير للسلطة التنفيذية في تعيينات القضاة. وبالتالي تمثل فكرة الاستقلالية فكرة مثالية لا يمكن بلوغها.
تعيين القضاة عموماً يتم بأحد ثلاثة طرق شائعة:
١- التعيين بواسطة السلطة السياسية.
٢- بواسطة القضاء نفسه.
٣- التعيين بواسطة مجلس قضائي قد يتضمن عناصر غير قضائية.
٤- بالانتخاب.
(USs institute of peace, Judicial appoinments and judicial independence,2009)
لقد اثبتت الطرق الأربعة فشلها، ولكن لا بد مما ليس منه بد. إذ أن استقلال القضاء المطلق يعني أن يتم تعيين القضاة من السماء وهذا غير ممكن. لذلك ليس من المستغرب أن يتم إلغاء قرار يصدره رئيس جمهوري من قبل قاضي ديموقراطي أو العكس.
إن فكرة (الإستقلال) نفسها تحتاج لنقاش فلسفي لتحديد معنى الاستقلال، فالاستقلال قد يتضمن الاستقلال عن السلطة التنفيذية أو الاستقلال عن الآيدولوجيا أو الاستقلال حتى عن التراتبية داخل السلطة القضائية. لكننا من المفترض أن نحاول وضع تحديد أكثر منطقية لما يسمى بالاستقلال. فالاستقلال يمكن أن يكون موضوعياً وليس بالضرورة أن يكون بنيوياً. هذه لغة فلسفية عالية جداً، فالاستقلال البنيوي يعني بالضرورة استقلالاً موضوعياً، ولكن العكس ليس صحيح. ولكن إذا كان الاستقلال البنيوي مستحيلاً فلا مناص من البحث عن معايير موضوعية داخل العمل القضائي نفسه ليكون مستقلاً. لكننا هنا سنصطدم بأن قريحة الإنسان تستطيع أن تتحايل على تلك المعايير الموضوعية، والإلتفاف حولها. إن القاضي يستطيع أن يثبت أنَّ الباطل حق وأن الحق باطل باستخدام مشكلة تاريخية وهي تأويل النص والوقائع، وكم قابلنا ذلك في الأحكام القضائية الباتة حيث تحسم النزاعات حول الحقوق كيفما اتفقت عليه نزعات القاضي وهواه.
كل ما يتعلق بكلمة استقلال تمثل طرحاً سياسياً في الغالب، ولا يقصد به تحقيق الاستقلال على وجه تأميني وتحوطي حقيقي. لأن السياسيين في الغالب لا يفعلون ذلك. قبل أيام وقعت أوروبا عقوبات على تركيا بسبب قرارات قضائية مددت حبس معارض تركي. هذا يعني أن لا تركيا ولا أوروبا يؤمنان باستقلال القضاء. فسواء كان القضاء التركي نزيهاً أم لا فهذا شيء يعتمد على تقييمات سياسية. هناك آلاف من رسائل الماجستير والدكتوراه عن استقلال القضاء، لكنها غالباً لم تجترح رؤية فلسفية ذات قيمة حول معنى الاستقلال.
لماذا؟
ببساطة لأن الأكذوبة لا يمكن أن تصبح حقيقة، فهناك حدود حتى للكذب.
إن كل المبادئ ذات الطابع المثالي تم تحطيمها، كما تحدثنا من قبل عن مبدأ البراءة، وحصانة الملكية الخاصة، وعدم إجبار الشخص على الإدلاء بشهادة ضد نفسه..الخ. لذلك فهناك انقسام بين من يطالبون باحترام الأصول (السلفية القانونية)، وهناك من يطالبون بالتوازن. غير أن كليهما لا يريدان الإعتراف بالحقيقة وهي أن من يحكمنا ليس المبادئ، بل الصراع ومنطق القوة. إنهم يرفضون كل آراء هوبز، وخاصة ذلك الراي حول ضرورة التنازل المطلق من الشعب للملك عن حريتهم.
لكنه ما يحدث بالفعل..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى