رجب الشيخ - الحكاية الجدلية ضمن القصة القصيرة عند القاص (عبدالله جعيلان) في النص سارق في حي التنك

المقدمة

التنوع في الكتابة ضمن مناهج السرد القصصي يعطي مدلولات واسعة من خلال التحليل الواقعي للحكاية وتلك الانقلابات الفكرية المجردة من حيثيات التفكر ..فترى القاص عبدالله جعيلان يجود لنا ماسطره قلمة في سرد الحكاية الدرامية التي تخضع إلى وقائع مختلفة لأغراض وضع الأفكار الجديدة المقرونة بتماسك قوي ورصين ضمن جدلية العلاقة بين الذات والمعنى..مستخدما الاصوات في عملية الطرح المميز ضمن ديناميكية تعتمد على الزمكانية والتنقلات في الحوار والحدث الصوري والانفعالي المعتمد على الاختيار المؤدلج حسب الرؤى والأفكار الذاتية بأسلوب حداثوي يمتاز باسلوبية متفردة وإبراز الجوانب الفكرية البارزة في عملية الطرح السردي الممزوج بشاعرية لرسم الصورة الحقيقية التي كتبها بشكل متقن في كل نصوصه القصصية معتمدا على الصورة الرمزية وماخلفها من مقاصد إبداعية دهشوية ترتقي إلى مستويات عالية من التصورات الذهنية والشعورية بحدود المعقول وبتقلبات تكاد تكون أكثر تماسكا بواقعية والاستناد على رؤى ربما تقنع القارئ ضمن أحداث القصة ...

المدخل

في البدء لابد لنا أن نكون قد وصلنا إلى مفهوم العتبة ( عنوان النص ) وما يعني من الناحية التحليلية لتلك العتبة وماورائيات القصد من وضع تلك العتبة في بناء الجملة وماتؤول اليه من معاني نستطيع أن تكون ضمن مفهوم السيمائية خلف نوازع الذات والنفس ،حيث يشكل مديات كبيرة في تجليات الواقع المعرفي والسلوكي الذي يثير الجانب الانتمائي والحس التكويني في ترجمة الواقع المعرفي والسلوكي ضمن هيكلة المبنى بأساسيات تحمل كاريزما حكائية راقية ومعبرة ومؤثرة في نفس الوقت ، حيث استطاع القاص ترجمة تلك الانفعالات النفسية على واقع ملموس قريبا الى روح المعنى بطريقة جاذبة في عملية مزج حقيقي للابداع بعناوين تليق في المشهد الثقافي ، سيما وأنها أدرك جيدا بغرائبية ضمن اسلوبية الرمز في اختيار الجمل الشعرية بخصوبة القاعدة الأساسية في عملية النص الحكائي الذي يتناغم مع الخصوصية والتنوع في هذا المجال الفني حسب أولويات الترتيب البنائي المرموز بعلامات وإشارات في هذا الزمن ، حيث أراد التنوع السردي المعبر من حيث الاختيار وتجميع تلك الرؤى ضمن بوتقة هيكلة الجملة الشعرية والتمظهر ضمن نطاق الواقعية الحسية والاستدراكية، في عملية دمج تلك الخيالات بفضاءات شاسعة من حيث الأسلوبية المبهرة معتمدا على خبرته الكبيرة في رفد النص بانثيالات تحقق مبتغى الابداع، واهتمامها اللغوي المثير للجدل بحرفية شديدة كما جاء بقصته


*********


النص القاص عبدالله جعيلان

سارق في حي التنك

بين زحمة المتجولين بين الباعة والدكاكين.
_ أمسكوه.
_أمسكوه.
خمسة رجال، يركضون بعضلاتهم المفتولة وملابسهم السود, حاملين بنادقهم.
يضرب أحدهم صندوق الخضار صارخًا:
_أين ذهب؟
_إنه لص ماكر!
كان الخوف يسرق ألسنة المتجولين! يطأطئون برؤوسهم، يهمسون بصمت:
_من هؤلاء؟
_هم رجال الشخصية!
يفزع آخر قائلًا:
_يبدوا أنهم رجال القائد!
شيخْ يجر ذقنه الثلجي، يعمل (إسكافي)
ينادي:
_من أنتم؟
_لماذا تلاحقون الفتى؟
_أغلق فمك بأحد تلك الأحذية! وأصمت.
_مَن هنا
نادى الجزار، مشيرًا بسكينة إلى فرع ضيق ينتهي إلى حي التنك.
يهرعون خلفه.
جَرى لاهثًا تارة ويعض شفتيه تارة يحتضن معطفه؛ خشية فقدان ما يحمله، يلتفت خائفًا!
يُسرع في أحد الممرات الضيقة، قبل أن يسمع وقع أقدامهم تربت الأرض وتقترب؛ قفز إلى أحد البيوت!
شد أزرار معطفه الكحلي بسلك نحاسي، وتكور في تنور يتوسط السعف والقصب والخشب، أغلقه ودقات قلبه تتصاعد، يتمتم مع نفسه:
_أمي قلقةٌ الآن، باح الليل بظلامهِ، أخوتي الصغار ينتظرون مايسدون به أنين بطونهم! تنهد قليلًا! ثم ابتسم:
_لا أعرف! هل سأعود إلى أمي أم إلى أحضان أبي في القبر؟
بين تلك الهلوسات، دحرج الغطاء بعنف، مع صوت يعصف بهدوء:
_ علينا أن نتحمل كل هذه الحرارة في سبيل راحتهم! ومشقة يومٌ كامل، حتى القائد لا يفعل مثلهم!
قبل أن تتجاوز يدها فوهة التنور ماسكةً بتلك الخرق، سحب كفها بقوة، طابقًا شفتيها بكفه الأخرى،
مقبلًا أسفل قرطيها، صارخًا بصمت:
_لا تصرخي!
_ أرجوك، أنهم يبحثون عني، يريدون قتلي، أتسمعين نباحهم في الخارج؟
تنظر بعينها العسلية متساءلة.
يجر نفسه، ثم يتابع قوله:
_إنا شابٌ لأرملة وأخوين يتامى, خلفكم بشارعين في نفس الحي!
تومئ برسها موافقة. ينكث شعره ويخرج ما في جعبته ملفوفًا بخرقة قائلًا:
_هل لك أن توصلي هذا؟
_لا تأخذيه يا ابنتي، إنه سارق!
صوت خاطف لعجوز شمطاء ،يبتعد بفراسخ من القُبل، أخترق الخوف، أشار لها بالصمت يائسًا، لكنها علت بعويلها:
_سارق!
_سارق!
_أنقذونا!
هم قدماه ناجيًا، قفز للممر الخلفي، قبل أن يولي هاربًا؛ تعلقت أذيال معطفه بكفوف وحشية، وصوت صاخب:
_أمسكته، أنه هنا، أسرعوا.
_يا الهي، لقد أنتهى أمري!
أحاطوه بقهقهات عالية، ذقن أجلح، وقطرة قير تتوسط شفاههم العليا (كهتلر)
في صباح مشمس إلا في عينه! أنحنى وذراعاه إلى الخلف وشعره الأشعث، بملامح ملطخة برماد التنور.
بين جدران القاعة، يتوسطها كرسي القائد....! بدخان سيجارته الذي يخفي ملامحه ونظارته السوداء، وخلفه رقم قائمته الانتخابية ورجاله، دخل القاضي بقيافته المعتادة وحقيبته.
حضر المتملقون والحاشية في أذيال القاعة.
ضرب القاضي مطرقته قائلًا:
_ما أسمك أيها المتهم؟
_عمر علي
_ هل تعلم إن القائد انقطع عن الرب؛ لأنك سرقت سجادته ومسبحته؟
_من أنا؟!
_أحضروا الشاهد.
دخل الجزار بسكاكينه وقف ثم قال:
_أنا رأيته!
_لقد ثبتت عليك التهمة!
برأس شاخص وعينين بيضاوين صدح :
_هل يعلم القائد بسرقته لنا منذ سبعة عشر عامًا.لقد سرق حقنا وحق والدي الشهيد!
رمى سيجارته ثم قال؟
_أنا أحرسكم طيلة هذه السنين.
ضرب القاضي بمطرقته قائلًا:
_حكمت المحكمة بالإعدام!
أسدل نظارته قليلًا؛ ليقول:
_ماذا تقول أيها المستشار الديني؟
بعمامته البيضاء ومسبحته الخضراء، يداعب ذقنهُ الكحلي الطويل قائلًا:
_السارق تقطع يده!
قهقه القائد عاليًا، رمق المستقبل لبرهة ثم قال:
_تمهلوا، اقطعوا أصابعه إلا سبابته البنفسجية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى