مجدي جعفر - قراءة في قصائد للشاعرة السورية سماح الضاهر

سماح الضاهر مبدعة وشاعرة سورية وفنانة تشكيلية تقيم في ألمانيا، ورحلت إلى ألمانيا وهي تحمل معاناة أهلنا في فلسطين وأوجاعهم، فتخلى عنهم من تخلى، وباع القضية من باع، وبقى الشعب وحده يقاوم المحتل الغاصب.

في نصوصها (اسقِط دائرةَ الألم عن كاهلِ أيامي، رحلة من الخذلان إلى الخذلان، عبيدٌ في زمن الثورات الملغوم، حُريَةُ المَوتِ أرَحمُ ...) تثير أوجاع شعب محاصر، ومُطارد، خذله الجميع.

في نصها الأول ( اسقط دائرة الألم عن كاهلي ) ترصد الواقع المرير :

(سماؤنا تلونت

بدخانِ الحقدِ والموت

و أرضنا غَصت بدماءِ قتلانا )

وتقول أيضا :

(اعتادت مساماتي على

صهيل الظلم والبرد

زئير الفقر والوجع )

ويتوالى فضحها للواقع المزري :

(يتوالدُ الرعبَ في فوضى صباحاتي

كأنه نبعٌ لا يعترف بالنضوب

كل أسوار الدنيا أغلقت في وجهي

و كأنني وحش جاء من الغيب )

ورغم الحصار، والقتل، والظلم، والفقر، والرعب، والوجع والألم، ينبثق من كل هذا الظلام المحدق بالمواطن والوطن شعاعات من نور، وتتفجر ينابيع من الأمل، فتقول في ختام قصيدتها :

(لا شيء يؤنسني إلا أنني

أقاتل بكل استطاعتي

وما زلت قادرا على التبرج

في أحلامي

ورسم ابتسامة من أمل

بأنني يوما سأسقط

دائرة الوجع

عن كاهل أيامي

فإرادة الحياة

عندي هي الحياة )

فالشاعرة نجحت في إشاعة روح الأمل، وفي استنهاض الهمة والإرادة، وفي الارادة النجاة، بل بها يتحقق الوجود وهي الحياة ذاتها.

وفي قصيدتها الثانية ( رحلة من الخذلان إلى الخذلان ) تنتقد الذين ماتت ضمائرهم، وعلى آياديهم ساد الظلم ونشروا الرعب في القلوب، وعاثوا في الأرض فسادا، واستباحوا الطفولة وأجهضوا الأحلام، فتقول :

(فهل أبكي الضمائرَ

التي صمتت على فُجركم

أم أبكي الزمان الذي أردانا

ليغدو الُيتم زائراً لكلِ دارٍ

والخوفُ يكممُ الأفواه

وهل يهنو عيشٌ والظلمُ يحكمهُ

والراحلون إلى السماء أفواجا )

وتبكي هؤلاء الراحلون :

(هم رحلوا وعطرهم مازالَ فواحا

وذكرهم في القلوب شموعٌ تضاءُ

فيا سراجُ الرحمة أعتق قلوبنا

وأعتق ارواحًا لا ذنبَ لها

في عالمٍ لسنا فيه سوى

أرقامَ. )

وفي قصيدتها الثالثة (عبيدٌ في زمن الثورات الملغوم ) تكشف عن حالنا في الشرق البهي!، حالنا في زمن الثورات الملغوم!، تقول :

(في الشرق الجميل

كل شيء مُباح

إلا كرامة العيش

ونحن ما نزال

نخوض حروب ليست حروبنا

وندخل في قضايا ليست قضايانا

في فضاءٍ لم يعد لنا فيه

لقمةُ عيش

أو بصيص أمل

عبيدٌ نحنُ

في زمنِ الثورات الملغوم

قطيعٌ يجترنا الموت البطيء

على عتبات الذل المُغدق

بالذل. )

وفي قصيدتها الرابعة (حُريَةُ المَوتِ أرَحمُ ...) ترفض أيضا القيود وتكميم الأفواه، والفساد والظلم والاستعباد، وغياب العدل، وترفض السلام الذي بطعم الذل والاستسلام، فتقرأ من نصها :

(دَنَسْتُم أرضَ الأْبجَدية ...

أكبَالُ الظُلمِ شَرَعَت أبوابَها ....

فلم يَعُد للعَدل عندَكُم بابُ ...

أعْدَاءُ الحياةِ ... سَتُحيطكُم

آلامُنا ....أناتُنا ...آهاتَنا ... بِلَعنَاتٍ أبَدْيَة ...

ارهَابُكم مَردودٌ عَلَيكم .... بِحقِ أرواحِ شُهَدَائنا ....

لن تَكُونوا في حَياتِنا إﻻ مُجَردَ هامِش .....

فالحُريةُ أصبَحْت فينا حياة .....

أصبحت فينا حياة. )

وسماح الضاهر اهتمت اهتماما بالغا بعناوين قصائدها، وهي المفاتيح أو العتبات الأولى للولوج إلى نصوصها، وتحمل في طياتها الرسائل المضمرة والتي تبثها تفصيلا في المتن، واختارت عناوين فنية بامتياز : (اسقِط دائرةَ الألم عن كاهلِ أيامي، رحلة من الخذلان إلى الخذلان، عبيدٌ في زمن الثورات الملغوم، حُريَةُ المَوتِ أرَحمُ ...) تدعو فيها المتلقي إلى تأملها، وتثير خياله، وكل عنوان عبارة عن صورة شعرية مكتملة الأركان، وأحيانا تجتزأ بيتا من النص وتضعه عنوانا ليكون النص الأصغر أو النص الموازي.

واستخدمت الرموز الإيحائية البسيطة، وتميل إلى استخدام الاستعارة البسيطة المعبرة، وابتعدت عن المباشرة عدوة الفن الأول، ومالت في قصائدها إلى القصر، وجاءت مكتنزة ومكثفة، وأهم ما يميز قصائدها، أنها لم تقع فيما وقع فيه الذين تناولوا القصائد الوطنية عموما، والقصائد التي ولدت تحت نير الاحتلال خصوصا، وهو تصوير معارك المحتل بصوت عال، ونجت الشاعرة من هذا الشرك، وصورت لنا في قصائدها ملامح كثيرة من ملامح الحياة متأثرة بجناية هذا الاحتلال على الانسانن نفسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا .. إلخ.

وبعد :

أرجو أن أكون في هذه القراءة العجلى قد نثرت بعض قطرات الضوء حول بعض القصائد التي أتيح لي قراءتها للشاعرة سماح الضاهر، كما أرجو أن أقرأ لها قريبا ديوانا كاملا، أستطيع أن أقدم فيه قراءة وافية في الرؤية والتشكيل عند الشاعرة، وأتمنى أن أكون عند حُسن الظن وعلى مستوى الثقة ومن الله التوفيق.

مجدي محمود جعفر

العاشر من رمضان في 11/ 10 / 2023م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى