أمل الكردفاني- روعة التمثيل

كتبت سابقاً عن فيديو كليب لأغنية sinner man للفنانة القديمة Nina Simone، وعن فكرة الفيديو كليب الرائعة، لكنني نسيت أن أشير إلى روعة تمثيل الشخصيات الخمسة التي مثلت مراحل التطور العمري للبطل ونمو خيباته حتى تمزيقه لصور البطل الذي كان قدوته في الطفولة. فهؤلاء الخمسة: (الرجل العجوز، الكهل، الشاب، المراهق، الطفل) أدوا أدوارهم ببراعة فائقة. والحق أن النص بلا ممثل بارع يخسر كل قيمته. لذلك يمكننا أن نعرف قيمة الأفلام المصرية قديماً والتي عجت بممثلين بارعين أمثال الملك/محمود مرسي، وابو زهرة وسميحة أيوب ونور الشريف وغيرهم..وقبل أسابيع استمعت لمسرحية إذاعية قديمة قدمتها إذاعة البرنامج الثقافي، وقد أدت الممثلة دورها الصوتي ببراعة تحسد عليها، وتبين لي أنها ممثلة لم تنل الشهرة المناسبة.
في السودان هناك ضعف في المهارة التمثيلية، وخاصة في الأدوار الجادة. بشكل عام يعاني الأفارقة من ضعف الأداء في الأدوار الجادة ويجيدون دورهم الهزلي. وهذا لسبب قد يكون مجهولاً بالنسبة لكثير من المشاهدين.
تمثل ثقافة الممثل نصف المطلوب لصقل التمثيل، لأن الثقافة تجعله يفهم النص. فممثل مثل خواكين فينيكس Joaquin Rafael Phoenix أدى دور الجوكر ببراعة مذهلة، بل حتى مزعجة، إذ عكست بقوة الاضطراب النفسي لشخصية الجوكر والنقد الذي مارسته تلك الشخصية لعالم الرأسمالية بمؤسساته القمعية واللا أخلاقية حيث كل شيء ليس سوى سلعة دون أدنى اكتراث للمشاعر الإنسانية. يمكننا أن نعرف أن التمثيل الجيد يعكس تشبعاً حضارياً، ينتقل عبر الأجيال إلى الأسر ثم إلى الفرد، أو عبر المحيط العام إذا كان ثرياً ثقافياً، فخواكين مثلاً من أسرة استعملت اسم الفينيكس أو طائر الفينيق تيمناً بعظمته. يعكس هذا روحاً أسرية وثابة وخلاقة ومدفوعة إلى الانتاج من أجل تحديد معنى لوجودها. وحين تفتقر الشعوب للموروث الحضاري فإنها لن تستطيع نقل تركة من الوعي إلى أجيالها. هذا الوعي الحضاري أحد عناصر فهم النص ومن ثم التعامل معه، رغم أن أي نص قابل للنقد وكما يقول دريداً مفتقراً إلى المركزية ومؤجل المعنى. لكن الممثل الجيد المثقف الذي يلتقط مركزية النص ومعناه سيؤديه كما ينبغي له وكما قصده المؤلف، داحضاً فرضية موت المؤلف.
محمود مرسي كان أحد أولئك الممثلين القلائل الذي يمنحون النص عبق المعنى الفلسفي له، روبرت دي نيرو، آل باتشينو، ودي آلان، كلينت إيستوود، وباقي جوقة العمالقة هم من ينفخون الحياة في النص.
التمثيل كتقمص وليس كتقليد ومحاكاة، يحتاج لموهبة. نستطيع أن نفهم لماذا تقدمت السينما المصرية على السورية رغم أن الممثلين السوريين بارعين لكن مشكلتهم أنهم يمثلون أكثر مما يجب. إن التمثيل يعني أن تجعل الشخصية تحل في جسدك، أن تفكر بطريقتها، أن تكون غبياً حقاً وجباناً حقاً وشجاعاً حقاً..الخ. هناك يمكنك نزع أقنعة المسرح اليوناني لأنك ما عدت بحاجة إليها.
الجيل الجديد من الممثلين المصريين يعاني من عدة مشاكل، من ضمنها ضعف الثقافة، والسينما التجارية الكوميدية، وضعف النصوص، وضعف الإخراج. الممثل نفسه يعبر عن جيله كضوء ساطع فيغمر الشخصية التي من المفترض أن لا تعبر إلا عن جيلها أو عن (زمكانها) الخاص. يجب أن تكون أموياً وأنت تمثل شخصية من العصر الأموي وأن تكون سبعينياً حين تمثل شخصية من سبعينات القرن الماضي..الخ؛ وهذا يستدعي أن تلقي بسطوة جيلك خلف ظهرك تماماً.. أن تعتلي الحمار كما يعتليه الفلاح (بغير اكتراث) وبعفوية وليس كمن يركب سيارة، وأن تفقد ملاحظاتك المرتابة تجاه ما ترتديه من ملابس تعبر عن حقبة زمنية معينة، وأن تنفعل الانفعال الذي يناسب تلك الحقبة، وليس انفعال حقبتنا هذي، فهناك أنساق من الانفعالات تتخلق داخل رحم كل حقبة ما لتميزها عن غيرها من الانفعالات.
الشعوب التي تعاني من ضعف التمثيل لا يمكنها أن تبدأ إلا بالكوميدي، لأن الكوميدي سيتجاوز الكثير من الإشتراطات الثقافية للحقب الزمنية؛ وبالتالي يعطي حرية أكبر للمثل لكي يتعامل مع النص بسلاسة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى