سعيد كنيش - شعوب أمريكا الجنوبية تتحرر

ثلاثة تحديات باتت تواجه أمريكا اليوم فيما تسميه "حديقتها الخلفية" بموجب نظام العدوان والنهب و الاستغلال التاريخي الذي أقامته الولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية منذ القرن 18 بعد أن تمكنت من هزيمة وطرد القوى الاستعمارية الكلاسيكية اسبانيا وبريطانيا تم فرنسا. نعم أقول تحديات في خاصرتها التي تؤلمها أكثر؛ في الوقت الذي تتهاوى بتواتر قبضتها العسكرية والاقتصادية والثقافية في عدة مناطق من العالم التي عمرت منذ 1991 .
التحدي الأول بدأ يطل من البرازيل عملاق أمريكا الجنوبية ومفتاح التغييرات التحررية لصالح شعوبها، الشديدة الاهمية والخطورة على مصالح usa، وذلك من خلال عودة حكم حزب العمال البرازيلي بقيادة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية القادمة . فبعد مرحلة "الانقلاب الدستوري" على حكومة الرئيسة الشرعية سنة 2015 من طرف إدارة أوباما التي هلل لمجيئها اليسار المتأمرك أنبياء "الثورات الملونة" و "الربيع العربي" عندنا. هذه المرحلة السوداء على الشعب البرازيلي الذي تسببت في صعود حكومة يمينية وعنصرية دفعت سياساتها إلى إقفال مئات الشركات وطرد عشرات آلاف من العمال والموظفين، وتدمير الشركات الحكومية، وعلى رأسها شركة «بتروبراس» النفطية الحكومية تمهيدا لخوصصتها، وبنك البرازيل، والصندوق الاقتصادي الفيدرالي الذي يحمل أعباء العديد من البرامج الاجتماعية، خاصة في مجالَي الإسكان والاستثمارات المحدودة للطبقات الفقيرة. لقد أنتجت حكومة "جايير بولسنارو" صنيعة usa دماراً هائلاً في بُنية البرازيل الاقتصادية وعلاقاتها الخارجية، فضلاً عن السياسات الصحّية الكارثية التي انتهجتها وأودت بحياة 630 ألف ضحية خلال تفشّي وباء «كورونا». لقد تهاوى الاقتصاد البرازيلي في فترة وجيزة بعد أن كان في عهد حكومة حزب العمال سادس اقتصاد عالمي.
لقد واجهت إدارة بايدن الحالية هذا التحدي بالرهان والاستثمار في القاضي السابق، سيرجيو مورو لمواجهة احتمال العودة القوية للويس إيناسيو لولا مرشح حزب العمال البرازيلي. القاضي المذكور هو وزير العدل السابق وقاضي التحقيق الذي لفّق ملفّ الفساد ضدّ لولا دا سيلفا، و صاحب الفضيحة المدوية حاليا بتلقي رشاوي أثناء قيادته حملة لمكافحة الفساد في البلاد مع اعترافه ( حاميها حراميها ) ويخضع الان للتحقيق إثر طلب المدّعي العام الفيدرالي، لوكاس فورتادو، تجميد حساباته المالية والكشف عن كامل حساباته الداخلية والخارجية، يعني أن مرشح أمريكا سقط بالضربة القاضية قبل بدأ الانتخابات الرئاسية.
التحدي الثاني أطل من كولومبيا ، "دولة إسرائيل" كما تسمى في أمريكا الجنوبية. فقد أتت الخطوة الأولى بعد تفوّق مرشح اليسار الكولمبي "غوستافو بيترو" للمرّة الأولى في تاريخ كولومبيا، وذلك في الانتخابات التشريعية بتاريخ 13 مارس الجاري بنسبة 80% .أما إجراء الانتخابات الرئاسية الكولومبية فسوف تكون في 29 مايو ، وفي حالة عدم الحسم في الدور الأول، فإجراء الجولة التانية من الانتخابات الرئاسية الكولومبية فسوف سكون في 29 غشت. مرشح اليسار للانتخابات الرئاسية هو "غوستافو بيترو" القائد السابق في مجموعة M19 منذ سنة 1977 ، تعرض للاعتقال والسجن. وهو حاليا خبير اقتصادي وعضو مجلس الشيوخ ورئيس بلدية العاصمة بوغوتا. وتصفه الدوائر الامريكية بأنه اشتراكي وارهابي. إدارة بايدن حتى الان لا تعرف كيف تتصرف وسط انقسام أحزاب اليمين الحاكم وانهيار الاقتصاد والامن في البلاد بعد تفشي الاحتجاجات الشعبية والاغتيالات. كولومبيا هي حاجة استراتيجية لامريكا وتعتبر البوابة الاساسية لأمركا الجنوبية والجارة لألد أعداء أمريكا التي هي فنزويلا.
التحدي الثالث هي فنزويلا المحاصرة من طرف USA ، التي تعتبر خامس احتياطي في العالم من حيث البترول ، و تأني بلد من احتياط الذهب. وبعد الزيارة التي قامت بها البعثة الرسمية USA لكراكاس في 05 مارس الجاري ولقائها بالرئيس المنتخب والشرعي نيكولاس مادورو لحكومة فنزويلا البوليفارية الاشتراكية، وهو ما يعد اعترافا فاضحا لأمريكا ودول الاتحاد الاوربي وكندا وباقي الزمرة وتخليها عن عميلها غوايدو بسرعة. موضوع الزيارة كما هو معلوم هو بترول فنزويلا بعد أزمة الطاقة العالمية بسبب حزمة العقوبات المطبقة على روسيا والتهديد بها على الصين. حكومة فنزويلا لم تقم بالاعتداء على أمريكا حتى تحاصرها وتجوع شعبها وتصادر مخزونها المالي في الأبناك الاجنبية، لذلك فإن فنزويلا محقة في تقديم طلب بالإلغاء الفوري لجميع العقوبات التي فرضت عليها بسبب اعتبارها حكومة غير شرعية مع التعويض وجبر جميع الاضرار التي تسببت فيها الولايات المتحدة وحلفائه سواء في القتل والتخريب الاقتصادي وسرقة مدخرات الشعب الفنزويلي وصادرتها من 2016 إلى اليوم. أما بيع النفط لأمريكا فيخضع للشروط التجارية بين بلد مستقل ودو سيادة كاملة كما هو محدد في دستور فنزويلا البوليفارية الاشتراكية وأن الثمن فتحدده المعركة الدائرة بين حلف أمريكا وروسيا فوق أوكرانيا ولا أشك أن الرئيس بوتين هو من يملك الكلمة الأخيرة. فهنيئا لشعب فنزويلا ولحكومته.
أختم هذا المقال بعجالة لأقول لهؤلاء المعتوهين الذين ما انفكوا يثرثرون باسم الماركسية عن "حرب الامبرياليات" ليداروا عجزهم وجهلهم المركب، أن عالما جديدا بدأ يبزغ متعدد القطبية يفتح الطريق لموجة جديدة من تحرر شعوب الجنوب في مواجهة أمريكا وحلفائها.

سعيد كنيش في تمارة بتاريخ 2022/03/22

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى