أ. د. عادل الأسطة - القدس: عارف الحسيني و"حرام نسبي"

في روايته الأولى "كافر سبت" (2012) يكتب عارف الحسيني تقديماً يأتي فيه على روايته من حيث المكان والأسلوب.
الرواية محاولة أدبية لسرد حكايات بسيطة ترتبط بأمكنة وأزمنة مقدسية وفلسطينية بامتياز، وهي رواية تقوم على المفارقة، مفارقات بطلها نبيه بامتياز أيضاً.
يمتد الزمن الروائي للرواية من أوساط 80 ق20 حتى بداية الألفية الثالثة.
وتشكل الرواية الجزء الأول من ثلاثية يعكف عليها عارف، وقد أصدر بداية هذا العام الجزء الثاني منها تحت عنوان "حرام نسبي".
وما دامت الرواية تشكل الجزء الثاني من "كافر سبت" فإن سؤال المكان يظل هو هو، وإن سمة المفارقة أيضاً تظل هي هي، بل ويمكن القول إن حضور الآخر اليهودي في الرواية لم يتراجع، فاليهود، في "حرام نسبي" كما هم في "كافر سبت" لهم حضور لافت، من بداية الرواية حتى نهايتها، ويكاد يتوازى حضور الفلسطينيين والإسرائيليين في الرواية توازي حضورهم في أرض الواقع، في البلدة القديمة، إلاّ في جانب الحضور اللغوي، فالرواية: سردها وحوارها بالعربية، إلاّ حيثما اقتضت ضرورة الحوار، إذ تحضر بعض عبارات بالعبرية، وأخرى باللهجة المقدسية، وبالكاد تحضر لغات أخرى أبرزها الإنجليزية.
في "حرام نسبي" يترك عارف الحسيني حورية تقص قصتها، وهكذا تكون هي المؤلف الضمني للرواية.
تدرس حورية الصحافة والإعلام في جامعة بيرزيت، ثم تقرر أن تكتب وتكتب، وتعلمنا بهذا "ربما عليّ أن أكتب وأن لدي من الموهبة ما يكفي لأصبح كاتبة لامعة" (ص175) و"قررت الكتابة" (176) و"سأصبح كاتبة" (179).
ولأن حورية قرأت نوال السعداوي وناقشت رواياتها، فإن قارئ الرواية، حتى قبل أن تقر حورية بقراءة السعداوي، سرعان ما يربط بين أفكار هذه الرواية وأفكار روايات الكاتبة المصرية، بل وبعض كتبها، مثل كتاب "المرأة والجنس"، وتحتل الكتابة عن غشاء البكارة في المجتمع العربي مساحة لا بأس بها في رواية "حرام نسبي"، مثل احتلال ثنائية الذكورة/ الأنوثة، وهي ثنائية لطالما توقف أمامها الدارسون العرب، ومن أبرزهم جورج طرابيشي في كتابه "شرق وغرب، رجولة وأنوثة" دون الواو طبعاً.
إن ثنائية الذكورة/ الأنوثة تبدو محورية في "حرام نسبي" ولم تظهر هكذا في "كافر سبت"، وهنا يثير المرء السؤال الآتي: هل حضور هذه الثنائية في الرواية، هذا الحضور الطاغي، يتوازى وحضورها في الواقع الفلسطيني أم أن الأمر يعود إلى قراءات بطلة الرواية حورية روايات نوال السعداوي؟
"كم أصبحت مولعة بالأدب من بعده! وكم أحببت أن أتقمّص الشخصيات وأُسقطها على حياتي" (ص40) تقول حورية.
لكأن المرء، وهو يقرأ "حرام نسبي" يقرأ حقاً نوال السعداوي، لولا اختلاف المكان الروائي: القدس هنا. وسيلحظ المرء ما هو أكثر: لكأن الشعب العربي، في اختلاف أماكنه، وفي تباعد أزمنته، يعيش التجربة نفسها.
هل ما حدث مع حورية وصديقتها سميرة حدث حقاً في الواقع الفلسطيني أم أنه مستعار من روايات نوال السعداوي وقد أسقطته حورية على أبطالها وتقمّصته في حياتها؟
أما بخصوص تكرار القصة عَبر الزمان، فإن حورية الحفيدة تكرر حكاية حورية الجدة، على الرغم من الفارق الزمني البالغ سبعين عاماً.
تقود ثنائية الذكورة/ الأنوثة إلى ثنائية أخرى هي ثنائية التقدمي/ الرجعي، بل والتقدمي سياسياً المتخلف اجتماعياً.
تقص حورية عن صديقتها سميرة التي يتزوجها مقدسي تعلم في ألمانيا زواجاً تقليدياً، وركز على قضية غشاء البكارة، وتقص أيضاً عن طليقها الذي قاوم الاحتلال ولكنه في النهاية ارتد إلى ما تربّى عليه فآثر امرأة عادية على المرأة المتعلمة العاملة.
هل يستحضر القارئ وهو يتابع الثنائيات السابقة بعض روايات سحر خليفة "عباد الشمس" (1979/ 1980) و"مذكرات امرأة غير واقعية" (1986)؟
وكما تروي "مذكرات امرأة.." المرأة المطلقة التي عانت من الذكور ومن المناضلين تروي حورية التي عانت أيضاً من هؤلاء وهؤلاء.
ولكن ما يميز "حرام نسبي"، مثل "كافر سبت" أنها رواية قدس. وهنا يثير المرء سؤالاً مهماً: هل تختلف الرواية التي يكتبها مقدسي أقام في المدينة عقوداً، وخبر بالتالي حكايات المدينة وعرف عاداتها وتقاليدها وألكن لهجتها وحفظ أمثالها ونشأ في زواريبها، عن تلك الروايات التي كتبها، عن القدس، روائيون كانت صلتهم بالمدينة عابرة أو منقطعة أصلاً؟
ظل السؤال السابق يراودني، وأنا أتتبع رحلة حورية وشخوص الرواية الآخرين، عرباً ويهوداً، وتذكرت قصصاً وروايات كتبها مقدسيون مثل خليل السواحري صاحب "مقهى الباشورة" (1969).
في رواية "حرام نسبي" تحضر القدس التي نعرفها بشوارعها وعادات أهلها ولهجتها وأمثالها كما لم تحضر في روايات وقصص كتبها أدباء عن بعد!!


عادل الأسطة
2017-01-22

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى