يعقوب الشوملي - كالتجارة على الأقل

مع أن كل تاجر يشتري باسم الله ويبيع ببركته، ويتكل عليه سبحانه وتعالى، إلّا أنه بالإضافة إلى ذلك يفتح دفترًا للوارد والصادر، للربح والخسارة، وما أن يصل إلى نهاية الشهر حتى يكون قد جرد حسابه، لتقدير موقفه، فيعرف الأنواع التي درّتْ أرباحًا، ويحصر الأصناف التي كبدته خسائر ويصنف الزبائن الذين تعامل معهم، وفي النتيجة ينتهي إلى تقرير منهج جديد، بعد الدراسات التي توفرها الأرقام الحقيقية التي حصل عليها، ويفعل ذلك بتصميم لا يتزعزع، والمهم أنه لن يتمسك بأي شيء سبب له خسارة، ويحاول مُستميتًا أن يجنب نفسه عثرات الماضي ليضمن ربحًا أكيدًا في المستقبل.
هذه هي لغة التجار، وهي مبنية على أرقام واقعية.
واليوم فرصة مناسبة لنا لإعادة تقييم أوضاعنا تجارًا كنّا أو ساسةً فنحن أشرفْنا على نهاية سنة، وبداية أختها، ولا يجوز أن نستمرّ في عصب عيوننا واستئناف مسيرتنا دون تخطيط ومراجعة ضمير، دون حساب ودون ميزان.
الأمة العربية مدعوة الآن لتفتح دفاتر منظمة ومنسقة، تمامًا كدفاتر التجار، فهؤلاء الذين يسجلون ما لهم وما عليهم في حساب الخردوات والمأكولات أجدر بنا أن نقتبس طريقتهم نحن الذين نتعامل في مصير الأمة ومستقبلها، فنُدَوّن ما لنا وما علينا، ماذا ربحنا وماذا خسرنا، ثم نجمل الرصيد، ونخلص إلى نتجة حاسمة بكل صراحة.
ويأتي السؤال الهام الآن. ماذا نضع في خانة الربح وخانة الخسارة؟
أنا لا أدري حتى الآن عن شيء اسمه ربح، وأكاد أجزم أن كل ما نقوله ليس إلّا من باب تلطيف الواقع وتخفيف المصاب مستهدفين من ذلك رفع المعنويات، مع أن الواجب يفرض علينا أن نصارح أمتنا برصيدها الحقيقي لتتدبر نفسها قبل أن تفوت الفرصة.
فكثيرون من التجار الذين أشرفوا على هاوية الإفلاس تمكنوا من تدارك موقفهم في اللحظة الأخيرة، بل وأنقذوا وضعهم واستعادوا مكانتهم، ولكن بعد مكاشفة كاملة ومصارحة مطلقة، دون حياء ودون خجل.
نحن أمة حية.
نحن نملك من الطاقات والمميزات ما يرغم الدول الكبرى على سماع كلمتنا.
ومع ذلك لم نحسن استغلال شيء من ذلك وبدت طاقاتنا سببًا من أسباب استرقاقنا بدلًا من أن تكون أوراقًا رابحة في أيدينا.
حتى الذي لنا يصبح علينا.
واليوم، وفي دفتر الخسارة شيء فوق احتمال العقل أن يتصوره، فهو أرض محتلة، وشرف مستباح، وكرامة مهدورة، وظلم فادح صارخ، فماذا في أيدينا لنضعه في الجهة المقابلة لموازنة هذه الخسارة.
أقول هذا وألف مقهى في البلد، ومئات النوادي والمراقص والملاهي، والوجوه المسحوب ماء الحياة منها تردد كالببغاء في غباء أسماء أبطال الأفلام، مع أن الحاجة هي إلى ترديد اسم بطل واحد، في معركة الحياة والموت على أرض الفداء.

يعقوب الشوملي
31.12.1967
مقالة منشورة في جريدة الدستور

فيتونجي
أعلى