د . محمد سعيد شحاتة - انكسار الضوء والأنفاق المظلمة.. قراءة في قصة جُحْر تيسير لوداد معروف

نجحت القصة القصيرة في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين في تحقيق ثراء فني، وانفتاح على الواقع وتغلغل في قضاياه؛ إذ إنها "أكثر الفنون الأدبية مرونة وتجريبا للتعبير عن تجارب الواقع، وفي هذا يقول نجيب محفوظ إن الشكل الذي تخرج به القصة القصيرة في الوقت الحاضر يخضع لقوانين الفن التي تتميز في المقام الأول بالمرونة؛ فهي تتسع دائما لكل جديد" (محمد شعبان، التجريب في فن القصة القصيرة، ص 29، 30) وإذا كانت القصة القصيرة تعبر عن جانب واحد من جوانب الحياة الاجتماعية، أو كما أشار الدكتور رشاد رشدي بأنها تصف زوبعة فوق سطح النهر(ينظر: د. رشاد رشدي، القصة القصيرة، ص 114) فإنها في الوقت نفسه تكشف عن موقف الكاتب النفسي، وانحيازه الفكري لهذا الجانب الذي دفعه إلى اختياره مثيرا من مئات بل آلاف المثيرات الأخرى، ولسنا هنا بصدد مناقشة علاقة الأدب بالمجتمع، ولكننا نشير فقط إلى أن القصة القصيرة في الآونة الأخيرة انحازت إلى القضايا الاجتماعية، وعبَّرت عن المهمشين فكريا واجتماعيا وثقافيا، وناقشت ما كان مسكوتا عنه بحكم تحكُّم منظومة القيم الاجتماعية، وهيمنتها من خلال قبضتها الحاكمة لحركة الأفراد وتحكمها في الانحيازات الفكرية والثقافية والاجتماعية والدينية، وغيرها، وقد كان هذا الانفتاح نتاجا لضغوط الواقع ومفرداته المتعددة والمتنوعة، كما كان نتاجا لما أصاب المجتمعات من انفتاح ومرونة غير مسبوقة في التاريخ بحكم التطور التكنولوجي الرهيب، وظهور وسائل تواصل متنوعة، وانكشاف كثير من القضايا الاجتماعية التي كانت في الماضي مغلقة بحكم الانغلاق النسبي للمجتمعات الناتج عن قلة وسائل التواصل وضعفها، ونحن إذ نقول ذلك نضع في الاعتبار أن كتَّابا قاموا بتصوير الواقع كما هو، والتعبير عن مفرداته المختلفة، والمهمشين فيه الذين يعيشون على هامش الحياة، أمثال يوسف إدريس وغيره، وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد.
تنتمي القاصّة وداد معروف إلى هذا النمط من الإبداع الذي ينتصر للواقع وقضاياه، ويعبر عن مفرداته المختلفة، سواء الاجتماعية أو الإنسانية أو الثقافية، كما تعبر عن المهمشين في المجتمع الذين يعيشون على حافة الهاوية، ويسيرون في حقول من الأشواك، وتتقصى الأنماط الاجتماعية التي تؤثر على حركة المجتمع، وتصوِّر مظاهر الانحرافات الاجتماعية التي تدفع بالمجتمع إلى التخلف، كل ذلك في صوت إبداعي هادئ ورصين، ولغة شفَّافة موحية، تخلو من الانحرافات اللغوية التي يدعي البعض أنها شكل من أشكال التجديد، فلا تميل إلى الضجيج الإبداعي، ولا تدَّعي القدرة الخارقة على تغيير الواقع، ولكنها تعبِّر عن رؤيتها المحايدة، ونظرتها الموضوعية للواقع وقضاياها بحسبانها أحد أفراد هذا الواقع المندمج فيه والمتأثر بما يتماوج فيه من أحداث، على أن ذلك لا يعني إغفال الجوانب الإنسانية والمشاعر البشرية في قصصها، فهي أيضا تعبر عن عن المرأة ومشاعرها المتموجة في اللاشعور، وعلاقتها بالرجل، كما تعبِّر عن قضاياها الضاغطة وأشواقها إلى مزيد من الحرية في التعبير عن نفسها من حيث كونها إنسانا مستقلا في قراراته واختياراته، وسوف نتوقف أمام قصتها (جحر تيسير) في محاولة للكشف عن ملامح الإبداع لدى وداد معروف، والتعرف على عالمها الإبداعي.
تنبني القصة منذ البداية على ثنائية ضدية على المستويين اللفظي والمعنوي، أما على المستوى اللفظي فقد بدا ذلك في بناء العنوان – كما سيأتي لا حقا في حديثنا على العنوان – وكذلك في استخدام الألفاظ الدالة على تلك الثنائية، وأما على المستوى المعنوي فقد بدا في اختيار الشخصيات؛ فشخصية مها تنتمي إلى دائرة دلالية تؤمن بالحق والعدالة والالتزام بالقوانين المنظمة للعمل، أما تيسير فينتمي إلى دائرة دلالية مغايرة؛ إذ يؤمن بالإهمال والاستغلال، ولا يهتم بالقوانين والتزاماتها ما دام يستفيد من وظيفته، بل يستغل مكانه في تحقيق مكاسب غير مشروعة، ولا يتردد في إلصاق التهم بالآخرين، أو تقديمهم كقرابين لتحقيق ما يريد أو التقرب إلى مديره حتى ولو كان يستفيد منهم؛ فهو لا يعنيه سوى نفسه وتبييض صورتها أمام أي مدير جديد للمؤسسة التي يعمل بها؛ ليكون ذلك وسيلة لممارسة استغلاله، والحفاظ على مكاسبه غير المشروعة، وترسيخ مكانته في المؤسسة التي يعمل فيها، وبين هذين النمطين من الشخصيات يأتي نمط آخر ينتمي للدائرة الدلالية نفسها التي ينتمي إليها تيسير، ولكن بصورة مختلفة، وهذا النمط من الشخصيات هو الموظفون الذين يساعدون تيسير في تحقيق ما يريد من خلال تقديم التنازلات المادية له؛ لتحقيق مكاسب غير مشروعة أيضا، فهم يدفعون من رواتبهم للمجيئ متأخرين؛ لأنهم يمارسون أعمالا أخرى في أوقات عملهم الرسمي تدرُّ عليهم أرباحا، ويحتاجون الوقت لممارسة هذه الأعمال، ومن ثم يقدمون لتيسير المال في مقابل الحصول على الوقت لممارسة أعمالهم الأخرى، وهم بذلك ينتمون للدائرة الدلالية نفسها التي ينتمي إليها تيسير بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن المعادلة هنا غير متكافئة؛ إذ تقف مها وحدها في مقابل كل أفراد المؤسسة، وسوف نتحدث عن ذلك لاحقا.
العنوان مفتاح تأويلي:
سوف نتوقف في هذه الزاوية من الدراسة أمام ثلاث نقاط رئيسية، هي المعنى اللغوي للعنوان، والتكييف النحوي، والتكييف البلاغي، في محاولة لاستكشاف عوالم النص، وإيجاد طريق بين دروبه وشعابه للاهتداء إلى ما يريد البوح به من رؤية فكرية، وما اختاره من انحياز جمالي، أما بالنسبة للمعنى اللغوي للفظين الواردين في العنوان (جُحْر تيسير) فإن له دورا كبيرا في إنتاج الدلالة، وتوجيه المعنى في النص؛ فقد ورد لفظ جُحْر في المعاجم العربية حاملا لمعان متعددة (جُحر: اسم، والجمع : جُحُور ، و أَجْحار ، و جِحَرة، والجُحْر : حُفرة تأْوى إِليها الهوامُّ وصغار الحيوان، والجحر سكن غير صحيّ، و(جَحْر) اسم، وجَحْر مصدر جَحَرَ، وكذلك جِحَر اسم، جِحَر جمع جُحْرُ، ومنه أيضا تَجحَّرَ فعل، وتَجحَّرَ : انجحر، واِجتَحَرَ فعل، ومنه اجْتَحَرَ جُحْرًا، أي اتَّخذه، واِنجَحَرَ فعل، انْجَحَرَ : دخل الجُحْرَ، وأَجْحَرَ فعل، أَجْحَرَ القومُ: دخلوا في القحط، أَجْحَرَ العامُ، أي لم يُمطر، وأَجْحَرَ الضَّبَّ ونحوه: أَدخلهُ الجُحْرَ، وأَجحرت السنةُ الناسَ أي أَدخلتهم في مضايق العيش، وأَجحره إِليه: أَلجأَه إِليه واضطرَّه، والجَحْرة هي السنة الشديدة المجدبة القليلة المطر، والمَجْحَر اسم، والجمع مجاحر، وهو الملجأ والمكمن) وهذا يعني أن المعنى اللغوي للفظ (جحر) تدور كلها حول المعاني السلبية، ويمكن تلخيصها في المكان الذي يأوي إليه الهوام وصغار الحيوان، وهي دلالة سلبية؛ فالهوام وصغار الحيوان إذا وردت ضمن الدلالة العامة للنص هنا فهي بلا شك تحمل كل المعاني السلبية، فالهوام تدل على الأشياء التي لا قيمة لها، والتي تضر؛ ذلك أن لفظ الهوام في المعاجم العربية يدل على الحشرات المؤذية، فهي جمع هامة، والهامة تطلق بالأصل على الدابة أو على الحشرة القاتلة، ولكن أصبحت تطلق على الحشرة حتى ولو كانت غير قاتلة، ومن هذا المعنى الأخير قولهم هوام الجسد، أي الحشرات التي قد تتواجد على الجسد كالنمل والذباب أو بين الشعر كالقمّل، ومن ثم فإن ارتباط دلالة الهوام بدلالة الجُحر تحمل السلبية والنفور المرادين في هذا النص، أما المعنى الثاني للفظ الجُحر فهو الجدب، ومنه أجحر القوم أي دخلوا في القحط/ الجدب، وأجحر العام، أي لم يمطر، وهو أيضا دلالة على القحط، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الجحر هو المكمن والملجأ فإننا نصل إلى أن لفظ الجحر في النص يتمحور حول ثلاث دلالات هي الإيذاء/ الإضرار، والنفور، والجدب، وهي دلالات سلبية من جميع الجوانب؛ فلا أحد يحب أن يكون مجدبا أو مؤذيا أو منفِّرا، ومن ثم فإن اختيار لفظ جُحْر في العنوان قد أصبح مفتاحا تأويليا دالا بعمق على توجيه الدلالة في النص، ومن ثم التأثير في عملية التلقي، ودفع المتلقي إلى اتخاذ موقف محدد من الشخصيات الواردة في النص، وكذلك اتخاذ موقف منحاز مع الرؤية الفكرية التي أراد النص الدفع بها إلى بؤرة الذهن لدى المتلقي.
أما اللفظ الثاني الوارد في العنوان فهو (تيسير) وهو هنا علم على إحدى الشخصيات الواردة في النص، وإذا توقفنا أمام المعنى اللغوي لهذا اللفظ فإن دلالة العنوان تكتمل؛ ذلك أن اختيار هذا اللفظ علما على الشخصية المرادة لم يكن عشوائيا على ما يبدو من حركة الأحداث في النص، بل كان دالا بعمق على المعنى المراد توصيله من خلال استخدام هذا اللفظ، وسوف نتوقف عند ذلك لاحقا، وقد ورد لفظ تيسير في المعاجم العربية دالا على معان تضاد اللفظ الأول/ جُحْر، (تيسير اسم، وهو مصدر للفعل يسَّر، ومنه تيسير السؤال، أي تسهيله، وتيسير السبل، أي تهيئتها، وإعدادها، والتيسير هو التوفيق، وتيسرت أموره، أي تسهَّلتْ، وتيسَّر للمعركة، أي تهيَّأ لها واستعدَّ، وتيسَّرت الأرض، أي أخصبت، وأخذ ما تيسَّر، وما استيسر، وهو ضدّ ما تعسَّر وما التوى، وتيسير الموت هو إنهاء حياة المريض الذي لا أمل في شفائه، أو الإذن بذلك، وفي علم النفس التيسير هو انفعال يخلِّفه كل حادث في الجهاز العصبي، وقيل هو ظاهرة تبيّن مرور فيض عصبي في الموصلات يصبح أسهل عند تكراره، والتيسير من المصطلحات الفقهية، وتعني التسهيل والتبسيط) وهذه المعاني اللغوي لا تنفكُّ عن الدلالة الإيحائية للفظ الوارد في العنوان، فإذا كان لفظ تيسير علما على شخصية واردة في النص فإن استخدام هذا اللفظ تحديدا ذو دلالة كاشفة عن عالم النص وإيحاءاته المرادة؛ ذلك أن لفظ تيسير يحمل التسهيل والتهيئة والتبسيط والإخصاب، والإذن بالشيء، فإذا أضفنا هذه الدلالات إلى دلالات اللفظ الآخر/ جُحْر الوارد في النص انفتحت أبواب عوالم النص أمام المتلقي مستضيئا بما أوحى به العنوان، ومن ثم فإن الدلالة التي أراد العنوان غرسها في ذهن المتلقي منذ البداية من خلال الجمع بين لفظيْ تيسير والجُحْر هي تيسير الفساد والإفساد، وهي – من خلال دلالة العنوان – صورة منفِّرة ومؤذية ومجدبة للمجتمعات الإنسانية، ومن ثم فهي صورة منتجة لكل ما هو قبيح ومدمر للأفراد داخل هذه المجتمعات، وقاضية على منظومة القيم التي تحكم هذه المجتمعات.
ومن حيث التكييف النحوي فقد جاء العنوان جملة اسمية، حُذِف أحد طرفيها، والتقدير (هذا جُحْر تيسير) وهي جملة بسيطة تتكوَّن من ركنين أساسيين هما المبتدأ المحذوف/هذا، والخبر المذكور/جُحْر مضافا إلى الاسم العلم/ تيسير، ولا تشتمل الجملة الاسمية على أية زيادات أخرى في المبنى تؤدي إلى زيادة في المعنى، وكأن النص أراد منذ البداية أن يضع المتلقي في بؤرة تفكيره بأن يأخذ الدلالة مأخذا مباشرا من خلال دلالة الألفاظ الواردة، وأنه لا يريد أية زيادات في المعنى سوى الاسم العلم الذي سيكون محور الأحداث، أو أية إضافات معنوية تصف هذه الأفكار المذكورة، أو تعطيها توصيفا معينا سواء بالإيجاب أو السلب، ولكن ذكر الخبر/ جُحْر في حد ذاته قد يطبع هذه الأفكار بطابع السلبية من خلال الدلالة اللغوية للكلمة/جُحْر؛ لأنها تحمل كل المعاني السلبية التي أشرنا إليها سابقا، ومن ثم فإن العنوان لا يحتاج إلى إضافات أخرى؛ إذ اكتفى بدلالة الألفاظ الرئيسية الواردة، ويراها دالة بعمق عما يريد.
وأما من حيث التكييف البلاغي للعنوان فقد انبنى العنوان على دلالتين متضادتين، وقد نجح في توجيه ذهن المتلقي من خلال هذا الجمع بين الدلالتين؛ ليؤثر فيه فيتخذ موقفا حاسما تجاه ما يثيره النص من قضايا، وما يطرحه من رؤية فكرية، فإذا كان لفظ تيسير يحمل معنى التسهيل واليسر والسهولة والتهيئة، وهو معنى إيجابي فإن لفظ جُحْر قد حمل معنى الجدب والإيذاء والإضرار، وهو معنى سلبي، وبانضمام اللفظين المتضادين ينتج معنى آخر مختلف تماما، وهو معنى يأخذ من كل لفظ دلالته، فيأخذ من لفظ تيسير دلالة التسهيل، ويأخذ من لفظ جُحْر دلالة الإيذاء، فتصبح الدلالة الجديدة هي تسهيل الإيذاء وتهيئته. إن العنوان أراد أن يقول لنا إن شخصية تيسير على الرغم من كون الاسم إيجابيا لم تكن تحمل من دلالة اسمها أية ملامح، ومن ثم فهي شخصية انحرفت تماما عما ينبغي أن تكون عليه الشخصية الإنسانية السوية ، وإلى جانب ذلك فقد ورد لفظ تيسير اسما مشتقا دالا على إنسان، بما يحمله لفظ الإنسان من صفات إنساني، مثل العقل والفهم والاختيار والفعل، أما لفظ جُحْر فهو اسم دال على جماد، بما يحمله لفظ الجماد من صفات ودلالات، وهما/ الإنسان والجماد دلالتان متضادتان أيضا. وإلى جانب ذلك جاء العنوان جملة خبرية لا تحمل أية أداة دالة على التوكيد، ومن ثم فهو خبر ابتدائي، ويبين الخطيب القزويني أنواع الخبر بقوله (فإن كان المخاطب خالي الذهن بحكم أحد طرفي الخبر على الآخر والتردد فيه استغني عن مؤكدات الحكم ..... وإن كان متصوّر الطرفين مترددا في إسناد أحدهما إلى الآخر حسن تقويته بمؤكد، وإن كان حاكما بخلافه وجب توكيده بحسب الإنكار...... ويسمى النوع الأول من الخبر ابتدائيًّا، والثاني طلبيًّا والثالث إنكاريًّا) (الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص 28، 29) ومن هنا قلنا إن العنوان قد استخدم الخبر الابتدائي الذي يكون فيه الكلام خاليا من التوكيد، وهو ما يدل على أن المتلقي خالي الذهن متقبل للخبر دون شك أو إنكار؛ لأنه يرى أن الواقع المعاش يعبر عن دلالة المعنى الذي يحمله العنوان، ومن زاوية أخرى فإن مجيئ العنوان خبريًّا يدل على أن وقائع الأحداث في النص، وما يثيره من قضايا قابلة للتصديق والتكذيب، أي قابلة أن يناصرها البعض فيراها حقيقية ودالة، ومن ثم يتخذ الموقف الذي أراده النص، وأن يراها البعض الآخر غير حقيقية وغير معبرة عن الاستنتاج الذي أراده النص، ومن ثم لا يتخذ الموقف نفسه الذي اتخذه النص، وهذه الزاوية من النظر تستند إلى كون الأسلوب الخبري محتملا للصدق والكذب في ذاته، وقد فسَّر الخطيب القزويني في كتابه (الإيضاح في علوم البلاغة) الصدق والكذب للخبر بقوله (صدقه – أي الخبر – مطابقة حكمه للواقع، وكذبه عدم مطابقة حكمه للواقع، وقال بعض الناس: صدقه مطابقة حكمه لاعتقاد المخبِر – أي المتكلم – صوابا كان أو خطأ، وكذبه عدم مطابقة حكمه له) (الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص 25) لقد نجح النص من خلال استخدام العنوان خبريا في الكشف عن الدلالة، وتعانقت العناصر الثلاثة التي تحدثنا عنها – المعنى اللغوي والتكييف النحوي والتكييف البلاغي – في الولوج إلى عالم النص، ومحاولة اكتشاف أسراره ودسائسه، والسباحة بين عوالمه الداخلية، ذلك أن إنتاج الدلالة يتم من خلال التفاعل الديناميكي بين النص والقارئ، فتصبح القراءة بذلك عملية جدلية تسير في اتجاهين متبادلين من النص إلىى القارئ ومن القارئ إلى النص، ومن هنا اكتسب العنوان أهميته في التأويل من حيث كونه نصا قصيرا، أما العمل الأدبي فهو النص الطويل، على أننا ينبغي أن نشير إلى أن ما قدّمناه من محاولة استنطاق للعنوان تبقى مجرد محاولة للقراءة لا تصادر على أية قراءة أخرى قد تتفق أو تختلف معها؛ لأن التعدد التفسيرية للنص يثريه ويعطيه قدرة على مواصلة الحياة واختراق حاجز الزمن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى