وداد بنموسى - وقت مستقطع من الحرب (3) ندخل حروبنا مع سبق إصرار على الذهول.. إعداد: سعيد منتسب

هناك من يعتبر «الحرب محاولة متأخرة للحياة». غير أن آخرين، وهم كُثْرٌ، يرون أنها خزان كبير للوجع. وبين هذا الموقف وذاك، يشتغل الأدب على الحرب بتأنّ بارع وهدوء مخاتل، ويضعنا على الطريق السريع للمتع الطائشة، إلى درجة نوع من الإشباع السام.
في الحرب، تمتلئ النصوص الأدبية بالجثث والخرائب والدماء، كما يحتشد الورق بالقنابل المتعددة الصنع، وحُفَر الحرق، واليورانيوم المنضب، وأيضا بالآثار الفورية للعمى الهائل. كل الحواس تنتبه حين يضغط الموتُ بكل عبثيته على الممرات والجسور والأبواب، وحين تصبح الحشرجة «علامة تجارية».
صحيح أن الحرب يصنعها، عادةً، مغامرون أو رماةُ نرد. غير أن السؤال المطروح هنا هو: «هل يمكن الذهاب إلى المستقبل بدون حرب؟»، وهل بوسع الأدب أن ينمو خارج الدماء الهائجة لما يمكن أن نسميه «لحظة الاشتباك مع العدم»؟
الحرب، أيضا، شرخ عظيم في الكينونة، في الشرط الوجودي، كما أن «الضرورة» تجعل منها معضلة أخلاقية مكشوفة، لا يمكن تجاوزها فكريا.
في هذه الشهادات عن الحرب، مع الكتاب والمبدعين والمثقفين والفنانين، نشعر بأن إشعاعاتها لا تستثني أحدا، سواء أكان في قلبها أم على هامشها، قريبا أم بعيدا، عسكريا أم مدنيا، مناصرا أم معارضا، حيا أم ميتا. نشعر بالدخان والغبار يصل إلى الحلق، ونقاسي شح التموين، ونحس بانقطاع الماء والكهرباء، ونسمع لعلعة سيارات الإسعاف، وتتخاطر في أحلامنا الدبابات والمقنبلات والصواريخ المضادة للطائرات، وكل الخرائط تبدأ في الفركلة داخل رادارات عسكرية، تتهددها بالخراب المبين..


***



كيف يمكن ان نتجاهل الحرب؟ هذه الحرب التي تتعدد في صُورها حتى لكأنها جوهر الوجود، فالحرب حرب مع الذات، مع الآخر، مع المجهول، مع القلق، مع الطبيعة، مع الشر، مع المرتقب، مع الخوف..
ثم الحرب الأخرى التي تدمر الكوكب من فرط الدماء والتقتيل والخراب والخسارات، إنها تلك الحرب التي لا تشبهُ باقي الحروب، متداخلة حتى لكأنها جُمَّاع كل الحروب التي سبق ذكرها..
بخوذات أو بأحذية عسكرية، بأقراص منومة أو بأوهام ناسفة، بجوع في القلب أو بانتصارات صغيرة، بصَبر طويل طويلٍ لا ينتهي… كذلك ندخل حروبنا كل يوم مدججين بدهشات وأسئلة وسبق إصرار على الذهول: ما الذي يحدثُ؟ هل يُصدِّقُ العقلُ كل هذا الدمار؟ هل يمكن للشرِّ ان يسري مع الأنهار ومياه البحار والرياح والغيمات ليصبحَ سيد الكون؟
الحقد حرب
الخيانة حرب
التكبر حرب
سوء الفهم حرب
الحب حرب
الفقد حرب
وباقي ما اجتمع عليه قادة الخراب هو حرب لا تزيد الكوكب الحزين إلا غرقا في قتامته.
أثر الحرب على القصيدة كأثر الرماد المنثور على العشب الطري، كأثر الكبريتِ الحارق على أوراق عشقٍ مزيف، كأثر الحنين يأتي شاهقا لا تطيقه الروح، فكيف السبيل لنجاة الشِّعر من عبث التقتيل والعنف وكل هذا المدى من الضياع؟
لا أحب -كغيري من الكائنات التي جُبِلت على المحبة والسلام والسكينة والازدهار في الفرح- أي وجه من أوجهِ الحرب، وكلما تمايل ضميرٌ نجسٌ لأجل إشعال فتيلٍ، إلا وانتفض قلبي بالرفض والصراخ واللاءات التي لا تُحد.
غير أني مجردُ حصاةٍ في قاعِ الوادي، لا حول لي ولا قوة، سوى أن أصغي لجريان المياهِ التي تتجدد في القاع، مثلما يتجدد الأمل كل حين.
لا لكل حرب، وإن كانت ستؤاخي قارة بقارة، أو ساحلا بساحل، أو مجرة بكوكب.. لا للحرب.
كل حربٍ هي بشاعة، وكل بشاعة هي تردي، وكل تردي هو اضمحلال، وكل اضمحلال هو نهاية:الحرب نهاية.

الكاتب : إعداد: سعيد منتسب


بتاريخ : 05/04/2022



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى