مصطفى خلال - إبداع السلم ومزاعم الحرب

أصعب الاتفاق على ما يقود إلى السلم. إنه يمكن الحديث عن (إبداع السلم) إذا توفر له أشخاص حكماء يمكن أن يوجدوا في الجهتين المتحاربتين، كما يمكن أن يوجدوا في أطراف غير مرتبطة بحرب هذا ضد ذاك.
ولقد رأينا في العدوان الأمريكي على دولة وحضارة ونظام العراق من طرف الإمبريالية الأمريكية أن رئيس دولة غربية – يا للغرابة – هو الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد رفض هذه الحرب ودعا بقوة إلى البحث عن سبيل آخر من أجل حل الخلاف مع الدولة العراقية عهد حكم الرئيس العراقي صدام حسين.
يزعم الغرب دائما أن حروبه هي من أجل نشر قيم حضارية، بل ويزعم كاذبا أن حروبه هي من أجل استتباب السلم في الأرض. وهذا غير صحيح. فقد اقترن الغرب في حضارته بكل ما فيها من إيجابيات وبكل ما يسميها من شموخ بخلق (الحرب)، وهو لا يركن إلى (السلم) إلا حين ينهزم فينسحب ذليلا مهانا. وليس مثال أفغانستان ببعيد في الزمن…والغرب ليس استثناء. فلا حضارة قامت دون أن تسلك مسلك الحروب من أجل نشر حضارتها وتحقيق شتى الأهداف المتعلقة بمختلف المصالح المادية وغير المادية.
وإذا كان التاريخ لا يعترف بالأخلاق ولا بالقيم الأخلاقية، فانه يجسد على نحو دائم في حركته صراع المصالح المادية بين الأمم والشعوب. ذلك أن التاريخ لا يُعْلي إلا من شأن القوة ولا يقر إلا ميزان القوى في الصراع بين هذه الأمم والشعوب. ومن هنا فإنه لا مكان عنده لأي نزعة إنسانية إلا من حيث حمله إياها في شخص حركات فكرية وسياسية تناضل من أجل السلم. لكنه نضال يجري في نفس سياق الصراع بين مختلف القوى المتصارعة، ذات المصالح المادية المتعارضة والمتعاركة. صحيح أن لكل حضارة قيما وأخلاقا تترجم وجودها المادي غير أنها ليست هي المحدد لمختلف أشكال الصراع الذي تخوضه في ذاتها أو تخوضه في مجابهة الأغيار.
ولا يعني هذا عدم توظيف ‘’مسوغات أخلاقية’’ – عن حق أو عن باطل – في الخطاب المصاحب للحرب من طرف من يشن حربا ويقودها ضد عدو له يستعديه حقا لدواعي مختلفة، أو يشنها فقط ضد من يبدو له لقمة سائغة يلتهمها فيسلب صاحبها ما يملكه. لقد وظفت الإمبرياليات الأوروبية مدعمة من المؤسسة الكنائسية (دعاوَى أخلاقية) من أجل تبرير حروبها في البلدان التي ستحولها لعقود وأحيانا لقرون مستعمرات لها. ومن بين هذه (الدعاوَى) ضرورة (تمدين) (من المدنية) وواجب (تحضير) (من الحضارة) الشعوب التي اعتبرتها (متخلفة)، محملين هاتين الدَعْوَيَيْن مبادئ أخلاقية هي حقا قيم سامية في أبعادها الإنسانية لكن توظيفها من طرف القوى الإمبريالية لم تَعْدُ كونها مبررات كاذبة.
وأمثلة هذا التوظيف في التاريخ البشري كثيرة ويسهل تعدادها في سياق الحديث الممكن عن كبريات الحروب التي غيرت وجه التاريخ في هذا الاتجاه أو في ذاك، يمكن أن يقف عليها الفيلسوف مثل المؤرخ دارس تاريخ الحروب.
ينضاف إلى مسلك التظاهر بالأخلاق التوصيفات السياسية التي يستعملها الذي يشن الحرب .فـ(الحرب) في أدق صلاتها كما في أبسط تعريف لها ترتبط حصريا بـ(الدولة)، وليس بغيرها أيا كانت أشكال العراك الذي يفرق بين جهتين متنابذتين. وهو ما يعني أن الأمر في كل حرب إنما يتعلق بالسياسة وما يتصل بها من دواعي وصوارف مادية، اقتصادية بالدرجة الأولى، واستراتيجية بالتوازي معها. وهنا أيضا لا تقل الأمثلة في مسار التاريخ البشري، والغرب في هذا نموذج صارخ حين يتعلق الأمر بشن الحروب. والتوصيفات السياسية والثقافية والإعلامية عنده لا تخرج عن توصيفين: (التخلف) في حالة استعمار البلدان ونهب خيراتها، و(الديكتاتورية) حين يكون ما يسميه الغرب (تخلفا) غير قائم. ومرة أخرى الأمثلة هنا أيضا لا تنعدم.
إن من ينشر منذ القرن التاسع عشر الميلادي الحروب في الأرض هو الغرب، وذلك لأنه يملك من القوة الطاغية ما يسمح له بممارستها. غير أن الملاحظ أن هذا الغرب وإن كان يجني من المصالح له الكثير الكثير، فإنه ليس هو من يبتدع السلم الذي يبقى موضوعا على عاتق أغيار بالرغم من عدم امتلاكهم لغير حكمة قيم الانتصار للحق. وفي هذا الأمر بالذات ما يشكل موضوعا ثريا للتفكير الفلسفي.


مصطفى خلال - بتاريخ : 05/04/2022




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى