أمل الكردفاني- الشكسبيرية: مسرحة العالم

"ما العالم إلا مسرح"
أو
"كل العالم مسرح"
أو
"All the world's a stage"

وهي العبارة التي انتقلت تاريخياً إلى لسان شكسبير ومن ثم عمت أرجاء العالم.
ولكن إذا كان العالم مسرح وكل الرجال يمثلون فيه، فإننا نعتقد بأن هناك نزوع بشري لمسرحة العالم. تؤدي مسرحة العالم إلى تحول المنتج البشري إلى منتج إنساني. وهو من جهة إغراق في المعنوية. سنلاحظ ذلك على عدة مستويات؛ دينية وثقافية واجتماعية وسياسية ورياضية وترفيهية..الخ.
المسرحة إذاً ملمح طقوسي، على سبيل المثال: يمكن أن يتم الزواج بالتعاهد المباشر بين الطرفين، ويمكن أن يُكتب في ورقة، أو بوجود ولي للعروس وشاهدي عدل. لكن الزواج لا يتم بتلك البساطة، وستوضح لنا شخصية المأزون المسرحية ذلك، فالمأزون يستطيع أن ينهي عقد القران ببضعة جمل، لكن عمله هكذا لن يكون مقنعاً، لذلك فلا بد أن يرتدي المأزون ملابس معينة، كالقفطان والجلباب والعمامة، وأن يتلو خطبة عصماء مطولة قبل أن يعلن انعقاد الزواج.
قال المسيح:
"وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ" (متى 6: 7)
لقد مات المسيح أو رفع إلى السماء وهو لم ينشئ كنيسة وكان رافضاً للطقوس (المسرحة)، لكن بطرس وبولس ومن تبعهم بعد ذلك رسموا طقوساً معقدة للعبادة، وخالفوا التوجه التحرري للمسيحية اليسوعية. فحتى العبادة لن تكون مقنعة إلا بوضعها في سياق مسرحي.
تنعقد القمم الرئاسية على مستوى الدول، وتوجه نحوها الأنظار، وينتظر الجميع قراراتها: بالرغم من أن هذه القرارات تكون قد أتخذت قبل انعقاد تلك القمم بأسابيع عبر أجهزة المخابرات، وأجهزة دعم اتخاذ القرار ثم رئاسات الوزراء، ولكن لا بد من مسرحة تلك القرار بمؤتمرات قمة تستمر لساعات، يخرف فيها الزعماء ويقولون أشياء كثيرة غير ذات أهمية ولكنها -وعبر المسرحة- تكتسب قيمة كبرى.
في المقاهي أو بعض المحلات تتم عمليات مسرحة، بقيام البائع بسؤال الزبون أسئلة كثيرة حول المنتج وهي أسئلة تربك الزبون ولكنها في نفس الوقت تشعره باهتمام المحل به وبرغباته. وقد يصطف بعض العملاء للترحيب بالزبون وتوديعه، وهي مسرحة لها أهمية تسويقية كبيرة. وهذا ينقلنا إلى مسرحة الإعلانات التجارية، التي يمكن أن تتم بتوضيحات بسيطة للمنتج، لكنها في الواقع لا تكتفي بذلك، بل لا بد أن تتم مسرحتها.
المنافسات الرياضية تتنافس حول مسرحة الافتتاحيات والنهائيات. وعالم الترفيه في مجمله هو مسرحة، لأن المسرحة تعطي شعوراً بالنشوة وتعاضد الجماعة وتقاربهم معنوياً وتشاركهم اللحظة. واللحظة السعيدة تتنامى مع الجماعة.
إن العالم مسرح كبير، ولكن ليس بالمفهوم الشكسبيري التقليدي، بل بمفهوم تاريخي ضارب في القدم، منذ أن كان البشر الأوائل يرقصون حول النار ويقدمون القرابين في شكل طقوس من أجل إرضاء الآلهة..
تدمجنا المسرحة مع الجماعة، لأنه لا يكون مسرح بلا جماعة، فالمسرح يخلق رابطة معنوية بين الأفراد والرابطة المعنوية هي التي تميز الجماعة عن مجرد التجمعات أو الجماهير التي قد تكون متواجدة بلا أي رابطة معنوية، كتجمع الأفراد في محطة باص. المسرحة تعطي انطباعا بالعمق، بالتواصل الغيبي، بالشعور المتعاطف وبالحنين والحماسة المتبادلة تجاه موقف معين.
وإذا كنا كبشر نميل إلى مسرحة أغلب تفاصيل تفاعلاتنا، فهذا يعني أن هذه المسرحيات تتمتع بكل عناصر المسرح من مؤلفين ومخرجين وممثلين وصالة وخشبة وكواليس وتصميم وديكور ومتفرجين..الخ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى