خالد محمد مندور - هل الحرب هي امتداد للسياسة أم للحماقة؟.. هل آن أوان دفن كلاوزفيتز؟

الكل يردد مقولة كلاوزفيتز الشهيرة أن الحرب هي امتداد للسياسة، ولكن غالبا ما يتم تحويل هذه المقولة العبقرية الى مجرد مقولة مجردة عن تطبيقها على أحداث التاريخ في الزمان والمكان، وفى الحقيقية وإذا تجرءنا على هذه المقولة فإن الحرب ليست امتدادا للسياسة، بل هي التعبير النقي الخالص عن اللحظة الكاشفة في السياسة، هي السياسة بلا اقنعة أو رتوش، ولذلك لا يمكن فهم الحرب إلا باعتبارها عملا سياسيا متجردا من.............السياسة!!

بالقطع فان السياسة قد تكون حمقاء، ولكنها تبقى سياسة، فالحماقة السياسية هي أيضا سياسة ولذلك فكثيرا ما تكون الحرب هي الحماقة ذاتها، لذلك فمن حقنا أن نصف الحرب باعتبارها سياسة بصرف النظر عن حماقتها.
والغريب أن الكثيرون يقفون من الحرب باعتبارها عملا معزولا عن ما قبلها أو بعدها، برغم قناعاتهم بالمقولة الكلاوزيفيتزية، هذه الرؤيا للحرب التي كثيرا ما تكون بسبب الانحياز العاطفي أو النفسي او حتى السياسي لأحد أطراف الحرب، رؤية قد تتسبب في صدمة نفسية أو عاطفية أو حتى سياسية لصاحبها عندما تتضح نتائج الحرب التي تبدو كما لو كانت هابطة من السماء أو بفعل شيطان رجيم تبنى سياسات تتناقض مع نتائج الحرب أو مع المسار الكلي للسياسة قبل الحرب وبعدها.
لذلك لا يمكن فهم حرب السياسة وسياسة الحرب إلا بفهم التطور التاريخي الذي قاد السياسة الى اعلى درجات التجرد، أي الى الحرب، ثم عودة السياسة، من جديد، إلى حرب السياسة.
ولعل أحد أبرز الأمثلة في تاريخنا المعاصر هي حرب أكتوبر 73، فالملاحظ أن هناك احتفالية كبرى بأبطال هذه الحرب بمناسبة ذكراها، وهو أمر مشروع وواجب وضروري، ولكن لا أجد اهتماما جديا بتطور السياسة قبل وأثناء وبعد الحرب لان هذا التطور هو وحده القادر على فهم سياسة الحرب وحرب السياسية، وهو وحده القادر على تفسير الاستراتيجية والتكتيك العسكريين التي تبنتها مختلف الأطراف المشاركة في سياسة الحرب سواء بشكل مباشر أم بالوقوف خلف المشتبكين فيها والى فهم أعمق للقرارات العسكرية التكتيكية التي اتخذت أثناء القتال.
وبدون مثل هذا الفهم لا يمكن الوصول الى تقييم دقيق وحقيقي لأدوار وخلافات كبار القادة، السياسيين والعسكريين، من كافة الأطراف، التي تعم وسائل التواصل الاجتماعي والكتب والمذكرات، فيرفع البعض الى مستوى الاجلال والتقدير الكبيرين استجابة للميول العاطفية أو انحيازا لاعتبارات سياسية جزئية لتغييرات حرب السياسة بعد انتهاء سياسة الحرب.
وتدور الآن سياسة الحرب بين أوكرانيا وروسيا حيث تحظى بمتابعة واسعة مليئة بالانحياز العاطفي لدى الكثيرون مما يجعلهم عاجزون عن رؤية حماقات سياسات الحرب، أي حماقة التكتيك والاستراتيجية المستخدمين من الأطراف المشتبكة بشكل مباشر أم غير مباشر، ويجعل النتائج المتغيرة للقتال الدائر تبدو مفاجئة وتثير الدهشة برغم انها، لو تروينا قليلا وتخلصنا من ميولنا العاطفية، قد لا تثير أي دهشة.
والتاريخ ملئ بحماقات سياسات الحرب منذ أن مارست البشرية توحشها بشن الحروب ولكن الدوافع عديدة ومتعددة للوقوع في حماقة تبنى استراتيجية وتكتيك حرب الحماقة ويأتي على راسها أن الحرب هي حقا وفعلا سياسة وأن السياسات العليا للحرب يجب أن تتلاءم مع مقتضيات الحرب الحديثة ، أي حرب الحركة لإيقاع الهزيمة بالطرف الأخر ، لذلك عليك أن تقيس وتقدر العناصر الكلية المؤثرة على مسار العمليات العسكرية والتي لا تتوقف عند حجم القوات ونوعية التسليح ومستويات التدريب و تنظيم القوات المشاركة وسلطات القادة الأصاغر ، بل أيضا عناصر القوة الشاملة للأطراف المتصارعة التي تشمل الأوضاع الاقتصادية والتعليمية وتمتد الى الخطوط الخلفية الداعمة على الصعيدين الإقليمي والدولي ، أي على مصادر التمويل والإمداد وتعويض الخسائر من حلفاء الأطراف المتصارعة .
ويبقى أخيرا الإجابة على التساؤل الثاني، لأن التساؤل الأول تمت الإجابة علية، وهي هل حان أوان دفن كلاوزفيتز؟ وهو أمر لن يأتي أبدا لأن تصوراته ستظل صحيحة سواء أكانت السياسة أم حماقتها هي السائدة.
أليس كذلك؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى