حوار مع القاص والروائي العراقي أَحمد خلف.. حاوره: أَحمد طايل

حوارات عربية خاصة بشرفة ابداع :

* أَحمد خلف : المشهد الثقافي العراقي تسودهُ الفوضى .


..من أزمان بعيدة ونحن نسمع عبارة تتردد دائما باوساط الثقافة وأروقتها، القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ، وكل هذه العواصم هى تعبير عن كامل بلدانها، ومن خلال علاقات المتعددة مع كتاب وكاتبات عراقيين أثبتت لى صحة هذه المقولة، لا أبالغ إن قلت أن المواطن العراقى تحمل جيناته الوراثية شغف القراءة بكل المناحى الفكرية والإبداعية، حوارى اليوم مع كاتب عراقى كبير له العديد من إصداراته الروائية والقصصية التى كان لها صدى كبيرا” داخل العالم الثقافى العراقي والعربي ، إنَّهُ الكاتب الكبير
( أحمد خلف).


س : حكايات الامهات والوجدان بجلساتهن على عتبات البيوت، من المؤكد إنها ترسخت وظهرت لديك على شكل سرد إبداعي؟
ج : تلعب قصص وحكايات الاباء والأجداد القديمة دورا مؤثرا في حياة الفتيان والشباب تحديدا إذ تكون الذاكرة على استعداد لتقبل معظم الصور ومشاهد الفنتازيا والغرائبية لتخلد في الذاكرة الفتية ، ولقد تركت في ذاكرتي ومخيلتي تلك المشاهد العجيبة ، إذ من الممكن أن يحلق العاشق الولهان في الفضاء ليعبر سبعة بحور للوصول إلى حصن الحبيبة التي خطفها مارد شرير ...
انعكست تلك الحالات على العديد من كتبي القصصية والروائية : (خريف البلدة وصراخ في علبة وروايتي: محنة فينوس وحامل الهوى . وغيرها . ) أن تأثير تلك الجلسات المسائية مع الاباء والأجداد والجدات ، عالم لا ينسى.

س٣ لكل مرحلة تعليمية تأكيد وترسيخ لمفاهيم كثيرة .. ماهي مراحلك التعليمة وما تأثيرها عليك إبداعا ؟
اكيد للتعليم في مراحله المتعددة والمختلفة ، تأثير كبير وعميق في حياة الإنسان وخصوصا حين يكون في بداية حياته ، ولقد استمرت حياتي وصفحاتها ومشاهدها وذكرياتها تعيش معي حتى اليوم ، أما مراحل المتوسط والإعدادي فهي الأكثر غنى وتأثيرا لأني كنت في فتوتي وعنفوان شبابي ..
واغلب ما كتبته كان بتأثيرها وتركت بعض أحداثها أثرا بالغا في حياتي ، ولعل ما حصل في عام ١٩٥٦ في مصر الشقيقة من عدوان ثلاثي غاشم حدد وعيي ونوع اهتمامي الوطني والقومي ليتبلور أكثر ذلك الحس في مرحلة الجامعة ، خصوصا أني درست التاريخ الحديث للعالم ، بما فيه تاريخ العراق والعرب والمسلمين وتاريخ أوربا الحديث .. لقد اتضح التأثير في عدد من مجاميع القصصية والروائية كروايتي( تيمور الحزين) . وغيرها ...

س : ما أول عمل كتبته ومن قرأه وكيف كان وقعه على القاريء ؟
ج : إذا كان المقصود أول عمل كتابا أم نشرا ، فقد نشرت قصة قصيرة أول عمل لي في التعامل مع الصحف وكان بعنوان ( وثيقة الصمت ) عام ١٩٦٦، وقد ترك انطباعا جيدا لدى القراء من اصدقائي ، والحق كانت هذه القصة التي اثارت في نفسي دوافع شتى للاستمرار للكتابة ، وكانت الصحيفة التي نشرت فيها القصة معروفة بل مهمة لأنها كانت تمنح كاتبها مكافأة نقدية ، ولم يكن هذا وحده دافعا للنشر أو لأهمية الجريدة وملحقها إلادبي ، بل إقبال الناس على شرائها واقتنائها

س : العمل الأول بحياة الكاتب قد يفسح الطريق لأعمال المسيرة ، أو يجعل الكاتب يتراجع ، وها أنت واصلت الطريق ، حدثنا عن عملك الأول ، الذي خرج إلى النور ، كيف استقبله الإعلام وكذلك النقاد ؟
ج : كان العمل الأول قد صدر عام ١٩٧٤ بعنوان( نزهة في شوارع مهجورة ) وهو مجموعة قصص ، وقد لقي صدى رائعا ولا ينكر ما للعنوان من تأثير ، ودفع للحصول على نسخة من المجموعة من قبل القراء ، وكان لهذه المجموعة وما تركته من تأثير عميق في نفسي دافع مهم في الاستعداد للعمل على تهيئة الكتاب الثاني ، بعد نضوج التجربة طبعا وزيادة القراءات واختلاف مصادرها وأنواعها. .

س : حالما تكتب لمن تكتب للاخر أم عنه وما الهدف من الكتابة لديك ؟
لا شك أن أسئلة متعارف عليها من قبل المثقفين في الحقبة الأخيرة عموما :_ لمن تكتب وماذا تكتب ، باتت ملزمة على الإجابة قبلها على سؤال أكثر أهمية وهو:_كيف نكتب ؟
ج : أعتقد أن سؤالا كهذا يحتم علينا أن نشحذ هممنا ونعمل على ابتكار طرائق جمالية واجتماعية في الفن القصصي والروائي الحديث ، لكي نكون ضمن مسيرة العالم الذي يهمه التطور المادي والجمالية والأخلاقي للمجتمع . أعتقد أن الكاتب يكتب لقضية محددة ، بعضهم يكتب لغرض حفظ التوازن النفسي والاجتماعي أما البعض الآخر يكتب من أجل الترويج لأيديولوجيا محددة الأهداف. بالنسبة لي لا يمكن ان اتجاوز هموم الناس الذين يعيشون قريبا مني ، وانشغل في أمور ذاتية فحسب . . أنا لا انتسب إلى اي عقيدة سياسية أو أيديولوجيا محددة الأبعاد ، بل يمكن القول أني انتسب لهمومي الذاتية إضافة إلى ما يعانيه شعبي ليس في العراق فقط بل عموم الوطن العربي . .

س : إلى أي ايدلوجيا تنتمي ؟
ج : منذ البدايات الأولى لنمو الوعي الذاتي أدركت أن الكتابة مهنة صعبة كما أشار الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور في إشارة ذكية إلى الشعر ، لذا قررت أن يكون انتسابي إلى الفقراء بصورة عامة ، متجاوزاً قومياتهم ومذاهبهم وميولهم الفكرية والعاطفية ، أن تكون هذه الطبقة أو الشريحة من الناس المعوزين هم اهلي ومن أكتب عنهم .. وأن أكون مدافعا عن طموحاتهم وأمالهم ضد الفاسدين واللصوص والقتلة من دعاة الأيديولوجيات السياسية والدينية والقومية ...
ملاحظة إضافية: ليس أثمن من الحرية .

س : ماهي طقوسك في الكتابة ؟
ج : ليس لدي طقوس الكتاب البرجوازيين أو دعاة الخصوصية والتأمين عن زملائهم ، بل تتحدد طقوس في تهيئة منضدة الكتابة ومناخها المناسب وأفضل وقت لها ليلا ، بعد ذلك أن يكون قدح الشاي أو القهوة جاهزين قبل البدء بالمشوار

س : من هو الكاتب أو الكاتبة التي تحرص على البحث عن اعمالهماوما أسباب ذلك ؟
ج : أعتقد يحدد قيمة الكاتب المقصود بسؤالك هو ما قدمه للقراء من قبل وقد وفر لديهم المزيد من القناعة على ضرورة متابعته وقراءة نتاجه الإبداعي، مثلا نجيب محفوظ لم أترك له كتابا إلا وبحثت عنه وقرأته لأنه سبق لي وتابعته برغبتي وقناعتي التي وفرتها لي كتبه وكذلك طه حسين وفؤاد التكرلي ويوسف إدريس.. ووليم فوكنر وستاندال وسارتر وغيرهم ، هؤلاء لا يمكن للمبدع الذي ينشد التطور إلا أن يتابعهم ويستمر يقرأ لهم بما تجود به قريحتهم وهي قريحة واعية ومدركة لمعنى الفن والثقافة والمعرفة ...
أن هؤلاء الكتاب هم علامات لا تنسى ابدا . .

س : ماهي رؤيتك الخاصة للمشهد الثقافي عراقياً وعربياً وعالمياً ؟
ج : لا مفر من تداخل واشتباك الواقع اليومي مع معطيات المبدع الذي يهمه التأثير على متابعيه ومتلقيه من القراء ، لذا أرى أن المشهد الثقافي العراقي تسوده الفوضى التي لا يمكن السيطرة عليها اوتنسيق معطياتها أن كانت من نوع الفوضى الخلاقة كما يدعي أصحاب هذه النظرة الفلسفية للمجتمع ، وينبغي أن نقر بسعة المشهد العراقي وتطوره إلى المزيد من الثنائيات المعطلة للإبداع : مذهبية وقومية ووطنية و عشائرية ، وهذا ترك أثارا قاتلة وخانقة للمشهد الثقافي العراقي ، لذا نجد المبدع العراقي يبحث له عن مستقر في الصحف ودور النشر العربية وتحديدا القاهرة وبيروت ودمشق فيما بعد الاحتلال البغيض، اما على المستوى العربي والعالمي أرى أن الجواب يتطلب دراسة موسعة لفك اشتباك أسبابه عن نتائجه ..

س : من الذي يؤثر على الاخر السياسة أم الثقافةوالى ايهم يجب أن تكون الكفة الأولى؟
ج : ثمة علاقة جدلية بين السياسة والثقافة ، أي لا يمكن للثقافة أن تنمو وتتبلور بدون حركة سياسية واضحة الأهداف ، وهذه تترك أثرها على الثقافة حيث يمكن لها أن تطرح أبعادها الفكرية والمعرفية وسط مناخ سياسي / ثقافي يتسم برحابة المعطيات وسلاستها ، ولكننا لم نجد التوقع أو النتائج لأن الصراع في الوطن العربي ( وهو مدار عملي الفكري والثقافي) يتسم بالنفعية التي تروج لها نزعات قبلية أو حزبية ضيقة فإن السياسة نجدها في حالة حضور دائم ، في الوقت الذي تتأخر أو تتخلف فيه الثقافة عن دورها المشرف في أن تجعل الواقع يتسم بالوضوح الثقافي والسياسي أيضا، وعليه نرى أن دور المثقف هو في دفع الحركة الثقافية خطوة إلى الأمام لتصبح في مقدمة المشهد الفكري ، الذي يعطي الثقافة قيمتها واحقيتها في النمو والتبلور كما هو الحال في العديد من الدول الحضارية المتقدمة ، التي تدرك أهمية الثقافة ومعناها ، أن صلة السياسة بالواقع اليومي هي التي تجعل السياسة متقدمة على الثقافة أو توحي لنا بغياب الثقافة وحضورها الفاعل والمهم ، لهذا توجب على المثقف السعي لخدمة ثقافته والوقوف إلى جانبها مهما وجدَ الطريق طويلا” أو صعبا” وموحشا”.


* أَحمد طايل : أديب وصحافي مصري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى