مجدي جعفر - أحمد عبده يكتب ملحمة الشعب المصري في ثلاثة كتب .. مقاربات نقدية

لا أستطيع أن أقرأ هذه الكتب من منظور سياسي فقط، رغم الحضور الطاغي للسياسة بها، والسياسة عموما تلقي بظلالها على أي منتج إبداعي أو فكري، حتى و إن بدا لنا أن هذا المنتج بعيد كل البُعد عن السياسة بمعناها المباشر، ولكنها السياسة الحاضرة دائما، بطريقة أو بأخرى.

ولا أستطيع أيضا – أن أقرأ هذه الكتب بمعزل عن أحمد عبده، القاص والروائي، الذي قاربت تجربته الإبداعية على نصف القرن، فاستوى عوده، ونضجت تجربته، واكتمل مشروعه الأدبي، وذروة الاكتمال بهذه الثلاثية، التي أعتبرها ملحمة، تضاف إلى منجزه الأدبي والفكري والسياسي.

.........

( 1 )



إطلالة عامة


عرفت الحياة الأدبية في مصر وفي الوطن العربي أحمد محمد عبده قاصا مجيدا وروائيا مقتدرا، صدر له خمس مجموعات قصصية وهي : ( الجدار السابع، نقش في عيون موسى، كلاب الصين، حفر في الباطن، حالة حرب ). كما صدرت له ثلاث روايات هي : ( مكاشفات البحر الميت، ثعالب في الدفرسوار، بنات 6 أبريل ).

وهو واحد من المنشغلين بالشأن العام والهم الوطني، وتتوارى في كتاباته الهموم الخاصة وهموم الذات أمام الهم العام.

والبطل في قصصه ورواياته مقاوما وإيجابيا وفاعلا، لا يعرف لليأس سبيلا، يمشي على الأشواك، ويقفز على الأسوار، ويقتحم النيران، ولا شيء يثبطه أو يعوقه في سبيل تحقيق هدفه، وهذه الإيجابية المحمودة مستمدة من شخصية أحمد محمد عبده، المحارب، والخارج أيضا من رحم القرية المصرية الطيبة.

ويمكن حصر معظم إنتاج أحمد محمد عبده القصصي والروائي قي محورين :

المحور الأول : القرية المصرية.
المحور الثاني: أدب الحرب والمقاومة.

وحين يكتب عن القرية فإنه لا يعيد انتاج ما كتبه السابقون عن القرية، كما يفعل عدد غير قليل من الكُتّاب، ولكنه يعيد الحرث في القرية المصرية، والتقليب في باطنها، وسترى القرية بعينيك في زروعها وأزهارها وأشجارها، وحواريها، وأزقتها، ودروبها الملتوية، ودورها الطينية الواطئة، فهو يستعيد لنا بصريا القرية القديمة التي عاشها في الخمسينات، قرية ما قبل دخول الكهرباء في سبعينيات القرن الماضي، قرية الفرن والكانون ووابور الجاز والزير والقلة و .. و ..

يبحث في جذور القرية القديمة، وينقب عن جذور الإنسان المصري، قرية ما قبل التلفاز والبوتاجاز والسخان الكهربائي والهاتف المحمول ووصلات النت .. القرية قبل أن تصير مسخا مشوها للمدينة، وتصبح مستهلكة بعد أن كانت منتجة.

وتشم أيضا وأنت تسير في دروب قريته رائحة أرغفة الخبز الذي تصنعه ربة الدار، ورائحة الطعام الذي تطهوه من طشة تقلية الملوخية إلى قلي السمك وشيه مرورا بكل الأطعمة الريفية التي يدخل في طهيها الثوم والبصل والصلصة.

وتسمع بقللة الجمل ونهيق الحمار وخوار البقرة، وزقزقة العصفور، ونعيق البوم والغربان، وصهيل الحصان، وصياح الديكة، وزن الناموس، وطنين الذباب.

وإذا تأملت الصور البصرية لأحمد محمد عبده – أي الصور التي تعتمد على البصر – والصور السمعية والصور الشمية والصور الذوقية والصور اللمسية ( التي تعتمد على حاسة اللمس )، نجد أن هذه الصور جميعها قد تناثرت في كتاباته عن القرية.

وأحمد عبده ولد ونشأ وتربى في أحضان القرية وتشبعت حواسه بها، ونحن لا ندرك الجمال عموما إلا عن طريق الحواس، وحواس كاتبنا قد تشبعت بالقرية، ونكتشف بفضل كتابات أحمد عبده عن القرية ثراء مفردات لغة أهلها، وكيف يتعامل معها الكاتب فنيا، أحيانا ينقلها كما يتحدث بها أهل القرية وأحيانا يقوم بتفصيحها، ولغة أهل الريف طيعة لقلمه، سيالة، قادرة على نقل ما يفكر فيه أبطاله وناسه، وتعبر عن أحلامهم وهمومهم وآلامهم، وكشف أحمد عبده عن بعض اسرارها، أو كشفت هي له عن خفايا جمالها، فشكل منها صورا في غاية الروعة والجمال.

... ولأن أحمد عبده من أبناء العسكرية المصرية، أعرق العسكريات في التاريخ، قدم لنا نصوصا تناولت هزيمة 1967م، وانتقد فيها القيادة العسكرية، والقيادة السياسية في ذلك الوقت وحملها مسئولية الهزيمة الساحقة، وراح بقلمه ينفض الغبار عن الجندي المصري، منحازا له ومدافعا عنه، الجندي الذي انتفض عقب الهزيمة، وخاض معارك أو حرب الاستنزاف، ولقن العدو دروسا قاسية، وتأتي حرب أكتوبر تتويجا لحرب الاستنزاف وقهر العدو واسترداد الأرض والكرامة.

تناول أحمد عبده كل الحروب التي خاضتها مصر في العصر الحديث من حرب 1948 إلى حرب 1956 فحرب 1967 فحرب 1973 إلى اتفاقية السلام، والحروب التي أخذت أشكالا أخرى بعد السلام، وحروب ما بعد السلام لا يستخدم فيها البارود ولا الديناميت، ولا الدبابات ولا المدافع ولا الطائرات، وهذه الحروب من وجهة نظر كاتبنا لا تقل خطورة عن حروب المواجهة بالسلاح، إنها حروب تكسير العظام، وصراع الإرادات والثقافات والحضارات ويتم فيها استخدام أخس الطرق وأقذر الوسائل!!

إن الدارس لأدب أحمد عبده لا يمكن أن يغفل هذين الركنين.

.. أعتقد أن هذه الإطلالة عن الكاتب وأدبه ضرورية قبل الولوج إلى ملحمة الثورة أو ملحمة الشعب التي كتبها أحمد عبده في ثلاثة كتب.

...........

( 2 )

ثورة يتاير .. والبحث عن طريق.



في كتابه ( ثورة يناير .. والبحث عن طريق ) .. نتوقف عند بعض العناوين غاية في الدقة منها : " إرهاصات الثورة "، " دراما الثورة "، إعصار الغضب الشعبي "، " من الجمعة 4فبراير حتى جمعة التنحي " .. كتبها في مشاهد أو صور قلمية، وفي كل مشاهده تراه إما واصفا أو ساردا أو مُحللا، واستخدم تقنيات عديدة منها ( تقنية الفلاش باك)، وتقنية ( المونتاج السينمائي )، من خلال ترتيب مشاهده أو لقطاته بطريقة خاصة جدا، وهذا الترتيب بالطريقة التي اختارها أحمد عبده يترك أثرا في نفس المتلقي ومعنى خاصا لديه، وتركيب اللقطات التي اختارها الكاتب اعتمدت على أسلوب الصدمات، وهو في تركيبه للقطات كالمخرج الحاذق الفاهم، فقد جعل كل لقطة تحدث صدمة، إذن هو قدم لنا مجموعة من الصدمات، وعند كل قطع يثير ذهن المتلقي، ويظل المتلقي مشدودا ومُعلقا وفي انتظار صدمة جديدة، هذه الطريقة التي اختارها أحمد عبده كانت أفضل كثيرا من ترتيب المشاهد واللقطات في سلاسة ونعومة وعذوبة .. ، والأسلوب الذي اختاره هو الأسلوب الأمثل للثورات والحروب والملاحم الكبرى التي يبلغ فيها الصراع مداه.

والتقنيات الفنية العديدة التي استخدمها أخرجت كتابه من دائرة الكتب السياسية المحضة، وألقت به في دائرة الكتب السياسية الفكرية الأدبية الفنية المتميزة، فتأرجح فيها الكاتب بين المعلق السياسي، والباحث المُحلل، والمؤرخ، والمفكر، والأديب بلغته التصويرية المبهرة.

.......

بعد نجاح ثورة 25 يناير في إزاحة الطاغية، حاولت بعض القوى اختطافها، وثمة مناورات ومؤامرات وآلاعيب قذرة تتم في الخفاء، والاستقواء بالخارج، وتقديم التنازلات، والاستعداد للتضحية بالثورة وبيع البلد في المزاد العلني في سبيل الكرسي!!

وكان اللعب بالنار في الداخل أيضا، ومحاولة تفتيت الصف، وإثارة نزعات طائفية: ( مسلم ومسيحي )، وعرقية وفئوية، وإثارة محافظات الحدود وخاصة سيناء و .. و .. وأصبحت مصر مستباحة.

أحمد عبده في فصل ( الإرهاصات ) .. يرى أن الثورات مثل الزلازل والبراكين إن لم يكن لها مقدمات مرئية أو محسوسة فإن لها مسببات، فلا شيء منها يحدث عفوا أو صدفة، لابد أن يكون قد سبقتها تشققات واضطرابات وصدامات وغليان وفوران.

وفي سعيه للبحث عن الأسباب، وتلمس اللامرئي، يعود للوراء مستخدما تقنية " الفلاش باك " عائدا إلى ثورة 1881م بقيادة عرابي، وثورة 1919م، وثورة 1952م وصولا بالطبع إلى ثورة 25 يناير 2011م، يقارن ويقارب العصر بالعصر، والزمن بالزمن، والثوار بالثوار، وتظل الأسباب هي نفس الأسباب التي من أجلها قامت الثورات – كل الثورات – وكأن لا أحد يتعلم، وكأن لسان حاله أو حال الشعب يقول : ألم تكن تكفي ثورة واحدة، والكل يعي الدرس، حكاما ومحكومين؟! ..

وفي مقاربته لثوراتنا الممتدة والتي لا تنتهي يذهب إلى الثورات في كل الدنيا، من الثورة الفرنسية، والأمريكية، والبلشفية، .. ويقارن الثورات بالثورات، ويتوقف عند ثورات أمريكا اللاتينية والثورات الأفريقية والعربية، وثورات العالم الثالث عموما، وهي ثورات ( الجنرالات ) .. والثورات تقوم بالأساس لغياب العدالة الاجتماعية، واستئثار القلة بالثروة، وحرمان الأغلبية الساحقة من الشعب، وتسلط الحكام على العباد، وتحولهم إلى أنصاف آلهة، وانقسام المجتمع إلى قلة من السادة وأغلبية من العبيد، ومحاولة الأغلبية التخلص من ذل ورق العبودية، والسعي إلى الحرية، وحين تكون " الديكتاتورية " تصبح الديمقراطية مطلبا رئيسيا،وقد لخص الشعب المصري مطالبه، وهي بالضرورة كل مطالب الشعوب التي تنتفض وتثور، لخصها في كلمات قليلة ودالة ومعبرة وهي : عيش، وحرية، وكرامة إنسانية، وعدالة اجتماعية، وهذه المطالب هي نفسها التي نادى بها في ثورة 1919 ومن قبل في ثورة عرابي ومن بعد في ثورة 1952 .. وكل الشعوب التي قامت بثورات كانت هذه هي المطالب الأساسية، ولعل الثورة الفرنسية التي تعتبر أم الثورات قامت أيضا من أجل تحقيق هذه المطالب.

وما بين ثورة يوليو 1952م وثورة يناير 2011م ما يقرب من الستين عاما، حكم مصر خلالها جنرالات الجيش : محمد نجيب، جمال عبدالناصر، السادات، مبارك، والأخير أمضى نصف هذه المدة حاكما للبلاد، ويقارن الكاتب بين مصر ودولا أخرى مثل كوريا والهند واليابان والصين وماليزيا وتركيا وسنغافورة .. وكانت حظوظ مصر أفضل من حظوظ تلك الدول في النهوض والتقدم، ولكن مبارك ونظامه من وجهة نظر الكاتب كان هو السبب في تأخر مصر وتخلفها.

ويسرد فساد مبارك ونظامه، ويذكر لنا أرقاما دالة على هذا الفساد منها مثلا : أن ثروة سكرتير الرئيس 5 مليارات جنيه و38 شركة و5 قصور و3 قرى سياحية وعمارة.

ومن الأرقام التي ذكرها أيضا : 225 مليار دولار هربها رجال مبارك خارج مصر و800 مليار جنيه حجم الفساد في أراضي الدولة، وتريليون و250 مليون حجم الدين الخارجي والداخلي و100 مليار ضاعت على مصر بسبب تصدير الغاز لخمس دول منها إسرائيل!!.

أعتقد أن هذه الأرقام تفتقد إلى الدقة، وتحتاج إلى توثيق، وأن تكون مأخوذة عن جهات محايدة، ولكن الكاتب لجأ إلى التضخيم والتهويل والتكبير ليبين فداحة حجم الفساد الذي كان عليه الحاكم، والتكبير والتضخيم والتهويل من الأساليب الفنية التي يستخدمها غالبا رسامو الكاريكاتير، وقد استفاد أحمد عبده من هذه التقنية أيضا، وقد استخدم أحمد عبده هذه المبالغات في ملحمته ليظهر لنا مدى بشاعة وفساد نظام الحاكم وجوره وظلمه ليبرر للقارئ حتمية وضرورة الفعل الثوري.

هل الفساد وحده كان سببا في قيام الثورة؟ .. يتوقف الكاتب عند التوريث، توريث الحكم وانتقال السلطة من الأب إلى الإبن، وكأن الجمهوريات أصبحت جمهوريات ملكية!! .. ويتوقف أيضا عند التدخل الأجنبي وخاصة الأمريكي في القرار الوطني وعدم استقلاليته والتبعية العمياء لأمريكا، ويتوقف طويلا عند أفعال الشرطة المزرية، واستخدامها قبضة الحديد والنار، ولعبت كل الأدوار القذرة من القبض العشوائي على الناس إلى تلفيق التهم وتزوير الانتخابات، وأصبح كل جُل عملها هو خدمة النظام، ولكن هل كان الشعب خانعا ومستكينا أم كانت هناك محاولات للخروج والاحتجاج وهل هناك من يستطيع مع الحكم المستبد أن يخرج على الخط الأحمر؟ ..

يذكر لنا الكاتب بعض الجماعات والجمعيات والنقابات التي تجاسرت على الخروج على الخط الأحمر، ويشيد بها ومنها حركة كفاية التي انطلقت عام 2004م، وحركة شباب 6 أبريل 2008،، والجبهة الوطنية للتغيير 2006م، وشباب من أجل العدالة والحرية 2010م، والجبهة الحرة للتغيير السلمي 2010م، وحركة كلنا خالد سعيد 2010م، هذا غير الاحتجاجات المستمرة بالنقابات المهنية خاصة نقابتي الصحفيين والمحامين، هذه الحركات هي التي جرأت الشعب المصري على الثورة.

ومن أهم الأساليب الفنية التي استخدمها الكاتب في هذا الفصل هو تكبير المشهد وتضخيمه، وهو أسلوب فني جيد، ولكن كنت أتمنى ألا يتعامل مع الأرقام بالتضخيم والتهويل وكنت أتمنى أن تأتي أكثر دقة، ومأخوذة عن مصادرها الموثوق بها، فمثلا يقول أحمد عبده : " حوالي 30 ألف فدان تسقط سنويا من الرقعة الزراعية!! من أين أتى الكاتب بهذه المعلومة؟ .. ويقول أيضا : يوجد في مصر 5 مليون عانس و8 مليون عاطل و 16 مليون مصاب بفيروس سي و5 مليون أطفال شوارع , ... و ... و ....، هذه في رأيي أرقام عشوائية، لا تستند إلى حقيقة وتحتاج إلى دليل، ولكن الكاتب استخدمها من باب التضخيم والتهويل الذي هو الأسلوب الفني الذي استخدمه في عدد من مشاهد هذا الفصل.

......

وفي فصل آخر من فصول الملحمة، يستخدم " أدب اليوميات " ويكتب يوميات الثورة من اليوم الأول الثلاثاء 25 يتاير ويوم الغضب وانتهاء باليوم الثامن عشر والجمعه 11 فبراير، وجمعة الصمود والتحدي، ويختتم الفصل بالخميس الأخير وباب السماء المفتوح ويكتب شهادته عن هذا اليوم، وفصل اليوميات وشهادة كاتبه من أجمل فصول الملحمة، فهي ليست فقط تأريخا لأجمل ثمانية عشر يوما عاشها الشعب المصري، ويدهشك أحمد عبده وهو يكشف عن جينات هذا الشعب الأصيل الضارب بجذوره في عمق التاريخ، فهي حكاية شعب في صراعه الطويل والممتد مع طواغيت الظلم والطغيان.

استخدم في كتابة اليوميات الأسلوب التلغرافي السريع، الجمل قصيرة وسريعة ومتلاحقة سرعة وتلاحق الأحداث، وإذا كان الزمن الخارجي هو 18 يوما فإن الزمن الداخلي هو عمر هذا البلد العريق، عشرة آلاف عام من التاريخ المكتوب، ومئات الألوف من التاريخ غير المكتوب، يستعيد الكاتب عبقرية الشعب عبر الأزمنة المتعاقبة، ويصهرها، ونراها متجسدة في ميدان التحرير، وكل ميادين مصر، يتوحد الزمان مع المكان، ويجسد لنا عظمة وعبقرية ورقي الإنسان المصري، ورصد الكاتب أغلب إن لم يكن كل الشعارات التي رفعها الثوار، وهذه الشعارات تستحق أن يفرد لها الكاتب بابا أو فصلا مستقلاهي والأغنيات والأهازيج التي تنطلق من الحناجر بعفوية وتلقائية.

.......

وتحت عنوان " مصر في خطر " يأتي الخوف على الثورة، ومحاولة بعض الفصائل اختطافها، وبدأ في سرد المليونيات التي كانت تحتشد أيام الجُمع وغيرها من الأيام، تحت عناوين : جمعة انقاذ الثورة 10 أبريل، جمعة حماية الوحدة الوطنية 12 مايو، جمعة في حب مصر 12 أغسطس ( وكانت خاصة بالطرق الصوفية )، جمعة استرداد الثورة 30 سبتمبر، جمعة حماية الديمقراطية ودعا إليها التيارات الإسلامية 18 نوفمبر، جمعة الفرصة الأخيرة 25 نوفمبر، وغير أيام الجُمع ذكر الكاتب فيها أياما أُخر مثل السبت 19 نوفمبر وفيه قوات الأمن تهجم على التحرير لفض الاعتصام بالقوة، الأحد 20 نوفمبر حيث توافد في هذا اليوم آلالاف من المتظاهرين على التحرير، وانضمت قوات الجيش إلى قوات الأمن المركزي وحدثت اشتباكات عنيفة، الاثنين 21 نوفمبراستمرار الاشتباكات، الثلاثاء 22 نوفمبر، الخميس 24 نوفمبر، .... حيث وقعت في هذه الأيام اشتباكات، وسالت دماء وتناثرت أشلاء، رصدها أحمد عبده بدقة ، وهذه المرة كانت الأرقام دقيقة، ونقلها عن مصادرها، يبين عدد القتلى والجرحى، وتقديرات تقريبية وصحيحة إلى حد كبير للمتظاهرين ما بين المليون ونصف المليون في بعض الجمع وبضعة آلاف في جُمع أخرى.

استطاع أحمد عبده أن يؤسس لملحمته الكبرى عن ثورة 25 يناير، وفي هذا الجزء التأسيسي استشرف صعود الجماعات الإسلامية إلى الحكم وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وكان رائعا في حياديته وهو يوازن بين الإسلاميين والليبراليين، ويتنبأ بثورة قادمة أقرب إلى ثورة التصحيح إذا ركب الإسلاميين الحكم، وهذا ما حدث بالفعل .. وانتقد الأحزاب الورقية التي لا تمثل ولا تعبر عن جموع الشعب المصري، ومعظمها أحزاب قاحلة جدباء سواء كانت اشتراكية أو يمينية ( رأسمالية ) أو ليبرالية.

............



( 3 )



حاخامات الدم في الشرق الأوسط

........

في كتابه " حاخامات الدم في الشرق الأوسط "، وعبر ستة فصول، لا يكتفي الكاتب بتقديم التنظير لواقع وحال منطقة الشرق الأوسط،والأشتباك مع هذا الواقع، بل يمتد إلى العالم كله، وعلاقة القوى الكبرى منه بهذه المنطقة الملتهبة، منطقة الحروب والصراعات.

........

و " الحاخام " هو أحد الرموز الدينية، و" الحاخامات " هم أول من شرعوا للقتل، وسفك الدماء، والإبادة الجماعية، والحرق، والتدمير، وبرر " الحاخامات " للسياسيين هذه الأفعال المشينة والمزرية.

ولم يتوقف الكاتب عند " الحاخام " الرمز الديني لليهود، إنما توقف أيضا عند " المرجع الشيعي "، والمتشدد السني "، وكل منهما يسير على درب " الحاخام " ، ومنهجه الذي يبرر دينيا القتل وسفك الدماء، والحرق والتدمير، والإقصاء للآخر وعدم قبوله!.

ونطالع في فصول الكتاب :

1 – ( أفيون الشعوب ) : يتجادل الكاتب مع مقولة ماركس الشهيرة " الدين أفيون الشعوب، والغيبوبة التي عاشت فيها أوربا ردحا طويلا من الزمن، بسبب سلطان الكنيسة، وسلطاتها الواسعة، وسيطرتها على الدولة وشئون الحكم، فتخلفت أوربا، وعاشت في ظلام دامس، ولما نجحت في إقصاء الكنيسة، وفصل الدين عن الدولة وشئون الحكم، نهضت، ونجحت، وتقدمت، وازدهرت، ولما اتخذت العلمانية منهاجا، وأسلوب حياة، سادت، وملكت الدنيا، وسيطرت على العالم.

أما نحن فلم نزل نعيش في الغيبوبة، وهذه هي المحنة.

2 – ( محنة هذه الأمة ) : ومحنة الأمة العربية والإسلامية، أنها لم تزل تعيش في الغيبوبة، ويرصد الكاتب الفرق والجماعات والطوائف الدينية، التي فرقت هذه الأمة، ومزقتها، ويذكر أكثر من ( 230 ) فرقة وجماعة وطائفة، تنشب بمخالبها في جسد هذه الأمه، وتنهشه، ويذكرها بأسمائها، وصفاتها، وهي التي أرست وأسست، للتعصب، والقتل، والكراهية، وتخضبت آياديها بالدماء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من أفغانستان حتى مالي ونيجيريا، وعلى رأسها تأتي جماعة الإخوان المسلمين، التي تحتل المساحة الأوفر في هذه الكتب، ويتوقف الكاتب عند الأدوار التي لعبتها هذه الجماعة في تمزيق الأمة، وتحالفها مغ الغرب وأمريكا.

3- ( الغرب في خدمة الإسلام ) : يتحدث الكاتب عن الفوضى الخلاقة، التي سعت أمريكا والغرب إلى إحداثها في المنطقة، من خلال تدريب شبابنا على إحداث الفوضى التي تؤدي إلى إنقلابات، وهذا ماتم بالفعل، وفقا للإعداد الجيد، والتنفيذ الأمثل، وكانت الثورات العربية المتتابعة والمتلاحقة والتي سُميت بثورات الربيع العربي.

ولتدمير الأمة من داخلها، سعت أمريكا والدول الغربية والصهيونية العالمية إلى التعامل مع الجماعات الأصولية، بل سعت لتمويل وتدريب وتكوين معظمها لسببين ظاهرين على الأقل:

أ – الطعن في الإسلام والترويج بأنه دين القتل وسفك الدماء.

ب – هذه الجماعات تكون مبررا لتدخلها لاستنزاف ثروات هذه الأمة.

وفي كل الأحوال هذه الجماعات تم صنعها في المطابخ الأمريكية والأوربية ولتكون شوكة في خاصرة الأمة.

4 – ( كهف الأفكار الشاذة ) : ويعرض فيه المؤلف الأفكار الشاذة والغريبة لتلك الجماعات، ويأتي انتقاده الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين، ويفضح أفكارها،ومواقفها، واتخاذها الدين شعارا، لخداع البسطاء، واتخاذها الدين مطية للوصول إلى الحكم، وممارسة الدجل على البسطاء، وغسل أدمغتهم، والسيطرة عليهم، وتحويلهم إلى عجينة لينة في يد المرشد ومكتب الإرشاد، يسهل تطويعها، وتشكيلها.

5 – ( شريعة الذبح المقدس ) : يتوقف الكاتب عند العديد من الوقائع البشعة التي ارتكبها أتباع التيار الإسلام السياسي، وأهم فصائلة، وأكثرها دموية في مصر والسودان وأفغانستان وإيران والصومال ونيجيريا والجزائر واليمن والعراق وسوريا وليبيا، وما تسببت فيه هذه الفصائل من قتل وتخريب ودمار وتفكيك لدول المنطقة.

6 – ( تعطيل نصوص الفتنة وسفك الدم ) : واستفزني هذا العنوان، وهذا الفصل من الكتاب، فأحمد عبده في هذا الكتاب تحديدا، كان باحثا ومحللا فريدا ومتميزا، وبدا مكتمل أدوات البحث، وحشد الوثائق والمراجع والأدلة والبراهين، واستطاع أن يقدم لنا بحوثا ممتازة في هذا الكتاب، باستثناء الفصل الأخير، الذي يحمل هذا العنوان المستفز.

أولا : من يملك وقف أو تعطيل نص قرآني، الذي له الحق الوحيد في وقف أو تعطيل النص القرآني هو الله الذي أنزل هذه النصوص، وكل النصوص ستستمر وتتلى إلى يوم القيامة.. وهذه الدعوات ظهرت في أوربا وللأسف انساق بعض كتابنا وراءها.

ثانيا : ساوى أحمد عبده بين ابن تيمية وبين شيخ يبيع فتاواه بالريال والدرهم والدولار في احدى دول الخليج، وساوى بين ابن تيمية وأى متطرف تقترب لحيته من الأرض ويحمل بندقية أمريكية الصنع ويركب دبابة أمريكية الصنع ويحارب هنا وههنا قضية الإسلام !!

ابن تيمية ليس معصوما من الخطأ، وكنت أتمنى أن نأخذ بأفكار ابن رشد بدلا من ابن تيمية، أخذت أوربا بأفكار ابن رشد فساعدها على النهوض، ونحن كفرناه، ورغم ذلك يظل ابن تيمية أحد الذين اجتهدوا في عصره، ووفقا لقواعد وأسس الفقه الصحيح، ولم يتملق حاكما، ولم يبع فتاواه، ولكن اجتهاداته كانت خالصة لله والإسلام، ولا يمكن بحال أن نساوي بينه وبين من يبيع قتاواه في الخليج وغيره ممن يركب دبابة أمريكية في العراق أو أفغانستان أو ليبيا أو .. أو ... وأتمنى أن يعيد الكاتب النظر في هذا الفصل.

.........

( 4 )



مصر تخلع النقاب

............



وفي الكتاب الثالث ( مصر تخلع النقاب ) والنقاب هو الآخر رمز تراثي مُختلف عليه بين التيارات الدينية، وأحمد عبده لم يكتب كتابا في الدين، ولكن رمزية العنوان تشير بطريقة مباشرة إلى أن كل شيء في مصر في الفترة التي يتناولها الكتاب ليس خافيا، أو مستورا، ولكن كل شيء يجري في العلن، وفي وضح النهار، وفي هذا الكتاب يبرز الصراع في هذه الملحمة، وملحمة عبده تنهض بالأساس على الصراع، والصراع العنيف هو العنصر الأبرز في هذه الملحمة: الصراع السياسي، والصراع الاقتصادي، والصراع الأيدولوجي، صراع دول وشعوب وجماعات، صراع أفكار وصراع إرادات، مؤامرت، ودسائس، وحروب مباشرة، وحروب بالوكالة!.. ملحمة كبرى تجري على أرض مصر، من أسوان الدافئة السمراء إلى الإسكندرية عروس البحر، ومن دمياط وبور سعيد إلى مرسى مطروح، مرورا بكل أقاليم مصر، ملحمة لعب فيها الشعب المصري الدور الأكبر، وساهم بالنصيب الأوفر في صنع الحدث، ونسج الملحمة.

إذن نحن أمام ملحمة شعب، صاغها باقتدار الكاتب أحمد محمد عبده.

الكتاب هو الآخر يقع في ستة فصول،ومن الصعب تناوله في هذه المساحة الضيقة، وفي هذه العجالة، ولكني سأتوقف عند بعض المحطات، ومنها الموجات الثورية التي أعقبت حكم الإخوان، وأدت إلى ثورة 30 يونيو، فالإخوان كما يرى المراقبون فشلوا في الحكم وإدارة الدولة، فلم يكن لديهم فكر أو رؤية أو كوادر، فمسعاها كان للسلطة والحكم، والتشبث بالحكم، فقد ظلوا في صراع دائم مع الكبار : الحزب الوطني المنحل، ورجال الإعلام، والجيش، والشرطة، وشيخ الأزهر، وبابا الكنيسة، والمثقفون، والفنانون، صراع مع كل مؤسسات الدولة، وعزل المشير طنطاوي، والفريق أول سامي عنان، وعمدوا إلى الإنكار : إنكار حقوق المرأة، وإنكار حقوق الأقباط، وإنكار وجود أزمة بنزين وسولار مثلا، إنكار وجود أزمات بصفة عامة، إنكار وقوعهم في الخطأ، وإنكار ضعف كوادرهم، وإنكار ما يرتكبونه من جرائم، وإنكار وجود سخط شعبي عليهم، وإنكار الحشود الشعبية في 30 يونيو، واعتبار الملايين التي خرجت ما هي إلا " فوتو شوب ".

اجتهدت الجماعة في تمكين رجالهم في غالبية مفاصل الدولة، وساد انقسام حاد في المجتمع خلقوه باستفتاء مارس 2011م .. حين قالوا الجنة لمن قال نعم والنار لمن قال لا، استدعوا الجماعات الإرهابية المسلحة من الخارج لتعشش في سيناء شرقا وفي ليبيا غربا، لإنهاك واستنزاف الجيش الوحيد الباقي في المنطقة، سرقوا ثورة يناير وأفشلوها، فكانت قد نادت بدولة المواطنة والمدنية والديمقراطية، كانوا يسيرون باتجاه دولة الأفكار الشاذة : كفكرة تفكيك الجيش، واستبداله بما يسمى في إيران بالحرس الثوري، وتشكيل ميليشيات من عناصرهم بديلا عن جهاز الشرطة، ومحاولة استبعاد 3500 قاض من الخدمة، والإبقاء على الموالين لهم من القضاة، وتعيين المحامين المنتمين إليهم قضاة، والهيمنة على الأزهر بسيطرة مكتب الإرشاد والجماعات السلفية، تعريض قناة السويس للخروج من قبضة مصر، تسميم مناهج التعليم بفكر الجماعة، و ... و .... و ...



ديكتاتورية الإخوان :



1 – يوم الأحد 7 يوليه 2012م، وفي الأسبوع الأول للرئيس محمد مرسي في الحكم، يبدأ أول جملة في حلبة الصراع مع مؤسسات الدولة، فيصدر قرارا بعودة مجلس الشعب والذي كان قد تم حله قبلها في 14 يونيو – أي قبل إعلان النتيجة بأسبوعين – لعدم دستورية قانون انتخاباته.

2 – الخميس 11 أكتوبر، الرئيس مرسي يُقيل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه، ويعينه سفيرا لمصر في الفاتيكان، فتشتعل المظاهرات الرافضة لذلك المسلك الديكتاتوري.

ويتراجع الرئيس عن قراره يوم 13 من الشهر نفسه.

3 – الجمعة 12 أكتوبر، جمعة كشف الحساب، تجمعات القوى المدنية بكل أطيافها، ليبرالية ويسارية في ميدان التحرير يحاسبون مرسي على وعد ال ( 100 ) يوم الذي كان قد قطعه على نفسه قبل نجاحه، .. الإخوان حشدوا أنصارهم بالأوتوبيسات من المحافظات، اقتحموا ميدان التحرير على مظاهرات القوى المدنية ....



موجات الثورة :



ما حدث في 25 يناير 2011 هو الموجه الأولى للثورة.

والموجة الثانية بدأت مع أحداث محمد محمود الأولى في 19 نوفمبر 2011م. أثناء إدارة المجلس العسكري للبلاد، والفترة الإنتقالية دامت عاما ونصف العام، من تخلي مبارك حتى 30 يونيو 2012م، موعد نقل السلطة من المجلس العسكري للرئيس محمد مرسي، ليكون ماحدث في نوفمبر 2012 هو الموجة الثالثة لثورة يناير.

الرئيس مرسي له في الحكم نحو خمسة أشهر، وتدخل البلاد في موجة جديدة من الاضطرابات، والاشتباكات والعنف، عرفت هذه الموجة ب ( محمد محمود الثانية ) وكانت مجريات أحداثها كالتالي:

= يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2012م قامت إسرائيل بقصف مكثف على قطاع غزة المحاصر منذ عام 2006م واستمر القصف حتى 20 من الشهر، فكان للرئيس مرسي جهد كبير في احتواء الأزمة بمباركة ومشاركة أمريكية، فحركة حماس سوف تنصاع له ولو على حساب إخصاء صواريخها، بحكم انتمائها لجماعة الإخوان.

= يوم الاثنين 19 نوفمبر 2012م اندلعت الاشتباكات والمناوشات في المنطقة نفسها المحيطة بوزارة الداخلية، بين متظاهرين من حركة 6 أبريل وغيرها من الحركات الثورية وقوات الشرطة، وبالطبع اندس بينهم بلطجية وأطفال شوارع من المأجورين.

= انتقلت هذه الأحداث إلى ميدان سيمون بو ليفار، بجوار السفارة الأمريكية، وأمام فندق سميراميس على كورنيش النيل، على جانب من ميدان التحرير، واندلعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وبين قوات الشرطة بالحجارة والخرطوش والشماريخ والمولوتوف ومعارك كر وفر.

= يوم الخميس 22نوفمبر، وعلى إثر تسريبات مفادها أن المحمكة الدستورية ستصدر حكمها المقرر يوم2 ديسمبر، وذلك ببطلان الجمعية التأسيسية التي لا تزال منعقدة لوضع مسودة الدستور، وكذلك بطلان قانون انتخابات مجلس الشورى القائم بالتشريع الآن كما حدث مع مجلس الشعب قبل ذلك وتعود البلاد إلى المربع صفر.

فسارع مرسي باصدار إعلانا دستوريا يتضمن ست مواد، وكانت المولد الرسمي لفرعون جديد، وساد الانقسام، والاحتقان ، واندلعت المظاهرات.

- يوم الثلاثاء 27 نوفمبر جمعة ( للثورة شعب يحميها ).

- يوم الجمعة 30 نوفمبر جمعة ( حلم الشهيد ).

- يوم السبت 1 ديسمبر : مليونية ( الشريعة والشرعية ) .. لتأييد قرارات الرئيس والمطالبة بتطبيق الشريعة، نظمتها القوى الإسلامية

- الثلاثاء 4 ديسمبر مليونية ( الإنذار الأخير ) : الاعتصام بالتحرير يدخل يومه العاشر، وتعلن 12 صحيفة مستقلة احتجابها عن الصدور، وكذلك عدد من القنوات الفضائية، ويقدم عدد من مستشاري الرئيس استقالاتهم ..

- الأربعاء الدامي 5 ديسمبر : معركة كانت مثالا صارخا على جبروت وطغيان وعنف ودموية جماعة الإخوان.

- الخميس 6 ديسمبر: مع نهاية اليوم انسحاب القوى الإسلامية من محيط القصر الجمهوري بعد المعركة .. الاعتصامات المعارضة لا تزال في التحرير وفي محيط القصر الجمهوري.

- الجمعة 7 ديسمبر مليونية ( كارت أحمر ).

- الثلاثاء 11 ديسمبر .. احتشاد القوى المعارضة في محيط قصر الاتحادية مرة أخرى، واحتشاد القوى المؤيدة لمحمد مرسي في محيط مسجد رابعة العدوية.

- السبت 15 ديسمبر : اجراء الاستفتاء على مشروع الدستور في عشر محافظات كمرحلة أولى ..



الموجة الرابعة لثورة يناير :



= الجمعة 25 يناير 2013 الذكرى الثانية لعام الثورة، مجموعات من القوى والأحزاب الثورية تواصل اعتصامها في ميدان التحرير منذ إعلان احتجاجات الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2012م.

= مجهولون يقومون بزحزحة وهدم الكتل الخرسانية التي تفصل شارع القصر العيني عن ميدان التحرير، أهالي بورسعيد يعلنون استقلال المحافظة، وينكسون علم مصر، ويهددون بتعطيل مجرى القناة في حالة الحكم غدا 26 يناير على متهمي واقعة الاستاد بالإعدام، نقل 48 سجينا من المراكز إلى ليمان طرة تحسبا لأي اقتحامات للسجون غدا، قطع السكة الحديد في مدينة منوف، الآلاف يهتفون ضد حكم الإخوان في دمياط، تظاهرات في الأقصر تهتف ضد مرسي، .......

ومعارك وفتلى، ويرصد الكاتب أحمد عبده الأحداث يوما بيوم، بل يرصد الأحداث على مدار الساعة والدقيقة والثانية.

.= يوم السبت 26 يناير : الحكم بالإعدام على 21 من المتهمين في مجزرة بور سعيد، اندلعت الاشتباكات في بور سعيد بين الأهالي وقوات الأمن : احترقت أقسام الشرطة، ومعارك شوارع بين قوات الأمن والأهالي، احتراق نادي لضباط الشرطة وآخر للجيش، وأيضا حروب شوارع في الإسماعيلية والسويس ، وعاشت مدن القناة أجواء صعبة، وراحوا يجمعون بدءا من يوم 28 يناير توكيلات لوزير الدفاع عبدالفتاح السيسي لإدارة شئون البلاد ...

......

.....



= الجمعة 1فبراير ( جمعة الخلاص )

= الجمعة 15 فبراير جمعة ( لا للعنف )

= الجمعة 15 مارس جمعة ( الفرصة الأخيرة ) .. وتتوالى الجمع والأيام



حركة تمرد :



تأسست في 26 أبريل 2013م، حركة ثورية شبابية جديدة تدعو إلى سحب الثقة من محمد مرسي ووزعت استمارة لأخذ توقيعات المصريين، وأعلنوا الخروج في 30 يونيو إلى الميادين والشوارع وهي الذكرى الأولى لتولي مرسي الحكم.

( عمقت سياسة الإخوان للصراعات الداخلية ).

البلاد مشتعلة على طول الخط، لم تهدأ الثورة يوما واحدا على حكم الإخوان، إلى أن وصلت التظاهرات ذروتها، وانتشر العنف بصورة أبشع وأوسع في خلال شهر يونيو 2013م، وبدت البلاد على وشك الانفجار، وبوادر حرب أهلية في مواقع كثيرة من المحافظات، واتسعت المطالبة بنزول الجيش والانقضاض على سلطة الإخوان، لكن يبدو أن الجيش لن يتدخل إلا إذا خرجت الجماهير بالملايين، لا بد أن تبدأ الجماهير أولا بالثورة، فالاتقلابات العسكرية ليست في استرتيجية الجيش بعد انقلاب يوليو 1952م، واتته الفرصة في انتفاضة الخبز في يناير 1977م في عهد السادات، وقد نزل إلى الشوارع، ومرة أخرى في أحداث الأمن المركزي عام 1986م، في عهد مبارك، كانت حصيلة السنة التي حكم فيها الإخوان : 400 قتيل، وإصابة نحو 7500 شخص، وتحشد الجماعات الإسلامية عدة الآف من أنصارها: إخوان وسلفيين وعدد من الشخصيات الموالية لهم وبعض الوزراء، في الصالة المغطاة باستاد القاهرة، لعقد مؤتمر تحت مسمى " نصرة سوريا ".

يلقون الخطب المتطرفة الداعية للحفاظ على الشرعية ولو بالعنف والقتل، يصف أحد المشايخ الشيعة بالأنجاس ، ويدعو شيخ آخر الرئيس مرسي بمنع هؤلاء ( الرافضة ) من دخول مصر، وكانت النتيجة ذبح 3 من الشيعة في قرية أبو مسلم في الجيزة، والتمثيل بجثثهم، في اليوم التالي للمؤتمر.ويصرخ الشيخ وجدي غنيم قائلا : اللي هينزل يوم 30 /6 كافر ووجب قتله، والأقباط الكفرة، فهي حرب صليبية، العلمانيين والليبراليين والشيوعيين كلهم كفرة ووجب قتلهم, و ....



الصراع يشتد :



مشايخ المنابر ينشرون الفتنة في كل مكان!

القوى الثورية التي تحارب من أجل مدنية الدولة تحشد لمظاهرات واسعة ليوم 30 يونيو، لحظة فارقة في تاريخ مصر، القوى المدنية التي تحارب من أجل مدنية الدولة، والقوى الإسلامية تجاهد في سبيل إرجاع مصر لعصر الطوائف المتحاربة في الأندلس، وعصور المماليك والفتن والدسائس والقتل، ...المجلس العسكري يمهل الجميع أسبوعا وتنتهي المهلة يوم الأحد 30 يونيو.

المجلس العسكري بقيادة وزير الدفاع يضع محمد مرسي بين خيارين :

انتخابات رئاسية مبكرة أو إجراء استفتاء شعبي على بقائه في الرئاسة.

مرسي يرفض الخيارين.



ثورة 30 يونيو على مدد الشوف:



يرى الكاتب أحمد عبده أن البطل الأول لثورة يونيو هو الوعي الشعبي الذي فطن بسرعة لخطورة حكم جماعات الدين، الذي لا هم لهم سوى كل ما يتعلق بالمرأة من حجاب ونقاب وزواج الفتاة في سن التاسعة، والأقباط والجزية، وتربية اللحية، ولعن الليبراليين والعلمانيين واليساريين وتكفيرهم، ولعن السلفيين للشيعة، واستعدائهم، وغير ذلك من توافه الأمور، تاركين العمل والانتاج، ورغيف الخبز والعدالة، وخروج الملايين في 30 يونيو هو أعظم تأكيد على وسطية هذا الشعب.



يوميات الثورة :


بنبل وشفافية، يكتب أحمد عبده يوميات ثورة يونيو، بلغة تصويرية إيحائية جمالية، تألق فيها أحمد عبده الأديب، سرد ماتع، ووصف بديع، للميادين، والبشر، والشوارع، لم يترك شاردة ولا واردة، يكتب مدفوعا بحب الوطن، اختفي أحمد عبده الباحث، والمحلل، والمفكر، وظهر الأديب بلغته الشعرية المجنحة، يبدو لنا المتيم والعاشق لتراب هذا الوطن، اليوم الأول يوم الأحد 30 يونيو، واليوم الثاني 1 يوليو، واليوم الثالث الثلاثاء 2 يوليو، واليوم الرابع الأربعاء 3 يوليو، و .. , و .. ، ويتخلل اليوميات بيانات المجلس العسكري، وخطابات وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، ....



إعلان رابعة إمارة إسلامية :



يكشف أحمد عبده عن خيوط المؤامرة : احتلال منطقة رابعة والنهضة، بإيعاز من أمريكا، فجون ماكين يوجه النداءات بالتمسك بالأرض، فالهدف هو إعلان رابعة إمارة إسلامية، دولة موازية للدولة، صارت رابعة والنهضة ثكنتين عسكريتين، حشود الإخوان من كل محافظات مصر، الخطب المتطرفة والمتشددة ليل نهار، ظل اعتصامهم 47 يوما، ضج أهالي منطقة رابعة ومدينة نصر بالشكوى، تعطلت جامعة القاهرة وحديقة الحيوان، انتشر الرعب في تلك المناطق، وملاحقة الأهالي والاعتداء عليهم، وتعطلت الشوارع والمصالح، وكانوا يقومون بإغارات ليلية ونهارية، على منشآت الجيش والشرطة، وقطع الطرق والكباري، يصدرون النساء في المقدمة، استولوا على مداخل وأسطح العمارات، والتفتيش والتضييق على المارة، ...، ...

تشكيل مجلس حرب في رابعة، الاستيلاء على سيارتين للتلفزيون المصري، خروج قتلى من اعتصام رابعة بعد تعذيبهم، دخول أجسام ضخمة مُغطاة شوهدت على الشاشة، ظهور أسلحة مع المعتصمين، قيامهم بتدريبات على الاشتباكات، وهم يهتفون بهتافات دموية، , ... و ....

= ويرى الكاتب أن الله سلط الغباء والجشع السياسي على جماعة هدفها الحكم منذ أكثر من ثمانين سنة، وقد وصلت إليه، لتظهر عوراتها، وتوجهاتها تجاه مصر، وكان الشعب يتوسم خيرا في شعار الإسلام هو الحل، ليتضح في النهاية أن المقصود هو إسلام الجماعة لا إسلام الأمة، فتسقط الجماعة، ويبقى الإسلام، ومن المفترض أن الشعب قد استفاد من تجربة حشر الدين في السياسة، فيتخلص سريعا من مظاهر الدجل والتجارة بالدين، ويفصل الدين عن قضايا الحكم.

= وعن حتمية فض اعتصامي رابعة والنهضة يقول : ثم كان لابد من فض اعتصامي رابعة والنهضة، أقاموا ما يشبه المعسكرات المحصنة، وبعد 47 يوما، تم الفض في صباح يوم 14 أغسطس2012م، ويسقط 695 قتيلا و 1858 مصابا، ومن القوات 10 قتلى و180 مصابا، في الاعتصامين، وكان القتيل الأول في الدقائق الأولى لعملية فض اعتصام رابعة هو أحد الضباط، عقب ذلك مباشرة انطلقت مليشياتهم لحرق العشرات من الكنائس وممتلكات الأقباط، وأقسام الشرطة وذبح وسحل الضباط والأفراد، وحرق المنشآت والقطارات، وانبرى طلبة الإخوان في حرق الجامعات.

= على التوازي تجتهد قوات الجيش والشرطة في القضاء على جماعات الإرهابيين المتمركزة في سيناء، ممن أطلقوا على أنفسهم أنصار بيت المقدس، وهدم مئات الأنفاق السرية بين مصر وقطاع غزة، ومواجهة الخلايا المسلحة في الداخل، وتقوم عناصر الإرهاب بتوجيه بعض الضربات الموجعة للقوات في سيناء، وفي الداخل، وعلى الحدود مع ليبيا.

= ويتعرض الكتاب للفترة الانتقالية ويكون المستشار عدلي منصور على رأس السلطة فيها، كرئيس مؤقت للبلاد، والدولة تجهز نفسها لتنفيذ خارطة الطريق، فيخرج الشعب للأستفتاء على مسودة دستور 2014م يومي 14، 15 يناير 2014، فتصطف الطوابير أمام اللجان، ...

= ويرى الكاتب أن وصول الرئيس السيسي للحكم بإرادة شعبية كاسجة، وكان هو الحاكم الضرورة الذي اختاره الشعب، ويتساءل : هل سيستطيع قيادة دولة تسلمها جثة هامدة نحو تقدم حقيقي؟ ويتساءل أيضا : هل سيؤسس لدولة عسكرية ثانية في تاريخ مصر، بعد دورة دامت ستين عاما، تناوب فيها أربعة جنرالات رغم تحديد فترة الرئاسة في الدسنور؟..



استشراف :



ويحاول أحمد عبده أن يستشرف فترة حكم السيسي، فيقول : وماذا لو حكم مصر الفترتين اللتين نص عليهما الدستور، وكان أثناء حكمه " ناصريا " لا يخضع لقوى الخارج، يُخرج مصر من التبعية، شجاعا قويا، نظيفا نقيا طاهرا، منحازا للفقراء والبسطاء، هل سيصنع الشعب معه مثلما فعل مع عبدالناصر في 9 و 10 يونيو 1967م وتخرج الملايين لمطالبته بمواصلة حكمه للبلاد، ويصير الدستور في واد ونظام الحكم في واد آخر؟ .. هل سنعود وبفعل دورة حياة حتمية مكتوبة على جبين مصر، فرضتها عوامل وظروف معقدة، ومتكررة في كل عصر، نعود لعصر الرجل الأوحد مرة ثانية؟ .. هل تتخلص مصر من عصر الجماهير الهادرة، الصاخبة، تتخلص من الأبوة، وتدخل في أحضان الديمقراطية الهادئة، التي ستستعيض عن الثورة والفوضى بصناديق انتخابات حقيقية، خالية من الأمية ومن رُشا الانتخابات؟ .. هل سيؤسس السيسي – والمفروض أنه تفهم الوضع المصري تماما، وحاجته لنظام مغاير، لما عاشته مصر في الستين عاما الماضية – يؤسس لدولة، نجد الطبيب فيها رئيسا للبلاد، والمرأة رئيسا للوزراء؟

= وبعد ثلاث سنوات من حكم السيسي يقرر الكاتب الكاتب : الجميع يلمس اخلاص ووطنية الرئيس السيسي، والجميع أيضا يلمسون حالة التراخي والإهمال والتكاسل والفساد والبلادة السائدة في مفاصل الدولة، شعبا وحكومة، عدا الجيش والخارجية، الشرطة نشطة في الحرب على الارهاب، لكنها متكاسلة في تنظيم حياة الناس، والدول لا تُبنى فقط بتحركات وإخلاص الحاكم، ولو استثنينا المشروعات الكبرى والحرب على الإرهاب، إلا أننا وبعد أكثر من ثلاثة أعوام من حكمه، لا نجد رؤية متكاملة للنهوض بدولة غارقة في فشلها في التعليم والزراعة والصحة والصناعة، كما فعل مهاتير محمد في ماليزيا، ولولا دي سيلفا في البرازيل، ولي كوان يو في سنغافورة، لم نجد تغيير للنمط المصري العقيم والعفن، نفس هيكل دولة مبارك، لا توجد رؤية واضحة لصناعة نهضة حقيقية، بطرق غير نمطية، لا في التعليم ولا في الزراعة ولا في الصناعة، ولا لمواجهة الانفجار السكاني، الذي سيبتلع خطوات التنمية أولا بأول، لم نشهد عدالة اجتماعية حتى الآن، كنا ننتظر انضباطا لكل مظاهر الفوضى السائدة في ربوع البلاد، أسباب ثورة يناير لا تزال قائمة وجاثمة على الصدور، ويرى الكاتب : أن مصر في هذه الفترة، أحوج ما تكون لحزم وانضباط الكتيبة العسكرية، بالقانون الصارم، حتى تتعود الأجيال على الانضباط الذاتي، فإن لم يفعل الرجل العسكري ذلك، فمن سيفعل؟.

= الجيش اليوم هو الفاعل الأساسي في مشروعات الدولة، ويطور نفسه عسكريا بطريقة غير مسبوقة، الدولة المدنية فاشلة فكريا، وخاملة جسديا، ونستطيع القول بأن الرئيس السيسي محظوظ بالقيادة العسكرية، ومصاب بالكوادر المدنية! بعكس الرئيس عبدالناصر، فكان محظوظا بالكوادر المدنية ومصابا بالقيادات العسكرية.

وكتب أحمد عبده في خلاصته وتوصيفه للمشهد ما يشبه البرقيات الي تأتي كتوصيف للمشهد وفيها أيضا رؤية الكاتب وكشفه عن بعض الأمراض السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، ويقدم البدائل والحلول التي يرى أنها الأنسب في وقتنا الراهن، وعلى سبيل المثال يقول :

= قامت في مصر ثورة لإزاحة الفساد، ولا يزال الفساد ينخرفي مفاصل الدولة،ونرى رئيسان يدخلان إلى قفص المحكمة بالتناوب، ويحصل نظام مبارك كله على البراءة، فكان هذا صكا لشرعية ممارسة الفساد، ثم قامت في مصر ثورة لإزاحة الجدل باسم الدين، ولا يزال الناس في جدال حول تهنئة الأقباط .. حرام أم حلال!

= عنف الإخوان بعد ثورة 30 يونيو شغل الدولة، وأنهك الاقتصاد، وأعاد رموز الحزب الوطني وأعاد جبروت الشرطة، أعطى لها المبرر للإمساك بعصا عمياء، توسعت في دائرة الاشتباه، مما يعمل على دائرة الاستعداء لها، وضمور الانتماء في نفوس الشباب، وإعداد أجيال حاقدة وناقمة على الدولة.

= الحل الأمني وحده سيصنع تراكما جديدا ورصيدا من الحقد على السلطة ....

..........

...........



ولا أملك في النهاية إلا أن أشكر الكاتب الكبير أحمد عبده على كتابة هذه الملحمة، كما أشكر الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة على نشر هذه الكتب التي شكلت ملحمة حقيقية للشعب المصري، وأرجو أن أكون في هذه القراءة السريعةعند حُسن الطن وعلى مستوى الثقة ومن الله التوفيق.
مجدي محمود جعفر
العاشر من لرمضان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى