د. محمد عباس محمد عرابي - مثارات الغلط الإعرابي من خلال كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري للباحث أمين قادري.. عرض

بحث مثارات الغلط الإعرابي من خلال كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري للباحث أمين قادري، هي مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير تخصص: دراسات لغوية نظرية(جامعة الجزائر-كلية الآداب واللغات - قسم اللغة العربية وآدابها )السنة الجامعية2007م-2008م
وفيما يلي عرض لهذه الدراسة من خلال ما ذكره الباحث من خلال المباحث التالية :
*المحور الأول :منهج الدراسة :
بين الباحث أنه لا شك أن مجموع الأسئلة التي تطرحها إشكالية البحث تستدعي تطبيقات منهجية متنوعة تنوع الغايات المرجوة من هذه الأسئلة نفسها، ولذلك تنوعت المناهج التي وظفت في دراسة قضايا البحث، إلا أنه يمكن إجمال ذلك بأن الدراسة كانت: تحليلية تأصيلية نقدية، فقد قام الباحث بتحليل كلام ابن هشام في الموضوع بهدف مقاربة تصوراته عن الخطة النقدية كما وضعها في المغني، وحاول الباحث قدر المستطاع الجمع بين إشاراته المختلفة في الكتاب إذ كان بعضها يشرح ويبين مقاصد بعض.
ثم قام بعد ذلك بعملية تأصيلية للقواعد المستنبطة بعرضها على تنظيرات أخرى عند بعض علماء العربية-و خص بالذكر ابن جني الذي استفا د الباحث أيما استفادة من إشاراته النظرية في الخصائص-، واستتبع هذا العرض مقارنة وتقويما لأصول ابن هشام في ميزان ما أصل له غيره من علماء النحو والإعراب، إضافة إلى المتخصصين في علوم أخرى حيثما دعت الحاجة إلى ذلك كعلماء التفسير وعلوم القرآن، إضافة إلى بعض المقاربات اللسانية الحديثة حيث لاحظ الباحث أوجه شبه أو تقارب بين أصول ابن هشام وتطبيقاته وبعض النظريات المعاصرة في العلوم التي تخدم بمعطياتها الوصف الإعرابي.
وأخيرا قام الباحث بتقويم إجمالي لهذه الأصول وطرائق تطبيقها عند ابن هشام، مع ترك التقويم النهائي الشامل لخطته النقدية إلى نهاية البحث.
*مكونات الدراسة :
* الفصل الأول المفاهيم الأساس في علم الإعراب:
بين الباحث أنه بالنظر إلى أنه المنظومة المعرفية التي سيقع التحليل والنقد على ضوء مفاهيمها وإجراءاتها، واستتبع ذلك بالضرورة محاولة ضبط دلالات المصطلحات الموظفة في هذا العلم بهدف كشف التباس مفاهيمها المقصودة في سياقنا الخاص الذي هو علم الإعراب بمفاهيم أخرى لها مرجعيتها في علم النحو، وكانت هذه المرحلة من البحث ضرورية جدا، لتفادي أي تداخل معرفي على مستوى دلالات المصطلحات.
*المبحث الأول: مصطلحات الإعراب وعلم الإعراب:
حاول الباحث فيه أن يتتبع دلالاتها في جملة من الكتب التراثية لتحديد استعمالاتها المختلفة، والوقوف على ما يتعلق منها بهذا البحث، كما اجتهد الباحث في بيان الفوارق الكبرى بين التحليل النحوي والتحليل الإعرابي من جهة آليات كل واحد منهما وغاياته.
*المبحث الثاني: دراسة وصفية وتحليلية لكتاب مغني اللبيب:
وقد استهدف الباحث من خلاله تحديد التصنيف المعرفي الصحيح للكتاب، ودراسة منهجه من أجل إعطاء تفسير لصورة وضعه تنسجم مع موضوعه وغاية مؤلفه منه. واعتمد الباحث لتحقيق ذلك تحليلات لبعض أبواب الكتاب التي وجدها الباحث أنها كانت السبب المباشر في اضطراب أقوال كثير من الدارسين المحدثين في تصنيفه، وأتبع الباحث ذلك بدراسة تحليلية للباب الخامس الذي كانت محتوياته موضوع الفصلين الآخرين من البحث.
*الفصل الثاني: مثارات الغلط الإعرابي:
وفيه بين الباحث أن المثارات المتعلقة بمادة المعالجة-وهي النص-باعتباره مجموعة من المعطيات الدلالية والأسلوبية بالمفهوم الواسع. وقد كان هذا الفصل شديد الأهمية، بالنظر إلى الإشكاليات الجمة التي تطرحها معطيات النص المختلفة. فتفسير الحقائق اللغوية هو صلب عمل اللساني، وتفسيرها على ضوء نموذج تفسيري معين كعلم الإعراب مثلا هو محاولة لتحديد المطابقة بين البنية النحوية الملفوظة والبنية الدلالية الموازية، أي محاولة لتحديد المطابقة بين المحسوس والمعقول، وهو وجه الإشكال الذي أشار إليه.
* المبحث الأول عن الأغلاط الإعرابية الناتجة عن عدم تحقيق المطابقة بين صورة اللفظ الناتجة عن صيغة الإعراب:
وحاصل المعنى المفهوم من مكوناته وقرائنه المختلفة، كالمعنى العام والدلالات الإفرادية المعجمية والمعاني السياقية وغير ذلك، وقد عالجت في هذا المبحث جملة من أسباب هذه الأغلاط مما ذكره ابن هشام مع مقارنة صياغاته النظرية بأمثلته التطبيقية التي أوردها عقب الصياغة
*المبحث الثاني: معالجة للأغلاط الإعرابية المتعلقة بالمعطيات اللغوية اللفظية للنص
وتعرض الباحث فيه لإشكاليات الإعراب المتعلقة بالسمات اللهجية والأسلوبية، محاولا-من خلال أمثلة ابن هشام-؛ استنباط قاعدة لاستثمار المميزات المتعلقة بلغة النص وخصائصه الأسلوبية في تحديد الإعراب الصحيح للبنى التي تحتمل تفسيرات مختلفة.
*الفصل الثالث علاقة الغلط الإعرابي بقوانين الصناعة النحوية:
وفيه بين الباحث أنه بالنظر إلى أن علم النحو هو آلة الوصف التي يعتمد عليها علم الإعراب، وكان الحديث عن هذه المثارات في حقيقة الأمر حديثا عن ملكة المعرب النحوية، أي عن مقدار معرفته بقوانين النحو النظرية، وطريقة تطبيقها على النص المحلل.
* المبحث الأول أنماط التفسير الإعرابي المختلفة ومعايير قبولها في إطار الشكل العام لعلم النحو:
وفيه وضح الباحث أنه كان أكبر ما حاز اهتمام الباحث في هذا المبحث دراسة الغلط الإعرابي الناتج عن اختلال النسبة بين الوصف النحوي والوصف الدلالي والوصف الإعرابي، وعدم إمكانية تحقيق المطابقة بين هذه الأنماط الثلاثة، فكان هذا الأمر دافعا للباحث إلى تحقيق معلومات أخرى حول تصور ابن هشام لوظيفة علم الإعراب، خاصة فيما هو من قبيل موضع التحليل الإعرابي بين حاصل المعالجتين النحوية والدلالية.
المبحث الثاني : الغلط الإعرابي على مستوى آليات التخريج الإعرابي
وقد عالج الباحث فيه الأغلاط الناشئة عن توظيف قواعد التخريج بصفة لا تخضع لمعايير محددة بينها ابن هشام بصفة أكثر صراحة في الجهات الخاصة بها، خاصة ما يتعلق بآلية التقدير المرتبطة بظاهرة الحذف، وحاول الباحث من خلال إشارات ابن هشام النظرية وتطبيقاته النقدية على بعض الأمثلة أن أتلمس معالم طريقة توظيف قواعد التخريج ومواضعها ومراتب هذه القواعد في الاستعمال بعضها بالنسبة إلى بعض.
جاءت بعد كل ذلك إلى خاتمة أودعها الباحث نتائج البحث: الإجمالية منها والتفصيلية على الترتيب.
*المحور الثالث :نتائج الدراسة :
وقد ذكر الباحث نص نتائج دراسته على النحو التالي :
لقد كانت الغاية المنشودة من هذا البحث هي محاولة مقاربة ميدان من ميادين الدراسات اللغوية العربية التي اتسمت بشيء كبير من إبداعية التصور والإجراء، هذا الميدان هو علم الإعراب، من خلال أحد مؤلفاته المهمة: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لجمال الدين ابن هشام الأنصاري. وقد قصد البحث زاوية محددة من هذا الميدان الرحب: هي الزاوية النقدية لإجراءات عملية الإعراب كما تصورها صاحب المغني في الباب الخامس من مصنَّفه.
هذا الجهد والتصور هو الذي كان موضع تحليل وتأصيل لما يقارب ثلثي البحث، وقد أفضت متابعة الموضوع إلى مجموعة من النتائج؛ منها ما هو استنتاجات عامة عن علم الإعراب وأبعاده ومعالمه الكبرى، وهي نتائج أراها على جانب كبير من الأهمية لوضع سائر التحليلات في سياقها الصحيح، ومنها ما يصب في صميم إشكاليات البحث المطروحة في المقدمة، ويمكن إجمال النتائج العامة فيما يلي:
*النتيجة الأولى: إن علم الإعراب في الدراسات اللغوية العربية منظومة معرفية منسجمة، توظف آليات كثيرة ومتنوعة لتحقيق غايتها التي هي "تفسير المعنى"، وتعمل على تحقيق المشاكلة بين علوم اللفظ وعلوم المعنى للوصول إلى تحليل إعرابي محيط بالخصائص التركيبية للوقائع اللغوية. إنه يمكن اعتبار نظرية علم الإعراب مركزا ونقطة تقاطع للنماذج التحليلية اللغوية العربية القديمة التي استهدفت تفسير الكلام. وتميزت هذه النقطة المركز بوصولها إلى تحديد "النسبة بين صيغة اللفظ وصورة المعنى". كل هذا يؤدي بنا ضرورة إلى استبعاد المقاربة بين علم الإعراب والمفهوم الأوربي المدرسي analyse grammaticale، من جهة أن هذا المفهوم قاصر على التطبيق القاعدي، في حين أن النموذج العربي يتجاوز ذلك إلى آلية "الإعراب" التي تعني تطبيق البنية الصورية على البنية الملفوظة (والتطبيق هنا مفهوم رياضي)، ثم بعد ذلك اختبار المطابقة بين حاصل التطبيق والبنية الدلالية أو صورة المعنى باصطلاح علمائنا القدامى.
*النتيجة الثانية: إن النتيجة الأولى تستتبع بالضرورة نتيجة أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي أن دراسة علم الإعراب أدت بنا إلى اكتشاف مدخل مؤصَّل لدراسة المعنى في حقل دراسة التراكيب، وذلك اقتناعا منا بأن انضباط الدراسة اللسانية يقتضي تجريد البحث النحوي من كل أثر دلالي يتجاوز معنى البنية بالوضع، ولا وجه لاتهام هذه الشكلانية بالقصور، لأن المنهج لا يتهم بالقصور إذا جانَب دراسة ما ليس موضوعا له. ولكن علم الإعراب يخالف علم النحو من هذه الحيثية، لأن موضوعه هو "النسبة"، فهو في حاجة إلى معاينة البسط والمقام، لتحقيق النسبة الصحيحة. وإذ يفتح لنا علم الإعراب باب المعاينة الدلالية في الكلام؛ فإنه يفتح من الوجه نفسه باب المعاينة التداولية، لأنه يضع الكلام في مركز الثلاثية: سياق-مقام-متكلم. وإذا صحت هذه المقاربة-بعد اختبارها-؛ فإنه يمكن لدراسة العلاقة بين علم الإعراب والتداولية أن تكون فتحا جديدا لتأسيس تداولية عربية المنابع، باستتباع رافد جديد من الروافد اللغوية للبحث التداولي، وإن كان هذا لا يعدو أن يكون ملاحظة وافتراضا أوليين يحتاجان إلى اختبارهما في بحث مستقل.
*النتيجة الثالثة: لقد اتضح بجلاء كبير أن ابن هشام قد بنى تصوره لعلم الإعراب على تطبيقاته في فرع خاص من فروعه هو إعراب القرآن الكريم، وربما كان لهذا الاختيار-الذي لا أراه اعتباطا منه-حجته القوية: وهي أن ما أسسه العلماء المسلمون من آليات فيما عرف بعلوم القرآن؛ يعتبر قاعدة معرفية ومنهجية متينة لتصور علم الإعراب، فهي تقدم معلومات دقيقة جدا عن معطيات النص في كل مستوياته، وحتى في محيطه الخارجيepitexte (باصطلاح جيرار جينات)، وكل ذلك يضع النص موضوع التحليل في وسط بياني ثري، بل في زخم من المعطيات التي تعين المعرب على تحقيق صيغة الإعراب التي لا تجنح على النص بأي نوع من أنواع التعسف، إن في بنيته الملفوظة أو العميقة.
وأما فيما يخص النتائج التفصيلية لمراحل المعالجة، فهذا بيانها:
1-تابع الباحث في المبحث الأول من الفصل الأول الخطوط الكبرى لبنية علم الإعراب المعرفية والمنهجية، من خلال تحليل لمصطلحي الإعراب وعلم الإعراب، وكذا جملة من التعريفات والإشارات المبثوثة في كتب متباينة، وتبين من خلال ذلك أن لعلم الإعراب تصورا خاصا في معالجة الكلام، إذ يتخذه موضوعا له وغاية في الوقت نفسه، فهو يواطئ علم النحو مدخلا ويخالفه مخرجا، ويتميز باستهدافه إعطاء وصف للكلام يجمع في صياغته معطيات البنية التركيبية، ومعطيات دلالة التركيب، موظفا في ذلك كل المحددات والمعلِّمات الدلالية من سياق ومقام ومعلومات عن ثقافة المتكلم، وكل ما من سبيله تعيين مقصود الخطاب.
ويتميز علم الإعراب كذلك من جهة إيلائه اهتماما مثيرا بالمتكلم من جهة ما هو متكلم، لا من جهة أنه مورد للغة، فكل ما يخص المتكلم مما يعين على تحليل البنية مأخوذ في الاعتبار، بما أن الغاية إنما هي تفسير الكلام نفسه، ومنجزه غير منفصل عنه. وهذا يبين لنا أن علم الإعراب يستبطن منحى تداوليا واضحا في معالجة الكلام.
2-وكان الحديث في المبحث الثاني عن مدونة البحث وهو كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري، فاستعرضت نوعا من البيبليوغرافيا للكتاب ولما دار في فلكه من أعمال علمية تراثية، تمهيدا بين يدي تحليله من جهة الموضوع والمنهج، وحاول الباحث قدر المستطاع أن يناقش جملة من الآراء في تصنيفه وتحليله، وكانت نتيجة التحليل والمناقشة ترجيح أن يكون كتاب المغني عملا حقيقيا ومحاولة جديرة بالإعجاب في وضع تصور شامل للممارسة الإعرابية، في ثلاث محطات كبرى:
أ-مشكلات علم الإعراب.
ب-الأغلاط الإعرابية وأسبابها.
ج-منهج الإعراب وقواعده العامة.
واستتبع الباحث هذا الترجيح مناقشة واستبعادا للآراء التي وضعت كتاب المغني في تخصص الدرس النحوي، وإن كان الكثير من مادته العلمية النحوية يوحي بذلك، إلا أن الباحث رجح أن التصنيف الصحيح والمنصف إنما يعتبر غاية توظيف المادة قبل طبيعة المادة نفسها. ثم جعل هذه التحليلات مدخلا إلى تحديد الجزئية المراد دراستها في البحث، وهي مثارات الغلط في الإعراب التي سماها ابن هشام: الأمور التي يدخل الاعتراض من جهتها على المعرب، وبين أهميتها بالنسبة للاحتياط الذي ينبغي أن يتخذه المعرب في المعالجة، إضافة إلى كونها قانونا للممارسة النقدية في قراءة الأعمال الإعرابية.
3-استأنف الباحث في المبحث الأول من الفصل الثاني دراسة مثارات الغلط الإعرابي مبتدئا بالمثارات المتعلقة بمعطيات النص، لأن النظر في النص سابق منطقيا ومنهجيا على النظر في القانون النحوي الذي يوصف على ضوئه، وكان أول ما عالجه الباحث من معطيات النص قضايا المعنى لأهميتها وكثرة حضورها في هذا الموضوع، إضافة إلى أنها أول ما عالجه ابن هشام من جهات الاعتراض.
وقد أفضى النظر في هذه الخصائص إلى أن التحليل الإعرابي يعتبر في عملياته كل أنواع الدلالات التي يفرزها النص، وهي تتفرع فرعين رئيسين:
أ-دلالات عامة مهيمنة على مجمل مضمون الخطاب، ويدخل فيها المعنى العام الذي سميته المعنى المجمل، وقصدية المتكلم التي هي ما جرى من معنى الكلام في مقصود منجزه.
ب-دلالات خاصة ترتد في مجملها إلى الدلالات الإفرادية للوحدات الإعرابية، المعجمية منها والمتخصصة.
هذا إضافة إلى بيان الأغلاط الإعرابية الناتجة عن إغفال هذه الدلالات والركون إلى معطيات البنية منفردة، أو الاغترار ببعض المظاهر المنطوقة أو المكتوبة من غير تنبه إلى الفارق بين البنى السطحية والبنى العميقة للكلام. وقد تبين من مجمل هذه التحليلات أنه لا يتصور تحليل إعرابي موضوعي إذا لم يهتم المعرب اهتماما أكيدا وجديا بالجانب الدلالي للنص، لما له من سلطان كبير على تشكيل البنية الملفوظة نفسها، كما قرره ابن جني في خصائصه. فالمعرب يدخل في عملية رصد لكل العلاقات الدلالية المكونة لمعنى النص، ويختبر كل ما يقترحه من أشكال نحوية صورية عن طريق المقابلة بين معاني أوضاعها النحوية، والدلالات الأخرى الصرفية والمعجمية والسياقية والمقامية..إلخ. وأيما إخلال بهذه المراقبة قد يؤدي إلى اختلال في عقد المناسبة بين وصف اللفظ ووصف المعنى.
4-في المبحث الثاني من الفصل نفسه؛ عرج الباحث على نوع آخر من أنواع معطيات النص وهو لغة النص، وقد اخترت من مظاهر الاستعمال اللغوي مظهرين نص عليهما ابن هشام في تحليلاته، وأكثر من توظيفهما في بيان أغلاط المعربين، هذان المظهران هما الخصائص اللهجية والخصائص الأسلوبية. وقد حاول الباحث في هذا المبحث أن يؤصل لمنهج ابن هشام في اختبار صيغة الإعراب عن طريق عرضها على معطيات التوظيف اللهجي والأسلوبي للنص، وأعان الباحث على ذلك أن ابن هشام قد أكثر من استعمال هذا الأصل في مدونة مغلقة هي القرآن الكريم، منطلقا في عمله هذا من خصوصيات النص القرآني.
وتبين أن ابن هشام يرى في القرآن الكريم نصا منسجما من حيث التوظيف اللغوي، بمعنى أنه يصدر عن اختيارات لغوية محددة-خاصة في الجانب اللهجي-، ويتميز-مقابل ذلك-بشيء من الحرية في الجانب الأسلوبي، إلا أنه لا يخرج إلى توظيف الأساليب المستهجنة من جهة اعتلاج البنية، وعليه فإن تخريج المواضع الملبسة من القرآن الكريم على وجه يخالف هذه المعطيات الابتدائية يعتبر غفلة عن المعاملات الأولية للخطاب القرآني، بمعنى أنه وصف للخصائص اللغوية للقرآن بغير ما هي عليه، هذا إضافة إلى أن وصفا كهذا يعطل جانب الانسجام اللغوي والأسلوبي للنص القرآني.
ويمكن أن يستفاد من هذا الأصل في علم الإعراب جملة بتحقيق الانسجام اللهجي والأسلوبي في الخطاب البشري، فإذا تأكد هذا الأمر-وهو مقارب جدا عند علماء اللهجات والأسلوبيات-فإن علمية الإعراب تفترض في كل موضع ملبس أن يلحق بنظائره في النص، أو في ما هو أشيع في لغة المتكلم.
5-انتقل الباحث في الفصل الثالث إلى دراسة نوع آخر من مثارات الغلط الإعرابي، يتعلق بآلة الوصف، وهي جهات الاعتراض الصادرة عن إغفال خصائص قوانين الصناعة النحوية في تطبيقها على النصوص أو عدم إحكامها جملة. ويبين هذا الفصل أهمية المعرفة اللغوية بالنسبة للمحلل، وأن علم الإعراب لا يأخذ هذه المعرفة في شكل مجزأ، بل في شكل كلي ومتكامل، بمعنى أن المعرفة الموظفة في تحليل تركيب ما؛ لا تقتصر على المعلومات المتعلقة بصورة التركيب المدروس؛ لأن المعرب يفترض أنه أمام نص منفتح على مجموعة غير معلومة الحدود-بصفة ابتدائية-من الصور التركيبية التي يصح التخريج عليها، فهو يختبر هذه الصور واحدة واحدة، بعرضها على القوانين النحوية من جهة، وعلى معطيات النص. إن عملية الاختبار هذه لا تستطيع أن تحدد ابتداء وجه الملاءمة بين صورة الكلام وصورة القانون، وعليه فإن المفترض من المعرب أن يوفر لاختبار التخريج كل معرفته اللغوية.
لقد كان موضوع المبحث الأول البحث في العلاقة بين صورة التركيب والصور المجردة في قوانين النحو التي يقترحها المعرب لتفسير الكلام، وتبين لنا من خلال أقوال ابن هشام أنه تصور الغلط في هذه الجهة من موضعين:
أ-إما من جهة قصور المعرب عن استفراغ كل أنماط التفسير التي يحتملها الكلام، مما قد يسبب مجال تقاطع خاليا بين أنماط التفسير النحوية والأنماط الدلالية، هذا إضافة إلى أن إغفال أي نمط تفسيري مقبول للكلام في حدود معطياته النصية وفوق النصية يعتبر مصادرة لحاصله من المعنى، لا مبرر موضوعيا لها.
ب-وإما من جهة تخريج المعرب الكلام على هيئة تركيبية غير موجودة في المدونة، أي أنها ليست من كلام العرب. وإذا وقع هذا الغلط من المعرب؛ فذلك يعني أنه غلط مضاعف؛ لأنه خروج عن إحدى الغايات المهمة لعلم الإعراب، وهي أنه علم يعمل على بيان وجه مطابقة الكلام لقواعد كلام العرب من جهة ما يتألف. وحينذاك يمكن أن نقول إن هذا التفسير الذي قدمه المحلل ليس إعرابا؛ لأنه فاقد لشرط أساس من شروطه.
6-في المبحث الثاني من الفصل الأخير تعرضت لمثارات الغلط الإعرابي المتعلقة ببعض الآليات التي يعتمدها علم الإعراب في تخريج بعض التراكيب الفرعية، وهي المسماة قواعد التخريج، وتبين أن توظيف هذه الأدوات ليس توظيفا عشوائيا، وإنما يخضع لمنطق إجرائي دقيق يراعي الطبيعة التركيبية للكلام المراد إعرابه، كما أن نتائج التخريج تخضع لتراتبية مهمة تتخذ شكلا متسلسلا له معياران أساسان:
*معيار الأصلية والفرعية بالنسبة إلى الصورة التركيبية في القانون النحوي.
*معيار القرب والبعد من مقاصد الكلام المستخرجة من خصائصه المدروسة سابقا.
ومنه؛ فقد قدم ابن هشام تقنينا حقيقيا لمواضع توظيف هذه الآليات وطرائق ذلك، وبين أنه من الغلط في الإعراب كسر تراتبية قواعد التخريج، والحمل على صورة فرعية مع إمكان الحمل على صورة أصلية، أو الحمل على صورة ضعيفة نحويا مع إمكان الحمل على ما هو أقوى منها في المعيار اللساني المستنبط من اختيارات المتكلمين أنفسهم.
كما توصل الباحث إلى أن أهم ما يميز عمل ابن هشام هذا هو أنه تصور أن العملية الإعرابية مركز حقيقي للمعرفة اللغوية وللقراءة المتأنية للنص، وصدَّق تصورَه هذا بشكل فعلي عن طريق استثمار كل معارفه المتعلقة بالنصوص-خاصة القرآنية منها-لتحقيق صياغة إعرابية لا تغفل معطيات النص على حساب قوانين الصناعة، ولا قوانين الصناعة على حساب معطيات النص. يمكن القول إن عمل ابن هشام في حدود السياق المعرفي لعصره يعتبر بادرة ممتازة في سبيل تحقيق خطة نقدية متينة لقراءة سائر الأعمال الإعرابية التراثية.
وأما بالنسبة لمدى الاستفادة من هذا التنظير في الدراسات اللغوية الحديثة؛ فإن الإنصاف يقتضي أن نقول إن صياغة ابن هشام لا تزال قاصرة عن ضبط كل مظاهر التطبيق النحوي، كما أنها قاصرة عن تغطية كل ما يمكن اشتقاقه من النص من مقاصد وما يمكن استنباطه منه من معطيات، من جهة أن المعرفة اللسانية المعاصرة قد قطعت أشواطا كبيرة في تحليل النص لفظيا ودلاليا وتداوليا. إلا أن هذا القصور ليس مسوغا لاطِّراح صياغة ابن هشام كلية، بل يرى الباحث أن هذه الصياغة تصلح أن تكون قاعدة لبناء الخطة النقدية في علم الإعراب، ومنطلقا لمزيد من التأصيل في هذا المجال باستثمار معطيات الدراسات اللسانية والتداولية المعاصرة في ضبط المفاهيم وتحليل النصوص.
المراجع :
أمين قادري ، مثارات الغلط الإعرابي من خلال كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري ، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير تخصص: دراسات لغوية نظرية(جامعة الجزائر-كلية الآداب واللغات - قسم اللغة العربية وآدابها )السنة الجامعية2007م-2008م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى