عصري فياض - أيُ خيرٍ يُرجى من مؤتمر العقبة؟؟!!

غدا، سينطلق في ميناء العقبة الاردني مؤتمر أمني ليبحث تخفيض "حدة التوتر في الضفة والقدس"،قبل دخول شهر رمضان الفضيل،المؤتمر بهندسة أمريكية واستضافة ومشاركة اردنية،ومصرية و"إسرائيلية" وفلسطينية،وهذا المؤتمر هو ترجمة لإطلاق الخطة الامريكية التي قذقها وزير الخارجية الامريكي " أنتوني بلينكن" قبل اسبوعين في حرج الرئيس الفلسطيني محمود عباس،وقالت بعض الاخبار أن الاخير تحفظ عليها،لكن مشاركة الجانب الفلسطيني في هذا المؤتمر تشي بالموافقة على بنود أو الخطوط العريضة للخطة،والتي سُرِّبت لوسائل الاعلام العربية والعربية والغربية، وأهم نقاطها وهي قائمة على ما يلي:-
• العودة للتنسيق الامني المعلق منذ اسابيع قليلة بأشراف ومشاركة من ضباط أمريكان،وعقد إجتماعات ثلاثية إسرائيلية فلسطينية أمريكية بشكل دائم ومتواصل حتى يتم تخفيف التوتر أو خفضه في الضفة والقدس.
• الشروع في تنفيذ بند ارسال خمسة الاف عنصر من قوى الامن الفلسطيني في الاردن خلال ثلاثة أشهر لمساعدة السلطة في اعادة فرض سيطرتها على جنين ونابلس...
• استعداد البيت الابيض لاستقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن في الاشهر القادمة.
• بحث اعادة خمسين مليون دولار من الاموال الفلسطينية المحتجزة والوافدة من ضرائب المعابر.
• تخفيف وطئة الاجتياحات الاسرائيلية للمدن والمخيمات والقرى الفلسطينية.
هذه هي الخطوط العريضة للمؤتمر،وهي نفسها التي دار حولها التفاهم الذي منع ممثل م ت ف في الامم المتحدة رياض منصور من تقديم قرار لإدانة اسرائيل بسبب الاستيطان الاسبوع الفائت،وتحويله لإعلان لم تلتزم اسرائيل بعده بساعات بأهم بنوده وهو تخفيف الاجتياحات،فقامت بمجزرة نابلس الدموية.
إن ركام وحطام اللقاءت والمؤتمرات وطوائل المفاوضات وسلسلة جبال التفاهمات التي كانت بين م ت ف والسلطة قبل وأثناء وبعد اتفاقية أوسلو لم يحترم " الاسرائيليون " سطرا منها،ولم يقيموا لأي بند قيمة،لم تقنع قيادة السلطة وم ت ف بعد بجبلة القيادات الاسرائيلية وكيفية تفكيرها،فمنذ أن أقنعت وخدعت بعض القيادات الفلسطينية الزعيم الراحل ياسر عرفات بأهمية التواصل مع القوى الطامحة للسلام في المجتمع الاسرائيلي،املا في الوصول الى تشكيل قطاع وازن ومؤثر في المجتمع " الاسرائيلي" يكوون سندا ومساهما في الوصول لحل سياسي مقبول للطرفين،حتى وقعَّت اوسلو،وما جرى بعدها من ملاحقة التوقيع بعشرات الاتفاقيات الفرعية والجمعية،أي منذ اكثر من ثلاثين عاما،والنتيجة صفرا يجرنا الى الهواية،والبعض منا اقصد القيادة الفلسطينية لا زال يعيش برغبة وواقع وأمل العام 1993،يحلم بأن يدخل البيت الابيض ليعيد قصة " ابريق الزيت " ويتقمص دور شهرزاد أمام الملك شهريار في قصة مليون ليلة وليلة،والتي تنتهي حتما بنعاس شهريار،وسكوت شهرزاد عن القول المباح عندما يصيح الديك.
إن الجانب الفلسطيني يذهب بخفيّ المدمن على تكرار التجارب حتى الموت او الفناء،يذهب وهو يعلم أكثر من غيره النتيجة مسبقا،ومألات الامور مسبقا،وانه يُجر للمذبح برضاه وقبوله،دون أن يدقق ولو للحظة واحدة كيف أن مبنى الرئاسة في رام الله بقي خاويا لاشهر وسنوات بلا ضجيج ولا زيارات لمسؤولين عالميين كبار إلا بعد أن طرق الباب "خيري علقم"،فسمع من في البيت الابيض رسالته وجاء "بلنكين " ومساعدية لغوث اسرائيل.
وإن توقيع تفاهم حسب الشروط والرؤيا الامريكية الاسرائيلية يعني أن السلاح "الشرعيّ" للسلطة مطلوب منه الان أن يتوجه الى صدر السلاح المقاوم لاسكاته،إما بالترضية وإما بالقمع والاعتقال وربما القتل.والمعنى أن قيما كبيرة وأشياء خطيرة مطلوب بيعها في هذا المؤتمر دون أدنى أي ثقة في أن ينفذ الطرف " الاسرائيلي" أي من تعهداته،خاصة في ظل هذه الحكومة الاكثر تطرفا في الكيان،فمن يعتقد أن الاجتياحات للمدن والمخيمات والقرى ستتوقف أو تُخفف فهو واهم،ومن يعتقد أن الاستيطان سيقف لساعة واحدة فهو ابله،ومن يعتقد أن عيد الفصح القادم لليهود سيكون بعيدا عن الاقصى فهو أحمق،ومن يعتقد أن الولايات المتحدة ستمارس أي ضغط على حكومة الاحتلال بشكل جدي فهو صفر سياسي،ومن يهيأ له أن توجيه سلاح الاخ لاخيه ارضاء لسواد عيون اسرائيل وأمريكا بدعوة الحفاظ على أكذوبة إمكانية حل الدولتين الذي لا يعيش الا في خيالات البعض فهو أرعن...
إن العالم من حولنا يتغير،والقطب الواحد المتفرد ما عاد،لقد كشفت الحرب الروسية الاوكرانية سوءته وعرَّت عيوبة وضعفه،وهناك دويُّ صعود لأقطاب أخرى تتشكل وتتكون في العالم هي بمجموعها مناصرة ومؤازرة وداعمة للحق الفلسطيني،وما الثورة الشبابية في فلسطين الا لحناً يتناغم مع هذا التغير،فلتقف القيادة الفلسطينية موقفا مشرفا مع هذا التحوُّل،ولترحل من عُقَدِهَا التي إستحكمت فيها منذ وقبل وبعد اوسلو في ان الولايات المتحدة والغرب هم رب الكون الاكبر،بدايته ونهايته،وان تدرك أن السياسة الان حدها الاول التمسك بالمواقف المتناغمة مع مطالب الشعب وتجاوز الحلول السياسية الهابطة،وأن السياسة الان تقرأ من فوهات بنادق مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس وأنفاق غزة،لا بل في سطور أحذية شهدائها قبل أن نقول من شلال وهدير تضحياتهم،ونزيف دمائهم التي أحيت وتحي مشروع الثورة المتجددة على الاهداف الاولى،والعهد الاول والقسم الاول التي حافظت على رمال الكويت،وتنقلت به رياحها من عمان ودمشق وبيروت وكل العواصم العربية والفيافي العدنانية حتى حطت على شواطئ غزة وأزقة حي الياسمينة ومخيم جنين.

بقلم : عصري فياض

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى