إبراهيم محمود - مسرحية: "الحمار".. مسرحية في أربعة مشاهد، قابلة للزيادة

مشهد أول
( هو نفسه في غرفة صغيرة واطئة السقف بالكاد تظهر صورة ظلّية له، يصعب تحديد عمره )

صوتان يترددان داخله، ولهما صدى في المحيط الضيق للغرفة:
-اصمت
-سأصمت
-اصمت
-سأصمـ..
-اصمت
-سأ..
-اصمت
سـَ..
-اصمت
ينقطع الصوت. بينما تُسمع أصوات انهيارات وضجيج وأصوات غير مفهومة في الخارج.الصوتان يعودان:
-اصمت
-وإن..
-سينالون منك من حيث لا تدري
-وإن
-سيسمّمون طعامك البسيط الذي تأكله
-وإن
-سيجعلون ماءك الذي تشربه أمرَّ من العلقم
-وإن
-سيؤلّبون عليك ظلك البائس نفسه .
-وإن
سعتبرونك شاغلهم الوحيد الأوحد، ولن يجعلوك تهدأ البتة ..


مشهد ثان

( هو نفسه، أكثر وضوحاً من قبل، ينظر في مرآة أمامه، ظهره موارب للناظر إليه، رغم أن المرآة كبيرة نسبياً، لكنها بالكاد تظهِر بعض الملامح من وجهه ).
" يخاطب نفسه وهو ينظر إلى المرآة "
-تُرى ماذا يريدون منّي؟
يتردد صدى: همممم
-ليتني أعرف ماذا يقولون عنّي!
-همممم
-من الصباح الباكر أمضي إلى عملي، وأعود مساء
-هممممم
-أعود مساء وأنا منهَك من التعب، لا أكاد آكل لقمتي حتى أنام في الحال
-هممم
-أنام وأستغرق في النوم، وأستيقظ، وإذا بي في الصباح
-همممم
-حتى الأحلام نفسها، أنا بعيد عنها ..
-همممم
ينتبه إلى أن صورته الوجهية لا تظهر كما يجب في المرآة
-عجباً ما لوجهي لا يظهر في المرآة!
-همممم
-إنما من أين يأتي هذا الصدى الغريب هممم
-همممم
يلمس وجهه، ويمرر راحتيْ يديه على الجهتين
-يداي طبيعيتان ووجهي طبيعي
-همممم
-ما بال المرآة إذاً لا تظهر وجهي ؟
-همممم
يمرّر راحة يده اليمنى على سطح المرآة
-المرآة طبيعية، فماذا يجري؟
-همممم
-لا بد أن هناك شيئاً ما
-همممم
يسود صمت لبعض الوقت
-أهناك من يراقبني ...
-هممممم
يدور حول نفسه، ناظراً إلى الجهات كافة، سوى أن وجهه بالكاد يظهر
-وراء هذا الصمت، هذا السكون إن...
-هممممم
-وهذا الصدى الغريب يخفي شيئاً
-همممم
-لكنني لم أفعل شيئاً..
-همممم
-لم أفعل شيئاً
-همممم
بصوت عال ومكرر
-لم أفعل شيئاً ..لم أفعل شيئاً...
-همممم
يحرّك يديه عشوائياً وفي وسط شبه مظلم
-أخبروني بجرمي إن ارتكبت جرماً.. لأرتاح قليلاً..ثم
-همممم
-ثم لأرى وجهي.. أرى وجهي
يسود الظلام


مشهد ثالث
( اثنان يخفيان وجهيهما وراء قناع، وهما يواجهان مقتعداً كرسياً، والضوء مسلَّط عليه، يستجوبانه بالتناوب)
-كان عليك أن تقولها منذ البداية
-أن..
-اصمت
-جريمتك لا تغتفر
-و...
-اصمت
-كأنك في عالم وحيد ولا أحد فيه سواك
-لـ..
-اصمت
-لو أنك عرفت حقيقتك..لما تابعناك منذ مدة..
-أنا لم..
-اصمت
-لا يهم أن تعرف.. وأنت تعرف.. إنما نحن نعرف..
-ما .. ما...
-اصمت
-أمامك امتحان وحيد، وخلاصك فيه إن تجاوبت معنا..
امـ..
-اصمت..
-تصرف وكأنك حمار وأنت تنهق بأعلى صوته...
-حما...
-اصمت
-هيا.. هيا انهق
-أنـ
-اصمت
ينظران إلى بعضهما بعضاً
الأول
-لا أمل يُرتجى منه
الثاني
-هكذا أقدّر
الأول
-إنه يعرف أن الجريمة متلبسته تماماً
الثاني
-يبقى الحل المعتمد لدينا
الأول
-تلك الإبرة التي تسهّل تحويله إلى ...
المقيد بالكرسي، وفمه مكموم:
-امممم
الأول
-اطمئن سوف نريحك مما أنت فيه
الثاني
-ونحن نرتاح منك أيضاً
الأول يخرج إبرة طويلة نسبياً من محفظة جلدية، ويجهزها
الثاني يشد على كتفه اليمنى، والأول يبادر إلى غرز الإبرة في جلده العاري .
بعد قليل.. لا يعود يتحرك ..
الثاني مخاطباً الأول
-سيصبح حماراً مطيعاً ممتازاً
الأول
-وسيفيدنا كثيراً
ظلام

مشهد رابع
( ثمة شخص يقتعد كرسياً كبيراً، ولا يظهر إلا جانب من وجهه، وأمامه الشخصان اللذان استجوبا المقيد إلى الكرسي.)
مقتعد الكرسي " بصوت متوتر"
-أعلِماني ماذا يجري.
يسود صمت
يرتفع الصوت أكثر توتراً:
-أأصبتما بالطرَش؟
الأول
-سيدي..الموقف صعب.
الثاني
-وفي غاية الصعوبة ..
مقتعد الكرسي " بصوت مرتفع وغاضب "
-ماذا يجري ؟
الثاني
الذي ضربنا إبرة، ليصبح حماراً، يبدو أنه عدى كثيرين..والاضطراب يسود المدينة..وعناصرنا عاجزون عن السيطرة على الوضع ..
مقتعد الكرسي" واقفاً " وبغضب أكثر:
-ماذا يجري ؟
الثاني
أنهم يملأون المدينة بركلاتهم وعضاتهم.. عضاتهم موجعة، وركلاتهم مميتة.. لا نعرف كيف انتقلت العدوى هذه..
الأول
-يظهر.. يظهر أنني أثقلت العيارَ الكيماوي ..
الثاني
-نعم، سيدي ..نعم ..
مقتعد الكرسي " تاركاً الكرسي "
-كان على أحدكما أن يجرّب على نفسه، ليعرف أي حمار يكون أولاً..
النهيق يعلو في الخارج، بصورة جماعية، وضجيج أصوات في الجوار..

يسود الظلام بينما حركات أرجل مضطربة على الخشبة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى