مقتطف مصطفى المفتي - اقتباس من رواية عرب٢٠١١

حين كنّا أطفالاً، كنّا نهرب من المجهول لأحضان أمهاتنا، وكنتُ كباقي الأطفال أركضُ لحضنها حين أشعرُ بالخوف.

لكنّي حين كبرتُ قليلاً، قالوا إنّ الرجال لا يخافون، وأنّهم لا يبكون، وقد حرموني بذلك من لذةِّ الاحتماء بحضن أمي.

الرجال لا يبكون...

كلمتان كاذبتان قد كبرتا معنا، والحقيقة أنّ الرجال يبكون بصمت ينهش قلوبهم وعقولهم، الرجال يبكون ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، يبكون أحلامهم المندثرة تحت أقدام الفقر، يبكون أفراحهم وأحزانهم ثم يموتون واقفين كشجر السنديان وحدهم.

أتوقُ الآن لحضن أمي، اشتقت لها كثيراً، اشتقت لدموعي التي كانت تبلل صدرها فتنطفئ النار التي في صدري، اشتقت لبكائي حين أقول -لا- فيصغون إليّ ويتحايلون لمعرفة سبب بكائي، والآن أقول -لا- دون أن يسمعني أحدٌ.

بكيت البارحة كثيراً، بكيت في حضرة الظلام وحيداً، كان الليل يلفّني بعباءته، و كلّما حاولت رميَ همومي عليه، كان يلجمني.

آهٍ يا أمي...

حتى الليل لم يعد يتسع لآهاتي، هذا الفضاء الكبير يخنقني يا أمي وحتّم عليّ الموت وأنا على قيد الذكريات، كلُّ شيء أذكره يؤلمني.

أتدرين، حتى حين غفوت وجاءني طيفكِ في نومي، آلمني يا أمي...

حتى وسادتي التي اعتادت على حملِ همومي، قد ضجرت مؤخراً من أنيني.

أتدرين يا أمي، هنالك سؤال يُهشّمُ كلُّ شيء فيني، ولا جواب يسعفني، ماذا سيحدث لو تحوّلت أسرّتنا لأحضان من نحب، وصدورهم باتت وسائدنا، ماذا سيحدث لو غفونا آمنين؟

كثيرة هي أسئلتي، تخيلي يا أمي...

بات كلّ شيء حولي سؤال، وكلّ شيء مجهول، ولا حضناً أختبئ فيه.

كبرت كثيراً يا أمي، لكنّي كبرت بصورة مضحكة.

تخيلي أني صرتُ مُخبِراً، شيء مضحك أليس كذلك؟

حين قلتِ لي مرّة: لماذا اخترت العلوم السياسة، أتذكرين ما قلتُ لكِ؟

قلتُ حينها: لعلّي أصبح يوماً دبلوماسياً عادلاً يكسر الشكل المطبوع في ذهن الناس عن السياسيين.

ضحكتِ يومها وقلتِ: والله لن تصبح سوى أستاذاً للقومية بأقصى أحلامك.

ليتني صرتُ يا أمي، هي لا تفرق كثيراً، لكنهم صيّروني مخبراً.




https://www.facebook.com/AYLAPUBlLISHING?mibextid=ZbWKwL

https://instagram.com/must.afa_almufti?igshid=MzNlNGNkZWQ4Mg==

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى