خيري حسن - في ذكرى صلاح عيسى.. هوامش فى دفتر (الساحر)!

يبقى صلاح عيسى - وأنا لا أملّ من تكرار قول ذلك - ساحراً من سحرة الكتابة الصحفية في وطننا العربي الكبير. وقد يسألني سائل: "ومَن هؤلاء السحرة؟ أرد قائلاً: حسناً هذا سؤال طيب في زمن ليس كذلك.. وإن كنت أتمناه كذلك!

1671958540223.png

هؤلاء - على سبيل الذكر وليس الحصر - محمد حسنين هيكل، وسمير عطالله (لبناني) ومحمود عوض، وأحمد بهاء الدين.
وفي ذكرى صلاح عيسى - رحل فى مثل هذا اليوم عام 2017 - وجدت نفسي أقف أمام مشاهد متتابعة، ومتتالية، من نضاله السياسي الذي دفع من أجله ثمناً فوق طاقته - طُرد من صحيفته (الجمهورية 10 سنوات واعتقل وسجن 10 سنوات على فترات منذ الستينيات وحتى الثمانينيات) ودفع ثمناً من إبداعه الفكري والصحفي الذي لم يأخذ منه ما يستحقه (كان يسكن شقة 100 متراً تقريباً ولا يمتلك سيارة.. حتى سيارة فيات 128) أمام ذلك كله - أو البعض منه - كنت أقف دائماً مبهوراً ومسحوراً بسحر هذا الأستاذ..
•••
( المقطم - 2009)
وكنت كلما جلست مع عمنا أحمد فؤاد نجم وجاءت سيرته. يقول: "صلاح؟!.. طيب وهو صلاح ده فيه زيه..يا خيري؟".. ثم يسكت قبل أن يقول: "ده كاتب مجبتوش ولّادة.. ده جن مصور"!
وكلما ذهبت للأستاذ صلاح عيسى فى صحيفة "القاهرة" أو قابلته فى كواليس استوديوهات البرامج الفضائية (حيث عملت مُعد برامج فترة من الزمن وهو كان ضيفاً دائماً فيها) وذكرت له رأي عم نجم فيه، كان يضحك ضحكة من القلب تكاد - من فرط قوتها - أن تسقط الديكور الذي كنا نقف بجواره فوق رؤوسنا!
وذات مرة وأنا معه فى ستوديو من ستوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي - بمدينة السادس من أكتوبر - غرب القاهرة - وقبل أن يسقط السقف فوقنا من ضحكته المتحشرجة فى صدره وصوته، سألته: أستاذ صلاح.. متى عرفت الفاجومي؟ رد وهو مازال يحاول إسكات صوت ضحكاته حولنا قائلاً: "عرفته فى سنوات الكفاح والصلاح والإصلاح.. فى سنوات الآمال والأحلام والليالى "الملاح"!
•••
"صرخة جيفارا يا عبيد
فى أي مُوطن أو مكان
ما فيش بديل
ما فيش مناص
يا تجهّزوا..
جيش الخلاص
يا تقولوا ع العالم خلاص"
(القاهرة - 1967)

1671958601182.png


كان صديقي أحمد الخميسي (هكذا يتذكر صلاح عيسى) يغني هذه الكلمات التى قال إنها لشاعر اسمه أحمد فؤاد نجم، ومن ألحان شيخ ضرير اسمه الشيخ إمام عيسى. ومنذ هذه اللحظة احببتهما معاً، وعرفتهما معاً وذهبت إليهما معاً وجلست معهما ساعات طويلة فى حجرة متواضعة فى حارة كان اسمها "خوشقدم" - ومعناها حارة قدم الخير - ومنذ اللقاء الأول بيننا أحببت غناءهما الشجي الحزين.. وسُجنت معهما (خاصة نجم الذي سُجنت معه مرتين) وأعجبت جداً (إلى حد الفتنة والولع) بشخصية هذا الشاعر الذي عرفه الناس فى سن الأربعين ليصبح فى سنوات قليلة شاعراً له عالمه الخاص بين شعراء العربية فى الماضي والحاضر!

1671958681044.png

•••
(الاستوديو - بعد 30 دقيقة)
وقبل أن يغادر صلاح عيسي المكان ليستقل السيارة عائداً من حيث جاء، وجدته يسألني وهو يضحك:
"يعني عمك أحمد قالك صلاح ده جن (مصور)"؟!
رديت: " آه " قال كده أكتر من مرة
"جاك جن أما يلخبط مخك أنت وهو".. يقولها وهو يشعل سيجارته بعدما يجلس بجوار السائق مواصلاً فاصلاً من الضحك الذي لا يريد له أن يتوقف!
فيما ينطلق السائق بالسيارة التى أودّعها ببصري حتى تغيب خلف البنايات العالية، أجد نفسي سعيداً، ومبتهجاً، ومحظوظاً بمعرفة أحمد فؤاد نجم.. وصلاح عيسى..
و(الجن) عندما (يتصور)!

-------------------
خيري حسن


الأحداث حقيقية.. والسيناريو من خيال الكاتب
الصور:
صلاح عيسى
الشيخ إمام
أحمد فؤاد نجم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى