ذكرى في باريس.. على إيقاع «بوهيميا» شارل أزنافور

إلى الفنان عبد الرازق عكاشة
......

على مقهى في «سان ميشيل»
انتظرَ العربيُّ المجدَ ولم يأتِ
انتظرَ مرورَ قوافيه
ولم يمنحه الحظُّ قصيدةْ
انتحب نظيرَ نشيدٍ لو حتى مبتورٍ
يتركُه ذكرى في باريس
لا شعرٌ للعربيِّ هنا
في الحي اللاتينيِّ
الليلة
يلتمسُ الغوثَ
ولا يسعفه جنيٌّ
التمس شرابًا آخر
رأسُ العربي شديدٌ
كالصخرةِ
مسقيٌ بالخمرِ المغشوشةِ
معلوفٌ بالتبغِ السيئ
لا ثقبٌ ينفذُ منه الشعرُ
لا تنجيه العودةُ لـ«العازفةِ» على أبوابِ اللوُفْرِ
العربيُّ غريبٌ في باريسَ
غريبٌ
لا ينفعه حتى أن يتبعَ السِينَ
ويسري نهرًا بوهيميًا
يمضي كالصيرورةِ
أنهارُ العربي: النيلُ ودجلة والعاصي
لا تتركُه
أنهارُ العربيّ شرايينٌ في الجسدِ العربيِّ
ولا يطلقُه ليلٌ طالَ
ولا يتبعه فجرٌ
أو يعطيه مساحةَ ظلٍ
كي يتأملَ أعلى الجسرِ
سماءً تزانُ بترصيعِ نجومٍ
القلبُ العربيُّ
قنابلُ موقوتةْ
إن يتفجرْ أشلاءً
ودماءً
وأناشيدَ
القلبُ المُوثَقُ
بكتابِ الموتى
المصقولُ بكَلكَامش
والمعطوفُ على
أنشودة «مطر مطر»
في باريسَ
مُسَجَّى
و«الليلةُ تمطرُ»
لكنَّ العربيّ
سليبُ الروحِ
يدورُ مع «الطاحونِ»
الألوانُ تدورُ
والعربيُّ يدورُ
تُنَقّله الحمى من مونمارت إلى صنعاءْ
لا لهوٌ
لا رقصٌ في باريسِ
ولا موسيقى
أو شعرٌ
العربيٌ قصيدته للنزف
له أربعةُ بلاد محروقةْ
وأراضٍ محتلةْ
وقطِاعٌ مبتورٌ
وسجونٌ
وميليشيا
وقتالٌ أهليٌّ
ماذا يبقى للعربيِّ
بباريسَ
أتى كي ينسى
الثورةَ
أو يرتاحَ قليلًا
من تذكارِ الجثثِ المتفاحمةِ
ولكنَّ العربيَّ أسيرٌ
مهما طارَ
أسيرٌ
إن أطلقَه اللهُ
وكان الأفق كبيرًا
وحسيرَ الحظِّ
هنا الشرطيُّ يداعبُه
فتخورُ قواه
ولا يتحملُ خفةَ ظلٍ
لم يعتدْها من شرطيّ
..
الرأسُ يدورُ مع الطاحونِ العالي
يدورُ
ولا يستندُ إلى أحجارِ مسلتِه في كونكوردِ
عصاةُ الرّيحِ هنا لا تعرفُ من لهجتِه
شيئًا
العربي غريبُ الفَمِ
غريبُ الوجهِ
لا يعرفُه قدامى المصريين
ولا فنيقُ الهجرةِ
أو عربانُ الشرقِ
إذا ما سقط
وجسمُ العربيِّ ثقيلٌ
من يحملُه
إن قيده الخمرُ
على مقعده قِبَل البركةِ..
لا يتبقى غير مسيرِ الشعراءِ
العربيُّ غريبٌ
من يمنحُه حظًا
أو يشركُه كأسًا
أو يسندُه حتى الغرفة
يتبقى من خمري
في القنينةِ
ليتك تتذوقُ بعضَ نبيذي
أجرةَ أن تسندني حتى الغرفةَ بالفندقِ
لا ثقةٌ بالأعرابِ هنالك يلهونَ
ولا فتيانُ الحربِ الأهليةِ
العربيُّ أخو العربيِّ
فقطْ إن واجه صدرَ أخيه
الوحْدةُ بينهما تعني أن يخترقَ رصاصُ كلانا
قلبَ كلانا
العربيُّ غريبٌ
لا يعرفُ معنى أن يبقى عربيًا
في باريسَ
ويتوسلُ أن يتوقفَ سيرُ التاريخِ
وأن يترجلَ منه..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى