محمد عباس محمد عرابي - الأسجاع في الحديث النبوي الشريف - صحيح البخاري – للباحث/أحمد عباس داود

الأسجاع في الحديث النبوي الشريف- صحيح البخاري – رسالة تقدم بها الباحث /
أحمد عباس داود إلى مجلس كلية الآداب في جامعة الموصل ،وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستيرفي اللغة العربية وآدابها بإشراف الأستاذ المساعد/الدكتور ميسر حميد سعيد العبيدي في العام الدراسي صفر- 1426هـ / نيسان- 2005م
سب باختيار موضوع البحث :
بين الباحث في مقدمة دراسته أن الحديث النبوي الشريف، نصٌ رفيعُ المستوى، وعظيمُ المحتوى، يأتي في المرتبة الثانية بعد نص القرآن الكريم، وهو بدوره مُكملٌ للأحكام الشرعية، ومُوَضحٌ لما خفي منها واستتر. لكن المصادرَ التي تتحدثُ عن الأحاديث تنظيراً وتطبيقاً تعتريها شحةٌ وقِلةٌ، فهذا ما دفع الباحث إلى اختيار موضوعه في كلام المصطفى ().بالإضافة إلى رغبة الباحث وحبه في أن يكتب ويبحث فيما صَحَ إسنادُهُ عن النبي ()،وكانَ عنوانُ الموضوع بدايةً "البنية الايقاعية للحديث النبوي الشريف في صحيح البخاري"، وهو موضوعٌ جديدٌ كل الجدة،. فمن هنا تجلت أهمية البحث وقيمتهُ.
وقدتم تغيير العنوان وتعديلِهِ ليُصبحَ "الاسجاع النبوية الشريفة في صحيح البخاري"؛ كعنوان يليقُ بمقام الحديث النبوي أولاً، ويكونَ مقبولاً لدى الأوساط العلمية ثانياً.
منهج الدراسة :
قام الباحث بإحصاء الأحاديث المسجوعة في صحيح البخاري، وحاول الباحث إيجادَ أبنيةٍ لها، ثم أقام دراسةً تحليلية لمجموعةٍ منها؛ بغية الوصول والكشف عن آلية الجمال الفني والإيقاعي فيها، ومن ثم بيانُ المقاصِدِ والدلالات الصادرة عنها.
مكونات الدراسة :
تكونت الدراسة من تمهيد ، ثلاثة فصول، حوى كلُ فصلٍ مبحثين:
التمهيد: ضمَّ الكلامَ عن السجع لغة واصطلاحاً، ومن ثم الحديث عن صفاتِ السجع في الحديث النبوي الشريف واختلافه عن سجع الكهان.
الفصلُ الأولُ "تشكيل السجع في نثر الحديث ونظم الشعر" ، وانطوى تحت هذا العنوان مبحثان:
المبحث الأول : اختص ببيان أركان السجع عامةً، مع ضرب الأمثلةِ عليها من القرآن الكريم والحديث الشريف.
المبحث الثاني : تولى ذكر أبنية السجع في القرآن الكريم، وحاول الباحث إيجاد أبنية مماثلةٍ لها في الأحاديث المسجوعة الواردة في صحيح البخاري. وبعد ذلك حاول الباحث التطرق إلى أبنية السجع في الشعر العربي.
الفصلُ الثاني: التشكيل الايقاعي للسجع في الحديث النبوي الشريف":
وهو يختلف عن الأول؛ لأنهُ اشتمل على تحليل بعض الأحاديث النبوية المسجوعة تحليلاً إيقاعياً – وقد اشتمل على مبحثين:
المبحث الأول : تناول مصطلح "التنغيم" محاولاً تطبيقهُ على الأحاديث المؤهلة لذلك. المبحث الثاني : حمل "التوازي والتوازن" عنواناً لإظهار وبيان الظاهرة الإيقاعية.

الفصلُ الثالث : التحليل الدلالي دلالات الحديث النبوي:
وهو لم يختلف عن الفصل الثاني من حيث المعالجةُ التحليلية، إلا أنهُ سلط الضوء على التحليل الدلالي بدلاً من التحليل الايقاعي للأحاديث النبوية، والقصدُ من التحليل الدلالي هو دلالات الحديث النبوي على وجه التحديد، وليست الدلالةُ باعتبارها مصطلحاً،وهذا الفصلُ تفرعَ أيضاً إلى مبحثين:
المبحث الأول: ضم مطلبين، حوى الأول الكلام عن "اختلاف دلالة السجع النبوي باختلاف الحدث والمخاطب"، وأما المطلب الثاني، فقد ضم الحديث عن "الدلالة الهادئة للسجع في الحديث النبوي".
المبحث الثاني: اختص بالحديث عن "التكرار الدلالي للكلمات والألفاظ المسؤولة عن تقوية الدلالة".
الخاتمة : حوت أهم النتائج التي توصل إليها الباحث ، ثم تم ذكر قائمة المصادر والمراجع.
*مصادر الدراسة :
من أبرز المصادر ،و المراجع التي رجع إليها الباحث : شروح "البخاري" شرحا "فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني" و"عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني"، ومن كتب علوم القرآن كتابا :البرهان في علوم القرآن، الزركشي" و"الإتقان في علوم القرآن، السيوطي"، وكتب أخرى في تحليل الحديث النبوي كـ "أدب الحديث النبوي، بكري الشيخ أمين" و"الحديث النبوي، مصطلحهُ، بلاغته، كتبهُ، محمد الصباغ" و"من كنوز السنة دراسات أدبية ولغوية من الحديث الشريف، محمد علي الصابوني".
نتائج الدراسة :
توصل الباحث إلى عدة نتائج ذكرها كما يلي :
النتيجة الأولى: إن عُصارَة ما جاء في التمهيد، كان الكفيل في إعطاء أولى نتائج البحث، فمن المعلوم أن معارك كثيرةٌ دارت بين علماء البلاغة والنقد حول ورود السجع في القرآن الكريم، حيث انقسموا إلى أكثر من فرقة فمنهم من نفى السجع في القرآن، ومنهم من يقول بالسجع فيه، ومنهم من امسك عن إعطاء رأيه. وبما أن السنة مكملةٌ للقرآن الكريم فإن لها ماله.
فمن خلال استقراء آراء الفريقين، وإمعان النظر فيما ذهب إليه كلٌ منهما، توصل الباحث إلى أن هناك سجعاً في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، ولكنهُ يختلفُ عن سجع الكهان الذي نهى عنه الرسول الكريم؛ لأنهم كانوا يريدون به جعل الباطل حقاً، والحق باطلاً.
فجاء نهيُ الرسول الكريم عن الأحكام المتكلفة الصادرة من اسجاعهم، وليس عن السجع نفسه؛ لأن السجع نفسه إذا سلم من التكلف، وبرأ من التعسف، لم يكن في الكلام قط أحلى منه، والذي يطلع على ما جاء في الرسالة عن السجع، يكون على بنيةٍ من أن السجع الحسن غير منهيً عنه، بل مرغوب فيه.
النتيجة الثانية: هذه النتيجة لم تقل أهمية عن النتيجة الأولى فهي محاولة لإيجاد أبنية للسجع في الحديث النبوي الشريف على غرار أبنية الفاصلة في القرآن الكريم، وكان الفصل الأول من الرسيالة ساحةً مناسبةً لها، بالفعل استطاع الباحث أن يتثبت من عدة مباني للسجع في الأحاديث النبوية.
  • أولها: ما كان بحسب حرف الروي، فأحياناً يُسبقُ حرف الروي في قرائن السجع بجرفٍ مماثل، وأحياناً يلتزم حرفين مماثلين.
  • ثانيها: ما تكون بحسب الوزن، وهي الأخرى تتفرع إلى عدة جداول، منها في الحديث النبوي الشريف: المطرّف، المتوازي، المتوازن، والمرصع، عدا المتماثل الذي تم التمثيل لهُ بمثال من الحديث الشريف، الا أن المتماثل يختص بالآيات القرآنية، وإن كان لا ضير من ورودها في غير القرآن، باعتبار اتفاقهما في النثر.
  • ثالثها: بحسب طول الفقرة، وقصرها، حيث تمكن الباحث من إيجاد أمثلةٍ، عليها وهي تنقسم إلى قصير ومتوسط وطويل، فأما القصيرُ فأقصره ما يكون من لفظٍ واحد، وقيل ما تألف من لفظين، وأما المتوسط، فما زاد على ثلاث كلمات فما فوق، فاربع فخمس. بقي القسمُ الثالث وهو الطويل وأقصرُ هذا القسم ما يكون من إحدى عشرة لفظة، وأطولها غيرُ مضبوط، فلهذه الأبنية كلها وجود في الحديث النبوي الشريف.
  • رابعها: أبنيةٌ تنقسم بحسب القرينة إلى عدة أقسام:
أ- أن تكون القرائن متساوية في عدد الكلمات لا يزيدُ بعضُها على بعض.
ب- أن تختلف القرائن طولاً وقصراً، وهذا أكثر من نوع:
  • أن تكون الثانية أطول من الأولى.
  • وأن تكون الثانية أقصر من الأولى.
  • وأن تكون الأولى أقصر – والثانية والثالثة متساويتان.
  • وأن تكون الأولى والثانية متساويتين، والثانية والثالثة زائدة عليهما.
أخيراً، هناك بنية مستقلة عن التي مضت، وهي ما تسمى: بالفاصلة الداخلية أو السجعة الداخلية، وقد كان لأبنية الحديث النبوي نصيب منها.
النتيجة الثالثة: لقد كشفت النتيجة الثالثة من الفصل الثاني عن سمو ورفعة نص الحديث الشريف إيقاعياً وموسيقياً، فعلى صعيد تجانس الحروف وتقاربها كان لنص الحديث الشريف جمالية وحسنً، من حيث اختيارُ الحروف المناسبة مع الحدث المتكلم عنه. ففي مجال الوعظ والترهيب نجد القوة والفخامة، وفي مجال الدعوة والترغيب نجد الرقة والليونة، وفي الدعاء قبل النوم نجد اللحن الهادئ الخفيف، وفي الدعاء عند الحرب نجد اللحن الحماسي العنيف. كل ذلك يعبرُ عنه النبي (عليه السلام) بما يناسبهُ من الأصوات الملائمة معها.
أما على صعيد توازي فقر الحديث الشريف، فيمكن لنص الحديث أن يحتل المرتبة الثانية دون منازع بعد نص القرآن الكريم؛ وذلك لما يحمله من دقةٍ متناهية في إقامة الموازنة بين القرائن والفقر، فلا تزيدُ – في كثير من الأحيان – الفقرات بعضها على بعضٍ ولو بحرف واحد، ولا تنقص.
وهذا التوازي الدقيق قد فتح باباً واسعاً للتوازن العروضي في نص الحديث، فنحن نعرف أن إيقاعية البيت الشعري صادرة من تساوي طرفيه: الصدر، والعجز، في عدد التفعيلات والأحرف أحياناً، وقد استطاع الباحث أن يتوصل إلى عدة أوزان مختلفة عند تقطيعي لفقر الحديث، فمنها ما جاء على غرار البحور الشعرية المعروفة، ومنها ما لم يجيء على نسقِ عروض الشعر العربي.
فمما جاء على شاكلة العروض العربي قوله (عليه السلام): "خيرٌ من الدنيا ومن عليها" فهو من مشطور الرجز على وزن (مستفعلن متفعلن متفعل).
وما جاء من كلامه موزوناً ولكنه لم ينتمِ إلى أي بحر من بحور الشعر العربي، دليلٌ على سعة ومرونة ايقاع الحديث، وصحة وسلامة ذوقه (عليه السلام) فمنها قوله: "الأرواح جنودٌ مجندة، فما تعارف منها آئتلف، وما تناكر منها آختلف"، فقوله: فما تعارف منها آئتلف، جاء على وزن (متفعلن فعلن فاعلن)، وكذلك الجملة التي بعدها فإنها على الوزن نفسه. فلا عجب أن نقول بعد ما تقدم أنهُ يمكن للكاتب الناثر أن يكتب على غرار ما جاء في الحديث النبوي الشريف من الأوزان والتفعيلات، حتى يرقى بنصه إلى أعلى مستوى ممكن.
النتيجة الرابعة: لم يخلُ كلام النبي () من احتوائِهِ على بعض الأرجاز التي توهمُ القارئ بأنها شعرٌ، فتضطرُهُ إلى أن ينسبها إلى غيره من شعراء عصره، أو أن يضعفها؛ حتى ينزه بذلك كلام النبي من وقوع الشعر فيه.
لكن الأمر أهون من ذلك بكثير، حيث يتشاءل الباحث : هل إن كل كلام وقع موزوناً يعتبر شعراً؟ الجواب لا. ولو أجبنا بنعم لكنا واضعي الباعة المتجولين في قائمة الشعراء؛ لإننا نسمعُ منهم ما يكون موزوناً، كقولأحدهم : من يشتري باذنجان فإنه على وزن (مستفعلن مفعولات).
ثم هل ما جاء من كلام النبي الكريم موزوناً، كان مقصوداً أو غير مقصودٍ فيه؟ فلا شك أنهُ جاء من غير قصدٍ وتعمد بل جاء عفو الخاطر، فهو الذي جاء في حقه في سورة يس (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُو إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) فلا يمكن بل ومن المستحيل أن يتقصد الأوزان والتفعيلات في كلامه.
نخرجُ بعد ما مضى بنتيجةٍ، هي أن ما جاء من كلامه () موزوناً فليس بشعر، وذلك لأنه لم يتقصد إلى إقامة أوزانه، فوقع موزوناً على سجيته وطبعه السليمين، ولا ننسى أنه كان وليد عصرٍ تتواتر اليه النغمات من مناسم الابل وسنابك الخيل.
النتيجة الخامسة: تبين للباحث من خلال التجربة والبحث، مصداقية قوله (): "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم"، فتارة يخاطب العربي الذي قضى حياته في الرعي باسلوب بسيط مفهوم، وذلك من خلال إيراد ألفاظ وصفاتٍ قد ألفها، فتكون استجابتُهُ صحيحة لما يدعو اليه النبي الكريم.
وتارة يخاطب الفارس العربي في سوح القتال، بما يفهمُهُ من اللغة والاسلوب، فيأتي بألفاظ وعبارات تكون بمثابة الرد عليه، وايقافه عند حده، وبرز ذلك جلياً يوم أحد، عندما تراجع المسلمون إلى الجبل، فتبجح أبو سفيان حينئذٍ قائلاً: اعلُ هبل. اعلُ هبل. فأجابه النبي: الله اعلى وأجل، ثم قال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم، فأجابه النبي: الله مولانا ولا مولى لكم.
وتارة يخاطب العقول بألفاظ غير مباشرة، فلا يمكن للانسان أن يدرك معناها لأول وهلةٍ، إلا إذا أمعن النظر، واشغل الفكر. وكان القصد من ذلك حاجةً في نفسهِ الشريفة أرادُ قضاءها، وهو يعلمُ أن المخاطب سوف يستأنس بما يقوله، بتعبير آخر: إن الألفاظ والكلمات المزمع إتيانُها سوف يكون لها من الفائدة ما يفوق غيرها، فكان النبي بذوقه وفطرته السليمتين يختار الأنسب والأحسن.
النتيجة السادسة: ثمة تكرار لألفاظ وكلمات في الأحاديث النبوية الشريفة ساعدت في تقوية الجانب الدلالي بالدرجة الأولى، وهذا النوع من التكرار فريدٌ من نوعه، وهو تكرار كلمةٍ واحدة في نهاية كل جملةٍ من جمل الحديث الشريف. فالمألوف في التكرار أن كلمةً ما تتكرر، في سياق النص دون تعيين لموقع التكرار إلا أن ما وجدناهُ في نص الحديث، هو تكرار لفظةٍ في نهاية الجمل، بتعبير آخر يعني اختتام الجمل كلها بسجعةٍ واحدة، أو اتفاق الجمل كلها على سجعةٍ واحدة.
وهذا النوعُ من التكرار قلما يَردُ في الكلام؛ لأن الكاتب إذا لم يكن على درجة غايةٍ في البلاغة – كالرسول الكريم – يخفق أو يكاد في الآتيان به، وتبدو الرتابةُ والتصنع في كتابتِهِ. وقد خُتمت سورة في يالقرآن الكريم بمثل هذا التكرار وهي سورة الناس.
(قُل أَعُوذ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُور النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ).
حيث خُتمت الآيات كلها بكلمةِ "الناس" ما عدا لفظة الخناس والتي يُراد منها معنى الناس أيضاً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى