حميد العنبر الخويلدي - اقتباس من التراث

* يَطُولُ اليومُ لَا ألْقاكَ فِيهِ
وعام نَلْتَقِي فِيهِ قَصِيرُ.

- اقتباسٌ من التراث -

اين اللّذّة والامتاع في هذا البيت الشِّعْري ،،،؟ واللذة نعني بها عمق جماله المؤثّر في النَّفس، اي كأنّكَ ترى شيئاً حيويّاً محسوساً فيه ،
قد تستطيعُ مَسْكَه ولكنْ لاتستطيع ، مَثَلُهُ مَثلُ الماء تراهُ رقراقاً شفيفاً أمامَكَ ، لكنّما لا تقدرُ مسكَه بيدِكَ قابضاً عليه ،
وهذا أنَّ البيتَ احتوتْهُ ، لغةٌ سلسةٌ بسيطةٌ ، من دارج اللّسان المألوف ، تتَحرّى انها وِزِّنَتْ وزناً دقيقاً ، فباتَتْ كلماتٍ قليلاتٍ ، والقلّةُ في مثل هذا المنعطف اللّفظي تورث
الاجزالَ البَيِّنَ ، وتورثُ بلوغَ المعنى والحالَ الشَّكْلي والدلالةَ التطبيقية
،
فطويلٌ ، تقابلُها قصيرٌ ، ويومٌ يقابلُه عامٌ ، وكلمةُ لاالقاكَ المنفيّةُ تقابلها نلتقي المُثْبتَةُ
إمّا فِيهِ وضميرُها المُتّصلُ المنجرُّ في الصدر ، هي ذاتُها فِيهِ التي في العَجْز كذلك تقابلها وتعادلها بالتَّأثّر والتَّأثير ، نعم انتهى البيتُ في تمامٍ و كمالِ خِلْقَةٍ تصويريّةٍ ، وتعبيريةٍ واضحةٍ للعيان والعَرْض ،
وهذا ميزان الكلام باجمالِيّهِ ونِسَبِهِ ،
اعتمد الشاعر فيه على الجناسات والمقابلات التي تثير الدهش
والمفاجأة ، الالتفات والمراودة ، الشَّدِّ والجَذْبِ ، الامتاع والاقناع ، العاطفة والاغراء ، وللشعر في هذا البيت سيطرةٌ تامّة على احساس القاريء والسامع المتلقي عموماً وفي ايِّ وقتٍ ، بل هي الطاقة المخزّنة في بطاناته المستترة ومفاصله ، أو هي إشارة وامارة الخلود في اي بيت حائز على صفات الجمال والبقاء ،
وكذلك نعني بها الهيمنة على الجوارح والاستحواذ على الحس والاستشعارات الجسدية والروحية
والمرجو من الشعر في مثل هذا الموقف ، ان يلقي بصفاته الخلّاقة هذه حين سماعه وبالمباشر دون ترجمان
او تفسير ، انّما هي القدرةُ المُحْرَزَةُ في روحه ،
لكنّما نريد تبيان إسرار حال ومآل هذا المختزن التَّشويقي في الصورة اعلاه وأيّما صورة فنية
تصادفنا في النَّصّ الادبي بشكل عمومٍ ، ومن باب منهجي مكاشفاتي وفق نسق تطبيقي نؤمن به كمنظور اجمعنا عليه في عين صواب وارد ،
يطولُ اليومُ + النفي المبرم في عدم لقاءكَ مع المحبوب ، هذا طرف معادلة تكوينية الصورة
هنا اقررنا ضمن فعل المعنى وتأثيرة ، ان الوقت ومعجّلُه ليس ديناميةَ ومكانيكَ الدقائق ودورانها وكالعادة ، طبعاً سقط المعتاد ، بتحديثنا الفنّي الجديد وهو الابداعي المرجو ، في معجّل افترضناه هنا ، هو إهابُ الحبيب ،
و عامٌ قصيرٌ + ثبوتية الإهاب وحضوره ، اذ تعطينا تحقّق معنىً في الذروة ، معنىً متعالٍ هنا
هذا الامر يستوقفنا ان ندْلِي بمصطلح اعتباري نغتنمُهُ كمنجز نقدي نسميه
( المحدث المكاشفاتي ) والمبني على دافع روح البُشْر ، فلعلَّ كلَّ صورةٍ او نَصٍّ يدفع ب بُشْر
حتميٍّ ، اي كالوردة المتفتِّحَة ولادةَ موسمها في الغصن ، او كالخوخة اليانعة في شجرتها عند موسم نضجها، او رشأ الغزال مع امِّه جديدُ مولد، وكل جنس له معطىً ينفرج منه ،
هذا بِشْر الخلائق وسِرِّ اكثارها ،فضلاً عن مقصدنا في توضيح المحدث والذي هو بشر النَّص ،
فمحدثنا المكاشفاتي في بيتنا اعلاه وكان قد نوّهنا عنه في الصورة ، هو البُشْر الذي دفع باللذة والادهاش
اليوم يطول في عدم الرؤية ، يقصر فيها ولو مرَّ عامٰ شرط الرؤية
اي اغراء هذا وادهاش مبهرين
المحدث المكاشفاتي نعني به سِرَّ اجتهاد المبدع في وحدته مع الوجود المختصِّ شرطاً

حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري -العراق

حميد العنبر الخويلدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى