أمل الكردفاني- البحث عن الذهب- مسرحية من مشهد واحد

الشخصيات
شاور
مربوس
مجموعة راقصين

المسرح: قفر..في المنتصف علامة خشبية مكتوب عليها: م٥/ب١
يجلس تحتها شاور ومربوس: كلاهما معفران بالتراب وأجسادهما عارية الصدر، يرتديان قبعات قش وقربهما معاول وجردل ونحاسات استشعار يدوية


شاور : كنت أقلب الصحف يومياً بحثاً عن وظيفة.. ثم ينتهي بي الأمر للخروج من المنزل والجلوس في المقهى..
مربوس: يبدو أنك لم تجد ما يوافق مؤهلاتك؟
شاور: بل على العكس وهذا ما يصيبني بالإكتآب.. كنت آمل أن أفتح الصحف فلا أجد وظيفة تناسبني..
مربوس- ولماذا؟
شاور- حتى لا أشعر بأنني أنا المقصر؟
مربوس- ولماذا لا تعمل؟
شاور- وهذا هو السؤال الذي لم أجد له إجابة مقنعة للآخرين.. ولكن ماذا أقول.. إنني في الواقع جربت العمل ولكنني كنت أشعر بأنني متعب جداً.. لذلك كنت أتركه بعد وقت قصير.. لم أخلق موظفاً..
مربوس: كان علينا أن نشتري أجهزة كشف معادن حقيقية..
شاور: أنت لا تؤمن بسيخ النحاس؟
مربوس: ليس عندما يتعلق الأمر ببذل مجهود خارق كما نفعل..
شاور: لا تتعجل..
مربوس: نحن ننفق أموالاً طائلة على بقائنا هنا دون جدوى..
شاور: ضربة حظ واحدة ستنسيك كل الماضي..
مربوس: ضربة حظ (يتأوه)..
شاور: هذا أفضل من الوظيفة الرتيبة.. نحن نحيا هنا على أمل.. هل يملك الموظف هذه الميزة؟
مربوس: الموظف؟!
شاور: نعم..
مربوس: كان خالي موظفاً...
شاور: ووالدك؟
مربوس: لا أعرفه..
شاور: آه.. المسألة معقدة بعض الشيء..
مربوس: أي مسألة؟
شاور: من نحن؟
مربوس: المسألة معقدة بعض الشيء بالفعل..
شاور: إنني لا أحب الحديث عن النجاح والفشل.. المسألة ضربة حظ.. لاحظ هؤلاء الذين تُحكى قصص نجاحهم.. المسألة كانت دوماً ضربة حظ..
مربوس: هذا يعتمد على مفهوم كل شخص للنجاح..
شاور: والفشل..
مربوس: ربما..فبين النجاح والفشل هناك اللا نجاح واللا فشل..
شاور: كالموظف تماماً..
مربوس: المسألة تتعلق بالتعقب.. روح التعقب.. إنني أتحرك إلى الأمام.. أتعقب شيئاً ما.. حلماً ما.. هل هذا هو النجاح أم أن النجاح هو أن أصل بالفعل..
شاور: المسألة معقدة قليلاُ..(ينهض ويحمل المعول، يبتعد قليلاً، يسند كفيه إلى رأس ذراع المعول الخشبية، يلتفت إلى اليسار ويتأمل الأفق..) م٥/ب١.. ماذا تعني هذي؟
مربوس: مربع خمسة بئر واحد..
شاور: هل نحن وحدنا في هذا المربع؟
مربوس: أعتقد ذلك..
شاور: لماذا؟
مربوس: لا أعرف..
شاور: دوناً عن مربعات التعدين التقليدية..يبدو هذا المربع خالياً.. خالياً تماماً..
مربوس: ربما لأنه غير مدرج في تخطيط الحكومة..
شاور: ماذا تقصد؟
مربوس: أقصد بأنني أنا من اخترت هذا المكان الذي لا يتبع لملكية الحكومة..
شاور: ولكن اللافتة..
مربوس: أنا من صنعتها حتى لا يتدخل أحد في أعمالنا..
شاور: ولكن.. كيف عرفت أن هنا يوجد ذهب؟
مربوس: وكيف لي أن أعرف قبل أن أنقب عنه..
شاور: يا إلهي.. تعرف عندما تعلن الحكومة عن وجود ذهب في منطقة ما..
مربوس: وهل الحكومة تفعل ذلك؟
شاور: نعم..
مربوس: ولكن عندما تكتشف الحكومة الذهب فإنها تمنح أفضل المناطق لأصحاب النفوذ وتترك لنا الفُتات..
شاور: هذا أفضل من التنقيب في أرض لا نعرف عنها شيئاً..
مربوس: سنعرف..
شاور: مضى أسبوعان ولم نعرف شيئا.. ربما.. ربما عرفنا بأنه لا يوجد ذهب هنا..
مربوس: لا تتعجل..
شاور: إنني لا أفضل الأمل الذي لا يستند إلى وقائع..
مربوس: هل تريد المغادرة..
شاور: لا أعرف..
مربوس: يمكنك العودة لتصفح الجرائد وإيجاد وظيفة..
شاور: لا..
مربوس: لا.. نعم لا.. لا شيء يستحق خسارة هذه المغامرة..
شاور: غامرت بكل ما أملك.. بعت هاتفي وحاسبي وأشياء أخرى لأمول رحلة إلى المجهول..
مربوس: لقد كنت قبلها أيضاً في رحلة إلى المجهول.. وحتى لو وجدت الذهب ستبقى في رحلة إلى المجهول..
شاور: هناك مشهد غريب يلوح في الأفق.. مجموعة من الرجال والنساء يرقصون..
مربوس: (يقف ويحدق في الأفق).. لا أرى شيئاً..
شاور: ألا تراهم؟
مربوس: لا..
شاور: أنظر
مربوس: أرى نقاطاً سوداء فقط
شاور: نعم..
مربوس: هل تراهم يرقصون؟
شاور: أتخيل ذلك..
مربوس: تتخيل؟
شاور: نعم..
مربوس: قبل شهر كان هناك سرادق عزاء في المنطقة الجنوبية..
شاور: هل مات؟
مربوس: من؟
شاور: الذي مات
مربوس: لقد أصابتك ضربة شمس..
شاور: ربما.. لكنهم يرقصون..
مربوس: إن النقاط السوداء تقترب منا... كانت امرأتان شقيقتان.. كانتا تخرجان كل مساء وتجلسان أمام منزلهما بصمت.. تجلسان فقط كبومتين..وانكفأتا فوق كرسيهما كبومتين أيضاً..انكفأت الكبرى التي تتجه نحو الخامسة والستين ثم تبعتها الصغرى بعد ثانية واحدة فقط..وقد شاهد الناس هذا المشهد وقد تخيلوا بأنهما انكفأتا بحثاً عن شيء تحت كرسييهما.. لكن الانكفاءة استمرت لاكثر من عشر دقائق فأدرك من في الشارع بأن خطباً ما قد حدث..
شاور: وزوجيهما
مربوس: لم تتزوجا أبداً.. ماتتا بعذريتهما..
شاور: وأولادهما؟
مربوس: قلت لك لم تتزوجا أبداً..
شاور: وما المغزى؟
مربوس: ألا تفهم؟
شاور: لا..
مربوس: رحلتهما إلى المجهول انتهت..
شاور: يخرجان كل مساء..
مربوس: وكل صباح حتى يزداد قيظ الشمس فتدخلان..
شاور: لم تخبرني بذلك من قبل..
مربوس: كنت أشعر بالملل..
شاور: في كل الأحوال.. لن أفضل رتابة الوظيفة..
مربوس: لأن روحك روح مغامر..
شاور: لا أعرف.. ربما..
مربوس: ها هم يقتربون أكثر..
شاور: ها هم..
(تدخل مجموعة من الرجال والنساء، يرقصون بعشوائية وكيفما اتفق وبدون موسيقى أو إيقاع، يظل شاور ومربوس يتابعان الرقص)
شاور: توقفوا..
(يتوقفوا)
شاور: هذه منطقة حكومية.. ولا يجوز الدخول إليها إلا بتصريح خاص..
مربوس: هذا صحيح..
شاور: لماذا ترقصون؟
(لا أحد يجيب، ثم يعودون للرقص العشوائي)..
مربوس:(بسخط) رقص سيئ.. رقص سيئ..
شاور: فعلاً.. رقص سيئ..
مربوس: لكنهم يبدون سعداء؟
شاور: أليس كذلك؟
مربوس: نعم.. لكن عليهم ألا يضيعوا زمننا أكثر من ذلك..
شاور: علينا أن نفعل شيئاً لإيقاف هذه المهزلة؟
مربوس: لن تكون الحياة حياة ولا الموت موتاً إن انتهت..
شاور: ولكننا لم نجد ذهباً..
مربوس: قلت لك ليس بالضرورة أن نجد ذهباً..
شاور: ألن يبدو كل شيء بلا معنى إن لم نجد ذهباً..
مربوس: عليهم أن يتوقفوا عن هذا الرقص الرديئ.. توقفوا..
شاور: أخرجوا من أرضنا..أقصد من أرض الحكومة..
(يتوقفون عن الرقص وينظرون بحزن إلى شاور ومربوس ثم يخرجون ببطء وهم مطأطؤا الرؤوس)..
(يتمدد شاور ومربوس تحت عمود العلامة الخشبية)
مربوس: شاور؟
شاور: مربوس؟
مربوس: ماذا سنفعل يا صديقي؟
شاور: كالعادة.. نبحث عن الذهب..
مربوس: أي ذهب يا صديقي.. لا يوجد ذهب..
شاور: لا يوجد ذهب؟!!
مربوس: لا يوجد ذهب..
شاور: وهل هذا ضروري؟
مربوس: لا أعرف.. تبدو الأشياء ضرورية أحياناً وغير ضرورية أحياناً أخرى..
شاور: صحيح.. ولكن.. ولكن لماذا؟
مربوس: حسب الزاوية التي ننظر منها للحياة..
شاور: والموت..
مربوس: لا.. بل للحياة.. كل شيء متعلق بالحياة حتى المقدسات..
شاور: أي حياة هذي التي تخلو من رتابة الوظيفة..
مربوس: لا أعلم يا عزيزي.. لا أعلم.. هناك من يقبلون بالحد الأدنى وهو أن يضمنوا عدم تعرضهم للإذلال.. وهناك من يقبلون بما هو أدنى من الحد الأدنى فيقبلون بالإذلال.. وهناك من يقاومون القدر برمته.. ولكن المسألة لا تعدو سوى وجهات نظر ثم نتيجة واحدة..
شاور: يمكننا أن نواصل حفر البئر.. فحتى إن لم نجد ذهباً ربما نجد ماءً.. أليس كذلك؟
مربوس: ربما نجد ماءً ويشرب هؤلاء العطشى الماء..فيرقصوا رقصاً أفضل من رقصهم الرديئ ذاك..
شاور: أليس هذا أفضل من الذهب؟
مربوس: قلت لك أن هذا يختلف بحسب الزاوية التي ننظر منها للحياة..
شاور: الزاوية.. ولكنها مسألة شخصية محضة..
مربوس: هذا هو..
شاور: ألا يمكننا أن .. أن نتفق على زاوية واحدة؟
مربوس: لن تكون الحياة حينئذٍ حياة..
شاور: آه.. يبدو أنني لم أعد أفهم شيئاً..
مربوس: إنك أبداً لم تكن تفهم شيئاً.. ولا أحد يفهم شيئاً.. ولا حتى أنا..
شاور: ماذا كنت تعمل من قبل؟
مربوس: كنت نشالاً..
شاور: (يضحك) حقاً؟
مربوس: حقاً.. وكنت سعيداً..
شاور: ولماذا غيرت مهنتك؟
مربوس: لقد وقعت لي حادثة مفزعة.. لقد قبضوا علي.. لم يقبض علي البوليس.. بل بعض الشبان.. اقتادوني إلى منزل.. جردوني من ملابسي واغتصبوني ثم حشو مؤخرتي بالشطة..وأطلقوا سراحي..
شاور: يا للأسف..
مربوس: لا زلت أشعر بكل شيء حتى اليوم..
شاور: بماذا تشعر؟
مربوس: بكل شيء.. ألا تفهم؟
شاور: دعنا نغير مجرى الحديث..
مربوس: فليكن.. كل شيء اختلف منذ تلك اللحظة.. اختلفت زاوية نظري للحياة..
شاور: هل تريد الانتقام؟
مربوس: نعم.. ولا..
شاور: كيف؟
مربوس: نعم أود الإنتقام.. لكنني لا أود الدخول في معركة جديدة في الحياة.. لهذا جئت إلى هذا الخلاء.. هنا سأبحث عن شيء..شيء ما..
شاور: الذهب؟
مربوس: لا أعرف.. المهم أن أبحث..
شاور: والزمن.. ألا تخشى أن يضيع؟
مربوس: إن الزمن مجرد خدعة.. إننا نحيا فقط وهذا هو المهم..
شاور: إننا نبدو كفقاعة صابون..
مربوس: هلم بنا إذاً..
شاور: إلى أين؟
مربوس: سنبحث عن أرض أخرى لنحفرها..
شاور: أفضل العودة للوظيفة..
مربوس: لن تستطيع الاستمرار يا صديقي.. سوف تعود إليَّ..
شاور: حقاً؟
مربوس: حقاً.. أنت مغامر.. هل تعرف من هو المغامر؟
شاور: لا..
مربوس: إنه الفنان يا فتى.. الفنان..
شاور: حقاً؟
مربوس: قلتُ بلى.. أنت فنان.. أنت لم تخلق للوظيفة.. لم تخلق للاستقرار.. لم تخلق لتكون جزءً من خدعة الزمن.. لذلك.. علينا أن نرحل من هنا.. علينا أن نبحث عن أرض جديدة.. هيا معي..
شاور: (ينهض بينما يبقى مربوس ممداً).. ألن تنهض لنرحل..
مربوس: لا نحتاج للنهوض.. تمدد على الأرض..
(يتمدد شاور)
مربوس: والآن اغمض عينيك..
(يغمض شاور عينيه)
مربوس: والآن .. ارتحل معي.. هيا.. فلنرتحل..
(يغمض الرجلان عينيهما)
شاور: ثم ماذا بعد؟
مربوس: غير زاوية نظرك فقط..
شاور: حسنٌ..
مربوس: وارتحل بسلام..
شاور: ياااه.. كم هذا رائع
مربوس: إنها أفضل من وظيفة رتيبة.. أليس كذلك..
شاور: أفضل كثيراً..
مربوس: استمر.. استمر..
(يستمران مغمضي الأعين)

(ستار)

(النهاية)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى