الدكتور سيد حنفي - أثر الرسالة في الأدب المعاصر.. بمناسبة دخولها في السنة الثالثة عشرة

راودت خاطري طويلاً فكرة الكتابة في أثر الرسالة في الأدب المعاصر. ولم يكن يمنعني عن المضي فيها غير انتظار المناسبة، فأنا رجل بطبيعة منتهى لا أقبل على عمل إلا بميعاد معلوم، ولا أقيم له كياناً إلا بميزان محدود. ثم كانت مناسبة دخول الرسالة في عامها الثالث عشر فتجسمت الفكرة يقيناً فعملا، وأسرعت إلى الكتابة يدفعني عاملان مهمان: الأول ما يضطرب في نفسي من رغبة الإنصاف، والثاني ما يغمرني غمراً من أطايب الرسالة وكتابها وشعرائها شيباً وشباناً.

ليس من شك في أن الكتابة عن أثر الرسالة في الأدب المعاصر تسدي خدمة كبيرة لمحبي الأدب والتاريخ الأدبي خاصة، فليس من الميسور على القارئ في المستقبل أن يلم بأطراف نهضتها الأدبية العظيمة في مجلدات ضخمة قد يتيسر له الإطلاع عليها وقد لا يتيسر. ومن ثم فإن الكتابة المركزة التي ترسم حدود المدارس الأدبية الكبيرة التي نشأت في ظلال الرسالة وكان قادتها من كتابها وشعرائها، إن هذه الكتابة تيسر الأمر الذي يصعب في الحالة الأولى، وتوفر الجهد لمن يريد الإطلاع والمعرفة وإقرار الحقوق لأصحابها.

ولا يهمني هنا أن ارسم الخطوط والظلال كاملة لقادة هذه المدارس، ولهذه المدارس نفسها، فهذا لا يتسع له مقال، وإنما يحتاج إلى كتاب. وحبذا لو نهض بهذا العمل الجليل أديب فاضل من أدباء الرسالة، والذي أريد أن أكشف عنه وأقدمه إلى القراء هو تقسيم أدباء الرسالة وشعرائها إلى مدارس متميزة متباينة لكل منها خصائص واضحة.

وقبل كل ذلك سنقدم أسماء كبار كتابها وباحثيها من شيوخها، وأسماء كبار كتابها وشعرائها ومفكريها من شبابها، وسنضطر إلى وضع اسم واحد في قسمين من تقسيماتنا لجمع احبه بين النثر والشعر مثلاً. وسيرى القارئ أيضاً أننا سنذكر أسماء لا تكتب في الرسالة اليوم، ولكن الحق والغيرة الأدبية يقتضيان أن نذكر فضل الرسالة عليهم وفضلهم عليها ليتم فضلهما معاً على الأدب عامة، فمن شيوخها الأفاضل: الأساتذة الإجلاء: الزيات، وطه حسين، وأحمد أمين، والعقاد، وعزام، والرافعي، ومظهر، ومحمد عوض، وزكي مبارك، ومحمود البشبيشي، والغمراوي، والنشاشيبي، والرصافي، وأحمد زكي، وعبد المتعال الصعيدي، وتوحيد السلحدار، وتوفيق الحكيم، والأب أنستاس الكرملي، وعلي محمود طه، وإبراهيم ناجي، والنشار، وجميل صدقي الزهاوي، وإيليا أبو ماضي، ومحمود غنيم، وخليل بك مطران، وقدري طوقان، ورامي. ومن شبابها العبقرين: الأساتذة الكرماء: علي طنطاوي، وعبد المنعم خلاف، وسيد قطب، وصلاح المنجد، ومحمود الخفيف، ومحمد مندور، ودربني خشبة، ومحمود إسماعيل، وحسين البشبيشي، وأمجد الطرابلسي، وسعيد العريان، وصالح جودت، ومختار الوكيل، ونجيب محفوظ، ومحمود السيد شعبان، وزكريا إبراهيم، وفهمي عبد اللطيف، وعبد الرحمن الخميسي، والعوضي الوكيل، والعجمي، والصيرفي، والدكتور عزيز فهمي، وفتحي مرسي، والجبلاوي، والزحلاوي، وعتيق. ولن أستطيع نسيان السيدة الزهرة، والآنسة فدوى طوقان.

هذه أسماء لامعة في تاريخ الأدب، والفضل في ظهورها في الأفق الأدبي يرجع إلى الرسالة قدمناها بغير ترتيب لتمهد للقارئ السبيل إلى تقاسيمها إلى مدارس تجمعها الرسالة.

رأينا أن بعض هذه الشخصيات قد انفردت باستقلال في شخصيتها، بل إن قوة هذه الشخصية المنفردة قد أثرت في غيرها فكونت مدارس سنعرض لها. ومن هذه الشخصيات الأساتذة: الزيات والرافعي والعقاد، وهؤلاء كان لهم حقاً مدارس ملموسة الأثر في الرسالة. أما طه حسين وزكي مبارك فمع حيويتهما الفائقة فإن أثرهما وإن عظم في الأدب عامة، لا نستطيع أن نجد له خطوطاً بارزة في مدارس الرسالة الأدبية. وسنتكلم عن هذه المدارس.

مدرسة الزيات

ليس من شك في أن للأستاذ الزيات طريقة فذة واضحة التقاسيم، قوية السبك، ولعل ابلغ بيان لها وأقوى دفاع عنها هو ما كتبه في سلسلة مقالاته عن (الدفاع عن البلاغة) ولسنا هنا بصدد توضيح معالمها، وإنما علينا أن نشير إلى تلامذتها وحملة مشعلها. وسنجد أن الأستاذ الزيات وإن كان كاتباً فحسب قد أثر في شعراء كثيرين.

فمن كتاب هذه المدرسة مع تفاوت في القوى والقرب أو البعد عن الأصل: الأساتذة الأفاضل: صلاح الدين المنجد، وشكري فيصل، ودريني خشبة، ومحمد فهمي عبد اللطيف، ومحمد محمد المدني، وعبد الرحمن عيسى، ومحمود عزت عرفة.

أما الشعراء الذين تلمح أثر الزيات فيهم فيمتاز كل منهم بأنه ملك القدرة على الكتابة نثراً رصيناً وشعراً قوى السبك حلو الرنين، وفي مقدمتهم الأساتذة: علي محمود طه وعبد الغني حسن ومحمود الخفيف وحسين محمود البشبيشي وأنور العطار ومحمود السيد شعبان. وكل منهم يحتل مكاناً عالياً في الخلود الأدبي مع اختلاف في المزاج والاتجاه سنعرض له أخيراً عند الكلام عن المدارس الرسالة الشعرية.

مدرسة الرافعي

كون الرافعي رحمه الله مدرسة كبيرة، ولكنها في الحقيقة لم تنجح كل النجاح في تقليده تقليداً كاملاً، وإن كانت قد أحبت نهجه ودافعت عنه وألف بعضهم فيه كتاباً قيماً ولعل صعوبة التقليد للرافعي ناشئة عن خياله الخارق للعادة ودرايته العجيبة بكل شاردة أو واردة في اللغة والأدب. ومن تلامذة هذه المدرسة من لم يتأثر إلا بها، ومنهم الأساتذة الإجلاء سعيد العريان، وعلي الطنطاوي، ومحمود محمد شاكر. ولعل أقرب الشعراء إلى هذه المدرسة هو محمود حسن إسماعيل، ولكننا قد نلمح للرافعي أثراً في بعض الشعراء وسنعرض لذلك بعد الكلام عن مدرسة العقاد.

مدرسة العقاد

أما العقاد فله مدرسته وله شخصيته وهي الآن أشد أثراً، ولم ينجح كل تلاميذه في تقليده وإن نهجوا نهجه في طريق البحث والتفكير ووسائل التقسيم والتفسير. ولقد برز منهم أساتذة أفاضل في مقدمتهم الأساتذة: سيد قطب، وعلي أدهم، والزحلاوي والجبلاوي. وممن تأثروا به في الشعر غير سيد قطب والجبلاوي مخيمر والحملاوي والعوضي الوكيل وخاصة في بدء نشأتهم

وهناك مدرسة شعرية بين المدارس الثلاث: وهم شعراء جمعوا بين القوة الديباجة ورقة الموسيقى من الأستاذ الزيات. وقوة الخيال الشعري من المرحوم الرافعي. وملكوا العمق التأملي في الخفايا الوجدانية من الأستاذ العقاد، وأغلب هذه المدرسة من الشباب وفي مقدمتهم الأستاذ محمود إسماعيل والأستاذ سيد قطب والأستاذ حسين البشبيشي والأستاذ عبد الرحمن الخميس وفي هؤلاء صوفية حبيبة وروح فني وضاء أما الأساتذة: الوكيل والعجمي وشعبان وعبد الغني حسن وزكي مبارك في شعرهم قوة ديباجة وموسيقية ولكنهم يلمسون المعاني بهوادة.

مدرسة الإعلام الثقاة

ولعلها كلها من شيوخ الرسالة الأمجاد، وأن كل عالم منها لأشهر من أن يعرف في الأقطار العربية، بل إن آراءهم وأقوالهم وتحقيقاتهم الأدبية واللغوية لتحمل القول الفصل، وهم الأساتذة الإجلاء العلماء إسعاف النشاشيبي والأب أنستاس واحمد العوامري ومحمود البشبيشي والزيات والمبارك، وهؤلاء ينظر إليهم كقادة يحافظون على اللغة فوق قيادتهم للأدب.

وبعد فهذه كلمة موجزة تحتاج إلى تفصيل.

دكتور

سيد حنفي

مجلة الرسالة - العدد 602
بتاريخ: 15 - 01 - 1945




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى