أمل الكردفاني- الشجرة الثانية- مسرحية من المسرح ما بعد الحداثي، من فصل واحد.

الشجرة الثانية- مسرحية من المسرح ما بعد الحداثي، من فصل واحد.


(مشهد١)- التمرد

المسرح: (يتم تجهيز المسرح برسومات جدارية تخفي جدراناً صغيرة بحيث لا تكون ظاهرة بسبب امتدادات الرسم التي تجعلها كما لو كانت كتلة واحدة من الجدران، من بين الجدران يظهر ويختفي الممثلون كما لو كانوا يظهرون من العدم)
تنقذف خوذة غريبة وسط المسرح.. ثم يظهر شاب في منتصف العشرين يحمل رقماً فوق قميص بذته بدلاً عن الاسم وهو ف٣. يقف لاهثاً وهو يرتدي بذة غريبة تشبه بذات رائدي الفضاء.
ف٣: أخيراً تنفستُ الصعداء..
أصوات: ماهو الصعداء؟ ما هو الصعداء؟ ما هو الصعداء؟
ف٣: (يتلفت حوله) اللعنة.. توقفوا توقفوا..
أصوات: أنت في خطر.. أنت في خطر.. أنت في خطر..
ف٣: أعلم أنني في خطر..ولكنني ما عدت أحتمل.. ما عدت أحتمل..
أصوات: ارتدِ خوذة الإخفاء.. ارتدِ خوذة الإخفاء..ارتدِ خوذة الإخفاء..
ف٣: لا.. لن أفعل..لن أفعل..
(الأصوات تضحك)..
أصوات: ستتعرص للتجريد.. ستتعرض للتجريد..ستتعرض للتجريد..
ف٣: فليكن.. إنني أفضل التجريد على حياة الفقاعات الميتة.. إنني أريد أن أُرى.. أن أكون ظاهراً أن أحيا ككائن موجود وليس ككائن خفي.. إلى متى تستسلمون لهذه الكارثة؟
أصوات: لا تنسى الحرية..الحرية.. الحرية..
ف٣: أي حرية تلك التي أفضت بنا إلى أن نعيش هكذا..داخل فقاعات خفية..
أصوات: كن حذراً .. كن حذراً .. كن حذراً..
ف٣: يجب أن ندمر هذه التكنولوجيا.. هذه الفقاعات... يجب أن نعود كما كنا من قبل.. كبشر..
أصوات: كافر..كافر..كافر..
(أصوات فحيح)
ف٣: يا إلهي.. إنهم يبحثون عني للقبض علي.. يجب أن أختفي..
(يبحث عن الخوذة ثم يرتديها ويختفي)..
(تضحك الأصوات ساخرة)
أصوات من مكبر صوت: لقد تم اكتشاف متمرد لتقويض نظامنا التكنولوجي..اظهر بسرعة وسلم نفسك لأقرب دائرة رقمية وإلا فسيتم تشديد العقوبة عليك..
(يبتعد صوت الفحيح)..
تسقط الخوذة مرة أخرى، ويظهر الشاب..
ف٣: كنا نحلم بالحضارة لكنها تحولت إلى نقمة..إلى لعنة..
أصوات: توقف عن العناد...توقف عن العناد.. توقف عن العناد..
تسقط خوذة أخرى وتظهر فتاة تحمل رقم ن٢٢.
ن٢٢: أنا معك..
ف٣: هذا جيد..
ن٢٢: علينا أن نهرب فوراً
ف٣: إلى أين؟
ن٢٢: إلى الجزر الشرقية في أوقيانوس.. لا زالت بدائية..
(أصوات قهقهات)..
ف٣: وكيف نصل إلى هناك؟
ن٢٢: على هوائيات الشحن المحيطي.. لا سبيل غير هذا؟ هيا ارتد خوذتك..
(يرتديان خوذتيهما ويختفيان)..
أصوات:
صوت١: سيتم التشهير بهما على المقطر السحابي.. سيتم التشهير بهما.. قد تتعرض هويتهما للسرقة وكذلك بصماتهما الرقمية.. قد يتهمان باقتراف جرائم..
صوت٢: إنهما أبلهان..
صوت٣: العالم أصبح خطراً جداً بسبب التكنولوجيا..
صوت٣: لا مزاح في هذا.. إما التكنولوجيا أو العودة إلى البدائية كما قال الرئيس العالمي..
صوت١: لن نعود بعد كل هذه الرفاهية..
صوت٢: كل شيء متوفر داخل فقاعاتنا الخفية فلماذا نجحد النعمة؟
صوت٥: إن الإنسان ينسى بسرعة..
صوت١: إن التضحية بخصوصيتنا مقابل بسيط لما نتمتع به من رفاهية..
ص٤: سيتم تتبعهما عبر البقع الفراغية..
يظهر الشاب
ف٣: هذا صحيح..
تظهر الفتاة
ن٢٢: بدأوا بقصفنا عبر البقع الفراغية..
ف٣: حيث لا فراغ في الكون نكون نحن الفراغ.. وحيث لا فراغ سوانا فإن من السهل عليهم مراقبتنا..
ن٢٢: علينا أن نخلع بذة الإخفاء بأكملها..
ف٣: قد نتهم باقتراف جريمة..
ن٢٢: سنصور كل تحركاتنا على الكواركات السابحة مباشرة.. وهكذا لن يستطيع أحد اتهامنا بجريمة..
ف٣: هذا جيد.. فلنخلع هذه الفقاعات..
يخلعان البذة الخفية..ويقفان بملابس خفيفة..
أصوات:
صوت١: سيشوشون حركة الكواركات..
صوت٢: هذا صحيح..تذكرا القطة شرودنغر..
ف٣: إن ما تقولونه صحيح.. إنكم تساعدوننا..
صوت٣: أصمت..
ن٢٢: علينا أن نصمت..
صوت١: إنكما لا تستخدمان محررات الصوت.. ستستخدم بصمتكما الصوتية ضدكما..
ف٣: هذا فظيع..
ن٢٢: هذا أدعى أن نسرع في الهرب..
ف٣: هيا بنا..
صوت١: إلى أين؟
ن٢٢: هيا لا وقت لدينا.. ولنكن صامتين بقدر المستطاع..
يخرجان من يسار المسرح..
أصوات من مكبر صوت: كل من يساعد الهاربين ف٣ و ن٢٢ سيعاقب بإخراجه من الفقاعة لساعة كاملة وسيكون حينها مجرداً من أي حماية.. قد يتعرض لتزوير أو سرقة صورته أو صوته أو طاقته الطيفية أو موجاته الذهنية.. باختصار فإنه قد يعاني طيلة حياته..
صوت٣: هذا مرعب..
صوت٤: مرعب جداً..
صوت٢: إنني أفكر في الهروب معهما..
صوت١: هذا خيارك.. لكنه سيكون خياراً جنونياً..
تسقط خوذة ويظهر رجل في أواخر الخمسين يحمل رقم س٦٨.. يتجه نحو يسار المسرح ويخرج منه.
صوت١: إنه يتخلى عن التكنولوجيا.. يتخلى عن الحضارة..
صوت٤: سيضطر إلى تعلم ما كان يفعله الإنسان البدائي..
صوت٣: وماذا كان يفعل الإنسان البدائي؟
صوت٤: كان يطبخ.. يشعل النار ويطبخ.. يضع ماءً في الثلاجات.. يحمص الخبز.. يمثل المسرحيات.. يصلح الساعات.. يقوم بعمليات جراحية حيث كان البشر يتعرضون لحوادث غريبة ويتعرضون لشيء اسمه المرض..والموت
صوت١: مدهش..
صوت٣: مدهش حقاً..كيف عرفت كل هذا؟
صوت٤: سألتُ الفقاعة..
صوت١: علينا أن نشاهد ما كانوا يفعلونه..
صوت٤: استدع ذهنياً تلك الافلام الوثائقية القديمة لهم..
صوت١: حسنٌ..
صمت..
(يدخل الرجل رقم س٦٨)
س٦٨: اللعنة.. أين خوذتي؟
(تقهفه الأصوات ساخرة)

(ظلام)

(مشهد٢)- الضياع

المسرح: خالٍ من أي شيء

يدخل ف٣ و ن٢٢ في حالة يرثى لها، وتبدو عليهما علامات التعب.
ف٣: لقد أفلتنا..
ن٢٢: هل أنتَ متأكد؟
ف٣: لا.. ولكن.. نحن الآن في النصف المنقرض من الأرض..النصف الذي لم تعد به حتى أشباح بشر داخل فقاقيعهم الخفية..
ن٢٢: وكيف سنحيا في هذا القفر..
ف٣: حاصَروا الجزر.. فجَّروا كل بقع فراغية لأي حيوان.. ولا أعتقد أنهم سيسعون وراءنا أكثر من هذا.. سيضطرون هنا للخروج من عباءات الإخفاء لأن كل الأجهزة الطيفية لن تعمل بدقة..
ن٢٢: علينا أن نبحث عن بعض الماء والطعام؟
ف٣: ماذا تقصدين؟
ن٢٢: ليس معنا فقاعات لتنتج لنا الماء والطعام..
ف٣: وكيف ننتجها نحن؟
ن٢٢: نحن لن ننتجها ولكنها موجودة هنا.. في الطبيعة..
ف٣: حقاً؟
ن٢٢: هذا ما أخبرتني به الفقاعة قبل أن أغادرها..
ف٣: يا للروعة.. كم يبدو ذلك جميلاً..
ن٢٢: لكن تذكر.. سيكون هناك كائنات تصيبنا بالمرض.. لقد فقدنا التنقية الدائمة..
ف٣: وما هو المرض؟
ن٢٢: لا أعرف..
ف٣: يبدو أنه شيء سيئ؟..
ن٢٢: يبدو كذلك..
ف٣: إن شيئاً يغطي السماء..
ن٢٢: شيء مخيف..
ف٣: ألم تخبرك الفقاعة بذلك..
ن٢٢: لا.. ولكنني قرأت أشعاراً قديمة تتحدث عن ظلام السماء في وقت محدد..
ف٣: وإلى متى يستمر الظلام؟
ن٢٢: لا أعرف..
ف٣: أتمنى أن لا يستمر طويلاً فأنا أكره الظلام..
ن٢٢: الأجواء بردت قليلاً.. يبدو أن الظلام يحمل برودته معه..
ف٣: علينا أن نستغل هذه البرودة ونبدأ في البحث عن الحياة..
ن٢٢: هيا بنا..
(يخرجان من يسار المسرح)
(سكون)
(يدخلان من يمين المسرح وهما يبدوان أكثر تعباً، فيرتميان على الأرض)
(تنظر الفتاة إلى وجه الشاب وتضحك)
ف٣: لماذا تضحكين؟
ن٢٢: وجهك مليئ بالتراب..
ف٣: ووجهكِ أيضاً؟
ن٢٢: (تحدق فيما حولها) يبدو أن هذا العالم قذر..
ف٣: لكنه جميل رغم كل ذلك..
ن٢٢: نعم.. (تقفز من جلستها) أنظر..
ف٣: ماذا؟
ن٢٢: (تجثو على الأرض وتبدأ في الحفر) هذا تراب رطب..
ف٣: رطب؟
ن٢٢: ربما يخفي ماءً تحته..
ف٣: (يسرع بالحفر معها)
ن٢٢: إنه ماء..
ف٣: ولكنه مليئ بالتراب..
ن٢٢: سأشرب في كل الأحوال..
ف٣: وأنا كذلك..
ن٢٢: (تشرب ثم تتوقف عن الشرب وهي تمجمج فمها) هل تذوقت طعمه؟
ف٣: طعمه غريب جداً..
ن٢٢: طعمه برائحة نشوانة..
ف٣: نشوانة؟
ن٢٢: أقصد أنه أشعرني بالانتعاش..
ف٣: حسنٌ..
(يرتميان على الأرض لاهثين)
ف٣: يا للروعة..
ن٢٢: ماذا؟
ف٣: أنظري لأعلى..
ن٢٢: يا للروعة..
ف٣: أليست هذه هي النجوم؟
ن٢٢: أعتقد ذلك؟
ف٣: وما أكبر هذا النجم
ن٢٢: إنه القمر وليس نجماً..
ف٣: كيف تعرفين كل ذلك؟
ن٢٢: الفقاعة..
ف٣: نحتاج إلى فقاعة..
ن٢٢: لا.. لقد اخترنا الهرب من كل ذلك الماضي المنغلق.. ولن نعود إليه..
ف٣: ولكن.. كيف سنعرف ما حولنا؟
ن٢٢: سنكتشف العالم بأنفسنا.. أليس هذا أفضل من حياة الفقاعة حيث لم نكن بحاجة إلى فعل أي شيء؟
ف٣: لا أعرف..
ن٢٢: هل تتخاذل الآن..
ف٣: لا أعرف ولكن شعوراً بالخوف بدأ يداخلني..
ن٢٢: (تمد يدها وتمسك بيده) لا تخف.. أنا معك.. نحن معاً سنقهر المستحيل..
ف٣: لا أعرف ماذا كنتُ لأفعل لو لم تكوني معي؟..
ن٢٢: أنت شجعتني على ذلك.. كنت مترددة قبل أن أراك تشرع في الهرب.. لقد أخبرتني الفقاعة بالكثير عن هذا العالم المجهول فحلمت به وتمنيت رؤيته.. أما اليوم فأنا أفضل أن أعيش فيه حياة كاملة..
ف٣: لقد أخبرونا بأنه عالم بلا معنى..
ن٢٢: لا شيء في هذا العالم له معنى.. ولكن هذه الأشياء البسيطة تمنحنا معنى معنوياً لنشعر بأهمية حياتنا..
ف٣: لم أسمع مثل هذا الكلام من قبل..
ن٢٢: قاله شاعر قبل ألف وخمسمائة عام..
ف٣: أين قاله؟
ن٢٢: في مسرحية كتبها..
ف٣: مسرحية؟
ن٢٢: نعم..
ف٣: ماذا تقصدين؟
ن٢٢: المسرحية هي قصة يتم تمثيلها أمام الناس..
ف٣: وكيف هذا؟
ن٢٢: سأريك..(تنهض) أنظر..
(تتحرك إلى يمين الوسط قليلاً وتقلد صوت رجل) هل تسمعينني يا ثيودورا يا حبيبتي.. إنني لم أحببك لأنك جميلة.. ولكن لأنك لستِ بشراً مثلنا.. (تسحب سيفاً وهمياً من جنبها الأيمن) وهذا سيفي شاهد على ذلك.. ها هو يقطر بدماء الفُرس في معركة دارا.. ليس من أجل مجد بيزنطة العظيمة التي لا شك في مجدها ولكن من أجل سرقة الجوهرة التي تلمع بين أضلعك.. (تدور على عقبيها وتواجه الشخصية التي مثلتها وتتحدث بصوت أنثى) بليساريوس.. أيها القائد العسكري القوي.. إن سيفك لم يخطئ لكن عقلك العسكري لا يفهم كيف تفكر ثيودورا.. إنها حبيبة جوستنيان.. ليس لأنه قوي مثلك بل لأنه ضعيف.. هنا تكون امرأة مثلي أكثر قوة من عضلات ذراعيك حينما تحمي عش فراخها..هل فهمت.. إن مجدك في مجد جوستنيان ومجد جوستنيان في مجدي.. هل فهمت؟ (تعود إلى تمثيل الدور الذكوري) ولكن.. ولكن يا ثيودورا.. إن حياة بدونك هي حياة بلا معنى..(تعود وتمثل دور ثيودورا) لا شيء في هذا العالم له معنى يا بليساريوس.. ولكن هذه الأشياء البسيطة تمنحنا معنىً معنوياً لنشعر بأهمية حياتنا.. (تنهي تمثيلها بضحكة جزلة وهي تعود ل ف٣) هل رأيت؟
ف٣: مذهل.. مذهل حقاً..
ن٢٢: منذ أن أنجبوني في الفصل الرحمي بدأتُ دراسة كل شيء لأعرف كيف وُجِدت في هذه الحياة..
ف٣: يا إلهي.. لم أفكر في ذلك يوماً..
ن٢٢: نحن نطف مخلقة صناعياً.. لم يكن أجدادنا هكذا.. كان هناك رجل يحمي أطفاله يسمى أب وامرأة تحميهم تسمى أم..
ف٣: شيء عجيب..
ن٢٢: منذ الوباء الذي بدأت به تلك القوى عزل البشر عن بعضهم البعض.. بدأ تفكيرهم في عزلنا جميعاً بشكل نهائي عبر الفقاعات..
ف٣: وهل كان الناس يعيشون سوياً..
ن٢٢: كان هناك ما يسمى بالأسرة والقبيلة والشعب.. كل ذلك انتهى حين ولجنا عالم التقنيات الشاملة.. أقصد تكتولوجيا الفقاعات..
ف٣: مؤسف أن كل ذلك انتهى؟
ن٢٢: ولكننا نستطيع أن نعيد بناء الحياة البشرية من جديد..
ف٣: كيف ذلك؟
ن٢٢: سنتزوج وننجب..
ف٣: كيف ذلك؟
ن٢٢: (تقترب منه) هكذا..
(ظلام)


مشهد ٣- الحرب

المسرح:

(صحراء، إضاءة خافتة تنم عن المساء)..
(ن٢٢ تقف فوق كثيب على يسار المسرح وتتأمل السماء.. من اليمين يظهر ف٣).

ف٣: لم أعد أتحمل أتحمل..
ن٢٢: تتحمل ماذا؟
ف٣: كل هذا التعب التعب..
ن٢٢: لماذا تكرر كلماتك الأخيرة..
ف٣: هذا عالم بائس لا يمكن إشباع حاجاتنا كلها هنا..هنا..
ن٢٢: ألم نتعلم إشعال النار..
ف٣: وإلى متى نتعلم. لا يمكن أن نتعلم كل ما تعرفه الفقاعات ولا أن نعمل كل ما تعمله الفقاعات..الفقاعات..
ن٢٢: لا تيأس بسرعة هكذا....
(صوت ف٣ يأتي من خلف الكواليس): احترسي يا ن٢٢ إنه ليس أنا..
(يهرب ف٣ ويختفي، ثم يظهر مجدداً)
ف٣: إنه لم يكن أنا.. إنه هلوغرام..
ن٢٢: لذلك كان يردد كلماته الأخيرة..
ف٣: إنها تقنية قديمة..ولا تعمل بشكل جيد بعيداً عن عالم الفقاعات..
ن٢٢: يبدو أنهم بدأوا في شن حرب نفسية ضدنا..
ف٣: يجب أن تكوني حذرة..
ن٢٢: يجب ان نستخدم كلمة سر..
ف٣: اقتربي مني...(تقترب ويهمس في أذنها فتهز رأسها)..
ن٢٢: (تبتعد وتهبط من الكثيب) ماذا سيفعلون أكثر من هذا؟
ف٣: يريدون إعادتنا إلى جنتهم البائسة..
ن٢٢: ماذا سيفعلون أكثر من هذا.. هذا ما أخاف منه..
ف٣: أنظري..(يشير إلى أعلى الوسط) إنها شجرة تنمو بسرعة..
ن٢٢: إنهم هم..
ف٣: إنهم هم.. الأشجار لا تنموا بهذه السرعة..
ن٢٢: ولا تنموا خضراء مورقة هكذا وسط الصحراء..
ف٣: يجب أن نبتعد عنها بقدر الإمكان..
(تهبط صاعقة فجاة، فيتراجع ف٣ و ن٢٢ بذعر)
ف٣: إنها حرب..
ن٢٢: سيقتلوننا..
ف٣: علينا أن نبحث عن مخبأ..
(صوت قوي من السماء)
الصوت: من أنتما؟
ن٢٢: (تصرخ.. في حين يتجمد ف٣ من الرعب) من يتحدث؟
الصوت: من أنتما؟
ن٢٢: بل من أنت؟
الصوت: إذا اقتربتما من تلك الشجرة سوف أحرقكما..
(يقهقه الصوت ويخفت صوت قهقته رويداً رويداً حتى يختفي)
ف٣: لقد.. لقد ذهب..
ن٢٢: سيعود..
ف٣: علينا أن نبحث عن ملجأ..
ن٢٢: ذلك الكهف..
(ظلام)

(يتسلط ضوء اسطواني ساقط من أعلى إلى أسفل، على رأس ن٢٢ مباشرة).
ن٢٢: هل أخطأنا؟ إن العالم خارج الفقاعات مخيف حقاً.. لكنني كذبت على ف٣ حتى يتمكن من المقاومة ولا تثبط معنوياته.. إن بطني تنتفخ.. هذا هو ما كانوا يسمونه قبل مئات السنين بالحمل، حسب معلومات الفقاعة فإنه شيء مؤلم.. شيء مؤلم ولكن النسوة كن يتحملنه.. سننتج كائنا بشرياً جديداً في عالم ما وراء الفقاعات.. سيعيش ليكتشف هذا العالم الصعب.. سيتعب حتى الموت.. سيمرض ويتألم ولكنه سيتذوق طعماً لوجوده.. لقد ذهب ف٣ لقطع الأخشاب وتركني.. حذرته مراراً من تلك الكائنات التي تدعى حيوانات وهي أقل قدرة على التفكير منا نحن البشر، لكنه..(تقفز خارجة من دائرة الضوء وصرخة تخرج من صدرها) ما هذا...
(صوت فحيح حية)
ن٢٢: من أنت؟ وماذا تريد؟
الحية: أنا.. (تضحك) أنا حية.. ألم تسمعي بالحية من قبل؟
ن٢٢: لا..
الحية: أنا كائن مثلك غير أنني لا أملك أقداماً ولا أيدٍ، أنا معاقة أتألم حين أزحف على صخر الوجود.. لا أحد يرحم في هذا العالم الغليظ.. رغم أنني أُدعى "حكيمة العالم".. لكنهم لا يعرفون أنني أتألم ومن عمق الألم تخرج تلك الحكمة..
ن٢٢: (تدخل إلى دائرة الضوء وتتحدث بحزن) كم أنتِ كائن لطيف..
الحية: لا أعرف أيتها البشرية الجميلة.. فلربما لم تسنح لي فرصة لاقتراف الشر بسبب تكوينيَ الناقص..
ن٢٢: ولكن ماذا تقصدين بالحكمة..
الحية: قولٌ ما يحاول شرح غموض العالم.. هذا الظلام.. هذا الظلام الدامس الذي يلف العالم رغم ضوء الشمس.. هذا اللا معنى رغم الموجودات التي تتكدس فيه.. إن الحكمة خدعة لنتماسك في مواجهة انوجادنا هنا.. هل تعرفين من أوجدك هنا؟
ن٢٢: ماذا؟
الحية: يبدو أنك لم تفكري كثيراً في هذه المعضلة الوجودية..
ن٢٢: ولكنني لا أفهم لغتك هذي؟!
الحية: لأنهم هناك.. هناااك في عالمك.. عالم الفقاعات قيدوا عقولكم بالرفاهية.. روضوها لكي لا تتساءلوا.. ولكنك هنا.. هنا الآن معنا.. حيث يتوجب عليك أن تفكري أكثر مما تعملي.. لأنك حين تعملين يجب أن تعملي وفق خطة مسبقة.. إنه عالم متعب ومرهق وحزين يا بنيتي..
ن٢٢: هذا صحيح.. لقد تعلمت و ف٣ إشعال النار.. أليس ذلك رائعاً؟..
الحية: هل تعلمتما الدفاع عن نفسيكما؟
ن٢٢: ليس بعد.. لكن ف٣ يركض جيداً.. لقد حملني وجرى بي أسرع من السماء المتحركة..
الحية: تقصدين الهواء؟
ن٢٢: نعم..
الحية: ولكن هذا ليس بكافٍ.. يجب أن تتعلما الدفاع عن نفسيكما قبل أن تتعلما طبخ الأكل..
ن٢٢: وكيف نتعلم الدفاع عن نفسينا؟
الحية: بأن تأكلا من تلك الشجرة..
ن٢٢: تقصدين؟
الحية: نعم.. عليكما أن تمتلكا قوة الحكمة في عالم لا يرحم.. لتتمكنا من التكيف مع العالم خارج الفقاعة..
(صمت)
ن٢٢: نعم.. وماذا أيضاً..(لا تسمع رداً) أين اختفيتِ؟ أيتها الحية المعاقة الحكيمة..(تتأوه) يبدو أنها رحلت..
(يغمر ضوء باهت المسرح، تظل ن٢٢ جالسة على الأرض في مكانها)
ن٢٢: لقد تأخر كثيراً.. (تتلفت حين تسمع صوت أقدامه، ويدخل من يسار المسرح وهو يحمل حزمة حطب)
ف٣: إه.. كم هذا متعب.. إنني متعب وجائع وأريد طعاماً..
ن٢٢: لم تأكل هناك؟
ف: وماذا آكل؟
ن٢٢: لا أعرف..
ف٣: هذا عالم مرهق.. لقد بدأت أشعر باليأس..
ن٢٢: أنا حُبلى؟
ف٣: ماذا تقصدين؟
ن٢٢: هناك كائن بشري في بطني..
ف٣: آه.. إذاً فقد نجحنا..
ن٢٢: نعم..
ف٣: غير أنني لا أعرف ما فائدة كل ذلك!
ن٢٢: البهجة..
ف٣: البهجة؟!
ن٢٢: نعم.. أنا الآن أشعر بالبهجة من انتفاخ بطني..
ف٣: لماذا؟
ن٢٢: لأنني أنتج شيئاً.. في عالم الفقاعات لم نكُ ننتج شيئاً.. لم نكن بحاجة لأن ننتج شيئاً.. أما هنا فنحن ننتج.. ألا تشعر بالبهجة من الاحتطاب..
ف٣: لا أعرف.. أحيانا وأنا أحطم الأشجار الصحراوية القاسية أشعر بأنني كائن قوي ويعتمد عليه..ولكن فجأة يعتريني قنوط عظيم.. أشعر بأن ما أفعله لا معنى له.. لو عدت إلى الفقاعة فلا أحتاج لكل ما أفعله هنا..
ن٢٢: هكذا فعلوا بنا.. لقد دمروا كل شعورنا بقيمتنا كبشر..
ف٣: من تقصدين؟
ن٢٢: اجدادنا الذين اخترعوا الفقاعات المتكاملة الشمولية.. إنهم لم يتركوا لنا شيئاً لنفعله..
ف٣: يا له من عالم ممل حينما لا تفعل شيئاً..
ن٢٢: هل لا زالت الشجرة موجودة؟
ف٣: تقصدين تلك الشجرة التي نمت فجأة؟
ن٢٢: بلى
ف٣: لا زالت موجودة..
ن٢٢: لقد زارتني الحية اليوم..
ف٣: (بدهشة) من؟
ن٢٢: الحية..
ف٣: وما هي الحية؟
ن٢٢: إنها كائن معاق بلا أقدام ولا أيدٍ..
ف٣: وماذا كانت تريد؟
ن٢٢: كانت تسامرني وقالت بأن علينا أي أنا وأنت أن نأكل من شجرة الحكمة تلك..
ف٣: تباً.. إنها مرسلة من عالم الفقاعات..
ن٢٢: ماذا؟
ف٣: هذا مؤكد.. إن الكائنات التي التقيت بها هنا لا تتكلم بكلامنا.. بل هي أقل قدرة من أن تفكر بنفس قوة منطقنا.. وهذه الحية تتكلم بمنطقنا.. أليس كذلك؟
ن٢٢: بلى..
ف٣: إذاً فهي مرسلة منهم..
ن٢٢: إنك تخيفني..
ف٣: ولكنها الحقيقة.. لذلك يا حبيبتي يجب أن نحطم تلك الشجرة.. سأذهب الآن.. سأكسرها واقتلع ما تبقى منها من جذورها..
(يغادر)
ن٢٢: لا.. لا تفعل.. أرجوك..(تهرع نحوه ثم تتراجع وتجلس على الأرض بحزن)
الحية: اسمعي يا عزيزتي.. هذا آخر أمل لكم في العودة إلى عالم الفقاعات..
ن٢٢: الحية.. أين أنتِ؟ إنني لا أراك؟
الحية: سيموت زوجك... وستموتين وسيموت أطفالك بعد أن ترهقكم الحياة هنا.. الشجرة آخر فرصة لكم في العودة إلى عالم الفقاعات.. عالم الرفاهية.. أدرك أن روحيكما روح شابة.. تميل إلى التمرد..لكنكما ستكتشفا خطأكما حين تحطما تلك الشجرة.. حينها سيصبح وجودكما هنا نهائي.. هكذا قرر عالم الفقاعات..
ن٢٢: (يتهدج صوتها) لا أعرف.. لا أعرف..
الحية: عليك أن تعرفي.. يجب أن تعرفي.. يجب أن تحسمي أمرك.. ستعودان إلى عالم الفقاعات.. سيعيش كل منكما داخل فقاعته بلا تعب ولا نصب.. ربما تتسامران سوياً بين حين وآخر ولكن هذا كل شيء.. في المقابل.. لن تتعبي في حياتك.. لن تحتاجي للطبخ والكنس والغسل.. لن تتألمي حين يخذلك الآخرون.. فماذا تفضلين؟
ن٢٢: والبشري الذي في أحشائي؟
الحية: سنأخذه ونضعه في فقاعته الخاصة.. لن تخافي عليه لأنه تحت حماية كاملة شاملة من الفقاعة.. ولأنه أول طفل يولد من خارج عالم الفقاعات فإننا سنعطه رقماً مميزاً..
ن٢٢: لكن ف٢ ذهب لتحطيم الشجرة واقتلاعها من جذورها..
الحية: عليك أن تمنعيه مهما كلف الأمر..
ن٢٢: كيف أفعل ذلك.. إنه متمسك أكثر مني بهذا العالم..
الحية: عليك أن تقتليه..
ن٢٢: ماذا تقصدين؟
الحية: ضربة صغيرة بصخرة فوق جمجمته.. ثم ادخلي إلى فجوة الشجرة وغادري هذا العالم البائس..
ن٢٢: هكذا فقط؟
الحية: هكذا فقط
ن٢: سأذهب.. سأذهب الآن..
الحية: هيا.. هيا اسرعي قبل أن يدمر آخر أمل لك..
(تخرج ن٢٢ بسرعة)
الحية: ممتاز يا صغيرتي.. ممتاز.. مضت آلاف السنين منذ أن فعلها جدك الأكبر.. إن التاريخ بالفعل... يعيد نفسه..
(تقهقه ضاحكة حتى إسدال الستار)
ظلام
(ستار)

النهاية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى