حسن إمامي حول شعار الدورة الخامسة.. (الكتابة القصصية بين الذات و الموضوع)

لعلنا نريد بشعار الدورة أن نتطرق للمقاربة الفلسفية التي تتناول موضوع الذات في علاقتها مع الموضوع، باعتبار الموضوع (هو الشيء الموجود في العالم الخارجي، وكل ما يُدرَك بالحس ويخضع للتجربة، وله إطار خارجي، ويُوجد مستقلاً عن الإرادة والوعي الإنساني.).
ومن هذا المنطلق فإن الرؤية الشمولية ستكون حاضرة في مساءلة الكتابة القصصية ومدى إحاطتها بالقضايا الوجودية و الحياتية و الظواهر المركبة في الكون والطبيعة والحياة البشرية المركبة والمعقدة.
ربما نريد أن نحمّل الكاتب للقصة أكثر من طاقته، لكننا داخل رغبتنا نطالبه لكي يقترب أكثر من القضايا الحساسة و المصيرية للبشرية والحياة المادية والتاريخية والفيزيائة والبيئية ـ لمَ لا ـ لهذا الوجود.
لكن المتمعن للنصوص المكتوبة يجد حضور هذا التفاعل بشكل موضوعي بين الذات والموضوع. ذلك أن الكاتب يمكننا أن نقسّمه إلى الإنسان الذي يعيش في دائرة وجود وبيئة و ثقافة، و إنسان يتناول مهمة الكتابة فتحكمه ظروف اللحظة و مؤثراتها في تناوله وإنتاجه لنص من النصوص. و بمعنى آخر فإن المرحلة التاريخية تحكم على النص قبل أن تحكم على صاحبها وكاتبها. هكذا تظهر لنا هذه الذات ذواتٌ بين الثابت فيها و عندا والمتحول فيها وعندها كذلك. إننا أمام متعدد في واحد إذن، هذا القاص المبدع والكاتب للقصة.
يمكننا أن نراه من خلال سياقه البيئي و الثقافي والجغرافي و الطبقي والمهني... كما يمكننا أن نراه من خلال منتوجه كذلك. وبينهما لابد من جعل الروابط المنطقية التي تفسر نسبة التقاطع او التباعد بين شخصية الكاتب و شخصية السارد في آن... رؤية معقدة تختفي داخل لعبة سحرية والتي هي لعبة الكتابة طبعا.
و بين الذات و الموضوع تتموقع الكتابة و النصوص المنتَجة لتكون ذلك الجسر الذي يترجم و يصور و يفسر و يحلل و يفكك و يقوم بمجموعة الأفعال الممكنة والممكن ترصدها وملاحظتها... و ستكون هذه مهمة النقد في تشريحها و إظهارها إن استطاع لذلك سبيلا.
لكن الكتابة تبقى عالما متفرّدا بالقوة و لوجود. فمنذ القدم و منذ ترسخ فعل التفكير والنقش و الكتابة والتجريد، خُلِق هذا العالم الغريب الذي هو عالم الكتابة. معايير الجمال والتخييل و الافتراض، كلها خارج الموضوع الحقيقي و المادي للأمور، لكنها تعبّر عن وجود تجريدي افتراضي يصبح حقيقة كاملة و واقعة يعيشها هذا الإنسان بوعيه و لغته و تعبيره وثقافته العالِمة... لم نستطع أن نُنطق الطبيعة و الحيوان طبعا بلغتنا المفهومة و الحسية الواضحة، لكن كما طرح أحدنا لماذا لا نفهم نحن لغة النحل؟ وحينما سألوا الطفلة عن سرّ السؤال، قالت لهم: كيف تسمّي النحلة الوردة التي تختارها دون الأخريات لتأخذ رحيقها وعطرها وماءها؟ سؤال يثير الضحك لدى الكبار، لكنه يقلق بال المفكرين والفلاسفة، وأكيد أن سيثير فضول المبدعين في عالم القصة كذلك لينسجوا طريقا لاستنطاق النحل واستلهام لغته و التعرف عليها...
اسمحوا لي بهذه الرحلة العجائبية المنقولة من اهتمامات مبدعين آخرين. أعود لثنائية الذات والموضوع لنؤكد على حضورها التفاعلي و البنيوي في كل كتابة و كل تجريب قصصي... يبقى التناول منهجية فصل لفهم ذلك الوصل بين الطرفين الذات والموضوع... و كم من مواضيع يقاربها النص الواحد؟ و هل الموضوع سيكون مستقلا عن الذات أم داخل مكوناتها و مشاعرها وأحاسيسها و عواطفها و أفكارها؟
أي وفاء و أي نزاهة وأي التزام مطلوب في العلاقة بين الذات و الموضوع؟
أية درجة من الموضوعية مطلوبة في مقاربة الذات وإنتاجها للنصوص؟
ربما يبقى الأديب هو الأكثر امتلاكا لقدر من الحرية والخيال. ربما يحتاج للدفاع عنهما قدر الإمكان حتى يستطيع الاستمرار في الإنتاج الجمالي المبدِع للفن والأدب والموسيقى والرقص و كل أنواع الجمال.
ربما سننتصر على القبح بالجمال، و على اليأس بالإبداع، و على رتابة الوجود بجنون الخيال. أكيد هي رسالة كل كاتب و كاتبة في بناء دلالات جديدة و دساتير كونية جديدة بين الذات و الموضوع.
هكاذ يكون لقاؤنا تأسيسا لهذا التصور الجميل الذي يجمع قلوبنا و حواسنا وابتساماتنا قبل الأقلام التي نشرع بها للحرف و للخط و للمتون.
تحية قصصية لكم ولكن جميعا. دمتم في رعاية الجمال والإبداع.

حسن إمامي

28/11/201

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى