عمار نعمه جابر - مسرحية (المرة الالف بعد الالف)

( امرأة في نهاية العقد الثالث من العمر ، تجلس على كرسي ، تضع قدم على الاخرى وتدخن سيجارة)

المرأة : لماذا لا يريد أحد أن يتحدث معي ، أنا أجلس على هذا الكرسي منذ ثلاث ساعات ، لماذا لا يريد احد ان يخبرني ، ماذا افعل انا في هذه الغرفة ، ما هذا المبنى الذي أنا محتجزة فيه ( ترفع صوتها ) اريد ان يكلمني احد .

( يدخل رجل 1 ، يضع امامها فنجان قهوة )

رجل 1 : هل ترغبين بشيء آخر ؟

المرأة : انا اجلس هنا منذ ثلاث ساعات !

رجل1 : اعرف .

المرأة : لا يدخل هنا سواك ، تأتي بفنجان قهوة كل ساعة ، ثم لا أراك .

رجل 1 : القهوة مفيدة لك .

المرأة : احتاج ان تنفذوا طلباتي اولا .

رجل 1 : نحن نعمل على ذلك .

المرأة : اتمنى ذلك .

رجل 1 : انتظري هنا وحسب . ( يخرج )

( المرأة ، تحاول ان تمد يدها الى فنجان القهوة ، تتردد )

المرأة. : ربما يكون فنجان القهوة ، فيه مادة منومة ، او مادة مخدرة ، أو حتى سم ( تنهض ) لن اشرب اي شيء ، لا يمكن أن أثق بأي شخص هنا ، يجب أن أحافظ على نفسي حتى وصول سعادة السفير الى هنا ، الامور غير مضمونة مطلقا ، قد تكون المسألة كلها ، انتظار أمر من جهة ما ، في السلطة العليا ، ولن ينفذ احد طلبي في استدعاء سفير بلدي الى هنا ، نعم ، ربما هو كسب للوقت فقط . انا في داخل جحر الافعى ، ليس بيدي شيء لكي أفعله ، أنا في قبضتهم ( تتحرك ) كان يجب ان أموت قبل أن يتم القبض علي حية هكذا ، ماذا أتوقع منهم ، أن يتم استقبالي بالورود ، وأنا كنت اقنصهم ، ببندقيتي القناصة ، من على أسطح المنازل في المدينة ، كان يجب أن أقتل نفسي قبل أن تنفذ ذخيرة مسدسي الشخصي ( تجلس على الكرسي ) يجب أن انتظر ، ليس عندي شيء اخر ، أنتظر ما سيحدث ، اجلس وانتظر .

( يدخل رجل 1 )

رجل 1 : لماذا لم تشربي قهوتك !

المرأة : لا اريد ان اشرب قهوة .

رجل 1 : كان عليك ان تخبريني ، لأشرب منها قبلك ، لكي تتأكدي منها .

المرأة : هل هناك اخبار جديدة عن تنفيذ طلبي ؟

رجل 1 : كلنا ننتظر مثلك تماما .

المرأة : أنا لا أشبهكم .

رجل1 : نعم ، اعرف ، لكنك الآن تشبهيننا في الانتظار ، لا في المصير .

المرأة : هل ستقتلونني ؟

رجل 1 : وهل عندك شك في ذلك ؟

المرأة : ولكني طلبت سفير بلادي ، كي يقابلني .

رجل 1 : وهل سيكون هناك فرق .

المرأة : لست وحدي في هذا العالم ، هناك من يدافع عني .

رجل 1 : انت وحدك ، من اختارت ان تجئ من بلدها البعيد جدا ، لتقتلنا هنا .

المرأة : جواز سفري سيدافع عني .

رجل 1 : هل انت جائعة ؟

المرأة : اجلب لي قدحا من الماء ، كبير .

رجل 1 : كبير !

المرأة : كي تتذوقه قبلي .

رجل 1 : حسنا ، هل لديك طلب آخر ؟

المرأة. : لا أعتقد أنكم هنا بدون مرحاض صحي .

رجل 1. : لدينا الكثير منها هنا . ( يخرج )

المرأة. : ( تمد يدها للقهوة ، ترتشف رشفة ، ثم الثانية ) اشعر أنهم بحاجتي هنا ، يحتاجون ان يعرفوا مني بعض التفاصيل ، لن يقتلونني الآن ، سيكون هناك متسع من الوقت ، سأشرب كل القهوة ( تشرب القهوة ) قد يصل سعادة السفير في أي وقت ، اتمنى ان يدرك خطورة مرور المزيد من الوقت .

( يدخل رجل 1 )

رجل 1 : هاك قدح كبير من الماء .

المرأة : اشرب منه أنت أولا .

رجل1 : ولكنك شربت القهوة .

المرأة : حسنا ، وماذا عن المرحاض .

رجل 1 : غير مسموح لك استخدام المرحاض ، في الوقت الحاضر .

المرأة : وماذا تظني فاعلة بحمولة مثانتي !

رجل 1 : تفعلين ما كنت تفعلينه لأيام ، وانت على أسطح البنايات ، بلا حركة ، تتربصين بجنودنا .

المرأة : ما عادت معي ذخيرتي من حفاظات الأطفال التي كنت استخدمها .

رجل 1 : لازلت ترتدين واحدة ، أفرغي بها حمولتك ( يخرج )

المرأة : ( تنهض واقفة ) لن تكون الامور سهلة ابدا ، وقتي قصير ، قد يصدر قرار تصفيتي بأية لحظة ، أعرف أنني محظوظة لوصولي حية الى هنا ، لقد تم التخلص من قناصين كثر ، في ارض المعركة مباشرة ، ردة فعل طبيعية ، القناص يمارس أكثر انواع القتل دونية ، وسفالة ، نعم ، وإلا ما معنى أن تقتل أحدهم على بعد أكثر من ثلاثة آلاف متر ، هو حتى لا يراك ، وانت لست في مدى سلاحه ، وكذلك لست مقابلا له ، في ساحة معركة واحدة ، ما يفعله القناص ، يشبه فعل الطعن في الظهر ، أنت تقتل الناس ، بدون أن يتوقعوا وجودك ، تختبئ في مكان ، بعيد وآمن ، وتصطاد أجساد الناس ، تخترقهم رصاصتك الكبيرة ، تحدث فيهم ثقبا كبيرا ، أكبر من أي رصاصة أخرى ( تجلس ) رصاصة القناص ليس فيها رحمة ، صنعت لتكون واحدة ، لا يثنيها القناص بأخرى على جسد الضحية .

( يدخل 1 )

رجل 1 : لقد وصل الرد من مكتب سفارة بلادك .

المرأة : ( تنهض ) ماذا كان ردهم ؟

رجل 1 : ( بشدة ) اجلسي ، لا تنهضي عن مكانك .

المرأة : حسنا ( تجلس ) اخبرني فقط عن ردهم .

رجل 1 : يقولون في السفارة ، أن الطلب قد وصلهم .

المرأة : هل هذا كل شيء !

رجل 1 : أعتقد أنهم سيتأكدون من بياناتك .

المرأة. : وكم سيستغرق ذلك ؟

رجل1 : انت من رعايا بلد التقدم التقني ، لا اعتقد أن الامر سيأخذ وقتا طويلا .

المرأة : وماذا ستفعلون انتم بالمقابل ؟

رجل1 : ننتظر ما تقرر المرجعيات العليا في القضاء .

المرأة : وهل سيكون الرد سريعا ؟

رجل 1 : تقصدين الموافقة على تصفيتك ؟

المرأة : نعم ، متى يأتي الأمر بقتلي ؟

رجل 1 : لولا أن أحد الضباط ، أرسل موقفا بالقبض عليك ، لما تأخرت كل هذا الوقت .

المرأة : وكم سيستغرق الامر ؟

رجل 1 : هذا الأمر تحكمه أمزجه ، وانتماءات ، وحقوق انسان ، لا اعتقد ان الامر سيكون قصيرا .

المرأة : ومن سيقتلني ؟

رجل1 : ( بهدوء ) أنا بكل تأكيد .

المرأة : أنت !

رجل 1 : نعم ، أنا ، وبكل تأكيد .

المرأة : متيقن جدا .

رجل 1 : هذا لأنك قمت أنت ، بقتل أخي الصغير .

المرأة : أنا لا أقتل الاطفال ، ولا النساء ، أنا أقتل المقاتلين فقط .

رجل 1 : ولكن الأوامر الموجهة لكم ، هي قتل كل شيء يتحرك .

المرأة : لا أهتم كثيرا بالتوجيهات ، أعمل بقناعاتي الخاصة .

رجل 1 : ربما بسبب ذلك ، بقيت طويلا في أرض المعركة ، وقتلت الكثير ، دون أن يكتشف أمرك .

المرأة : أنا أشك أنني أنا ، من قتل اخاك الصغير .

رجل 1 : أخي كان جندي ، في التاسعة عشر من عمره .

المرأة : دائما ما أنظر في وجوه الرجال الذين أقتلهم ، أختار الأشخاص المؤثرين ، وأصحاب الرتب ، والأشخاص اللذين يشكلون خطر واضح .

رجل 1 : أخي كان أقرب جندي ، قد وصل الى مكانك ، هو من ساعد الاخرين للوصول اليك .

المرأة : تذكرته ، نعم ، أخوك لم يعطني فرصة ، كان مندفعا ، متحمسا لقتلي .

( رجل 1 ينظر بصمت الى المرأة ثم يخرج )

المرأة : ( تنهض ) كانت البداية بسيطة ، المرء يتعلم سريعا من ابيه ، يتعلم بهوس من الاشخاص الذين يحبهم ، كنت أحب ما فيه من صمت هدوء ، صبر وتحمل على كل ما تفعله أمي ، كان كبيرا ، بينما هي ، لقد كانت سطحية ، لم تستطع ان تفهمه . كنت احبه واحترمه ، بل لا ابالغ حين اتحدث عن تقديسه ، أبي كان شيئا مميزا جدا . كان يأخذني وانا صغيرة الى البحيرة القريبة ، نركب قاربنا الصغير ، ونستقر به في غرب البحيرة ، البعيدة ، نرمي سنارة واحدة تخص ابي ، ونبقى لساعات على وجه الماء ، صمت وانتظار ، لا نزعج الضحية ، ننتظر أن تبتلع الطعم ( تتحرك ) كان صمت البحيرة ، وسنارتي التي أهداها لي ابي ، فيما بعد ، هما من دفعاني للتمرين الاول في القنص ( تجلس ) لو كان أبي يرى ما أقوم به على أسطح المباني ، لما سامحني ابدا ، كيف تركت مركبه عند البحيرة مهجورا ، كيف استطعت تحويل صيد الاسماك الصغيرة ، الى صيد الجنود ، لقد انحدرت بي الأمور كثيرا !

( يدخل رجل 1 )

المرأة : أخبرني ، أيهما وصل أولا ، جواب القتل ، ام جواب السفارة ؟

رجل 1 : لا هذا ولا ذاك ، وصلت الموافقة على دخولك الى المرحاض الصحي .

المرأة : موافقة ! ما لذي غير الموقف ؟

رجل 1 : أنا طلبت الاذن لك ، بشكل شخصي .

المرأة : ولماذا تفعل ذلك ، ولقد قتلت أنا ، اخوك الصغير .

رجل 1 : لا يجب أن أخلط في الاوراق ، انت تحتاجين مرحاض .

المرأة : لست بحاجة الان الى مرحاض .

رجل 1 : هل يعني أنك استخدمت حفاظك الأخير ؟

المرأة : لم أكن احتاج مرحاض أصلا .

رجل 1 : حاولي ان تركزي في وقتك الاخير ، اطلبي ما تحبين ، الوقت ليس بصالحك .

المرأة : قد يصلني رد السفارة قبل أن أموت .

رجل 1 : انت متفائلة جدا .

المرأة : متمسكة بأمل ضعيف ، لكنه لازال موجودا .

رجل 1 : كان اخي الصغير حين فاضت روحه ، يرى نفسه شهيدا من أجل الوطن ، يعتقد أنه يدافع عن مدينته وأهله . فأي فكرة تراودك أنت ، وانت تتحركين مثل الافعى من سطح الى آخر ، كي تقتلين الناس في مكان بعيد جدا عن بيتك ، أخبريني ، لأجل ماذا تموتين ، هل سيعتبرك اصدقائك بطلة ، أم مجرد مرتزقة ، تبحث عن المنافع المادية ؟

المرأة : أنا لن أتحدث عن أي شيء ، قبل أن يأتي سعادة السفير ، أنا أريد محامي .

رجل 1 : أنا لست محققا .

المرأة : أنا لا أعرف رتبتك في هذه المؤسسة .

رجل1 : عليك أن تعرفي أننا لسنا بحاجة لمعرفة أي شيء منك ، انت لست ضابطا كبيرا ، او شخص محوري في قوات العدو ، انت مجرد قناص ، لا تهمنا معلوماتك . أنت هنا بسبب خطأ في رفع الموقف . أمثالك يموتون مباشرة في أرض المعركة ، هكذا نتعامل مع أمثالك .

المرأة : انتم تقتلون أسراكم .

رجل 1 : ربما أنك تعرفين جيدا ، أنه قد تم إطلاق سراح أسرانا بتدخل شخصيات متنفذة ، ووجدناهم يعودون الى ارض المعركة ، يقاتلون من جديد ، لذا كان ضباط المعارك يتخلصون منكم مباشرة ، دون معرفة المراتب العليا ، نوع من أنواع الدفاع عن النفس .

المرأة : هل تصدقني اذا قلت لك ، أنني لست هنا من أجل المال .

رجل 1 : اذا كنت لا تقتلين من أجل الوطن ، ولا المال ، اذن من أجل أي شيء تمارسين القتل ؟

المرأة : المتعة .

رجل 1 : تستمتعين بقنص الناس !

المرأة : لقد عبرت الحدود بشكل غير رسمي ، ولا أحد يعرف عني شيئا .

رجل 1 : لماذا ؟

المرأة : هواية صيد السمك السبب ، كنت أصيد السمك مع أبي ، ثم اشتركت في نوادي الرمي ، حتى حققت أعلى نقاط في إصابة الأهداف ، تحولت الى مدمنة ، هذه الحرب كانت برنامج واقعي فقط .

رجل 1 : من يصدق أن كل هذا الموت ، كان مجرد متعة ومكاسب عند البعض ( يخرج )

المرأة : حين كنت هناك ، في الجانب الآخر من العالم ، كنت أنظر الى كل هذه الحياة بصورة مختلفة ، فالحياة كلها كانت مجرد متع متلاحقة ، مغامرات من أجل الاكتشاف وقضاء وقت جميل . كان كل من حولي يدفعونني الى عيش حياة ، كل ما فيها ، هو الاستمتاع بكل شيء ، وبأي شيء ( تنهض ) حين دخلت هذه الحرب ، قبل ثلاث سنوات ، كنت في يوم ما على أحد السطوح في المدينة الأولى ، التي خدمت فيها ، اخترت مكانا استطيع منه مراقبة كل المدينة تقريبا . كان الجيش يحاصر المدينة ، المهمة التي أوكلت لي ، هي فتح منافذ لمرور الطعام والأسلحة من المدينة المجاورة ، كانت كل الجبهة مفتوحة أمام منظار السلاح القناص الذي بحوزتي ، كنت أرى الجنود وهم يمارسون أدق تفاصيل حياتهم ، يأكلون ، ينامون ، يتغوطون ، يصلون ( تتحرك ) متعة الصياد كبيرة ، حين يراقب فريسته دون أن تشعر هي بذلك ، وغاية المتعة أن أختار ، أنا وحدي ، الوضعية التي يموتون فيها . قتلت أحدهم وهو يأكل ، وآخر قتلته وهو يشرب ، وثالث وهو يتغوط ، لقد وقع على برازه ، ضحكت حينها ، ولكن ، خجلت من نفسي حين غطى رفاقه عورته بما على الأرض من أوراق ! ( تتحرك ) أحسست بالشيطان في داخلي يتحرك ، يحثني على قتل ضابط آخر ، وهو ساجد في صلاته ، كان يفترض أن يسقط بعد أن هشمت رصاصة القنص رأسه ، لكنه بقي ساجدا ، ليغيض الشيطان في داخلي ، فرحت اضربه برصاصة أخرى ، ليهوى على الأرض ( تجلس )

( يدخل رجل 1 )

رجل 1 : لقد وصل سفير بلادك .

المرأة : ( تنهض ) حقا .

رجل 1 : اجلسي في مكانك ، كأنك تفاجأت ، كان شيئا متوقعا جدا ، أم أنك كنت تشكين فيهم !

المرأة : إنهم هناك في بلدي ، يهتمون غاية الاهتمام ، بالمواطن الذي يقع في مأزق .

رجل 1 : الكثير جدا من حقوق الانسان ، فيما يخص مواطنيكم .

المرأة : نعم فعلا .

رجل 1 : ولكن في المقابل ، هناك الكثير من هتك الانسان ، فيما يخص البلدان الأخرى !

المرأة : أنا لم يبعثني أحد الى هذه المعركة ، كان خيار شخصي .

رجل 1 : كيف يحدث أنهم هناك ، لا يقدمون لك قناعات كافية ، تمنعك من قتل الاخرين .

المرأة : هل لديك سيجارة ؟

رجل 1 : لا أحب الدخان ، ولا أملك أعواد ثقاب .

المرأة : حسنا ، وأين سعادة السفير الآن ؟

رجل 1 : يطلع على أوراق القضية .

المرأة : وماذا تعتقد أنت ، هل سيكون قادرا على فعل شيء ؟

رجل 1 : قلت لك أنه لن يخلصك من القتل ، المسألة تحتاج الى موافقة فقط .

المرأة : ولكنني أريد أن أرى سعادة السفير حالا .

رجل 1 : سأخبره بذلك ، اذا كانت هذه رغبتك .

المرأة : أسرع في الذهاب اليه .

رجل 1 : ( يتوقف ) لماذا لا تعرفين أبدا ، أن تقولي ، شكرا .

المرأة : حسنا ، شكرا ، ولكن اسرع ، ارجوك .

( رجل 1 ينظر الى المرأة ، ثم يخرج )

المرأة : ثلاث سنوات ، وأنا غمامة موت سوداء ، تنتقل من مدينة ، الى مدينة أخرى . موت يقفز من مكان الى آخر ، أحصد بقناصتي ارواح الآخرين ، أنا أحيي وأنا أميت ، أقتلهم بلا أسباب احيانا ، أو بأسباب تافهة ، كأن يكون قتلي لهم بسبب تسريحة شعره ، او القميص الذي يرتديه ، أو حتى طريقة مشيه ، او الطريقة التي رأيته يضحك بها ، دونية كبيرة أن تقتل لأسباب تافهة ، مثل هكذا أمور . كأنني أهشم ما في هذا العالم من قيم ، لقد انحدرت بي المتعة التي كنت ابحث عنها ، الى الحضيض) تتحرك ) هذه الضغينة تشكلت بشكل أبسط حين كنت طالبة في الثانوية ، ولم أكبح جماحها ، نعم ، كنت اكره كل زميلاتي في الصف ، لأسباب سخيفة ، قد تتعلق بشكل حذاءها ، أو لون شعرها ، أو اسلوب وقفتها ، أو حتى طريقة حركة يديها اثناء الحديث ( تجلس على الكرسي ) ما كان صغيرا في الثانوية ، أصبح منهاجا واسلوب وطريقة حياة . لقد كبر هذا الغول النائم في داخلي ، ليصبح مع الأيام وحشا يأكل حياة الناس ، لأسباب لا تكاد تذكر !

( يدخل رجل 1 )

رجل 1 : لقد غادر سفير بلادك .

المرأة : ( تنهض ) ماذا تقول !

رجل 1 : اجلسي في مكانك ، غادر ليجلب موافقة دائرة القضاء على مقابلتك .

المرأة : ارجو ان لا يتأخر كثيرا .

رجل 1. : كان يعرف عن حياتك الكثير .

المرأة. : كيف حدث ذلك ؟

رجل 1 : يقول ان اسمك ومعلوماتك في جميع انحاء بلدك ، فأنت مفقودة منذ ثلاث سنوات ، وأبيك وأمك في حالة صعبة لفقدان ابنتهما الوحيدة ، لا يعرفان انها تصطاد الناس في بلد بعيد ، في بلد ربما لا يعرفان مكانه على خريطة العالم .

المرأة : حاولت أن أتصل بهما ، لكن دون فائدة .

رجل 1 : كيف أمكنك أن تعذبي ابويك بهذا الشكل المريع ، أي قلب في صدرك .

المرأة : لم اتعمد ذلك ، فأنا احبهما جدا ، ولكن ما كانوا سيوافقون على سفري .

رجل 1 : ألم الفقد فضيع جدا ، كلما تذكرت أنني لا استطيع ان ارى اخي الصغير ، والذي قمت بتربيته بعد موت والدي ، حين كان صغيرا ، اشعر أن قلبي يتقطع بمشرط حاد ، وبأنني سأتوقف عن مواصلة الحياة بدونه .

المرأة : أنا اسفة جدا ( لحظة ) اعرف ان اسفي لا يجدي نفعا ، ولكنني رغم كثرة المجازر التي قمت بها ، لكنني متأكدة انني لم اكن ارغب بقتل اخيك ، هو الذي لم يترك لي خيار اخر .

رجل 1. : تأسفين لقتل انسان ! القتل لا يبرره شيء ، القتل خيار وحشي وبربري . هل يكفي بضع كلمات ، لتواسي ام او اب فقدوا ثمرة حياتهم ، هل تكفي لطفل فقد اباه ومعيله الوحيد ، هل تكفي لتدفئ فراش شابة ارملة قضيت على حياتها . لا أظن ذلك ( يخرج )

( تجلس المرأة دون حراك )

المرأة : لم يكن في امكاني أن أتأسف لقتلي الناس ، كنت أضع صخرة في صدري ، كانت عيني لا ترى سوى النجاح في مهمتي ، والخروج في النهاية منتصرة بحصاد أكبر ، لأفتخر به غدا في مدينتي ، حين اترنح منتشيه ، في ملهى ليلي في مدينتي القديمة ، الامر كان لا يعدو كونه مغامرة ، تعودنا أن نخوضها في رحلات الكشافة . ولكن حدث أن هزني مشهد طفل رضيع ، بقي وحيدا قرب جسد امه ، حين قتلها انفجار قريب منها هي وعائلته ، صار ان بقي هذا الرضيع حيا ، يجلس قرب جسد أمه ، كان خائفا ، كنت احدق فيه بالمنظار ، كان يظن ان أمه نائمة ، ولا تريد ان تستيقظ ، كان يبكي بصوت متوسل ، كان منظره رهيبا ، حين جاع ، واحتاج ان يرضع ، راح يمد يديه الى جثة امه ، يتحسس صدرها ، يحاول ان يخرج ثدي أمه ، كي يرضع ( تنهض ) لقد اجهشت في البكاء حينها ، بكيت بصوت عال ، بقيت لساعات اراقب ما يفعل الطفل ، وهو في الطرف البعيد ، من المدينة التي كنت فيها ، حيث كانت المعارك على اشدها ، وكان من المستحيل ان يصله احد ، فهو في الارض الحرام ، الجيش بعيد عنه ، والاهالي بعيدون عنه ، والمسلحون من أمثالي كانوا في حالة دفاع بعد أن ضاق عليهم الخناق ( تتحرك ) لكنني رغم كل هذا الموت ، وهذه الفوضى العارمة ، كنت اوجه منظاري الى الطفل الرضيع ، شاهدته كيف بكى لساعات ، شاهدته كيف كان يهده التعب ، لينام ، ثم يستيقظ ليبكي ( تتحرك ) كان قلبي يتقطع معه ، يقطعه الحزن الرهيب ، مع كل ساعة تمر عليه ، ( تتحرك ) حاولت ان ابعد منظاري عنه ، لكن كنت ارجعه بسرعة ، لقد كنت غير قادرة على الابتعاد عنه ، احسست أنني يجب أن أعتني به ، اراعيه بالنظر اليه من بعيد ، افرغ كل اهتمام سوى به ( تتحرك ) بحثت عن طريقة لمساعدته وسط كل هذا الجحيم الملتهب ، كان كل شيء مستحيل ( تتحرك ) تذكرت أن هناك شيئا واحدا استطيع ان اقوم به من اجله ، ليس أمامي سوى ، ان ادعوا له الرب ان يخلصه من آلامه بسرعه ، ( تتحرك ) ولكن هل سيكون الرب قريبا من قاتل مثلي ، يستمع اليه ، ويستجيب له توسلاته ، هل يمكن للرب ان ينصت لصوتي المجرم والقاتل ! شعرت أنني يجب ان احاول ، ليس من اجلي ولكن من أجل هذا الرضيع المسكين ، فرحت اتوسل ، وابكي ، واردد كل ما اذكره من الكتاب المقدس ، وادعوا بقلب حزين ، حتى وجدت الطفل راح يدفن نفسه في حضن أمه بهدوء ، ويضع رأسه في صدرها ، ويموت ( تتحرك ) هل يعقل أن يكون الرب قد استمع لي ، لماذا يسمعني ، أنا حتى لا أعرفه ( تجلس ) لقد ضاعت حينها كل مهاراتي في قنص الناس ، واختل توازني ورباطة جأشي ، ولم يمض وقت طويل ، حتى عرف الجيش مكاني ، بالضبط بعد موت الرضيع بيومين ، حيث أنني بقيت أحدق في الطفل ، فوقعت سريعا بأيديهم .

( يدخل رجل 2 )

المرأة : سعادة السفير !

رجل 2 : هل انت بخير ؟

المرأة : نعم أنا بخير .

رجل 2 : انت تعرفين الاجراءات طويلة .

المرأة : المهم انك وصلتني قبل ان أموت .

رجل 2 : بلدك سيبذل قصارى جهده لإنقاذك .

المرأة : ليست الامور بهذه السهولة .

رجل 2 : انت لا تمثلين الحالة الاولى ، ولا حتى الالف ، دائما ما يحصل شيئا مشابها ، ويتم انقاذهم من الموت ، قرار موتك ليس بأيديهم ، أنت تحملين جواز أقوى أمة على وجه هذه الارض . يجب ان تكوني على ثقة ، ان هذا لن يحدث بسهولة ، فقط نحتاج الى بعض الاجراءات .

المرأة : كنت بحاجة الى أن أرى شخص من بلدي .

رجل 2 : ماذا استطيع ان أقدم لك الآن ؟

المرأة : اريدك ان تتصل بأبي وتخبره أنني آسفة ، أخبره أنني لم أحسن التصرف هذه المرة ، وأخبره أنني أحبه جدا .

رجل 2 : سنعمل على عودتك الى بيتك قريبا . ( يخرج )

( المرأة تجلس بحزن عميق ، وهي تشبك رأسها بكلتا يديها )

المرأة : لقد فقدت البوصلة ، صرت أشير الى الموت بدل الحياة ، والى الحزن بدل الفرح ، لقد حملتني روحي الى الضياع ، تركت بحيرة أبي الهادئة ، وسنارتي البريئة ، وراحت تشربني الدماء ، حيث تلوثت دواخلي بالبارود ، والرصاص الفاجر . يداي صحيفة حملت أسماء الذين قتلتهم الى الأبد ، واسمائهم قيود لن تتخلص يداي من وزرها ، أي جهنم أشعلتها قراراتي ، ستبقى نيرانها تلتهمني ، الى الأبد .

( يدخل رجل 1 )

المرأة : ( تنظر الى رجل 1 ) هل وصل رد حكومتكم ؟

رجل 1 : نعم .

المرأة : متى يفترض أن أموت .

رجل1 : لقد طلبوا منا إطلاق سراحك بأمر من حكومتك .

المرأة : وماذا ستفعل انت ؟

رجل 1 : سأنتظر الاجراءات النهائية ، وقبل ان تنتهي سأقتلك بسلاحي الشخصي .

المرأة : ولماذا لا تقتلني الآن وتنهي الأمر .

رجل 1 : أفكر بأطفالي الصغار ، فلقد ماتت أمهم ، ولم يبقى لهم سواي .

المرأة : وماذا سيفعلون اذا خالفت الاوامر وقتلتني ، ودخلت السجن .

رجل 1 : لا ادري .

المرأة : هل تقبل اذا ساعدتهم ، وأبعدتهم عن هذه الحرب ؟

رجل 1 : ولكننا في منطقة لم تهدأ من الحروب منذ سنين طويلة .

المرأة : سأرسلهم الى بلدي ، في الجانب الآخر من العالم .

رجل 1 : يموتون هنا مثلي في هذه الأرض ، أفضل من أن يصبحوا قتلة مثلك ، في الجانب الآخر .

المرأة : سأوصي أبي أن يعتني بهم .

رجل 1 : سيكبرون ، وسيجيئون بقناصاتهم هنا ، ويقتلون الابرياء .

المرأة : حاول ان تمنحني فرصة لأعتذر للجميع .

رجل 1 : لن ينفع اعتذارك بشيء ، ستموتين على كل حال . ( يخرج )

المرأة : ( تنهض ) ما فعلته وأنا على أسطح هذه المدن ، عنوان صغير لما يجري في هذا العالم ، هذا الوجود يأكل نفسه ، يهشم ما بناه ، يحيل الكون الى ظلام ، يعلن بالخط العريض ( تتحرك ) أن قبر النهاية قد حفر ، وشاهده صار جاهزا للنصب ، وسكت كل القصاصين ، ورفعت الأقلام ، وجفت الصحف ( تتحرك ) لن تنمو الازهار في السواتر ، فلن ترضى أن تشرب دماء القتلى .

( يدخل رجل 2 )

رجل 2 : سيدتي ، يمكنك الآن أن تغادري هذا المكان ، لقد تم تبرئتك ، واطلق سراحك .

المرأة : أنا آسفة سعادة السفير .

رجل 2 : لا أفهم ما تقصدين !

المرأة : لن أذهب معك ، أنا أنتظر شخصا آخر .

رجل 2 : لن يكون بمقدورك مغادرة هذا المكان دوني ، وبسيارة السفارة الدبلوماسية .

المرأة : يجب أن أنتظر ، لا يمكنني المغادرة .

( يدخل رجل 1 )

المرأة : أنا أنتظرك .

رجل 1 : اذهبي معه ، أبواك ينتظران قدومك ، لقد شاهدتهم يبكيان على شاشة التلفاز .

المرأة : أنا ما عدت قادرة على المواصلة بعد كل الذي فعلته ، ارجوك أن تنهي الحكاية .

رجل 1 : لغة الموت لن تفضي الى نتيجة ، يجب أن نعيد كتابة الحياة بعيدا عن الحروب ( يهم بالخروج )

المرأة : توقف ، الى أين تظن نفسك ذاهبا ؟

رجل 1 : أنا ذاهب الى صغاري ، ينتظرون أن أصنع لهم العشاء ، وأجلس معهم أمام التلفاز ، لكي نشاهد ما يجري في هذا العالم .


  • ستار –
  • تركيا – سامسون
  • 24/4/2019


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى