إبراهيم محمود - كون الرجل امرأة "قراءة في السيرة الذاتية: حلم بدوي "، لـ ياسمينة خضرا

إشكالية البرزخ
تكون المرأة مرتجلة أحياناً، كما يقال فيها، حين تُظهر سلوكيات عائدة إلى الرجل، تعبيراً عن تعدّيها لـ " حدودها "، وربما يكون الرجل غندورياً، إذ يُظهر سلوكيات ترتد إلى المرأة. في الحالة الأولى استهجان، وفي الثانية استخفاف. وربما تحمل المرأة اسماً يخص الرجل، لأسباب اجتماعية، كما في حال الكاتبة الفرنسية جورج صاند، ولكن كيف يكون الموقف حين يتخذ الرجل نفسه اسم امرأة في أكثر الحالات تمايزاً ومفارقةً: في الكتابة، كما الحال مع الكاتب الجزائري المعروف عالمياً: محمد مولى السهول Mohammad Moulessehoul( 1955- ..)، والذي يعرف بـ : ياسمينة خضرا، وللتأكيد أكثر، هو اسم زوجته وليس أي اسم آخر. أي مفارقة تكمن في هذه الاستعارة، وما مغزاها ؟ وما الذي يخفيه هذا الظهور باسم المرأة- الزوجة، والتخلي عن اسمه وفي مجتمع جليّ الذكورة؟
تُرى، ما الذي يشغل هذه المنطقة : المسافة المتنازع عليها، والتي يقال عن أن الموتى يعبرونها دون رجعة، في طريقهم المصيري إلى عالم مجهول، عالم الموت، وأن الأحياء هم مَن وضعوا خريطتها الاعتقادية والتقديرية، ليكونوا أكثر شعوراً بالأمان الماورائي قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة،ويجعلوا منها منطقة شاغلة بالإشارات والرموز والتقاطعات والرهانات كذلك ؟
لكن مفهوم البرزخ لا يقتصر على هذا المعْلم الفاصل، حيث لا تراسُل مرئياً يقوم بين طرفيْه، إنما ربما يؤخَذ به، بمفهومه الدلالي، على صعيد الكتابة، بالنسبة لمن يصبح شخصية مفهومية خصوصاً، ويكون لاسمه تصريف آخر، والأهم الأهم، والأكثر اعتباراً، حين يكون الاسم الفعلي منزاحاً، ليحل محله اسم ليس من نوعه، وما في ذلك من إمكان إطلاق شائعات، تسريبها، أو نسجها، أو الاشتغال بها، وتقليب الاسم المغاير على وجوهه، واستمراره حتى بعد ذيوعه !
لعل الذي اعتمده هذا الكاتب الكبير السهول نسبة فعلية، خضرا، نسبة مستعارة، إجراء غير مسبوق في حدود ما أعلم، وفيه ما فيه من جهة المتردد معرفياً، والمصمَّم عليه فكرياً.
وما تخلل سيرتَه الذاتية من دوران حول الاسم، وحراك ثقافي من خلاله، ينشّط لدى قارئه ذاكرة مكانية – زمانية، ويثير الكثير من الأسئلة المرفقة بكل ما يمكن تبيّنه في مكاشفتها، وما يضيء عالم السيرة من أقوال تعنيه في مقابلات وتصريحات له، وما كتبه عنه بالمقابل.

2.jpg

إضاءة " حلم بدوي " السيرة الذاتية وإشكاليتها الكبرى
الكتاب الذي سيشكل محور المقال- البحث، يحمل عنواناً لا يخفي دويّ معناه، ولوذه بالبرّية، خارج الإقامة الحدودية، إشعاراً بمطلب الحرية إذ تصل الأرض بالسماء( حلم بدوي) " 1 "
ما هذا الذي يكون " حلم بدوي "؟ هل للبدوي حلم، وهو متنقل، رحالة، حيث إنه هو نفسه يشغل مقام الحلم، لأن ليس لديه ما يفكّر فيه وهو متنقل. إنه يمتلىء بالعالم من حوله، والبدوي الذي يكون مأهولاً بحميّا الشعر، فلأن الشعر توثب، انبساط قاعدي جهة اللامتناهي على مد النظر. إنها مفارقة حين يأتي العنوان هكذا. في العنوان ما يربك أحياناً، جهة الربط بين المفردتين، ولا بد أن مفردة " الحلم " تخص الكاتب نفسه هنا، وهو الذي يشعر بالتقيّد من الداخل كثيراً، و" البدوي " يكون الآخر، المتخيل، الطليق، المحلّق بصحرائه.. كيف يحلّق عالياً وهو يحلم، والتحليق، والارتحال نقيض الاستقرار هذا الذي وحده يهيء للحلم، نفياً للمكان الحدودي؟
إنما من جهة أخرى، سيكون التعامل مع الكتاب من خلال العنوان الحامل الصعب لمكوناته، للجسد المثقَل بأضلاعه الكثيرة، لذلك النفي، من ألفه إلى يائه، لما هو متراسي، ضاغط عليه.
ذلك يضعنا في مواجهة حالة الهجنة للكتاب، للكاتب كمفهوم حياتي مركَّب، حيث التقابل ليس بالأمر السهل بين أن يكون محمد المولى السهول، الاسم الحقيقي، المحكوم بما هو مؤسساتي مكبّل لقواه الحية، وياسمينة خضرا، الاسم المغاير كلياً في نوعه، والمأخوذ بهذا التحول النوعي طبعاً، ياسمينة خضرا" وكانت يمينه خضرا أساساً، وغيّر في الاسم بإضافة حرف السين من جهة الناشر الفرنسي، تبعاً لقول الكاتب ، وما في السين من تغيير في المعنى"، كما لو أن هذا الاسم هو تلبية لنداء اللامتناهي، للصحراء الشغوف بها، والسماء تقابلها بهيبتها.
ماالذي يمكن تبينه في محتوى الكتاب؟ أي سيرة ذاتية يكون وهو معَد؟ ربما روعي التنوع، ومن خلال مكاشفة التركيب في حياة الكاتب بين اسميه: الفعلي والمستعار، وفي بعض الحالات يتطلب الموقف من القارىء أن يكون أكثر تنبهاً إلى الجهد الذي تتطلبه قراءة المكتوب، وحالة الدمج بين مأثور الذات ومأثور كتابة الذات، وما يذكّرنا هذا القول بجورج ماي وإشارته إلى نقطة تتحدى التفسير وتبقي التأويل نفسه مفتوحاً (إن الكثير مما وضعه المؤلفون من سير ذاتية يبدو لنا قصة لآثارهم بقدر ما هو قصة لحيواتهم. إن لم نقل إن تلك السيرة الذاتية قصة آثار أكثر مما هي قصة حياة .) " 2 "
لأن الكتاب لم يقرَّر بحرْفه سيرة ذاتية، إنما مزيج مما هو حياتي، ومما هو إضاءة لحياة ممهورة بالكتابة، وأكثر من ذلك، ما يجعل الحياة مضاءة من خلال فعل الكتابة، حيث التركيز على البداية، يكون انطلاقاً إلى ما هو مفكَّر فيه جهة الكتابة وصنعتها جهة الاسم المستعار.
يأخذ السرد هنا مداه الواسع، على قدْر التأكيد على التنوع في مؤثرات الكتابة.
لإيكو مقولة جميلة هنا تخص القارىء المطلوب إزاء وضع شيق وشائق كهذا(يبدو أنه من واجب القارىء أن يكون على اطلاع واسع على العالم الواقعي لكي ينظر إليه باعتباره الأساس الذي يشيد عليه العالم التخييلي. ) " 3 " .
لأن خضرا مقروء من خلال التنوع الثقافي الجامع بين الفكري والأدبي، وأن الروائي فيه لا ينفصل عن خاصية الزاد المعرفية، وحضورها في طريقة بناء الرواية تخيلياً وواقعياً .
انطلاقاً من هذه الإشكالية المحفّزة على تكثيف ميكانيزم القراءة، ومقام القراءة في معرفة الذات والآخر، ومحاولة التعرف إليه، سيكون الحوار مع " حلم بدوي ".

البدء شارة
لا يخفي خضرا ما كان عليه بداية، ليظهِر من خلاله ما سيكون عليه تالياً. وهو يشير إلى أبيه، ودوره في صيرورة حياته. الأب المكانة، والأب الرمز، والأب المحرض على نفيه أباً مقرّراً لمصير يريد أن يتكلم وهو يضع عينيه في عينيه، أو يتكلم بصوت مسموع، أن لا يكون مجرد الابن المحكوم اجتماعياً بالأب بوصفه ولي أمره: منجِبه، حيث البيولوجي يحوز الثقافي.
لهذا لا غرابة أن يكون الإهداء اللافت للأم النقيض للأب، الأم التي تحيل الابن إلى كائن مغاير، وهي في منبتها الصحراوي، وهناك مساحة واسعة، يخصصها الكاتب خضرا للموقرة والدته، وربما لهذا السبب كان الإهداء إليها: إلى أمّي الحاضرة دوماً في قلبي وفي عقلي.
ليكون المقروء باعتماد حركتيْ ذهاب وإياب" الطريق المزدوج " حيث قراءة كل جملة تستدعي النظر في المغاير، فالأب الممثل للنظام البطريركي، يريده ابناً وبمقاسه، والأم داخله، تدفع به لئلا يبقى ابناً تقليدياً، إنما أكثر من كونه الأب المألوف هنا وهناك.
يذكر بداية أن أباه رفع يده عليه مرتين وهو ( قرة عينه ) أولاهما عام 1962، وعمره سبع سنوات، حيث ذهب إلى قرب المحيط، والثانية، حين بدَّل السيارة الكهربائية التي اشتراها له بكتب مصور ذي غلاف كرتوني، حيث عنَّفه في الأخيرة( لم يكن يصدق أنني أفضّل كتاباً عتيقاً متعفناً على لعبة جديدة برّاقة من شأنها أن تهدّى أي صعلوك وقح . ص 11.).
الكلمات تتكلم، إنها تنفتح على الصورة المشكَّلة في ضوء المؤثر الخارجي.
في العنف تسليط الضوء على واقعة مركزية الأب، شرعنته لما يقوم به تجاه بيته وابنه هنا. السيارة آلة مصنعة، تتحرك بطريقة معينة وثابتة من قبل أي كان، والكتاب يحيل إلى الخارج، إلى صنعة قائمة على التنوع، على ما هو روحي. السيارة ميكانيا، والكتاب ديناميكا. لهذا كان تعنيفه له، وهو خوفه على نفسه من أن الذي يجري يؤذِن بما يهدده في أبوته .
وما يلي يوضّح هذه العلاقة التصادمية والفاعل هو الأب(كنت أبقى في البيت، أضرب على مفاتيح آلة كاتبة عتيقة اشتُريت بقروش من سوق الأشياء العتيقة...يؤنبني أبي: العالم في الشارع، وليس في رأسك المريض، أفق من نومك، التحق بالناس، اخرج من كتبك الشيطانية إلى فضاء الهواء الطلق...كان يكفيني أن أفتح كتاباً لأرى اصطدام الأمواج بالصخور ، صرير الرمال تحت أقدام السبّاحين، ونداء البعيد الهادىء، كنت في عالمي الخاص بي، ناسكاً على غيمتي..ص12 .).
تقابل من نوع آخر، بين ما هو مرئي، ومفتوح في حدود معينة، وما هو منفتح وخاص على داخل الطفل الذي يعمّر كينونته المستقبلية فيما اختاره لنفسه. فالكتاب ولادة ثقافية ونفسية .
وما يقدِم عليه الأب هو حربه الضروس، حرب الأب ضد من يتخوَّف منه، بوصفه تهديداً لمكانته، ودفاعاً عن كونه أكثر من الأب في مجتمع يعرف به ذكورياً، والتعبير يتكفل بتقديم "
وجبة دسمة " من الكلمات المؤثرة والتي تستوقف قارئها لتقليبها على وجوهها جهة عنفها:
(حين انتزعني أبي في أيلول / سبتمبر 1964، من أمّي ليلقي بي في مدرسة أشبال الثورة، فهمت أن صفحة جديدة كانت مكلفة بالخروج عن طريق مصيري، طفل الأمس قد صار من الآن فصاعداً قصة قديمة، وأن كل شعرائي الجوالين قد كمّموا وحُجر عليهم. ص 13 . وورد عن ذلك أيضاً ، في الصفحة، ص 47 .) .
الأم، تظهر حجر عثرة، كما لو أن الأم نفسها جبهة مواجهة للأب، وأن الابن قوة تتكلم باسمها، والدفع بالابن إلى المدرسة المذكورة، إعلان فوري عن حالة طوارىء بالطريقة اللافتة آنفاً.
لنقرأ بعضاً مما هو صاعد بمعناه المشع جهة الإشارات المرسلة وأبعادها الاجتماعية:
(لم تكن قراءاتي بالفرنسية تقتصر على عيش القصص ، كانت تعكف على دلالات الكلمات، مواضعها في النص، رهافة صياغة الجمل، كنت أتحمس لأدنى التفاصيل. أولاً كانت هناك رواية الغريب لألبير كاموا، بعد ذلك رواية النجاح المفتوح لإدريس الشرايبي..ص16. .. في لمح البصر لم أعد أريد أبداً أن أصير شاعراً بالعربية، بل روائياً بالفرنسية، هذه اللغة الاستعمارية التي سوف تصير أرضي الموعودة ، الجيب الملحق بفتوحاتي السعيدة، أمريكا الخاصة بي، لم تعد لغة فيكتور هوغو، ولا لغة لامارتين، ولا لغة مالك حداد، بل لغة مطاليبي الأكثر حميمية، شرعيتي، شرعية أليافي العصبية الحسّاسة، ضروب رفضي أن أكون رأساً لخوذة حربية، أو حامل بردعة معزول..ص 17 . تأثير أستاذه بالفرنسية عليه " إيفون دافيس " الضخم مع جبهة عالية، واللطيف كلعبة طفل طرية، يهتم بمخيلتي. ص 72.) .
لا تتوقف القراءة عند حدود التسمية، وإنما ما تمارسه التسمية من تصفية، وما في الأخيرة من إعمال تسوية للمقصود مستقلاً. ثمة تسمية لحرب مواقع، وزحزحة لهذه أو تلك تبعاً للتوتر الذي يجهر بمسمّاه في الداخل وهزاته من داخل العائلة التي تمتد بقوانينها العرفية المتبعة إلى الخارج المحكوم بدوره بما هو مؤسساتي تقليدي، والشاعر يصبح مرفوضاً، ليس كرهاً له، وإنما لأنه يذكّر بما كان، بالنسب التقليدي، بمقروء الشعر العائلي، المؤطر، بالذاكرة الموشومة بما كان أبوياً، وفي العربية، بينما الرواية فهي انعطافة بمأثور مستحدث من الذات، ولو أنه محفَّز من خارج مغاير للسائد،جهة أستاذ الفرنسية، وتسمية الرواية الفرنسية عصيان بالحرف الواحد.

لحظة مع ألبير كامو
ألبير كامو " 1913- 1960 " الاسم الفرنسي والمولود في الجزائر والمسكون بأكثر من بذرة جزائرية جهة التأثر، رغم أنه يصوغ المعيش بأسلوبه المختلف. كما في روايته " الغريب " هذه التي تتجاوز كل تأطير في التأويل بالذات. وتظهر كل تأكيدات خضرا على أنه بعيد عنه، أسلوباً ونظرة إلى العالم، وهو لا يخفي تأثره به منذ فترة الطفولة. هناك قلب للصور: كامو يؤرخ روائياً لما هو جزائري، ويكتب عما هو جزائري كما يريد أن يرى ويعرف، وليس كما هو قائم، بغض النظر عن نوعية المكتوب، و" الغريب " دفعة حساب روائية لافتة له، بدءاً من العنوان طبعاً، ولنكون إزاء الغريب الذي يكونه خضرا، بطريقة ما، وهو لاحقاً سيكون الآخر المغاير لكامو، ولكنه يعكس صور العالم من حوله: الجزائر، فرنسا والمنطقة على طريقته، حيث إن كتاباته الروائية وحواراته لا تخرج بصورة ما عن " معطف " الرواية هذه، ليس بصفته المقلد الكاموي في روايته، وإنما لتلك الإشارات التي لا تتوقف عن بثها من داخلها ومن خلال العنوان، فالكاتب هو أصلاً كائن غريب، ودونه لما أصبح محل اهتمام، وكشاف أثر.
كامو مرئي ولامرئي في الذاكرة النفسية والكتابة لخضرا .
بتحفيز من أستاذ الفرنسية، أستاذه ارتبط بكامو، ومن عدا ما أتيَ على ذكره :
( ..جعلني أكتشف أن رواية ألبير كاموا الغريب. بعد قراءتي هذا الكتاب ، كان قراري قد اتخذ، لم أعد أريد أن أصير شاعراً بالعربية، بل روائياً بالفرنسية..في رواية الغريب فهمت أن قوة الأشياء تكمن في بساطتها، لقد تغيَّر مفهومي عن الأدب بتأثيرها فيَّ كلياً. ص73.
في فقرة تحت اسم ألبير كامو والجزائر:
الجزائر أرض الشعراء، اللاشيء فيها يلهمك، لكن الجزائر لا تعير سوى النفوس السليمة...كامو أحب ( جزائره ) ، هذه الأخيرة ليست بالضرورة هي الجزائر الحقيقية، لكن حب كامو صادق، وحسن نيته شفاف عبر النصوص، كان كاموا يكتب لأنه كان يحب، رؤيته الأفيونية لتيبازا تشبه أحلامه. من الممكن أن نصل بالإهانة إلى أن ننكر عليه جزائريته وإنسانيته، لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر عليه موهبته ككاتب. ص128. .. يثير كامو رفض الذين لا يقبلون حدودهم... لقد تألم كاموا كثيراً من غطرسة منتقدية وضرباتهم، ولم يكونوا الأقلّ، في مكان ما ، درب آلامه، يشبه دربي، لكن إذا كان دربه قد قاده إلى الأوليمبوس السويدي، فإن دربي لا يتوصل إلى شق ممر له في مكمن ضروب سوء الفهم... مثل كامو أكتب لأنني أحب، كل كتاب أقترفه هو مسبار أطلقه في الكون البشري بحثاً عن صدى. ص 129 .
تحت عنوان: على غرار ألبير كاموا حافي القدمين
صحيح أحب السير بقدمين حافيتين، في السيارة أقود بقدمين حافيتين، أشعر بنفسي مرتاحاً ما إن أتحرر من حذائي..ص 130 .) .
في المثال الأخير، تكون اليد طليقة في الإمساك بالعالم المنشود، والقدم وكونها حافية، تتصل بأعماق الأرض، إن المشي حافياً هو الاستعداد لحوار جسدي قاعدي مع الأعماق، تجذراً فيها.، ممارسة تجمع بين التأمل الفلسفي والمعايشة الصوفية في التوحد بالمكان .
رغم أن خضرا يشير إلى أن كامو ليس وحده من أثر فيه أو اهتم به، إنما هناك آخرون (جوزيف كيسيل، أندريه جيد،وروبلس..73.).
في حوار معه يقول:
(فرضت الفرنسية نفسها علي في سن الرابعة عشرة عندما قرأت الغريب L’Etranger للكاتب ألبير كامو. هذا الكتاب غير حياتي. قبل ذلك كنت أعتقد أنني سأصبح شاعراً عربياً. ولكن بعد الغريب ، الذي أثر في بقوة كتابته ، قررت أن أصبح روائياً باللغة الفرنسية.) " 4 "
وما يقوله في حوار آخر معه، وهو:
( لم أحب غريب كامو ، لقد أحببت موهبة كامو. كانت هذه الرواية بمثابة صدمة وإيحاء لي. عندما انتهيت من قراءتها اخترت أن أصبح روائيًا باللغة الفرنسية بينما كنت أهدف إلى أن أصبح شاعرأ باللغة العربية. كان كامو كائناً ذا بشرة ، لكنه كان أيضاً نحيلاً قاسياً. إنه متمركز حول الذات إلى درجة أنه يرى الأشياء فقط كما يراها مناسبة. كانت جزائره نقيض الجزائر من الجزائريين والجزائريين والسكان الأصليين. لكن خط يده كان جميلاً إلى درجة أننا غفرنا للبقية. بالنسبة لي ، يظل كامو رؤية أفيونية لبلدي. رؤية مكبرة وغير محتملة في الوقت نفسه ، رحلة عبر ألف سؤال أحاول الإجابة عليها في رواياتي. أحيي في فنه الأدبي المشترك. ما كان لا يهمني. لا نطلب من الكاتب أن يكون قديساً ، نتوقع منه الموهبة ، ولا شيء غير ذلك.) " 5 "
ثمة ما يتكلم في متن كلامه الداخلي، في خاصية الحوار معه هنا، جهة الربط " المشيمي " إن جاز التعبير، بين نوعية تأثره بكامو، وما يقال في كامو في موقفه من الجزائر، على أكثر من صعيد، وهو الفرنسي، وما جاء به خضرا على صعيد الرؤية لعالمه ولمن حوله " 6 ".
في الكلام ما يشده إلى كلام سابق عليه، وما يترتب عليه من كلام آخر عما يضع خضرا في مواجهة ما يفصح عنه موقفاً مما يكتب، ومحاولة تفسير لما يسطّره روايةً.

الكتابة التي تسمّيه، أهي أمرأة، أنثى، وأي نوع؟
إن التجربة الحياتية مع الكتابية والروائية خصوصاً ، في مقام شاهد العيان البليغ جانب الإبداع لديه، وما يضيء صفحة الإبداع هنا لديه، سواء من حيث الكم أو الكيف، فأن يقرأ بعشرات اللغات من خلال ترجمات مختلفة لأعماله، ويعتبَر من بين أشهر الروائيين عالمياً في القرن الحادي والعشرين ليس بالأمر السهل، وما في ذلك من تأكيد لتمكنه من الكتابة الإبداعية "7 ".
لقد اختار الآخر في نفسه، ومن الآخر: الكاتب المغاير للعابر، العرَضي في حياته، ومنه العالمي بالتأكيد ليكون أهلاً للإبداع، ومواطن الإبداع بامتياز، وهو ما يشدد عليه منذ البداية، وهي الكتابة التي يتفاعل فيها المذكر والمؤنث، وهي الطريقة الأمثل للإبداع .
إن جملة من التعابير ذات الصلة بما تقدم تفصح عن هذه الحمّى المتقدة بين جنبيه:
(في أثناء وظيفة تحت الرقابة في الفيزياء- الكيمياء، بدلاً من الرد على الأسئلة، كنت أكتب الساحر التي ستؤلف أول قصة من مجموعتي حورية( منشورات الشركة الوطنية للكتاب- الجزائر1984) . حين علم بذلك كاد مدير المدرسة يشد شعره: قل لي إن ذلك ليس صحيحاً، كتبتَ قصة في أثناء الامتحان في الفيزياء والكيمياء! ماالذي يجب أن أفهمه؟ أنك لا تحترم أحداً، أن أساتذتك لا قيمة لهم، أنك تبول على التعليم ؟ ..ص17 .
كانت الكتابة قد صارت سلاح معاركي العملاقة، طيف نزاهتي، بيان عصياني، كانت قصائدي ترويني بوصفي البطل الوحيد الجدير بكل الأساطير..ص18 .
صار مقرَّباً من زملائه الطلاب، حيث كتب رسائل بأسمائهم إلى حبيباتهم..ص19 .
كنت في الملعب أقوم بقراءة أول رواية بوليسية لي عنوانها من باهي إلى بهية..يكتشفه الشاويش.. ولم يكن يعرف لا القراءة ولا الكتابة..وقد انتزع منه دفتره ( ومن دون أدنى سبب، فقط لأنه كان رئيسي في القسم، مزَّقه ألف قطعة. لو أنه مزَّق قلبي، وألقى بي جسداً وروحاً في طاحونة لما كان دمَّرني بقدر ذلك. ص 20 .
في الجيش كنت الكاتب، وبالتالي المنبوذ بين الكتاب أنا العسكري السابق، وبالتالي المشبوه، في نظر العرب أنا خائن، لأنني أكتب باللغة الفرنسية، في نظر المؤسسات الأدبية الفرنسية، على الرغم من جمهوري الدولي، ما أزال سراً، وبالتالي مخاطرة يجب تجنبها. ص 21 .
أعرف أنني اعتمدت الخيار الأفضل: أن أكون روائياً كي أستمر في ابتكار نفسي وفق إلهامي، وفي أن أعيش ألف حياة في حياة واحدة تهدهدها هذه اللغة المعتمدة التي صارت البستان المسحور الذي صرت مجموع ثماره. ص22.
وفي: حكايتي مع الكتاب
ولدتُ كي أقرأ، منذ طفولتي المبكّرة تشكل لدي الانطباع بأني مشوّه إن فاتني كتاب أو كتاب مصور..ص24 .
بعد وصوله إلى مدرسة أشبال الثورة من أيلول 1964... بعد أسابيع عدة، بين رأس حليق وصفعة صاعقة، غالباً غير مستحقة، لم أعد بحاجة إلى الانتظار حتى أستيقظ..ص25.
الكتاب هو الذي جاء لنجدتي..ص25.
بالكتاب تعلمتُ أن الحدود، الحدود الحقيقية، هي حدود العقل..ص26 .
طوال حياتي بحثت عن سعادتي في أريحية الروائيين..ص27. ).
وما يمكن أن نقرأه في أمكنة أخرى من الكتاب، وجانب التحدي لديه منذ فترة الطفولة:
(كنت تلميذاً متوسطاً، لا أهتم كثيراً بالعلامات على وظائفي، وكان نادراً ما يهمني أن أحتل المقاعد الأمامية، أو في صدر قاعة الدروس، جيث كنت أجلس، أظهر الاستعداد نفسه، كنت أرى السبورة مثل شاشة يجري عليها فيلم أحلام يقظتي، وحين يطلب الأستاذ أن يصعد تلميذ إلى المنصة، ألتفت نحو النافذة، وأمضي وراء أحلاميز ص49 .
كتبت أولى قصصي في العاشرة من عمري، قصة ( محمد الصغير) التي تستوحي كلياً حكاية بوسيه الصغير..
في تلك الفترة كنت أعاقب غالباً، أول مكافأة أتلقاها، كنت أدين بها إلى هذه القصة القصيرة..ص 50 .
لن أبلغ أبداً موهبة أجدادي في الشعر ما دمت لم أنجح في جعل الشمعة تنطفىء من نفسها تأثراً بما أقرأ بصوت عال، إلا أنني أجرؤ على الظن بأن الدم الذي يسيل في عروقي مصبغ بالحبر. ص 51.
تحت عنوان: بعيداً عن تعسف السلطة
لم أكن يوماً أرتكب العصيان الموصوف، بل كنت أرفض التعسف، والجيش هو، هو بامتياز، مكان تدجين التعسف. ص 53. ) .
وما يقرَأ في مكان آخر:
(خلال حياتي العسكرية حدث لي أنني كتبت في دبابة هجومية، بل حتى في طائرة هليكوبتر عائدة من عملية استطلاع، كنت أريد الحفاظ على مشاعري حيّة، وأسجّل فوراً الأحداث التي أعيشها، هذه الملاحظات أفادتني في وصف الرعب الذي كانت بلادي تخضع له. ص 71.).
في مقدورنا ، ومن خلال ما تقدَّم، أن نتصورحجم الضغوط والمكابدة لما هو سائد، ليكون لديه مثل هذا الحصاد الأدبي، وقابلية الدخول في حوارات مختلفة تخص أدبه ونظرته إلى الجاري .
ذلك ما نتلمسه في أمكنة مختلفة:
(لقد جئت إلى العالم ككاتب. لقد ولدت في قبيلة معروفة من الشعراء في الصحراء. عندما كنت طفلاً ، كنت أحب الاستماع إلى الشعر ، وبحثت عن الموسيقى في كل شيء: تكسير الغصن ، وصوت السيارة ، وما إلى ذلك. منذ أن كنت في الحادية عشرة من عمري ، عندما كنت جنديًا متدربًا في مدرسة الكاديت العسكرية ، بدأت في كتابة القصائد. أما بالنسبة لنماذجي في الأدب ... فلنفترض أنني قمت بتصفح كل مكان: نجيب محفوظ ، أمين معلوف ، غوغول ، شتاينبك .... إلخ. جون شتاينبك ، هذا المدافع عن الأشخاص الصغار ، هو بالتأكيد أكثر من جلب لي. أما بالنسبة للفلاسفة ، فقد كان نيتشه أكثر ما تميزت به.
كنت حرفيا أحب اللغة الفرنسية والكون. اليوم ، الكتابة بالفرنسية هي أيضًا طريقة للاحتجاج على الحملات الفاضحة للمستعربين ضد المتحدثين بالفرنسية. يكاد يكون فعل مقاومة.) " 8 "
وما يمثله الأدب من قدرة على تفعيل الأثر، حين يتحدث عنه:
( الأدب يمكن أن يكون أداة تهدئة وتحرير ، كل هذا يتوقف على مشاركة المؤلف. يستثمر بعض الكتاب الأدب في الغباء ، والكذب ، والتلاعب ، والبعض الآخر لأنهم يؤمنون بالإنسان وفي الغد الساطع.
يذكرنا الأدب باستمرار أننا جزء لا يتجزأ من اهتمام الإنسان ، ورابط ، ضعيف أو قوي ، في محاولة للبناء وكذلك للتدمير. أنا شخصياً أكتب لأنني أحب. هذه هي طريقتي في العيش والمشاركة في عالمنا. غالبًا ما أرسل رسائل إلى الأشخاص الذين يعانون من أسوأ حالات الاكتئاب. نفس الرسائل الأخوية التي وجهها لي الكتاب الذين قرأتهم.
السياسيون هم فقط الباعة المتجولون. هم هناك فقط للدفاع عن القوى المالية. وهذا هو سبب قبولهم اليوم ، باسم العولمة والأزمة الاقتصادية التي أوجدوها ، لتسريح آلاف الأشخاص الذين يجدون أنفسهم فجأة في حالة من عدم اليقين والألم. أين ذهبت الدوافع الوطنية ، هذه الرغبة في البقاء على ذاتها ، لبناء الذات؟ تعاني فرنسا من زعزعة الاستقرار على الرغم من كونها قوة عظمى ، دولة قدمت الكثير للإنسانية.
لا يمكنك الجلوس على الشرفة دون إيجاد صديق في غضون دقيقة. لا يمكنك الهبوط في بلدة دون اكتشاف عائلة. سعادتنا هي قصة لقاءات. ولا تكتمل إلا عند مشاركتها. لذا ، دعنا نشارك ، وسيكون العالم جميلًا للجميع.) " 9 "
تتخذ الكتابة صيغة المعاكسة لما هو موجود، إنها، وباعتبارها علامة تساؤل حول واقع مأزوم، أو مجتمع ينتشي بتخلفه ويدافع عنه، من هذا المنطلق، تكون نفخاً في الصّور، إيقاظاً للموتى من الأحياء، ودفعاً بالساكن لأن يتحرك، وخاصة في عالم اليوم. الكتابة بالطريقة هذه مقاومة !
إنما هناك ثمن، وأحياناً يكون باهظاً، في مجتمع يستميت في الدفاع عن أعرافه وتقاليده، كما رأينا، ولا يدخر جهداً في النيل من أي عائق يلمَس فيه ذلك الخطر الذي يتهدده فيما هو عليه .
التخلي عن الاسم الفعلي ابتغاء لاسم يتعدى حدود المجتمع ويهزه من الداخل.
هو ما اختاره، وتهيأ لكل الاحتمالات الممكنة جهة عنها. أن يحمل اسم زوجته في رواياته، وما يعرَف به في حواراته تالياً، وفي مجتمع تكون المرأة مهمشة كثيراً :
( كان قد نشر ست روايات باسمه الحقيقي محمد مولى السهول. ص 93. ليتحدث عن الشائعات والهمسات حول هويته في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وقد كان اسم زوجته هو الذي يشكل مؤلفة رواياته ..ص 95 .) " 10 " .
ذلك ما يدفع بنا إلى التعرف على نوعية تفكيره بالمرأة وكيف كان ينظر إليها، وداخل عائلته:
( في السابعة عشر من عمري كنت قد كتبت قصيدة حول المرأة....فسّر في ما بعد إحلال الاسمين الأوليْن لملهمتي محل اسمي على أنه استفزاز، ولا سيما في تلك الفترة، لم أكن على وعي بذلك ...كثيرون قالوا لي، في ما بعد، إنهم كانوا يخمنون وجود رجل وراء اسمي المستعار، فغمرأة جزائرية، في نظرهم، لا يمكنها إنتاج نص ذكوري على هذا النحو، لكن من الخطأ الاعتقاد بوجود كتابة أنثوية أو ذكورية أساساً، الموهبة لا جنس لها في نظري، من ناحية أخرى لم أسع أبداً إلى استثارة الجدال أو إثارته، أكتب ما أعتقده مفيداً، هذا كل شيء. ص 97 .
لم تكن الكتابة بتوقيع ياسمينة خضرا مصدر حرّية بقدر ما كانت طريقة في التغلب على الرقابة الذاتية خصوصاً...هكذا لم يعد اسم ياسمينة خضرا اسمي ككاتب فحسب، بل هو خصوصاً شهادة على امتناني الواسع لتلك التي منحتني الشجاعة والقوة على أن أكون ما صرته، من ناحية أخرى، اسمي المستعار صار معتمداً من ملايين القراء، لقد سار في دربه، ولا أرى كيف لا يسعني أن أرافقه حتى نهاية مغامرته . ص 97 .
هذا يدفعه للحديث عن النساء، وهو بذلك يوضح موقفه من هذه النقطة، باعتبار النساء استثنائيات ، ليقول:هن كذلك منذ فجر التاريخ. شخصياتي الأنثوية لسن كلهن بطلات، بل يجسدن بدقة الدور الذي يفرضه المجتمع عليهن. ص98 .
تعرف الطبيعة ماذا تفعل. الرجل هو الذي يعترض على قزانينها. ص99 . لا يمكن لأي خلاص مشترك أن يحدث إن جرى تكميم حريات كل إنسان، والنساء هن الأكثر حرماناً منها. ص100 . لا أظن أن الجزائر سوف تتعافى بفضل النساء، لكن من المستحيل أن تتعافى من دونهن. ص100 .
أب لفتاتين:
ابنتي البكر مهندسة مصممة تحولت إلى صناعة الحلوى، عادت إلى الجزائر لتقيم فيها نهائياً. ص 100 . أما الاصغر فهي تريد أن تصير محامية ، تنوي في الوقت الحاضر البقاء في فرنسا لاستكمال دراستها..ص 101 .).
وهناك ما ينير هذا الجانب في أكثر من حوار معه :
(بالتبعية ، كان أخذ اسم أنثوي أيضًا وسيلة للتعبير عن إعجابي بالنساء الجزائريات اللواتي قادت ، خلال الحرب الأصولية في الجزائر ، نضالًا بارعًا من أجل حقوق الإنسان. لدي عاطفة عميقة تجاههم.) " 11 "
وما يترتب على موقفه من موقف آخر:
(أُجبر على تبني عدة أسماء مستعارة للالتفاف على الرقابة العسكرية ، لكنه في النهاية اختار بشكل نهائي الاسمين الأولين لزوجته: "لولاها كنت سأستسلم. هي التي أعطتني الشجاعة لكسر المحرمات. عندما أخبرتها عن الرقابة العسكرية ، تطوعت لتوقيع عقود النشر الخاصة بي وقالت هذه الجملة التي ستظل كتابية بالنسبة لي: "أعطيتني اسمك مدى الحياة. أعطيك لي للأجيال القادمة.
ثم: إن اختيار هذا الاسم المستعار الأنثوي "ياسمينة خضرا" هو علامة على الحب الكبير الذي يشعر به الروائي لزوجته ، الموجودة دائمًا ، والحاضرة دائمًا في رحلته كرجل وكاتب. هذا الاسم المستعار الأنثوي له أيضًا قيمة رمزية قوية: في العالم العربي ، عندما تكون رجلاً ، لا تتباهى كأنك امرأة دون المخاطرة بأن يُنظر إليك بشكل سيء ، ويُحكم عليك بشكل سيء. إنه تحدٍ يطلقه الكاتب على المجتمع الأبوي العربي الذي يهيمن عليه الرجال ويديرونه. كما أنه تكريم يدفعه المؤلف لنساء شمال إفريقيا في كفاحهن من أجل الحرية والكرامة.) " 12 "
وفي مكان آخر:
(يتوافق اسمه المستعار مع الاسمين الأولين لزوجته ، منذ أن كان عليه أن يكتب سرًا كجندي. "لقد صُمم العالم ليكون غير كامل ، ومهمتنا هي التفاوض على هذه العيوب" ، يخلص الشخص الذي "لا يستطيع تخيل الإنسان دون لمسة من التفاؤل".) " 13 "
إنما هناك ما يهز هذا الجدار المتصدع للمجتمع بأعرافه وتقاليده الصارمة، عبررواياته:
إذ ( حتى فيما وراء الروايات وموضوعاتها وبنيتها الداخلية ، من المحتمل أن يتلقى جانبان آخران من لفتة خضرة الأدبية تفسيرًا يشير فيه إلى موقف من الالتزام. أولاً ، اختيار الفرنسية كلغة للكتابة ، وهو اختيار لا يمكن أن يكون ضئيلاً من جانب كاتب جزائري يقوم بعمله بعد إنهاء الاستعمار. في نظر القراء العرب ، وخاصة الأصوليين ، يمكن أن تعني هذه البادرة الابتعاد عن الثقافة العربية ، أو حتى الإنكار.
الجانب الثاني الذي يجب ملاحظته يتعلق بتبني ما يسمى محمد مولي السهول ، الضابط الكبير في جيش بلاده ، لاسم كاتبة: ياسمينة خضرا (وهما الاسمان الأولان لزوجته). في سياق الأصولية الدينية ، عندما نعرف المكان المخصص للنساء من قبل الأصولية المذكورة ، فإن هذا الاختيار يشكل بلا شك استفزازًا. ويمكن أيضًا أن يُقرأ على أنه فعل انفصال فيما يتعلق بالقيم "الرجولية" للمؤسسة العسكرية. الأسباب التي قدمها خضرا أكثر واقعية: لقد كان مؤلفًا لعدد قليل من الكتب المنشورة باسمه الحقيقي [، وقد لاحظ آلية للرقابة الذاتية فيه ، حيث أعطته ثقافته العسكرية انطباعًا بأنه مراقب باستمرار. "الذهاب تحت الأرض" ، كما يقول ، كان من شأنه أن يمنحه إمكانية تحقيق حلم الحرية وإعادة الخلق من مصدر المغامرة الأدبية ، حسب قوله.
يسمح اختيار الفرنسية بفتح الحوار بشكل أفضل مما يمكن أن تفعله العربية ، في المقام الأول لأن المرسل إليه الأول هو بوضوح القارئ الغربي ، وثانيًا لأن هيبة الثقافة الفرنسية تسمح على الفور بتوزيع أوسع للنصوص. عامل آخر يخون رغبة المؤلف في الوصول إلى جمهور أوسع وهو اختيار الأنواع الأدبية (الإثارة والحماس) المرتبطة بمجال الإنتاج الضخم.) " 14 "
هذا الجموح الطموح تجاه المرأة، له ما يبرّره، وهو في تعابيره التي تصله بالنشوة الشعرية الطابع، تمد في حدوده إلى درجة اللاتناهي، كما هو مسعاه لأن يُقرَأ باللغات كافة، تعبيراً عن تلك الصدمات التي تلقاها وهو في التاسعة من عمره، وربما دون ذلك، وما تعنيه الطفولة وهي في انجراحاتها من دمغة محفورة في الذاكرة، وإدانة لطغيان المؤسساتي الأبوي، والتي كان بسببها هذا الدفع بالروح لأن تلقى رواجاً لها، بما يخص قريحتها إبداعاً، والتحليق فضائياً، وعبر المرأة، وبحمْل اسمها: الطعنة النجلاء في الخاصرة الذكورية، وفي نقاط لا تخفي قوتها:
أن يعرَف عبر المرأة، علامة رفض للأب، والأبوية بالصيغة المعتادة. الأب المعمم: العائلي، الاجتماعي، السياسي، والعسكري والتربوي...إلخ.
أن يكون اسم امرأة، وهي زوجته اسماً ليس عادياً، وعلى مستوى عالمياً، عولمة لافتة للاسم، وتشهير بالاسم الأول في مصدره بالذات، والتحرك بمعناه الصادم إلى أبعد مدى له .
ليس هذا فحسب، إنما أيضاً التخلي عن النسب الأبوي وهو في منحاه العرْفي المحروس بعناية، والاحتماء بالنسب ليس الأمومي، وإنما من خلال الأمومي بالزوجي" الزوجة " كما لو أن اللوذ بالصحراء انعتاق من عالم المدينة وتحجرها ونخر الحياة فيها بالذات .
من الطبيعي في الحالة هذه، أن يحدث استنفكار واستكبار للجاري، وقد لجأ إلى فرنسا، تعبيراً عن تغيير ليس لمجرد المكان، إنما المكان ببعده الاجتماعي والسياسي والرمزي كذلك .
ما يخص البداية المنجرحة والملتهبة، نقرأ:
(تحت عنوان من جراح الطفولة إلى جراح العالم
جراح؟ هل هي جراح حقاً؟ يحدث لي أن أسمّيها على هذا النحو، لكني لا أظنها كذلك، ما يجرحني هو ما يشوه الكائن البشري، فأنا مجروح بمصيبة الآخرين..ص54.
رواياتي كلها هي إجابات على التساؤلات التي تستجوبني ، ما هي رسالة الكتب إن لم تعد إلينا، في عمق أعماق توحّدنا، ضروب عبث العالم كله، وأريحيته لتتحمل أعباءها، ونجعل منها دروساً في الحياة ؟ . ص 55 .)
ويمكن المضي قدماً في هذا المسار تعميقاً للأثر:
وبحثاً عن الاعتراف:
الطفولة هي قاعدة الحياة، أساس المعطيات التي تكوّن شخصيتنا وتقرر في شأن مصيرنا. ص 59 .
كنت أتدبر الأمر، تعلمت أن أتصرف كاليتيم، الأحد هو يوم الزيارات العائلية، وتوجد هناك قاعة كبيرة لهذه المناسبة..ذات يوم من أيام الأسبوع، وفي الوقت الذي كان ذلك آخر ما أتوقعه، ظهر أبي...لا أنسى أبداً هذا اليوم، كانت السماء ذات زرقة براقة وشمس هائلة، ترغمني على غض بصري، ظننت أن أبي سيفتح ذراعيه، ليحضنني، فضَّل أن ينظر إلي من بعيد، ويداه وراء ظهره، وعنقه متصلبة، ونظرته مستقيمة. ص 60.
وفي: سن الرشد المبكرّ
كففت عن أن أكون طفلاً في اللحظة التي اجتزت فيها بوابة الثكنة، لم يكن أشبل الثورة جنوداً صغاراً، بل جنوداً بالمعنى الكامل للكلمة..ص60
في الثالثة عشر من عمري، كنت أجمع الأصفار والتوقيفات الإدارية، كبرت قبل العمر الطبيعي، وشخت على الرغم منّي... لقد ححنتني آلام مراهقتي، يحدث لي أحياناً أن أكون جريحاً، لكن دون أن أكون منهاراً، أتابع طريقي بلا كراهية وبلا حقد محاولاً أن أكون مفيداً لشيء ما أو للآخرين...كنا ناقَب غالباً على أخطاء ارتكبت من قبل رفاق آخرين، كان ذلك يُسمى ( العقاب الجماعي) .ص61.
عُلّمتُ أن أسكِت آلامي، وأن أنشد عن ظهر قلب النشيد الوطني، وألا أكون كلياً إلا ضمن الصفوف، وألا أرتعد إلا على صوت الأبواق، وأن أكون مستعداً، خصوصاً، للتضحية بحياتي من أجل وطني. حياتي ؟ أية حياة؟ ألا ترون أني ولدت للتو؟ هل لدينا فعلاً حياة في التاسعة من العمر؟.ص62.) .
وتشريح المؤسسة الضابطة اجتماعياً ومناخها القسري:
(الفصل 2: شبل الثورة والكاتب
العسكري/ الكتب
فرضتْ عليَّ المؤسسة العسكرية في عمر مبكّر جداً استخداماً بارداً للكلمة بخلاف ثقافتي. العالم الذي أتيت منه، الصحراء الكبرى، يستخدم الفكر الصور، والاستعارات، والشعر كي ينقل الرسائل. في قبيلة ما يعبّر الفكر عن نفسه بأسلوب صادم، لكنه مزهر، في الجيش علينا أن نكون شديدي التجريد، ونتكلم باقتصاد، أن نكون رصينين ومختصرين. ص57.
وضعي كاتباً كبح مساري العسكري، شغلت المنصب نفسه- مدير إقليمي-طوال ستة عشر عاماً دون أي ترقية على الرغم من الأداء الاختصاصي الواضح، وحصلت على ميدالية الجدارة، لكن من دون النجوم المرافقة لها. في نهاية مساري فوجئت بنفسي وأنا أقدّم التحية لممرؤوس الذين كانوا قد صاروا رؤوسائي، أكذب لو قلت إن ذلك مر علي مروراً عابراص، هذه التحية التغسفية أحبطتني كثيراً، لكنّي بقيت واقفاً..ص 58 .علي أن أعترف أن الاحتقار الذي كنت أثيره لدى رؤسائي سمح لي أن أكون بعدها الياسمينة خضرا الغامض دون إثارة الشكوك..ص59.
ليكون: المنقذ من الآلام " ربما المنقذ من الضلال كذلك، إن جاز اقتباس عنوان كتاب الغزالي":
هذا هو الجواب الذي أضعه على لسان زرادشت في كتابي مكر الكلمات: هل تعلم لماذا تولد العنقاء من رمادها؟ لأن كل ريشة من ريشها قد ارتوت من محبرت . ص62.
ظهوره باسمه المستعار في برنامج بالفرنسية في كانون الثاني 2001، صدم الكثيرين، وقيل أن رئيس الجمهورية نفسه طلب الجهة المعنية بالتحقق في ذلك. ص 63.
كان عام 2000 بالنسبة لي، عام كل الأخطار، كنت أنتظر شهر أيلول/ سلتمبر لأطالب بحقّي في الإحالة على التقاعد...وبعدها لحظة الانعطافة: ها نحن أخيراً في باريس! باريس ، بالنسبة لي، كانت أكثر من مدينة النور، كانت موئلي..ص 64.) .
وكذلك:
(أعتقد أننا كنا، زوجتي وأنا، مثلاً جيداً لأولادنا، اثنتان وثلاثون سنة من السلام الزوجي، والحب، والصدق، والاستقامة المدنية، أنشأنا أولادنا على الاحترام والتقويم..ص106 .)
ثمة من يتحدث في هذا السياق، متعقباً خطى الكاتب فيما كان وما أصبح عليه وضعه:
(في سيرته الذاتية الكاتب ، ي. خضرا يتحدث عن ماضيه في الجيش الجزائري. كائنان يواجهان بعضهما بعضاَ في قلبه الداخلي القوي: الكاتب الذي يرغب بشدة في التعرف على نفسه والضابط الذي كان عليه منذ أكثر من ثلاثين عامًا.
إن كتابة محمد مول السهول مليئة بالأنوثة. أنوثة تتعارض مع القيم التي دافع عنها الجيش الجزائري حيث خدم ضابطًا لمدة 36 عامًا.
يسعى الكاتب إلى كسر المحظور حول هذا العنف ، وهو غاضب من قلة الفهم والإحسان التي أظهرها عدد معين من الناس في حاشية الضحايا ، رجالًا ونساءً. مشكلة الاغتصاب هذه ، المصورة هنا من خلال منظور النظرة الذكورية ، نجدها من خلال قلم فيرجيني ديسبينتس في كينج كونج ثيوري: "في فرنسا ، لا نقتل النساء اللواتي حدث لهن ، لكننا ننتظرهن أنهم يتمتعون باللياقة للإعلان عن أنفسهم كبضائع تالفة وملوثة. عاهرات أم قبيحات ، سواء خرجن من تلقاء أنفسهن من أرض خصبة للزواج ”.
"بالتأكيد ، المرأة ليست كل شيء ، ولكن كل شيء يعتمد عليها ... انظر حولك ، واستشر التاريخ ، واجلس في كل الأرض وأخبرني ما هو الرجال بدون نساء ، وما هي رغباتهم. سواء كنا أغنياء مثل كروسوس أو فقراء مثل أيوب ، مضطهدين أو طاغية ، فلن يكون هناك أفق كافٍ لرؤيتنا إذا أدارت المرأة ظهرها لنا.
من المؤكد أن عمل ياسمينة خضرا هو قصيدة للأنوثة. لكن بالتأكيد ليس للنسوية التي تخدش السطح فقط.
إن وجودهن الأدبي ينحصر في الغالب إلى الرغبة التي يثيرونها في الرجال الذين يشتهونهم.
من المؤكد أن عمل ياسمينة خضرة هو قصيدة للأنوثة. لكن بالتأكيد ليس للنسوية التي تخدش السطح فقط.) " 15 "
وما يعمّق هذا الأثر، ويثير فضول قارئه وناقده معاً لمقاربة ذلك من جهات شتى:
(كان لمحمد مولى السهول (المعروف باسم ياسمينة خضرا) مصير جيد: سيصبح جنديًا مثل والده ويترقى إلى رتبة عالية داخل هذه المؤسسة المحترمة والمحترمة. مستقبل مشرق يسعد أسرته. لذلك لا شيء تنبأ بمسيرته المبهرة ككاتب ، خاصة أنه ترقى إلى رتبة قائد في الجيش الشعبي الجزائري وخاض معركة شرسة رهيبة ضد الإرهابيين الإسلاميين من 1980 إلى 1990.
لذلك ترك محمد مولى السهول الجيش بعد الخدمة المخلصة ، مؤكدًا حقه في التقاعد في عام 2000. ومع ذلك ، لكونه ضابطًا كبيرًا متقاعدًا ، كان عليه ، مرة أخرى ، الامتثال لقانون الصمت وحسن التقدير. ما العمل ؟) " 16 "
وما يقوله هو عن نفسه في أحد حواراته:
(ياسمينة خضرةا- لم أختر مهنة عسكرية. كنت جنديا وأنا في التاسعة من عمري. انضم والدي ، الذي كان ممرضًا ، إلى جيش التحرير الوطني (ALN) في عام 1956. بعد عودته من الماركيز في عام 1962 برتبة ضابط ، قرر مثل العديد من الضباط الآخرين في ذلك الوقت أن يرسلني إلى مدرسة الكاديت ، في البداية خلقت لأيتام الحرب ، لأجعلني قائدا. هكذا وجدت نفسي وأنا في التاسعة من عمري في قلعة من القرون الوسطى في تلمسان.) " 17 "
من المؤكد أن الذي يقرأ مثل هذه الصيغة الأخيرة، يستدرك في الحال ما كان عليه وضع الكاتب، وما كان يكابده على الصعيد الاجتماعي.
وهذا الترابط بين السخط على الجاري، والتصعيد بالدور الرمزي للأب وخاصية الأبوية، وبالمقابل، ما يعهد به إلى المرأة، وما تمثله المرأة من قدرة على النهوض بالمجتمع، ليس عفوياً، حيث إن أعماله تستمد قوتها من ها الينبوع القهري، إن جاز التوصيف .

عائلة السهول وعائلة خضرا
يتحدث الكاتب، بإيجاز مطلوب عما كان عليه وضع عائلته، وقد أوردنا بعضاً مما يدخل في هذا المضمار، ولعل التقابل بين عائلته" السهول " وعائلته ككاتب باسمه المستعار: خضراً، يرينا تلك المسافة الشاسعة والمخيفة، وهي التي تشكل البرزخ الرهيب، والصعب عبوره" البرزخ " كما لو أن النقلة هذه بنوعيتها، رحلة ذات اتجاه واحد، لا عودة بعدها، كما تصرف الكاتب نفسه . عندما صرَّح بحقيقة اسم خضرا، لحظة طلب التقاعد، وتسوية معاملته. إنها ولادة من نوع جديد، ولكنها لم تمنحه براءة الذمة، لم تدعه وشأنه إثر " فعلته " تلك، وقد حل في فرنسا. لقد أعلن عن " وفاة " السهول " الرمزية، وولادة " خضرا " الذكر المؤنث وتعبيراً عن تقدير لا يثمّن لجانب التضحية في زوجته. ولا يعرَف ما إذا لم يكن يعثر على اسم كهذا، أكان سيستمر أم ماذا؟ تلك لحظة مصادفة، حالة انعطافة غير متوقعة، حيث المرأة استجابت لدعوته، وفي الوقت نفسه، شكّلت هذه العلاقة تجربة غير مسبوقة، ربما في رهان، ما أقربه لمساومة ضمنية، متَّفق عليها، استفاد منها الطرفان، وبالنسبة للسهول- خضرا، أكثر، لأنها فجّرت ما كان خفياً، وأبانت عن حجم المكبوت وعنفه، وضراوة المجتمع وقساوته في التشهير بالمتمرد على أعرافه .
هناك القبيلة، ومتتالياتها، من العائلة محيطها الاجتماعي:
في الفصل 1، ابن سلالة من الشعراء
( قبيلتي هي مصدر موهبتي دون أي شك، قبيلة شعراء اختارت لنفسها رسالة، أن تقول الإنسان، والعصولا ، والصحراء. ص 29 .
من هم أجداده؟ ينتمون : إلى قبيلة ذوي المنيعة، سلالة من الرواد استقرت خلال القرن الثالث عشر في الساوره، في الشمال الغربي من الصحراء الجزائرية..ص30 .
ذوي المنيعة عرفت بورعها، وحبّها للأدب وحسن رعايتها. ص 31.
كان أبي يحتفظ بنسخة من شجرة السلالة، ونسخة مصورة عن كتاب مؤلف فرنسي يروي تاريخ الساوره وقبيلتا. ص 33.
منذ نعومة أظفاري ما كانت المصادفة تقدمه لي، كانت تصادره مني باليد الأخرى..ص34.
لم يعش أبي طفولة سعيدة، إذ فقد أمه في باكورة شبابه، ووجد نفسه مرغماً على أن يكسب قوت يومه، ومكانته وسط إخوته حتى قبل أن يتعلم الوقوف بصورة سليمة على ساقيه..ص 35 .
عن قبيلته: تفرقت القبيلة لأنها كانت تشعر بالعار لعدم منعها الفرنسيين من احتلال الساورة. ص 37 .
كانت أم أبي، الزوجة الثانية لجدّي، التي فقدها أبي في شبابه المبكّر، نبيلة من تومبوكتو، موعودة لإمبراطور المغرب مع فتاتين أخريين سليلتي عائلات كبيرة من مالي- ثلاثتهن موسيقيات ومتعلمات. ص 38 .
كان عمر أبي عشرين عاماً في عام 1953، حين دخلت أمي حياته، كان يقضي وقته في بار عندما جاء من يبحث عنه. أعلن له: اذهب، واستحم، وغيّر ملابسك، ستتزوج هذا المساء. ص 40 . أبواي أولاً يجهل كل منهما الآخر كلياً وجهاً لوجه، عاجزين عن العثور على كلماتهما، يتبادلان النظر مثل حيوانين حذرين... ولدت أمي في شعبة، قرب المالح.. بين عامي 1934 و1934، كان أبوها يملك قطيعاً من الماشية مترامي الأطراف، ومزرعة مهيبة، كان شيخاً صلباً، واثقاً من نفسه، أسطورياً من عائلة سومر يجله العرب والبربر. ص 41.
سوء تفاهم بين أبويه، هربت ذات يوم بمساعدة إخوتها(ة وبحثوا لها عن زوج آخر. ص 42 )
فيما يخصني ويخص زوجتي، زواجنا هو الآخر زواج جرى تدبيره ، للصداقة التي تربط أبوينا، كان عمري ثلاثين عاماً، وترحالي كضابط يثقل علي، احتجت للاستقرار عن طريق تكوين أسرة..ص42.
في البداية عاش والداي سعيدين، كان أبي فخوراً بأمي، تملأ عليه حياته..ص45.
لم أكبر مع إخوتي، إذ إن إخوتي الحقيقيين كانوا أشبال الثورة، كنا نعيش ثمانين فرداً في كل غرفة . ص48.).
وما يقوله عن أجداده مذهبياً:
(كان أجدادي من السنّة، على المذهب المالكي، وما يزالون، كانوا يمارسون إسلاماً أخوياً، يحترم المعتقدات الأخرى، وهو إيمان مصنوع من الاعتدال والتنافس..ص 103.).
حيث المرونة ظاهرة في بنية العلاقات الاجتماعية .
إنما تبقى الأم هي المادة المشعة في كتابته، أكثر من الأب، فالأم وامتداداتها النوعية فاعلة هنا. والأم هذه هي التي تصل ما بين النقاط التي تشكل عنصراً مؤثراً بإيجاب في حياته:
في الفصل 3 : صديق المؤنث
( تعيش أمي حياة مبعثرة دون أن تختار، أي شيء يمكن أن يضحكها، وأي شيء يمكن أن يجعلها تغرق في الكآبة. ...كان كل يوم بالنسبة لهه المرأة وأطفالها السبعة، الأمّية والمتروكة لقدرها يوم أشغال شاقة، لكنها صمدت... لا أذكر أنني سمعتها تشكو... خمسون عاماً بعد طلاقها، كانت تستمر في التفكير بأن أبي كان أكبر بطل حملته الأرض..اسم أمي فتنة، لكن أحداً لا يناديها باسمها، في قبيلتها تسمى بنت عيسى، وهي علامة احترام، أما بالنسبة لنا، أولادها، فهي أمي، وبالنسبة إلى أحفادها هي ميما. في ثقافتنا الجزائرية الأم هي فوق العالم كله،...... أمي أمّية، لكنها تملك روح شاعرة...هل كان علي أن أكتب رواية عن أمي؟ .. كتابة رواية عن أمي لا تقوم إلا على إيذائي، أفضل أن أعيشها على النحو الذي هي عليه. أمي هي صغيرتي، أحاول أن أبتكر من أجلها سعادة غالباً ما لا تدركها....أمي تبقى سراً لا أملك مفتاحه...أذكر أنني كنت سعيداً بحبها لي باكراً جداً، في التاسعة من عمري اختفيت من عالمها...في بعض الممرات أجعلها تركب سيارتي لأصحبها إلى مناطق نائية في البلد، تحب رؤية الحقول والمزارع..تلومني أنني لا أفعل شيئاً لأسعف البلد..لمحنة أمي عوامل أخرى " جهة النظرة الدونية للرجال للمرأة عموماً وهي ضمناً": لا يرى الرجال فيها " مهما كانت موهبة وذكاء وإخلاصاً " إلا كائناً تابعاً وغير ناضج...لا تستطيع أي أمة أن تتحرر كلياً من دون أن تحرر المرأة قبل كل شيء....أجهل إن كنت نسوياً لكن ثمة شيء أكيد: أنني أكثر ميلاً إلى أن أغفر للنساء منّي إلى الرجال..صص83-88.
كانت أمي مشغولة جداً بالإشراف على البيت، وبتربية أولادها السبعة وإدارة مشكلاتها الزوجبة.. " ويأتي على ذكر عمته ميلوده ، حيث كان يحبها كثيراً" وقد ": ماتت عام 1979، بكيتها كما لم أبك أحداً مثلها. ص 89 .
وجهة صلته بالنساء: يأتي على ذكر ثلاث فتيات، يكون بينه وبينهن حب، ولم يحصل النصيب: من ابنة الخال " ك " وكيف تأثر بها،ويقول أنه فكر بها كثيراً وهو يكتب روايته : الملائكة تموت من جراحاتنا، و: شخصية نورا هي صورتها طبق الأصل..ص90، وثمة شخصية رئيسة في روايته " ابنة الخالة ك "، وهي ذات صلة بشخصية في الواقع، ويقول( لقد قضيت عشرين عاماً في كتابتها، بنيتها كلمة بعد كلمة، أعيد قراءتها مرة كل سنة . أعرف عن ظهر قلب بعض المقاطع. أنا الناقد لرواياتي بعد كتابتها، الذي يرى كل العيوب والتحسينات الممكنة، رواية ابنة الخالة ك هي استثنائي. كل قراءة جديدة لها تؤكد لي أنه لا يجب تغيير شيء فيها، ولا إضافة شيء، ولا حذف شيء..ص90، ويشير إلى أن الرواية هذه لم تلق النجاح المتوقع. وثمة فتاة أخرى أحبها وهو ضابط، فلم يحصل نصيب كذلك، وكذلك مع ثالثة بعد عودته من روسيا عام 1984، ص 91. ويحصل زواج تقليدي، باختيار من والده ثم( جاء الحب على مهل في ما بعد، على مهل بكل تأكيد. إنه يدوم منذ اثنين وثلاثين عاماً ...زوجتي هي كل ثروتي، وأنا ثروتها كلها..ص92.) .
قراءة هذه الاقتباسات تضعنا في مواجهة المجتمع المتشكل في متخيله وداخل كتاباته.
وهناك من تعرض لهذا الجانب لديه:
( إن كتابة محمد مول السهول مليئة بالأنوثة. أنوثة تتعارض مع القيم التي دافع عنها الجيش الجزائري حيث خدم ضابطًا لمدة 36 عامًا.
"بالتأكيد ، المرأة ليست كل شيء ، ولكن كل شيء يعتمد عليها ... انظر حولك ، واستشر التاريخ ، واجلس في كل الأرض وأخبرني ما هو الرجال بدون نساء ، وما هي رغباتهم. سواء كنا أغنياء مثل كروسوس أو فقراء مثل أيوب ، مضطهدين أو طاغية ، فلن يكون هناك أفق كافٍ لرؤيتنا إذا أدارت المرأة ظهرها لنا.
ومن المؤكد أن عمل ياسمينة خضرا هو قصيدة للأنوثة. لكن بالتأكيد ليس للنسوية التي تخدش السطح فقط.
إن وجودهن الأدبي ينحصر في الغالب إلى الرغبة التي يثيرونها في الرجال الذين يشتهونهم.
من المؤكد أن عمل ياسمينة خضرا هو قصيدة للأنوثة. لكن بالتأكيد ليس للنسوية التي تخدش السطح فقط.) " 18 "
وإبراز مدى حبه لأمه، يعزز هذا الجانب اللافت بمكانته وموقعه القيمي في تصور الكاتب، وربما ما ضمنه رسالته إلى أمه، حيث كان مصاباً بكورونا، من مشاعر بنوة عميقة علامة فارقة في هذا التوجه:
( أمي العزيزة، وكيف أنه محجوز في بيته بسبب فيروس كورونا.. وآلامه النفسية في ذلك..ص141. والتذكير ببعض مما كان يبقيه قريباً منها، وهي قريبة إلى قلبه، وإظهار فائق حبه البنوي لها، وفي الختام الختام: إن كان علي ذات يوم أن ألقاك – يا أمي- أود أن يبقى جزء منا نحن الاثنين في كل منا حياً بعدنا، بما أن الحب وحده يعرف أن يروينا لمن يعرف الإصغاء..
ابنك الذي يفكر بك كل يوم
محمد ص143. ).
الأم تمثيل بديل للعالم المرغوب فيه، وتقديم لمعنى الاسم وكيفية تفعيله في تربة الواقع، ليكون المترتب على هذا الإجراء محاولة فك ارتباط بما هو سائد بزيفه وعنفه .

الكتابة وتحويلاتها
أن يكون المرء كاتباً، هو أن يمتلىء بما هو إنساني، أن تتساوى لديه الجهات، أن تتفاعل في واعيته لغات العالم بشعوبها قاطبة، حيث الإرهاب، أينما كان منبعه ومصبه مرفوض.
وكتابات خضرا، تعبّر عن هذه المحاولات الصاعدة بعلاماتها الفارقة .
حين يتحدث عن " مكر الكلمات " عنوان كتاب شهير له:
(مكر الكلمات: فضح الكذب
لم يكن الهدف من كتابة هذا الكتاب إعادة الحقيقة إلى نصابها، بل من أجل كشف الكذب، عومل الأبطال بوصفهم مجرمين، والجلادون، أي الجهاديون ، غسلوا من كل شك ممكن. ص65.
وفي بيتي:
منفاي هو مملكتي، أليس كذلك يا ألبير كامو؟ أنا في بيتي عندما أكون في نصّي، أتطور بعيداً عن الأخطار، بعيداً عن الفخاخ ، ينتقم الخيال لي مما يبتليني به. ص 69؟) .
وما يصل بين السياسة والكتابة، حيث إن الأخيرة تعتبر الجهات كلها ساحات لها:
(السياسة والرواية
أن أبتعد عن الأنظار ليس من طبيعتي، خفض الرأس مرة واحدة يعني الحكم بألا يقف المرء من جديد أبداً. ص 78 .
كموقف: رشحت نفسي لانتخابات رئاسة الجمهورية عام 2014، في محاولة للذهاب إلى أقصى واجبي كمواطن، أمام الانحراف الخطير الذي تواجهه الجزائر..ص79.)
ثمة الكثير مما يعبّر عن حصيلة معايشاته وتأملاته ومتابعاته لما يجري، وكردود على كتاباته.
في جواب على سؤال موجه إليه:
(مشاهد معركتك مذهلة. هل استخدمت تجربتك العسكرية لتضع نفسك في مكان شخصياتك؟
الكاتب لديه هذه القدرة على التساؤل عن الفترات والأحداث ، ثم ملاءمتها. إنها دعوته. لقد وصف العديد من الكتاب الحرب ببراعة دون إطلاق رصاصة واحدة ، دون حتى لمس بندقية. بقدر ما أشعر بالقلق ، ربما ساعدتني تجربتي العسكرية على فهم عبثية البشر بشكل أفضل. لم أخبر الحرب ، لقد استمعت إليها قبل أن أترجمها للقراء.
تتحدث عن عبثية الحرب العالمية الأولى وهذه الكلمة التي ترد عدة مرات تردد صدى الأحداث الجارية. هل الحرب العالمية الثالثة ممكنة؟
أنا لا أفكر في الحرب ، بل بضحاياها ، هؤلاء الشباب الذين يطمحون إلى أن يعيشوا أفراحهم القليلة التي يمنحها لهم الوجود والذين دُعوا للموت من أجل شعارات جوفاء مثل أغلفة الرصاص الطائش. الحرب هي أكبر خدعة اخترعها البشر منذ أن جُعلوا يعتقدون أن هناك أسبابًا أكثر أهمية من حياتهم. ) " 19 "
وما يشدد على وجود ذاكرة مشتركة بمفهومها الإنساني:
(إذا كان من الممكن بناء الذاكرة المشتركة للشعوب فقط على حقيقة التاريخ ، فإن الرواية تمنحنا دائمًا نصيبًا من الحقيقة من خلال تغذية خيال القارئ الذي يتخيل الصور ويتماثل مع شخصيات الخيال.) " 20 "
وموقفه من الإرهاب، كما هو المقروء في سؤال موجه إليه:
( يحلل كتابك الأخيران ،الهجوم L'Attentat وحوريات بغداد Les Sirènes de Bagdad ، مسار كائنين يقعان في الإرهاب ...
أنا لا أتحدث عن الإرهاب! أنا أتحدث عن المقاومة الفلسطينية والعراقية. أنا أتحدث عن أناس يقاتلون من أجل استعادة كرامتهم واستعادة وطنهم. الغربيون لا يفهمون هذا. بالنسبة لهم ، يرتبط الشرق الأوسط بشكل منهجي بالإرهاب. لكن إقامة غيتو في فلسطين كما كان الحال في وارسو في الماضي هو ببساطة وضع السكان في حالة من العار. بالنسبة لي ، الإرهابيون الحقيقيون هم الأمم المتحدة وواشنطن وجورج بوش وتوني بلير.) " 21 "
وحين يجيب على سؤال عما يقلقه راهناً:
(ما هي القضية الدولية التي تبدو لك اليوم الأهم والأكثر إثارة للقلق؟
ياسمينة خضرا - الصراع بين إسرائيل وفلسطين هو سوء حظنا المشترك.) " 22 "
ذلك يستوقف قارئه وناقده، وربما أعنيني هنا بالذات، حيث حاولت الربط بين عناوين كتاباته الروائية، وما تردد حولها من وجهات نظر، وحتى أحكام، وما يريد إيصاله إلى قارئه بالذات.
والسؤال: تُرى، أي حلم هذا الذي يظهره لنا هذا البدوي" والذي يريد للعالم أن يكون عالم سلام؟
ما نوع الإرهاب الذي يركّز عليه خضرا، من خلال ما يمكن سبر مكونه الفكري ؟
أن يجري الحديث عن الإرهاب وربطه بمن ذمرهم بوش، أو توني بلير، والحديث عن المقاومة في كل من فلسطين والعراق، يبقي فراغاً هائلاً، يقلل من القيمة الرمزية لعموم كتاباته، طالما أنها تتضمن تعميماً، أو تزكية غير محسوبة لما هو إرهابي، ولما هو نضالي مشرع . حتى في النظر إلى الدائر في فلسطين، وما يمكن إثارته جهة رومانسية الرؤية لديه بطابعها المشرقي الديني في مواجهة الغرب بمفهومه السياسي، وكذلك في المنطقة وتوتراتها، على الصعيد السياسي والقومي، وتجاهل رموز الطغيان، وما فعلوه يفعلونه في شعوبهم، حال صدام حسين.
وما يجعل الحديث عن معمر القذافي والتركيز عليه، طرفة سياسية ومخادعة للمقصد، حيث أودعه رمزياً في كتاب له " في الليلة الأخيرة للريس " .
ذلك ما يمكن تبينه في حوار معه:
(لماذا اخترت معمر القذافي كشخصية؟ لماذا ليس دكتاتور آخر مثل صدام حسين على سبيل المثال؟
القذافي شخصية متعددة ، مزعجة ، مراوغة ، تحد حقيقي للروائي. محاولة اكتشاف ذلك هو خيال النشوة الجنسية..
ألا تعتقد أن الناس يولدون وحوشًا؟ هل نصبح بالضرورة كذلك ، في رأيك؟ حتى طاغية متعطش للدماء مثل القذافي؟
أنا غير قادر على الإجابة على هذا السؤال. ربما لهذا السبب أكتب: لفهم الإنسان ، فإن أعجوبة الطبيعة هذه قادرة على صنع كل المعجزات باستثناء المعجزات للوصول إلى السعادة النهائية.) " 23 "
ربما أمكن التجاوب في بعض مما أفصح عنه بصدد القذافي، كشخصية مركّبة بمفارقاتها، إنما أليست شخصية صدام حسين أكثر " ثراء " بمفارقاتها وعنفها التاريخي، وما يخص مفهوم " المقاومة العراقية " وكيف تتم؟ ودون أن أنحّي لعبة الغرب، وأميركا ضمناً في توتير المنطقة.
ما أتلمسه في كتابات خضرا، هو تفعيل مفهوم " الإسلام " كما يعزّزه هو، وهو في الغرب، ضد غرب سافر، لا يخفي مكره ، وهو الإجراء الذي يكاد يصل بين أغلبية مثقفي أو كتاب المغرب، انطلاقاً من الطابع المتنوع اثنياً: العرب والأمازيغ والطوارق. إن الحفر في كتابات خضرا، في هذا المسار يصدمنا بما يتستر عليه، رغم الثراء الملحوظ في رؤيته للعالم، ولما يرجوه للعالم، ولما يجب على الكاتب أن يتميز به من وضوح وصلابة موقف ضد الإرهاب، أو العنف، والاستبداد، أينما كان. سوى أنه ما أن يقترب من المنطقة، خارج حدود المغرب، حتى يتحول الكلام لديه إلى نوع من الهمس غير المفهوم، تعبيراً عن مخاتلة تسميه في السياق.
يتحول تعبير " حلم بدوي " إلى مصفاة فكرية، تصغر المفهوم مساحة ومحتوى، حيث الصحراء نفسها، وما فيها من ثراء يحفّز على النظر في مساحتها الهائلة، دون المتردد فيها. إنها صياغة شاعرية بحُلميتها، وليس بما يجب أن تكون فلترة للأرواح المعذبة، وضمان أمن لها :
(الصحراء هي مرآة دقيقة، متطورة إلى أقصى الحدود، مزودة بجهاز قياس للزلازل قادر على التقاط أدنى نبضة لا يمكن الإحساس بها في نفسنا. ص 115.
شخصية النبي موسى ملهمته هنا، حيث يقول، وهو يتذكر موطن أجداده: الصحراء تعيدني إلى نفسي. ص 117.) " 24 "
إن ما حاولت التركيز عليه، هو جانب المفارقات في رؤيته برحابتها، للعالم، وما تدفع بالمتفاعل معها إلى تدقيق النظر في طبيعتها، وتبين طبيعة العلاقات بين عناصرها المكونة لها.
أي ما يكون مسكوتاً عنه، في الوقت الذي يشير إلى لاتناهي الحدود في المكاشفة، ونفي وجود حدود تحول دون رؤية الداخل فيها، وفي الجانب السياسي، ومستجداتها في المنطقة، وأشدد على تلك التوترات التي أسالت بسبب عمق أثرها ورهانات القوة السلطوية فيها، الكثير من الدماء، وإزهاق الأرواح، بالنسبة للعرب، الفرس، الترك، الأمازيغ والكرد، وهي تمثل نقاطاً ساخنة، والمنطقة في وساحتها صفيح ساخن، لا أظن خضرا أعطاها الحد الأدنى من الأهمية، ووجاهة هذا التجاهل، لحظة استنطاق الأرضية التي تنبني عليها .
أي ما يجعل المسافة بين كل من السيرة الذاتية والسيرة الأدبية رجراجة، والأخيرة تبرز أكثر حضوراً، وتلويناً لما يخص السيرة الذاتية، وما على هذه أن تعرَف به، استجابة للثانية.
إنها قراءة لا تخفي متعتها المعتبَرة لما أبدع فيه أدبياً، وعمق الثقافي في كتاباته، بالتوازي مع تحفظات، تشير إلى ما هو مؤطر في الصميم، وما في هذا التنوع من تفعيل للحوار!

مصادر وإشارات
1-ياسمينة خضرا: حلم بدوي، ترجمة: بدرالدين عرودكي، دار المحيط للنشر، الفجيرة، دولة الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2023. أشير هنا إلى أن الكتاب هذا هو في الأصل جمِع من مصادر مختلفة، حوارات وغيرها للكاتب، إلى جانب إضافات من لدنه، وبالفرنسية، وقد حرّرها المترجم عرودكي.وأن الإهداء نفسه الذي ورد في الصفحة " 9 " وهو:
في يوم 13 من شهر نوفمبر ( تشرين الثاني ) سنة 1960، قضى قرابة 300 طفل نحبهم حرقاً، في أثناء حضور فيلم سينمائي خُصص ريعه لدعم الثورة الجزائرية.
إلى ذكرى أطفال عامودا أهدي كتابي هذا. .
وقد جاءت كلمة الإهداء من قبل الكاتب حيث كان الكتاب المحرَّر هذا يعَدُّ للطباعة، إذ سمع قبلها في لقاء مع بعض العاملين في الدار، والكاتب والشاعر جميل داري المدقق اللغوي المعتمد، بواقعة أطفال حريق سينما عامودا، بالصيغة المذكورة، وتأثراً بها، رغب في أن تضاف هذه الكلمة، تعبيراً وجدانياً عن تقديره لتلك الواقعة وجانبها الإنساني.
وهو ما حاولت الاستفسار حول الكتاب وطبيعته، من الصديق الكاتب والباحث عبدالواحد علواني، رئيس التحرير في الدار.
أنوّه هنا، إلى أن جميع الاقتباسات الخاصة بالكتاب تعود إلى هذه الطبعة في المتن.
2-جورج ماي: السيرة الذاتية، تعريب: أ.د محمد القاضي- أ. د. عبدالله صُوله، دار رؤية، القاهرة، 2017.ص 60 .
3-إمبرتو إيكو: تأملات في السرد الروائي، ترجمة: سعيد بنكَراد، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2، 2015 ، ص 139 .
4- Yasmina Khadra : “Entretien” « J’écris des livres qui dérangent l’Occident "
ياسمينة خضرا:" مقابلة " "أكتب كتباً تزعج الغرب" حوار لوسي جيفروي
5-Interview. Yasmina Khadra : “S’il m’arrive encore de tenir debout, c’est parce qu’enfant je n’ai pas appris à me mettre à genoux”
مقابلة. ياسمينة خضرا: إذا كنت لا أزال قادراً على الوقوف فذلك لأنني لم أتعلم الركوع عندما كنت طفلاً.
6-أشير هنا إلى أن أكثر من تعرَّض لكامو، جهة التعبير عن كونه داخلاً في المؤسسة الإمبريالية، بمعناها الواسع، هو إدوار سعيد، وأن روايته هذه لا تخرج عن كونها رؤية بمفهومها الإمبريالي، وسردية محكومة بطابعها المؤسساتي الإمبريالي، وما يترتب عليها من إحكام سيطرة على العالم من هذا الموقع، وعدم قراءتها بوصفها رواية بريئة من أي لوثة إمبريالية، حيث الكاتب ينتمي إلى مجتمع، وما له من ثقافة قائمة وفاعلة، وهو يمتص مؤثراتها المؤسساتية.
ينظر حول ذلك كتابه: الثقافة والإمبريالية، نقله إلى العربية وقدَّم له: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت،ط1، 1997، فقرة: كامو والتجربة الاستعمارية الفرنسية، صص 230-244.
سعيد لا يخفي تلك البراعة في السرد وفي رؤية العالم، والتزويق في الكتابة " ص 232"، إنما وراء البراعة هذه ثمة الفخ الإمبريالي، إن جاز وصفه في محتواه، وجهة كل أعماله( إن روايات كامو وقصصه تقطّر بشكل دقيق جداً تقاليد مصادرة فرنسا للجزائر، ومصطلحات هذه المصادرة واستخطاطياتها الإنشائية الاستطرادية..ص243). لعل الذي كتبه سعيد لفت نظر الكاتب نفسه، ودون أن يعني أن ما كتبه سعيد يؤخَذ به، وهو يمارس تأطيراً محكوماً برؤية عائدة إلى تفكير الناقد، وطريقة مكاشفته لمكونات الرواية وهي رمزية وليس أسماء فعلية.
7-إن مجرد النظر في سيرة حياته وتلك اللائحة لأعماله بالعربية، وقد تُرجِم له أكثر من عشر روايات، وتلك اللائحة المكتوبة قبلها بالفرنسية، ولائحة أعماله المسينمة، والممسرحة، والجوائر التي نالها على أعمالها، في " يوكيبيديا " ينوّه إلى هذا الجانب .
8- Yasmina Khadra : “Entretien” « J’écris des livres qui dérangent l’Occident "
ياسمينة خضرة:" مقابلة " "أكتب كتبا تزعج الغرب" حوار لوسي جيفروي
9- Yasmina Khadra: Le choc des cultures : un choc d'incultures, Dans Revue internationale et stratégique 2009/2 (n° 74)
ياسمينة خضرا: صدمة الثقافات: صدمة نقص الثقافة
10-في حوار معه، يشير إلى أن الرقم أكثر من ذلك، لحظة التذكير به:
(من بين الكتب الثمانية عشر التي كتبتَها ، قمت بالتوقيع على الثمانية الأولى باسمك الحقيقي محمد مول السهول ، والعشرة الأخرى باسمك المستعار ياسمينة خضرا. لماذا هذا بحاجة لإخفاء هويتك؟ لماذا اخترت اسم زوجتك؟
بدأت النشر باسمي الحقيقي عندما كنت جنديًا في الجيش الجزائري. لكنني واجهت بسرعة مشاكل مع التسلسل الهرمي الذي لم يقبل وجود كاتب في صفوفه. بالنسبة لهم ، كان الأمر يتعلق بالمبدأ أكثر من كونه يتعلق بالمحتوى أو الخطاب. أشك في أنهم قد قرأوا كتبي من أي وقت مضى!).
ينظر:
Yasmina Khadra : “Entretien” « J’écris des livres qui dérangent l’Occident "
ياسمينة خضرة:" مقابلة " "أكتب كتبا تزعج الغرب" حوار لوسي جيفروي
11- المصدر نفسه .
12-Arselène Ben Farhat :« On ne naît pas Yasmina Khadra, on le devient »
أرسلين بن فرحات : "لم نولد ياسمينة خضرا بل أصبحنا"
13-Matthieu MARIN :Avec Yasmina Khadra, l’amour triomphe de la violence
ماثيو مارينا : مع ياسمينة خضرا الحب ينتصر على العنف
14- Dominique Garand: Que peut la fiction ? Yasmina Khadra, le terrorisme et le conflit israélo-palestinien
دومينيك جاراند: ماذا يمكن أن يفعل الخيال؟ ياسمينة خضرا ، الإرهاب والصراع الإسرائيلي الفلسطيني
15- Marion Bauer: Que vaut vraiment ? Yasmina Khadra : Des bombes et des roses
ماريون باور : ما هو حقا يستحق؟ ياسمينة خضرا: القنابل والورد
16-Arselène Ben Farhat :« On ne naît pas Yasmina Khadra, on le devient »
أرسلين بن فرحات : "لم نولد ياسمينة خضرا بل أصبحنا"
17- Yasmina Khadra: Le choc des cultures : un choc d'incultures, Dans Revue internationale et stratégique 2009/2 (n° 74)
ياسمينة خضرا: صدمة الثقافات: صدمة نقص الثقافة
18- Marion Bauer: Que vaut vraiment ? Yasmina Khadra : Des bombes et des roses
ماريون باور : ما هو حقا يستحق؟ ياسمينة خضرا: القنابل والورد
19- Mabrouck Rachedi:Yasmina Khadra : « Qui se souvient des tirailleurs algériens ? »
مبروك رشدي: ياسمينة خضرا: من يتذكر المناوشات الجزائرية؟ "
20- christophe courtin: La vérité romanesque chez Yasmina Khadra
كريستوفر كورتين: الحقيقة الرومانسية لدى ياسمينة خضرا
21- Yasmina Khadra : “Entretien” « J’écris des livres qui dérangent l’Occident "
ياسمينة خضرا:" مقابلة " "أكتب كتبا تزعج الغرب" حوار لوسي جيفروي
22- Yasmina Khadra: Le choc des cultures : un choc d'incultures, Dans Revue internationale et stratégique 2009/2 (n° 74)
ياسمينة خضرا: صدمة الثقافات: صدمة نقص الثقافة
23- Florence Floux :Yasmina Khadra: «Avec Kadhafi, l'expérience d'écriture a été incroyablement physique»
فلورنس فلوكس: ياسمينة خضرا: "مع القذافي ، كانت تجربة الكتابة جسدية بشكل لا يصدق"
24-تخصيب الكتابة بمأثور صحراوي ليس حديث العهد. هناك من تناول ذلك بتوسع.
كما في حال علي شريعتي، وكتبه: الصحراء، ترجمه عن الفارسية: حسن الصرّاف، مراجعة النص العربي: حسن ناظم- علي حاكم صالح، منشورات جامعة الكوفة، 2017 ، كما في:
الصحراء هي نهاية الأرض، نهاية موطن الحياة، في الصحراء كأننا قريبون من حدود العالم الآخر. لذلك يمكن رؤية ماوراء الطبيعة- الذي تتحدث عنه الفلسفة ويدعو إليه الدين- بأم العين ويمكن الشعور به . ولذلك نهض الأنبياء كلهم من هنا واتجهوا صوب القرى والمدن. إن " الله حاضر في الصحراء !" لقد أدلى بهذه الشهادة كاتب روماني جاء إلى صحراء الجزيرة العربية من أجل أن يعرف محمّداً ويرى صحراء تُسمع فيها دوماً ترنيمة أجنحة جبرائيل، تحت غرفة سمائها العالية، وحتى أشجارها وكهوفها وجبالها وكل صخرة من صخورها وحصاها ترتل آيات الوحي وتصبح لسان الله الناطق، لقد جاء إلى هذه الصحراء ليُشمَّ عطر الإلهام في جوها الغامض ..ص 56 .
في الصحراء لا يوجد شيء خارج جدار البيت وخلف حصن القرية. هناك صحراء العدم اللامتناهية، منام المنايا ومسرح الهول..ص56 .
...إلخ
وما أثاره جاك دريدا، في مبحثه الطويل: إيمان ومعرفة: منبعا " الدين " في حدود العقل وحده، ضمن كتاب: الدين في عالمنا، تحت إشراف جاك دريدا وجياني فاتيمو، ترجمة: محمد الهلالي وحسن العمراني، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 2004، صص9-76 ، وكتاب فتحي بن سلامة: ليلة الفلق، ترجمة:البشير بن سلامة، منشورات الجمل، كولونيا، ألمانيا، 2005.
وينظر كذلك: الصحراء والأسطورة في روايات إبراهيم الكوني " مقاربة أنثروبولوجية " ، أطروحة دكتوراه، للطالبة مليكة سعدي، الجزائر، 2012-2013...إلخ.



1.jpg
Yasmina Khadra


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى