إشتياق موفق خليل - ترانيم العصافير المنكسرة

في بلادٍ بعيدة ، يعيشُ عصفورٌ من عالمنا ، يطير في سماءٍ سوداء بأجنحته البراقة .
يحمل في قلبه نغماتُ الأمل و الاشتياق في عالم يسوده التصحر و الجفاف ، و يرسمُ أشعةً من الضوء بتلاوة الدعوات .
يتمنىٰ أن يجد طريقاََ للقاءٍ مع عصفورٍ من عالمٍ آخر .
و في عالمٍ مختلف ، يرقصُ عصفورٌ بألوانٍ جميلة و أجنحةٍ زاهية في سماءٍ زرقاء و غيوم تشاركه الرقص ، يغني بلحنِ الأمل و يحلق معه الأمان و السلام ، و يتراقصُ في حديقةِ الأزهار البراقة .
يحملُ أحلاماََ جديدةً في عينيه ، و ينشرُ بين الأناملِ الوان الحُب العذبة ، تعكسُ عينَا العصفورين دهشةَ الوجود و الفرحة المبهجة و آمال اللقاء .
و بينما يطيران في الفضاءِ الواسعِ ، يلتقيانُ عبر الجسورِ السحريةِ للخيال .
يلتقطانَ بذرةَ التوق و يغرسانها في قلوبهما ، متحولين بسحرِ اللقاءِ إلى " عالمٍ واحدٍ " يمزجُ بين ألوانِ السماء و الأرض ، تتحولُ الألوانُ المتدفقة و تمتزجُ برقتها مع نغماتِ الصفاء ، تتكاثرُ الزهورُ في كل زاويةٍ من عالمهما ، و تشرقُ الشمسُ بأشعتها الذهبيةِ لتعزفَ لحناََ جديداََ .
فالعصافيرُ ترقصُ بوتيرةٍ خفيفةٍ و تغرّدها بذوقٍ عذب ، مرتقبةً معاودةَ الطيرانِ معاً إلى عوالمهما المتحدة .
لكن القدر الجبار لم يسمح لهذا اللقاء الجميل أن يبقى حيةً ، ففي لحظةٍ غامضةٍ و مقيتةٍ ، انقضت المصائب على هذا العالم الجديد المتوحد .
سقطت العصافير الحبيبتان من عشقهما العالمي إلى حضن الألم و الفُراق .
فذات يومٍ و في ظلامٍ دامس ، ابتعدت الأصوات الحميمة و الألحان العذبة ، أستبدلت بصدىٰ الصمت المنهك و صراخ الروح المنكسرة ، أصبحت الأجنحة المبهجة مُتكسرة و الألوان الزاهية باهتة ، لم تعد هناك بذرة أمل تتساقط على تلك الأرض الجريحة .
و في عالمٍ جريحٍ آخر ، يبقىٰ العصفور الوحيد يطير وحيداََ في ظلام سماء بلا نجوم ، يبحث عن عشقٍ ضائع و أحلامٍ تحطمت في بدايتها ، و مع كل نفس يأخذه العصفور الحزين ، يتذكر العالم البديل الذي كانوا يحلمون به ، و يندب وحشة الفراق الذي تركهم عالقين في لحظةٍ تبعثرت فيها الأماني ، و بعدما تراقصت الألحان و انبرت الأجنحة ، غابت الروح ، و الألم غَلَب المكان ، و ظل العاشق الوحيد يتأرجح بين صخب الليل و صمت النهار ، يبحث عن بقايا حلمه المفقود ، الذي قتلهُ كائن وحشي يُسمىٰ ( إنسان ) حين كان يتدربُ على الصيد .
لم يقتل عصفور فحسب ، بالقتل عالم و أحلام لم تكتمل بعد ، و لم يعد هناك أشعة من الأمل تتسلل مع نسيم الرحمة ، بل بقيت القوس قرميداً يشبه ألحان الترقب و الفراغ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى