نجيب طلال - أنـسنة الــروبوت في مسرحية "حياة جميلة"

مـجــرد ســؤال :

هَـل هناك أزمة نص “مسرحي” كما تـدعي بعض الأقلام والأفـواه؛ من شرق المشرق إلى غرب المغرب ؟ ولكن هذا السؤال في تقدير، يرتبط بالمنظور الأزموي الذي يعيشه العالم العَربي، وهـْما وسرابا، لأن إمكانية انفتاح الشبكة العنكبوتية على كل الفعاليات، والأبواب المشرعة للنشر والقراءة، تبدد السؤال من جـِذره. باعتبارأن العديد من الصحف و المكتبات الإلكترونية، تنشر العديد من الأعمال المسرحية وغـيرها، لكتاب وأقلام مرموقة وجادة في تصوراتها التخـييلية والفكرية ، ولاسيما أن العديد منهم معروفين في الوسط الفني والإبداعي؛ وما طرح السؤال السابق؛ إلا ويخفي عدة احتمالات خارج سياق المنظور الأزموي، مفادها: إمـا عَـدم القراءة أوعدم التطور مع التكنولوجيا الحَـديثة؛ وهاته ظاهرة عند أغلب المثقفين والمبدعين عبر العالم العربي ؛ بدون استثناء ! أو عدم الإهتمام أو انوجاد حَـساسيات شخصية أو طائفية أو عِـرقية أو حضور اللوبيات والشللية أو طغيان التموقفات الأيديولوجيا العَـدمية أمام عدة أعمال من فنون القـول وليس المسرح وحده ! ومدعاة هذا القول. هنالك عدة أعمال / نصوص. قابلة للتمسرح وتحويله لتأثيراتٍ إيقاعيّة وإشاريّة و حركيّة في صناعةِ المعنى. أو لتحقيق مفهوم ” التجريب” الجمالي/ الفني، من خلالها. وأمامي الآن نص {” حياة جميلة” } (1) للشاعر والمسرحي – عبدالكريم العامري- الذي أتحف الخزانة المسرحية العربية .بعدة أعمال تتراوح بين قـوة المتخيل وسلاسة الإبداع الدرامي ، وما اختياري لهذا العمل ، لقراءته قـَدر الإمكان، لأنه أساسا يغري ويستحق الإطلاع عليه؛ لسلاسة أسلوبه المسرحي؛ وحبكته المراوغة . من خلال مشاهده العَـشر. والتي يتركب منها النص المسرحي والأهم عندي توظيف التكنولوجيا( روبوت/( robot بطريقة مثيرة في خطاب تداولي عجيب التفعيل؛ ولكن والمعالجة الدرامية أعطت للنص قوته، فلو أتيح له أن يمسرح برؤية إخراجية تسمو بالنص وشخصياته في آفاق جمالية/ تكنولوجية، سيكون للعمل وقعا آخر . وفي حدود معرفتي المتواضعة؛ لم أطلع على عمل مسرحي “عَـربي” وظف ( الروبوت) كشخصية فاعلة في أدرمه الفعل الدرامي، باستثناء نص (3D) (2) ونص ( المدينة المجهولة) (3) وبالتالي بتوالي الأيام ، ومحاولة الإشتغال على أعمال مسرحية ؛ تضم ” الروبوت” كما هو الآن في الغرب، هل سنعيش في العالم العربي، عهد المسرح الآلي (أو) مسرح الروبوت؟ تأكيدا بأن في بداية القرن الماضي: شهد عرض مسرحية (R.U.R.) [Rossumovi Univerzální Roboti ] وهي مسرحية من الخيال العلمي للكاتب التشيكي / كاريل شابيك .بداية ميلاد الروبوت بشكل مثير في عام حيث تم نشره, ثم تم عرضه لأول مرة في عام1921م كانت هذه هي المسرحية التي صاغت كلمة «روبوت» على وجه الخصوص (4) لكن رؤية الكاتب” العامري” في مسرحية (حياة جميلة) إلى حد بعيد تختلف عن النسق التعبيري المعتاد في المسرح العربي؛ والاختلاف هنا محاولة توظيف الروبوت وأنـْسنـَة ؛ فكيف ذلك؟
العـنوان والشخصية :
بداهة » حياة جميلة « عنوان إلى حَـد ما مخاتل وشديد المراوغة ، ولاسيما أنه تموضع في إطار ( نكرة) وهاته لها بعدها المطلق في الخطاب. علما بأن العنوان هو بنية نصية ؛ جامع للنص الدرامي في شبكته الدلالية، ولهذا فالعنوان هاهنا يوحي إلى حد بعيد رومانسي/ حالم ، هل حقيقة كذلك في سياق – النص- أم هو مراوغة مقصودة ؟ ولهذا فالمؤلف لم يطرح العنوان بشكل اعتباطي أو عفوي؛ بل قصدي ؛ فارضا على المهتم الانغماس كلية ، لقراءة النص لمحاولة القبض أين تكمن – حياة جميلة – باعتبار أن الحياة هي الحَـيز الشاسع؛ و المفعم بالمشاعر والأحاسيس والعواطف، المتراوحة بين ما هو ايجابي وسلبي . لأن المرء مهما كان موقعه في هذا الحيز؛ إلا و يمرُّ بالعديد من المواقف والأحداث والظروف التي تجعل من “الحياة / حياته” بشكل عام مختلفة حَـسب الظرفية وتوالي الأيام ؛ التي تفرض عَـلينا طوعا أوكرها الاستمرارية والمقاومة؛ مسلحين بالأمل بأن يكون القادم أجمل، وبالتالي فالكشف/ إرسال “العنوان” كدلالة خطابية و الحامل ل( صفة / موصوف)= (حياة / جميلة) لم يتم إلا في المشهد “السادس” على لسان ” الروبوت” ويتكرر في المشهد “العاشر”

*الروبوت: الحياة جميلة.. أعيدوا لي الشحن.. الحياة جميلة.. تم حَـذف جَـميع التسجيلات.. الحياة جميلة..
(يكرر حتى يصمت)

هَـذا ما آمن ب”الروبوت” رغم أنه (آلــة) بخلاف الشخصيتين [الزوج / الزوجة ] ك (بشر) والتي أمسَـت حياتهما جحيما بدخول ” الروبوت” في حياتهما الزوجية والشخصية والمعاشية. هنا المؤلف “عبد الكريم العامري” لم يقدم ماهية ولا صفة ولا ملامِـح ولا سِـنَّ الشخصيات الفاعلة في الحدث الدرامي، بحيث طرحها ظل مفتوحا، وقابلا للتأويل وللتعديل أثناء التمسرح، ربما العارض في شخصية ( الروبوت)؟ لأنه لم يحْسم في شكله ، لأن منطق الإبداع في العالم العربي ( الآن) من الصعب توظيف “الروبوت”- حقيقي / مصنوع ؛ مثل ماهو الشأن في الأعمال الغربية ؛ وإن كان في بداية توظيفهم ل ( الروبوت): قام الممثلون البشريون بأداء شخصيات الروبوت ؛ الروبوتات لم تؤد نفسها أبدًا. إن ممارسة الروبوتات التي تقوم بنفسها بالأداء على خشبة المسرح هي ممارسة حديثة بشكل ملحوظ (5) لكن بين ثنايا خطاب ( الزوج) تجاه ( روبوت) تنقشع لنا هوية الشخصيتين على الأقل:

* الروبوت: لا أحب الأرقام الفردية بشكل..
* الزوج: (مفكراً) ها.. صحيح.. نَـسيت ذلك، إذن لديّ حل آخر، أعِـدك بأننا خلال هَـذا العام سننجبُ طفلاً وبهذا
سنصبح أربعة وهذا رقم زوجي أليس كذلك؟
*الروبوت: لا أحب الانتظار، أريده الآن.

نستشف مبدئيا ؛ بأن [ الشخصيتين= شابين] في مقتبل العمرأو في المراحل الأولى للزواج، بمعنى أنهما منسجمين في حياتهما وعلاقتهما، شكلا وظاهريا، لأن توالي الأحْـداث تكشف الوجه الآخر للشخصيتين؛ بحيث كل واحد منهما. يسعى لأهداف معينة من خلال ( الروبو) وهذا يعكس تركيبة المجتمع “العَربي” كعام . ولكن كتخصيص [يعكس] المجتمع [“العراقي”] من خلال الأسرة ( الزوجين) في سلبياته وتناقضاته وأهدافه. وبالتالي فاستغلال أو اختيار شخصية (الروبوت) قصدية من زاوية الإشتغال ،بناء على رؤية مضمرة يسعى المؤلف تحقيقها لتفجير ما في الواقع، ولاسيما أن: الشخصيات في أي فن أدبي “مسرح ، رواية ، قصة “هي إسقاط ومحاكاة للواقع في تصرفاتها ، فالشخصيات في الفن الأدبي أقنعة رمزية (6) وانطلاقا من الطرح المفتوح للشخصيات، هنا يمكن توظيف “شخصيتين” تجاوزا مرحلة الشباب أو شيوخا، لإضفاء لوحاتِ جمالية مُفعمةٍ بالصّور ذاتِ دّلالاتِ شتي بالتأويل والمراوغة الفنية .

بين التحقيق والمراوغة :

أغلب أعمال الكاتب “عبد الكريم العامري” تؤطر نفسها في نسق التحقيق، وذلك لتفعيل التداول المبنــي علـى تـدفق [ سـؤال/ جـواب(=) جـواب/ سـؤال] ممـا يشـبه نوعـا مــن الاستنطاق أو المحاكمة ، وتلك تقنية تجعل المتلقي مركزا على ( السماع/ الحركة) ومن خلال التداول تتحقق المراوغة ؛ لتوظيف خيال المتفرج لجعله يُشارك في العملية المسرحية . كأننا أمام نصوص” عَـبثية” وليست كذلك. بحيث ففي بداية النص الذي يحدد المكان هكذا:[صالة منزل مظلمة بسبب انقطاع الكهرباء، صوت الزوج والزوجة يُسمع] هنا انقطاع الكهرباء يتكرر، وهذا إحالة للوضع الكارثي .الذي تعيشه أغلب المدن” العراقية” مع الكهرباء وانقطاعه المتكرر كعادته ، بحيث لا موعِـد لمجيئه ! بعْـد الهجمة الشرسة/ الإمبريالية/ الأمريكية على (العـراق)؟ فمن خلال الظلام الذي يخفي كل شيء، نسمع حوارا بين ( الزوجين) يوحي بالممارسة الجنسية :

* الزوج: سأدفعه الى أمام اكثر، كوني مستعدة..
* الزوجة: (تتألم) آخ.. آخ.. آخ..
* الزوج: ما بك..؟
* الزوجة: أنت تؤلمني..
* الزوج: حذرتك قبل أن أدفعه..
* الزوجة: ثقيل جداً..

لكن المفاجأة ؛ حينما يعُـود التيار الكهربائي؛ نكتشف صورة أخرى تخالف الخطاب المرسل، ومفادها تلك الحوارات مقصديتها ، ماهي إلا محاولة لموضعة (الروبوت) في مكان مناسب للصالة ; ولا علاقة لها بما “جنسوي” تلك مراوغة وتمويه لتحريك مخيلة المتلقي، للتماهي؛ وتحريك الانفعالات لاستخراج المخزون القمعي والترسبات الجنسية . تم نفيها وتبديدها تلقائيا من لدن المتلقي ، أمام المشهد البديل لمتابعة مجريات الأحداث بعقلانية. وتلك مراوغة ذكية نابعة من وعي فكري لدى المؤلف. لأن أسلوب المراوغة الخطابية يتكرر في (المشهد10) ولكن لا يجْـدي، ولن ينساق وراءه المتلقي. كالوضعية الأولى في( المشهد1) وإن كان يوحي كذلك لما هو جنسي:

*الزوجة: استعجل قبل عودة التيار الكهربائي..
*الزوج: إمسكيه جيداً..
*الزوجة: أمسكت رأسه..
*الزوج: هذا جيد.. اسحبيه بقوة..
*الزوجة: إدفعه أنت، أنا ممسكة به جيداً..

هنا فالطرح الجنسي نعتبره مراوغة . ولكن في سياق الأحداث؛ وخاصة في ( المشهد3) تحضر الوضعية الجنسية كتيمة وتعلة في نفس اللحظة ، يستغلها ( الروبوت) ضد الزوجين، لكي يصبحا طوع يديه وأوامره، مستغلا اختراق حياتهما الشخصية ومشاعرهما الخاصة، التي لا تـُعْـلن ولا تشـاع ؛ ليغيّر حياتهما بطريقته !

*الروبوت: حين أطفأتما الضوء لم أرَ شيئاً فاكتفيت بتسجيل الصوت فقط..
*الزوجة: (مع نفسها ) ما هذا البلاء.. ستكون فضيحتنا على كل لسان..
*الروبوت: هل ترغبين في الاستماع لما سجلته ليلة البارحة..
*الزوجة: (غاضبة) لا أريد أن اسمع شيئاً، احذف كل ما سجلته..

هنا فالنص يقحمنا في سراديب الواقع وما يتحرك فيه من وسائل الإكراه والضغط ممن لديه سلطة، ضد مُناوئه أو معارضيه أو حساده. بحيث { الجنس} أبرز {التـُّهم} التي سادت ، ولكنها استفحلت في “العراق” حَـسب ما نطلع عليه من /تجارة في البشر/ التحرش/ الاغتصاب/ زواج القاصرات/ وهذا كله يتأطر في الجنس كجريمة بوجوه متعددة ، وهو انعكاس لصراعات عميقة في المجتمع العراقي ، وإن كان شرعيا مثل “الزوجين”؛ لكن (الروبوت) اختراق خصوصيتهما فاستغل الأصوات المصاحبة للممارسة الجنسية ( الخاصة) كتهديد وَوَرقة ضغط. ليصبحا « عبيدا » لأوامره ورغباته. بعْـدما أدخلوه لمنزلهما بإرادتهما.

*الروبوت: (بارتياح) جميل جدا.. هذا يشعرني بالارتياح.. وما يريحني أكثر هو أن تبقيا مطيعين.
ومنفذين لكل ما أطلبه منكما..
*الزوجة: نحن في خدمتك عزيزي، ومن لنا غيرك..
*الزوج: كل ما عليك فعله هو أن تؤشر بإصبعك وستجدنا في خدمتك..

فطبيعي أن يرضخ ( الزوجين) ل ( لروبوت) لأنهما يشعُـران بالقلق حيال الاختراق ! الذي يهدد حريتهما المدنية والشخصية إلكترونيا؛ أمام الرأي العام ، المنفتح [الآن] على عوالم التكنولوجيا: وهذا يعني أنه يمكن للقراصنة بسهولة اعتراض الاتصالات وسرقة المعلومات السرية، والسيطرة عن بعْـد على المكونات الرئيسية للنظام البيئي للروبوت، وقرصنته بل ممارسة ما هو أسوأ من ذلك(7) وبالتالي فالتهم (الجنسية) حقيقة منتشرة وسائدة في بنيات المجتمع العربي ومؤسساته، وتستغل استغلالا فظيعا. مثل رسائل التهديد الإلكترونية أو نشر المواد الإباحية عبر شبكة الإنترنت. وإن كانت مفبركة/ مزورة، سيتم تصديقها وتشييعها. بحكم تداخل الشرع والعقائد والتقاليد والأعراف والثقافات في الحياة العربية الشرقية. وسيبدو للمتلقي بأن اختيار شخصية (الروبوت) له مبرراته المستقبلية ، لمواكبة ما يقع في العالم معرفيا وإبداعيا ، في سياق التحولات العولمية . بالعكس فإقحام (الروبوت) ك”شخصية” محورية . له بعْـدين أساسيين في النص، وإن كنا نعيش مرحلة الانتقال النوعي:
(1) إشارة واضحة لسلبية عوالم التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وزمن الروبوت، أمام الكائن البشري وعلى نمط العلاقات الاجتماعية. فعبر النص فالزوجة تشير في ( المشهد 7) حوارا بليغ الأهمية [هو ليس مسعفاً بل شياطين رجيم، شيطان إنسلّ بيننا، تلصص علينا، وسجّل كل أسرارنا وها هو ذا يستخدمها اليوم وسيلة لتنفيذ غرضه..]
(2) الاستغلال السلبي والسيء للتكنولوجيا؛ في الحياة العامة، مادامت الذهنية العربية، لم تتغير طبقا لأن تطورات العصر: تستلزم وجود إنسان ذو سمات عصرية ومجتمع يتصف بالتحديث قادرا علي التوافق السريع مع التكنولوجيا والتفاعل والمتغيرات المتلاحقة المحلية والدولية بفاعلية(8) ففي هذا الإطار فالزوجين؛ لم يحاولا توظيف (الروبوت) للهدف المتوخى من استجلابه للمنزل والمصرح به في النص. كما يصرح العَـديد من الناس؛ ولكنهم يناقضون أو يتخلون عَـن أقوالهم كمبادئ وسلوك.

* الزوجة: (تفكر) نسميه مسعف.. فهو الذي سيُسعِـفني في كل طلباتي..
* الزوج: (مع نفسه) وهُـو الذي سيسعفني ويخلصني من طلباتك..

فمن خلال المراوغة ، سعى كل طرف توظيفه لأغـراضه ومصالحه ونزواته الخاصة؛ نتيجة خلل داخلي في العلائق الزوجية ، وهذا هو الوجه الخفي للأسر ( العربية) تقريبا، ومن باب التأويل أو ممارسة الإسقاط يمكن أن نعكس طلبات الزوجين؛ كطلبات ( السلطة الاستبدادية ) أمام المواطنين الضعفاء؛ أو المهددين بملفات (؟) كطبيعة عربية ! بحيث في (المشهد 2) حاول الزوج توظيف الروبوت “جاسوسا” على زوجته ، وكاتم أسراره الخاصة ، وذلك بنوع من التقابل/ التحقيق؛ يشي بأن [الروبوت= إنسان] وليس آلـة – مبرمجة-. بحيث يسأل ويجيب ويفكر:

* الزوج: النقطة الثانية هي أن تخبرني بكل ما تفكّر به زوجتي وتطلبه منك..
* الروبوت: (باستغراب) أتريدني أن أتجسس عَـليها..
* الزوج: (بتودد) أن تنقل لي عنها ما يخصّني فقط..
* الروبوت: فقط… ها…
* الزوج: فقط!
* الروبوت: (غاضباً ) أنا إنسان آلي ولست جاسوساً..

ففي الطرف الآخر( الزوجة) في(المشهد 3) تسعى بكل طاقتها ومراوغتها الذكية والفطرية، أن تحول [ الروبوت= عَـبدا ] أكثر من مطيع ( خدوم/ جاسوس/ مخبر/…) ويبدو أن هاته مسلكيات العَـديد من الزوجات تجاه أزوجهم ، ربما نتيجة الغيرة أو الخوف من المستقبل أو الزواج عليها، وخاصة التي بدون “ذرية / أبناء” مثل هاته الشخصية ، التي في إحدى الحوارات تبين أنها متزوجة منذ عقود(خدمتك ليلا ونهاراً، تحملتك كل تلك السنين..) فطبيعى؛ ومن خلال طباع المرأة العربية، أن تعيش هواجس و تشك في سلوكات ومسلكيات زوجها. مما تبحث عن شتى الطرق لموضعته أمام أنظارها، ولو كان غائبا !

* الزوجة: أخبرني، ما أسراره، ما الذي يُخفيه عني، إن أخبرتني ستكون مكافأتك كبيرة..
* الروبوت: هذه رشوة وأنا لا أحتاجها..
* الزوجة: ليست رشوة، إنها تعبير عن امتناني لك..

فكما أشرت بأن أسلوب المراوغة حاضر بقوة ، وموازي للتحقيق؛ الذي يمنحنا فرصة الاستمتاع والاستماع لما يجري بين طرفين، لنستخلص المعنى المؤطر في اٌلإطار:

(1) الزوج — (جاسوس- [الروبوت]- عبد) — الزوجة = علاقة ( مهزوزة) داخليا

فحينما يتحكم ( الروبوت) في الزوجين ويخضعا له مرغمين ! نتيجة افتقار الثقة بين الطرفين. يتطور الحَـدث تصاعديا وبشكل مفاجئ، لما لم يكن منتظرا سواء للشخصيتين وللمتلقي كذلك. حينما خرج ( الروبوت) عن آليته ، لتظهر لنا شيطنته وإغراءاته مباشرة أمام الزوجة في البداية:

* الزوجة: كيف تريدني أن أطرد زوجي من منزله؟ ما الذي ستقوله الناس عني؟
* الروبوت: ستكونين طعماً لذيذاً رائجاً على ألسن الناس..
* الزوجة: نعم، ستأكلني الناس بألسنها..
* الروبوت: (بخبث) وتأكلك أيضاً لو شاهدوا التسجيلات في الشبكة العنكبوتية..

هنا التعلة التي استغلها( الروبوت) الجنس كورقة للتشهير بها عبر الشبكة العنكبوتية( الانترنت) وهذا ما لا يرضاه أي أحد وإن كان منحطا أخلاقيا، مقابل هذا ففي)المشهد (6يواجه ( الروبوت) الزوج بناء على محاولة تسخيره كجاسوس ضد زوجته؛ رغم أن الزوج يشعر بالذنب ويلطف معه الأجواء ويراوغه بمعسول الكلام :

* الروبوت: اثبت لي احترامك وحبّك لي..
* الزوج: كيف؟
* الروبوت: طلّقها..
* الزوج: من؟
* الروبوت: زوجتك.

ففي هذا التصعيد، يطرح السؤال هل الروبوت تصل به الوقاحة والجرأة ، لكي يطلب ما يطلبه الانسان؟ ولاسيما أن الروبوت يكون مبرمجا حسب إطار انوجاده واشتغاله : لذا فإن الإنسان الآلي سيقول دوما الشيء ذاته ويتحرك بالطريقة ذاتها بحسب التلقين في وقت محدد….والإنسان الآلي متصل بغرفة مراقبة في المسرح حيث يقوم جهاز كمبيوتر محمول بتلقينه لأداء دوره (9) هذا في إطار الإشتغال على تيمة معينة في المسرح لكن بواسطة تطور الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يتخطى أشواطا؛ يمكن أنسنة (الروبوت) لتحقيق تفاعله مع محيطه. وهنا المؤلف الأستاذ- عبد الكريم العامري- يلمح باستشعار ذكي لمواكبته للتطورات التكنولوجية، وبما أن ( الروبوت) وظف في مجالات عدة: يبدو أن الشيء الوحيد الذي يوحد العديد من العلماء الذين يدرسون الروبوتات هو الهدف من إنشاء روبوت ذاتي الاستقلالية تمامًا يشبه الإنسان قادرًا على محاكاة جميع السلوكيات والعواطف البشرية (10) وبالتالي فربما النص استباقي لما سيقع بين ( الروبوت / الحياة الزوجية) العربية مستقبلا ؟ وبالتالي: وتظل فكرة توظيف الروبوت في المسرح هي فكرة تجريبية في محاولة لاستغلال الذكاء الاصطناعي في الأداء على خشبة المسرح, وأيضا في الكتابة للمسرح أحيانا والتي دخلت حديثا في هذا النطاق عن طريق تغذية الشبكات العصبية للروبوت بنماذج معينة من الدراما(11) وفي هذا السياق فالزوجين حاولا التخلص منه؛ إيذانا بتجاوز مساحته كآلة منفذه ، إلى آلة نافدة ومتسلطة في حياتهما، وبناء على نفاذ صبرهما، إثـرتقابلهما في( المشهد9) لاستنطاق بينهما وبين الروبوت، بشكل صارم وجدي.

* الروبوت: الوقت ينفد وأنا لا أحب الانتظار.
* الزوج: (يأخذ الزوجة جانبا ويهمس) هل طلب منك شيئاً؟
* الزوجة: (تهز رأسها إيجاباً ) وأنت، هل طلب منك أيضاً؟
* الزوج: ما الذي طلبه منك؟
* الزوجة: (مترددة) أن… أن… قل لي أنت أولاً، ما الذي طلبه منك؟

فبعْـد افتضاح ما طلبه (الروبوت ) من الزوجين كل على حـدة ( الطلاق/ الطرد) هنا تجلى فالتفكير والبحث عن سبل الخلاص منه ، مستغلين انقطاع التيار الكهربائي، وضعف شحنة بطاريته .مما أعطانا تأطيرا ثانيا كالتالي:

(2) [الروبوت]—– الزوج (متوتر) = الزوجة (قلقة) —– علاقة (تضامن) خارجيا

وعموما فالسؤال الجوهري الذي يطرحه النص هل الحياة جميلة بدون روبوت ؟أم جميلة بانوجاده؟ لأن (المشهد10 ) يتركنا نتساءل وإن كان في عصرنا النوعي” للروبوت” دور أساس في المجتمعات الاستهلاكية / الإنتاجية. وبناء عليه مرة أخرى، فما فعله الزوجين عين الصواب أم لا ؟

* الزوج: لقد سقط.. اغلقي النافذة..
* الزوجة: واخيراً تخلّصنا منه.. (صوت الروبوت يسمع من الخارج)
* الروبوت: الحياة جميلة.. أعيدوا لي الشحن.. الحياة جميلة.. تم حذف جميع التسجيلات.. الحياة جميلة..
(يكررحتى يصمت)

هـذا عندما تصبح الروبوتات أكثر شبهاً بالإنسان ، نبدأ بالنظر إليها بشكل مختلف فيما يتعلق باستخدامها كشركاء جنسيين في مجتمعنا؟ ونظرًا لأن الروبوتات المصممة لتكون شركاء جنسيين أصبحت أكثر إنسانية (12)


الإســتــئـناس:

1) نص ” حياة جميلة” منشور في مجلة أنطولوجيا بتاريخ 23/03/2023
2) نص مسرحي: (3D) لمرتضى عوده في مجلة الفرجة- بتاريخ 03/05/2022
3) نص “المدينة المجهولة “لزينب المالكي منشورفي مجلة الفنون المسرحية بتاريخ 19/02/2019
4) مسرح الروبوت.. المستقبل والطموح: لأحمد محمد الشريف – مجلة مسرحنا- ع 784 بتاريخ 5/09/2022
5) نــفـــســـه
6) تحليل السيميائي للمسرح: لمنير الزامل – ص86 – دار رسلان سنة – 2014/ دمشق/ سوريا
7) احذر. الروبوتات سهلة الاختراق – لجمال نازي : العربية. نت في: 09 09/2017
8) التكنولوجيا الحديثة وآثرها في تحديث المجتمعات البدوية ( مشترك) – ص117- مجلة العلوم البيئية المجلد /48 ج2 :معهد الدراسات والبحوث البيئية – جامعة عين شمس / ديسمبر- 2019
9) الروبوت على خشبة المسرح في رومانسية الحب والتكنولوجيا: تصريح المخرج جون ويلتش حول مسرحية “سبيليكن” في- سكاي نيوز عربية بتاريخ- 14/03/2017
10) لمحمد عبد الكريم يوسف- صحيفة” الحوار المتمدن “ع: 7123 – في1/01/ 2022
11) مسرح الروبوت.. المستقبل والطموح:– سبق ذكره في (4)
12) أنسنة الروبوتات من جديد: سبق ذكره في(10)
Continue Reading
Previous: مسرحية سالب صفر لوح من الجحيم بقلم: كريم شنيارالفجر/ العراق
Next: شـذرية في حق ابن سينا بقلم: نجـيب طـلال/ المغرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى