د. محمد عباس محمد عرابي - من تجليات الحرمين الشعرية (قراءة في بعض أشعار الشاعرة كريمة ثابت)

تفيض المشاعر بعذب الأشعار عند زيارة البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج والعمرة، وزيارة المسجد النبوي الشريف، وينشد الشعراء في هذه المواقف درر شعرية في قمة الإبداع والروعة حيث التجليات الروحانية، وصدق المشاعر، والتجربة الشعرية الحية في الرحاب المقدسة، وها هي الشاعرة القديرة كريمة ثابت،تبدع في قصائد شعرية فريدة أثناء أداء المناسك في مكة المكرمة وزيارة زيارة المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة حيث تقول :

ما بين الكعبة و(مقام ابراهيم) أسرار

وبين ذنبي وعفوك كون من الأنوار

باطوف بالروح

وانا هايمة ف سمواتي

وغرقانة بدموع قلبي

ولافة حيرتي بآهاتي

تعبت سفر

وصحرا كبييييرة لامٓاني

شوية جسم ومشاعر

باتوه فيها غنا مسافر

وبامشي وبس وما شاعر

واناديك كل ليلة تبصٓ على روحي

وتمسح دمعها الواعر

واجيلك زاحفة على شوقي

واطير لك غيم

بيتهجى المطر توبة

وإنت الواهب القادر

تمٓلٓس عالجروح بلسم

وتعفو وانت بذنبنا أعلم

وتغفر وانت قادر لكن

حكمتك أرحم

سبع سموات

بتتهجى دعايا دموع

سبع مرات طواف بالكعبة

تشبع روح بتتهجى هوان الجوع

وبين مروة وصفا ( هاجر )

بتلبس روحي في المسعى

وتروي من العطش يأسي

أفوت أمسي

وابخر بالأمل قلبي سبع مرات

وبين الروضة والمنبر

راح اخطف نظرتين وامشي

واصلي على الحبيب وارمي

سلامي لروح ما بتنامشي

وأمد الشوف لروح ابو بكر والفاروق

يردوا سلامي اتدوٓر

وافوت روحي هناك وامشي

سلام قلبي لحمام مكة

وللمسعى وجبل النور

وفاتحة لساكنيك يا (بقيع )

تروحلك عمرها ما تضيع

وانا في (قباء)

باصلي الفرض والسنةً

واصفي من العكار دمي

وتتبخر جبال همي

ألم بدور

وازرعها فظلامي نهار

ينبت في غيابي حضور

ألبي يا بديع لبيك

بروحي بالتقيك وإليك

بتلجأ عتمتي تبكي

لعل النور لها ما يزور

فتطرح ف الحروف بللور

تبشٓر قلبي بمحبة

فيهدا الدرب

يغفا الذنب

يصحا القلب

يلفلف جنتك ويدور

مابين الكعبة

ومقام إبراهبم أسرار



قصيدة نون الحنين التي تتحدث فيها عن مشاعرها وهي في رحاب مكة المكرمة تكشف لنا عن مشاعرها وأحاسيسها في رحاب مكة وهي تتذكر سيرة خير الورى (صلى الله عليه وسلم ) وتفيض المشاعر في رحاب غار حراء وثور حيث نزول القرآن وأحداث الهجرة ،مثنية خير ثناء على الصحب الكرام متذكرة أحداث السيرة النبوية العطرة من حادث شق الصدر ورحلة الإسراء والمعراج ،وثبات وصبر النبي (صلى الله عليه وسلم )في الدعوة مبينة آثار دعوته على البشرية من أمن وأمان واستقرار حيث تقول :



نهرٌ منَ الأشواقِ يرتجلُ المعاني

وسنابلٌ من دهشةٍ تصِفُ افتتاني

أغوى القصيدةَ شهدُ لَحنٍ سائغٍ

فتحرّرتْ بي لذّةُ النّشوانِ

حَلّت ضفائرَها اللُّغاتُ وزُيّنَتْ

إذ قيلَ "سيرةُ سَيّدِ الأكوانِ"

هاجَتْ دموعُ الحَرْفِ إذْ ناجَيتُهُ

فمضى ليُطفئَ غلّةَ الصَّديانِ

غُصناً عصيّاً كانَ قلبي، تائهاً

قَلِقَ الوَريدِ، مُسَهّدَ الشِّريانِ

حينَ ارتوى مِن طيبِ ذِكْرِكَ وِرْدُهُ

تلَتِ الثمارَ نَضارةُ الأغصانِ

في بطنِ مكّةَ قد تركْتُ قصيدَتي

لتحاورَ التاريخَ في الغِيرانِ

تستنشقُ الذّكرى بـ "ثَورٍ" مِسكَها

و"حِراءُ" يَصهرُها بلا ذوَبانِ

فإذا ببدرٍ تقتفي نورَ النّبي

فأهيمُ عاشقةً ثَرى الوِديانِ

"أُحدٌ" مُوَشّىً بالصّحابةِ، كُلِّلت

هاماتُهم بالرَّوحِ والرَّيحانِ

لزئيرِ "حَمزةَ" أنصَتَتْ نُونِيَّتِي

بُحَّ الحنينُ، وذابتِ الشَّفتانِ

***

صلَّى عليكَ اللهُ يا مَنْ ذكْرُهُ

يُحْيِي رَميمَ الفِكرِ والوُجدانِ

ويَرُدُّ صحراءَ الجَفاءِ عرائساً

مِن عَسْجدٍ يَصْدَحْنَ في بُستان

ما كنتَ نقشاً بالرّمالِ وَعابراً

تُمحَى خُطاهُ بغَابرِ الأزمانِ

لله درُّكَ مِن عَصيٍّ عُودُهُ

لم يكسروكَ، فَجَلَّ وَجهُ البانِي

أقسمتَ لو وضَعُوا الشموسَ بِراحةٍ

وقلائدًا من جَوهَرٍ وجُمانِ

لم تتركِ الأمرَ العظيمَ لمكْرِهِم

وصَمَدتَ طَوداً ثابتَ الأركانِ

وصفوكَ، ما وصفوا سَرائرَ لَيّنٍ

كالماءِ يَصفو، كالقِطافِ الدَّاني

يرفو رِداءَ الصّبرِ إذْ هَزئوا بهِ

ويَمدُّ جِسرَ الحِلمِ للغضبانِ

ويُخاطبُ "السُّفها" بقَدْرِ عقولهِم

رغمَ الجوامعِ أتْرِعَتْ ببَيانِ

***

ملكانِ شقَّا الصّدرَ فانبجَسَ الضِّيا

نهراً يُهدهِدُ مَوجَهُ المَلَكانِ

سبحانَ مَن أسرى ومَنْ واسَى ومنْ

ذابتْ برحمتهِ دُجَى الأحزانِ

فعرَجتَ بالجَسدِ الطَّهورِ مَنازلاً

ما مسّهَا كفٌّ ولا قدَمانِ

بُشراكِ يا أنوارُ ذاكَ "مُحمّدٌ"

إلفُ التُّقى، وبُكورَةُ الإيمانِ

قاباً لقوسينِ دَنا، ما ضَلَّ، ما

خُدِعَا، وما زاغَتْ به العَينانِ

نفسي فِداؤكَ يا نَبيُّ، فقيرةً

طَمِعَتْ بكنزِ شفاعةٍ وأمانِ

مَن لي بلَيلٍ أنتَ بَدرُ ظَلامِهِ

تتلو الضِّياءَ فيطرَبَ الثّقلانِ؟!

يا مُنتهى مِسْكِ الطُّيوبِ، وسِرَّها

وخُلاصةً مَمزوجةً بحَنانِ

صلّى عليكَ اللهُ ما رفَّتْ علَى

غُصْنِ الوجودِ دقائقٌ وثَوان

وأَوى إلى ليلٍ طويلٍ بَردُهُ

أو أشرقَتْ شَمسٌ بدفءٍ حَانِ



وتقول أيضًا في قصيدة بالمسك أشدو المنشورة في مجلة تغريدات النوارس







شلالُ نورٍ قد تفجَّرَ في وريدي ومدائناً من بهجةٍ أَضحى قصيدي

هَطَلَتْ غيوثُ البِشْرِ إذْ هلَّ النبي والمسكُ فاحَ ولاحَ بالآفاقِ عيدي

ومواسمٌ من دهشةٍ عَبرَتْ دمي وشعوبُ نعناعٍ نقشتَ بها حُدودي

وجنى الجنانِ جَلا بداوةَ أحرفي فغدتْ فراديساً تُباهِي بالحصيدِ

أنا يا نبيُّ يتيمةٌ ، طَلَبَتْ قِرَىً والجُودُ من آلائكم فمددتُ بِيدِي

هلّا زَرَعتَ جَفافَها خٌضْرَ المُنَى وردَدَتَنِي أهزوجةً يشتدُّ عُودِي

ما بينَ مشرقِها ومغربِها بَدَا نورٌ سرَى بينَ الخلائقِ والشهودِ

فأحالَ ظلمتَها نهاراً باسماً وغدا المساءُ الشيخُ كالطّفلِ الوليدِ

يا سيّدي، ظَمأى حروفي للنّدى والحوضُ بين يديكَ يُغرِي بالوُرود

تخطو بلا ظلٍ وكيفَ لظلمةٍ تحبو على نورٍ تسَامقَ للخلودِ

كنتَ الوفاءَ إذا أضلَّ القومَ غدرٌ والصدقَ ينبضُ في شرايينِ الوعُودِ

ترفو رداءَ الصّبْرِ ترتق فَتْقهُ وتمدُّ حبلَ الصفحِ للفَظِّ البليدِ

وتضيءُ أرحاماً خَبَتْ أنوارُها وتبلُّ ريقَ الودِّ في صَهدِ الصدودِ

وتجيرُ عبداً قدْ ذَوَى في قَيْدِهِ فيسيلَ نهرُ العِزِّ من بينِ القيودِ

نامَتْ قواريرُ ، قريراً جَفنُها إذْ زانَ رفقُكَ دربَها كصباحِ عيدِ

يا أيّها المزّمِلُ، اقبلْ دَفْقَةً من قلبِ عاشقةٍ ،توارى بالنشيدِ

ليتَ الحروفَ حمامةٌ، يَزهو بها غارٌ أوى في لَيلِهِ صُبحَ الوجودِ

أو ليتني روحٌ تلاشَتْ روحُها بين السنابكِ واشتباكاتِ الجنودِ

أهوِي على عُنقِ اللئامِ مصارِعاً وأكون أقربَ منك منْ حَبلِ الوريدِ

وتضُمُّ أقدامي ثرىً خَطَرتْ بهِ قدمٌ طهورٌ رَوْحها من طيبِ عودِ

أنا يا نبيُّ يتيمةٌ ذابتْ جَوىً لمرورِ كفِّكَ فوقَ قلبٍ مِن جليدِ

عاشَ الحياةَ منافحاً عن طهرِهِ ورجاكَ بلسمةً لعربيدٍ عنيدِ !

بالمسكَ أشدو حين أتلو سيرةً لمحمدِ العظماء مرفوعَ البنود

هبني أبا الزهراء جذعا قد بكى شوقا لهدهدة من السمح الودود

صلَّى عليكَ اللهُ يا صِنْوَ التُّقى ما غرّدَتْ ورقاءُ فوقَ دُجَى الغرودِ

أو سَبّحَ الغصن الرطيبُ بحَقْلِهِ أو همَّ عرجونٌ عجوزٌ بالسُّجودِ

وها هي تتضرع الشاعرة داعية الله تعالى السلامة وقضاء الحاجات وتفريج الكروب حيث تقول :

أَغيبُ وَذو اللطائف لا يَغيبُ

وَأَرجوه رجاء لا يخيبُ

واسأله السَلامة من زَمان

بُليتُ به نوائبه تشيبُ

وأنزل حاجَتي في كل حال

الى من تطمئن به القلوبُ

وَلا أَرجو سواه اذا دهاني

زَمان الجور وَالجار المريبُ

فَكَم لِلَّه من تَدبير أَمرٍ

طوته عَن المشاهدةِ الغيوبُ

وَكَم في الغَيب مِن تَيسير عسر

وَمن تفريج نائبة تنوبُ

وَمن كرمٍ ومن لطفٍ خفيً

وَمن فرج تزول به الكروبُ

وَمالي غير باب اللَه بابٌ

وَلا مولى سواه وَلا حَبيبُ

المراجع :


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى