خالد الدامون - يوما.. سأقيم في الغفوة الأخيرة!

1
الأن
أقف في مكاني عند السفح
تتعبني أنفاسي قبل أن أبادر الجبل..
يتوارى التعب فجأة
مع الخطوات..أنفاسي غيوم أعماقي
ألفضها سرب متاهة
تفتش عن أجنحة
لتنبت رفيفها ألف سماء!

2

والأن
أنصت للمذياع..
أقشر الحنين على الثامنة صباحا
أنصت..
ربما أيضا لأني
اشتقت نشرة الطقس دون خرائط باهتة
صور بائتة
دون مقدمات مجاملة،
ربما اشتقت لصوت المذيع الذي يحب الناس
ويسدي نصائح طرية خصبة
عاشقة للبحارة والفلاحين،
أو ربما
اشتقت للحب..
الحب جرح الأغاني
صدى صوت طفلة الخيال تلك
صارت أبعد من طلل
في كنف نجمة،
أبعد من وميض
يخترق القلب في خريف العمر!

3

أقفلت المذياع..
الأن أنصت لوجعي..
جراحي ندف نار
حولها يأخذ الحباحب مواعيد حب..
حمام دفئ ليالي الشتاء،
دمي عطر حزين
يصهل في القفار والفيافي..
ضوئي مهرة..
ويدي واحة
تعبرها قوافل الكلمات!
4

قد أكون ذو بعد..
لست أدري.. غير أنني في النأي
قريب إلي،
قريب من ناي اللغة،
كلماتي ذاكرة هواء عليل وترانيم..
لم تنس أن تواسي حقولا منفية
في تخوم الأرض
ترثي أغاني عصافير الربيع
وقعت في عز انطلاق الأريج
في مكائد الفخاخ !
5

لك هذا العمر إذا
لك هذا العمر مرة واحدة، اغتنمه
ليس لتقول وداعا
بل لتقول شيئا مختلفا
اغتنمه في نداءات لا تخبو
في الحب..
لتقول شيئا مختلفا، اغتنمه
واشرع في وجه النوافذ المغلقة
إشراقات الحياة!
6

في النداء
أمد أحابيل الحلم أكثر..
أفتش عن سماء أخرى تجاور المجاز
لأخبرها أن الحقيقة مصلوبة على الارض،
وأنني كائن أعشقها
وأنها بجمالها فوق التصنيف
وفوق الفهم..
في النداء
كل يوم أتهجى..
أتعلم كيف أكون شرارتها
كيف أصقل رغبة حروفها الأولى
في عناق طور النطفة
قيد التكوين!
7

ألملم غربة صوتي..
فأبعثرني أكثر..
سأتركني هكذا حرفا حرفا
حتى يوما
إذا ما تذكرت قبلتي الحبيبة
تجدني
ازهرت في حقيبة شوقها
مرايا..
وأمشاط..
واسماء الأماكن الذي كنا نفكر في زيارتها
قبل أن تختفي فجأة كل خرائط الحب!
ألملمني وأنادي:
يا يدي كيف أعود إلي..
أدس صدى الحنين في قلبي
كأول العمر
كنبض الدم البكر في الشرايين!

8

يوما ستنقر الشمس باناملها الذهبية
نافذة غرفتي
وتعبر دوني دروب القرية
في قلبها غصة الضوء
تمسح على خد القرميد الذابل
في مدن الصمت..
يوما لن أستيقظ انا
سأقيم في
في الغفوة الأخيرة..
سأظل في الحلم أسكب آخر الحليب
على روح البن
على آخر قطعة سكر
في الحكاية،
سأقبل رأس طفل
ويد طفلة ونمضي معا بكل براءة
في الهواء الطلق نقرأ علاقة الجرح بالروح
ونشك في براءة الأقدار..
يوما ما
ستتذكرنني الأبدية
ستحضنني كإبن
ناور ثقل الوجود بالقصائد والكلمات..
خفيفا مرحا
مضى
يطعم الموت من لحمه
حتى الشروق في المدى والتراب!

9

أعرف كل تلك الأشياء..
لا توجعني كل تلك الأشياء..
وجعي الكبير..
أن خرائط الحب الشفافة أحرقت..
الكلمات الرحبة بالعنفوان
المترامية الأشواق
أحبطت..
وجعي الكبير..
تلك الرصاصات أعرف من أطلقها في الظلام..حتى صار الطريق أضيق من سرداب أعمى
لا يفضي آلى أمل في النور!

10

أعرف كل تلك الأشياء
وتوجعني كل تلك الأشياء
حد السؤال الكبير..
ماذا بعد؟
ثم حين سيتحول هذا الكون
إلى جثة هامدة
من سيدفنها؟

11

ما أقسى أن تكون وهما..
كوكبا مغتربا..
ما أقسى هذه الهوية يا صديقي
ما أقسى هذه الهوية
لولا فسحة الكلمات
في نزهة الخيال !
__________________

* خالد الدامون.

_____________________

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى