محمد فتحي المقداد - إضاءة على ديوان (والشوق شأنك) للشاعرة ابتسام الصّمادي

المرأة أمٌّ بطبيعتها؛ فإذا كانت شاعرة فهي وطنٌ، ابتسام الصمادي وطنٌ تحكيه بكلمات موجوعة، وعيون مدموعة، وقلب مُدمىً على وقع لحن جنائزي أوجزته ببيت شعر. وفي صفحة الإهداء تتضح هوية ديوان شعر "والشوق شأنك"؛ فتقول: "من يليق به الحزن، يليقُ به الفرح. الحزن مادة ثمينة، سترٌ لا نهتكه مع أحد" ص5.

وإذا سألوك عن الشعر، فهل هو تمحورات حول الذات وعواطفها ورغباتها فقط، بينما عند "ابتسام الصمادي" هو حالة: نيرفانا الصعود لفضاءات واسعة من أغراض الشعر المبتكرة المتجددة على كافّة الأصعدة، اعتبارًا من الموهبة، وإتقان صنعته وفنونه.

لتتواءم مع هتافات الحرية آملًا بالوصول من التغيير للسعادة في مستقبل منشود، والتحرر من براثن الدكتاتورية العسكرية الغشيمة المقيتة، رغبة بالوصول إلى ولادة حياة جديدة، رغم مشقّة الطريق المليئة بالعقبات والمثبطات والموت البطيء بالتجويع والتخويف، والاعتقال والتغييب في غياهب ظلمات السجون.

وعلى رأي الشاعر الفرنسي "جان كوكتو": "الشاعر لا يطلب الإعجاب أبدا، بل يود أن يصدقه الآخرين". وبذلك تقول "ابتسام الصمادي": "ما نكتبه اليوم، ونحن ندرك أنه زلّة قدم في عتمة الضمير" ص10.

وفي زحمة النشر في وسائل التواصل من السيل الجارف من الكلام المنمق، على أنه شعر. تتساءل الشاعرة ابتسام الصمادي" بشفافية مطلقة:

"الشعر.. يا للشعر، كيف يتربص بالصبايا على بوابات المدارس. داخل الشعر تفتش البنات عن رجل يكتب فيهن ما يتمنين سماعه، داخل الشعر يموت العاشق شوقًا، عندما يلمح قصيدة تشبه حبيبته" ص8.

" داخل الشعر أنت على نقطة ساكنة يسميها المتصوفة نفطة الصفر، التي تربط مبتداها بمنتهاها، ربما هو الزاوية الحادة من مثلث متوازي الحياة والموت"ص9.

"أم هو نقطة الماء التي تفلق الصخر بهدوء شديد، وتأن مزمن دون ضجيج الضرب وقساوة الطرق!! " ص9. رؤية الشاعرة تنبثق من فلسفة عميقة لرؤية الحياة من زوايا مختلفة، وملاحظة ماوراء الواقع بعين خبيرة، تمتلك تفوذا سريا على محيطها، كل ذلك سعيا منها للتغيير، أي أن سلاح الكلمة أقوى ألف مرة من قوة الرصاصة، تذهب اليد الضاغطة على الزناد وتبقى الكلمة.

المجموعة الشعرية "والشوق شأنك" جاءت مقسمة إلى ثلاثة أبواب. الباب ضم العديد من القصائد. وكانت إحداها ذات العنوان الذي احتل الصدارة عنوانًا رئيسًا للمجموعة.

جميع القصائد تتمحور حول الحب والوطن الموجوع بالخوف، وعلى لسان الشاعرة:

"أنا من بلاد الخوف، حيطان لها آذان. وطريدة، وشريدة البلدان" ص48.

"وأنا شآم الله فُك رتاجها، فاجتاحها النمل المميت يصول" ص46.

والشام في عيني "ابتسام الصمادي" يتمثل فيه الكون بأجمعه، ولا تفتأ تستعيد تاربخ مجد بناه الأجداد، وبقولها:

"تتعفّن الدنيا بلا شمس إذا.. انطفأت بيوم، فالشام بديل// لبني أمية في العروق صواهل.. عدّوا الأصائل فالدماء خيول" ص45.

وبتتبع بسيط لبعض مفردات متفرقة من النصوص، نقرأ هوية الديوان: (قاسيونك. أصفاد المنافي. دمعي همى. الدخيل. العواصف. أوجعني. السجن. الحروب. الوحوش. افتش عن صباح. الطاغوت. قطعت يداي. الإرث الخفي. يُحطب. تبت يداه. تهرب بسمتي. أين المصير) هذا أنموذج من دلالات تختزنها الكلمات.

وفي قصيدة "الغريب (أوباما)" تصب الشاعرة جام غضبها على تردد العالم الذي يدعي أنه حر. في الانحياز للإنسان وقيم الحرية والعدالة، بل انحاز للقتلة والمجرمين. ورغم هذا وذاك تصرخ: "أموية.. تجري الخيول بدمعتي، شآمية.. جرح القطا ببسالتي//حزني الجميل برغم يتم نسيجه، يبقى شفيفا لا يزعزع هامتي" ص27.

الباب الثاني (باب التغريد)

وبتعريف الشاعرة له: (قصائد قصيرة جداً (ق ق ج) التغريد فن حديث كانت العرب تسمي أجمل بيت (ببيت القصيد) واليوم هو (التغريد) الفرق أن بيت القصيد يخرج من القصيدة ويعود إليها أما التغريد فإن القصيدة تخرج منه ولا تعود إليه) ص55.

والباب الثالث والأخير:

لا أظنُّ إلا أنها قصائد غاضبة على غرار قصائد "نزار قباني"." قصائد مغضوب عليها"، مغضوب عليها من الدكتاتور، ولكنها تبث الغضب في وجهه، وتقول له:"إرحل.. نحن الباقون المتجذرون.. والوطن لنا..".

(نصوص شعرية في زمن أغبر تطعن فيه المنظومة الأخلاقية الجمعية للبشرية، يخرج السؤال الكبير: هل من إبداع يتخطى حدود الہم الخاص ويتمركز في البقاء الأسمى لمخزون حضاري يرقى أن يكون إنسانياً، وكونياً؟!

لا تعجبوا إذا شقت القصيدة ثوبها وخرجت للنثر حافية تدوس على زجاج القوافي والتفاعيل
) ص 79.

والنص الأخير في هذا الباب. خاتمة المجموعة "والشوق شأنك"، حمل عنوانا صادمًا غاصًا بالغضب، وخيبة الأمل للمُخرجات السيئة القذرة طيلة عقد من الحرب والدمار والقتل والتشريد.

(في البلاد التي تضع صخرة في فمك وتقول: عش

ونضع في عمرك صباها وتقول: مت

فلا أنت بحي ولا أنت بميت

تعطيك المنافي ظلها

فتمنحها شجراً من وجودك

فلا وجود لزيتونك ولا ضوء لزيتك...

خذني الى قارب نجوت فيه

لا شيء يشبهني سواه

يطفو كأنه حي

لكنه غير موصل للحرارة

ولا موصل للحنين

أنا الممزوجة بطاقة من دفق الفراتين

من رحيق الياسمين
) ص 87.

وختامًا. يكبر الشّاعر في عيون الجماهير بانحيازه لقضايا أمته، ابتسام الصمادي سنديانة حورانيّة إذا انحنت تُكسَر، صلبة بصلابة البازلت، فلو أنها انحنت قليلًا كما انحنى الآخرون، لكانت تحت أضواء المناصب التي هجرتها من أجل أن تبقى إنسانة حُرّة.

عمّان. الأردنّ

27/ 8/ 2022​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى