مصطفى فودة - قراءة فى (تحوّل) مجموعة قصصية للكاتب باهر عادل

لا بد أن يذكرنا عنوان (تحوّل ) برواية الأديب التشيكى فرانز كافكا (التحول) والتى اشتهرت باسم المسخ ، وتتأكد تلك الصلة الحميمة بينهما بقراءة مقدمة كل من قصة تحول وهى القصة الرابعة فى المجموعة القصصية وتدور حول إستيقاظ السارد من نومه وقد تحول إلى أنثى " استيقظت بعدها بخمس ساعات من نومى العميق....اكتشفت المفاجأة : لقد أصبح وجهى أملسا ، وبرزت لى أثداء صغيرة ، وقد انتفخت مؤخرتى قليلا .. يا للهول ! لقد تحولت إلى أنثى ! ، هل هذا حلم أم واقع ؟"ص25 والتى تتشابه مقدمتها تماما مع رواية كافكا والذى استيقظ بطله جريجور وقد تحول إلى حشرة " استيقظ جريجور ساسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة فوجد نفسه قد تحول فى فَراشِه إلى حشرة هائلة الحجم ز كان مستلقيا على ظهره الجامد الذى كان مقسما إلى أجزاء صلبة تشبه الدروع ...وكانت سيقانه العديدة التى كانت تبدو رفيعة على نحو بائس بالنسبة لبقية جسمه تبدو أمام عينيه بصورة منفرة ، تفكر فى نفسه ، ما الذى حدث لى ، لم يكن الأمر حلما " (الأعمال الكاملة لكافكا ترجمة الدسوقى فهمى ) ويتشابه العملان فى العنوان والثيمة الرئيسية بينهما غير أن الكاتب استبدل بالتحول فى قصته إلى أنثى بدلا من حشرة عند كافكا .
المجموعة هى العمل الادبى الأول للكاتب وتتكون من اثنتى عشرة قصة قصيرة لا تتجاوز كل قصة فى المتوسط صفحتين ، وتقع فى سبعين صفحة وقد صدرت عام 2019 عن دار رسالتنا ، وتهتم المجموعة بطرح كثير من الأفكار المنتشرة فى المجتمع ويراها الكاتب سلبية ومن ثم يوجه النقد إليها ، مثل قصة عقدة دكتور شوقى وانتقاد القرية للقراءة واعتقادها أنها تسبب الجنون ، فالدكتور شوقى شاب نابه غزير العلم بالقرية وكان يعشق القراءة ولكنه كان يتناول المخدرات والخمور حتى انتهى به الحال إلى الجنون وقد فسرت القرية جنونه بكثرة القراءة وليس "بكثرة الخمر والحشيش " الذى كان يتناوله .
وتناولت قصة حكايات سعاد قصة زواجها والتعجيل بزواجها رغم صغر سنها وسوء اختيار الزوج اعتقادا فى المثل الشعبى" ضل راجل ولا ضل حيط" حيث مات الزوج الأول وأنجبت منه ثم تزوجت من آخر تحت ضغط أسرتها وتبين أنه فاسد وسكير وطُلقت منه ، ثم تزوجت بثالث ملتح ينادون بالشيخ حسن الذى يستمرئ عدم العمل ويعتمد على زوجته فيما تدبره من مال من مساعدة والدها وأخيها ، وقد انجبت منه ولدين وتتحمل سوء معاملته لابنائها وتنتهى القصة " خليك معاى يا رب أنا غلبانة ومليش غيرك "ص18
وفى قصة فخ المذيعة صورة ساخرة عن الإعلام المصرى ومطاردته للأفكار المختلفة حيث تقوم بالإيقاع بشاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين تدعوه فى أحد برامجها والذى يبدو أن له آراء تُفسرها بالإلحاد وعندما "ذهب للحلقة فى الميعاد وجدوا أنهم قد أعدوا له طبيبا نفسيا واتهموه بأنه مريض نفسى ، ثم اتصلوا بلواء شرطة فى الامن واتهموه بأنه عميل ويتقاضى المال ، كما يترأس تنظيم سرى وأصبح عنوان الحلقة "العالم السرى للملحدين فى مصر " ، وفى قصة بيشوى وأنا تتناول مشكلة منع الطلاق عند الأقباط فى مصر وهى من أعقد وأصعب المشاكل التى يواجهها المسيحيون المصريون ويطرح الكاتب الحجة الاجتماعية فى منع الطلاق فيقول أبوها" الست مالهاش غير بيت زوجها" كما يطرح الحجج الدينية المسكوت عن مناقشتها مثل قول رجال الدين "ده صليبك يا ابنتى ، ولازم تتحمليه ، والذى جمعه الله لا يفرقه إنسان ! ولكن السؤال الذى يحيرنى دائما : هل الله الذى جمعنا حقا ؟ "ص31 ، وهو سؤال مسكوت عنه يدور فى خلد كثير من المسيحيين ولا يجهرون به ، ونظرا لحساسية المشكلة جعلها الكاتب – بتقنية فنية ذكية تحسب له – رسالة من بريد القراء بجريدة حواء اليوم .
أما عالم الكومبارس ذلك العالم المدهش الذى به قصص كثيرة من الأحلام والإحباط وكثيرا ما تناولته الأفلام السينمائية بطريقة درامية أحيانا أو كوميدية أحيانا أخرى ، فقد تناولته المجموعة فى قصتين متتاليتين الأولى (فرصة كومبارس) حيث يحلم شادى بان يكون ممثلا كبيرا فيترك كلية الهندسة ويفشل فى الإلتحاق بمعهد الفنون المسرحية بدعوى عدم وجود واسطة له ، ويلجأ إلى أن يكون كومبارس حتى يأخذ فرصته فى التمثيل والنجومية فيم بعد ، ولكنه يفشل فى أداء جملة طلب منه المخرج أن يؤديها بصوت عال ، والقصة االثانية (كومبارس يبحث عن حذائه) يعرض عما يحدث فى عالم الكومبارس من مواقف عصيبة حيث يتعرض كومبارس لفقد حذائه بعد أدائه جملتين فى فيلم تاريخى وبعد تغيير الملابس التاريخية اكتشف أن حذاءه غير موجود ، وقال الريجسير صائحا فى الركاب من الكومبارس " اللى شفط الكوتشى بتاع الراجل الغلبان دا يطلعه يا غجر" وبعد مواقف عديدة عثر على حذائه ولم يعد ولم يعمل كومبارس بعد هذا اليوم ، أما قصة لقاء فى الدير فتتناول تعرف السارد على فتاة(نيرمين) عن طريق الفيس بوك ثم يتقابلا معا فى أحد الأديرة بالقاهرة ويقوم بتقبيلها فى الدير وطلبت منه بعد ذلك خطبتها وبعد أن يعقد مقارنة بينهما فى ذهنه ، يخبرها أنه مرتبط بخطيبته (مرثا) ، ثم ساءت علاقته مع خطيبته وينفصلان ويبدو أنها قد وجدت فرصة أفضل منه للزواج وهو رجل مهاجر إلى أمريكا فى العقد الرابع ، ثم يرغب أن يعود إلى فتاة الفيس إلا أنها رفضت واغلقت التليفون فى وجهه وباءت محاولاته بالفشل ، أما (نبى تحت الحصار) فتتناول قصة كاتب مسرحى موهوب فى مقتبل العمر اتُهم بسبب نصه المسرحى بإزدراء الأديان وحُكم عليه غيابيا بخمس سنوات وغرامة خمسين ألف جنيها فأصابه الجنون وأطال شعره ولبس ملابس غريبة وظل يصرخ فى وجوه البشر بكلمات غير مفهومة ، وربما ذكرتنا هذه القصة بكاتب مسرحى شهير وموهوب أصابه الجنون وأودع مستشفى الامراض العقلية ثم أدركته الوفاة.
قصة مذكرات السيد إبراهيم بكرى وهى من أفضل قصص المجموعة من حيث الإحكام الفنى ، تتناول صحفيا انتهازيا ومعدا لبرنامج تلفزيوني ورجلا لكل العصور ، أيد ثورة يناير وحق المتظاهرين فى التظاهر وهاجم النظام حين كان على وشك السقوط ، وعندما سقط النظام علم بحدثه الإنتهازى أن الإخوان قادمون للحكم فقام بمناصرتهم وإنتخابهم فى مجلس الشعب ومن بعدها الرياسة ، ثم خرج ضد الإخوان فى مظاهرات ثلاثين يونيو ، ثم نادى بحاكم عسكرى يحكم البلاد بالحديد والنار وانضم إلى حملة الرئيس الانتخابية وكتب مقالا عن سعودية جزيرتى تيران وصنافير ، وتذكرنا القصة بصحفى انتهازى شهير معروف بيننا .
فى قصة فى رحاب الأتيليه تتناول انتهازية بعض المثقفين وهى عن روائى سليط اللسان يرتعد منه الجميع خاصة الكتاب الجدد ، يدعى علاقة خاصة مع نجيب محفوظ رغم أنه لم يقابله سوى مرتين لا أكثر ، يحقق رغباته عن طريق الإبتزاز ومهاجمة وزير الثقافة الجديد فيقوم المسؤلون بإسترضائه بمنحه منح خاصة بالوزارة أو نشر أى شئ يريده ، شعاره ونصيحته الكذب حتى يصدقك الناس فالناس يميلون لتصديق الأوهام الكثيرة .، أما العصفور الذى لا شئ يعجبه وهى القصة الاخيرة فعن فنان تشكيلى موهوب تعرض لكارثة تسببت له فى هزة وجدانية زلزلت حياته كلها وغيرت رؤيته للحياة فانزوى فى غرفته ومضى يكتب مذكراته .
حفلت المجموعة القصصية بكثير من الأفكار فى شكل قصصى حيث غلب الجانب الفكرى على الجانب الجمالى خاصة أن المؤلف كاتب يهتم بالشأن الفكرى القبطى وله كتب مثل الاقباط والحداثة ، الجهل المقدس صار أسقفا ، إصلاح كنسى وأساقفة ربما لذلك غلب الطابع الفكرى على الطابع الجمالى وسادت لغة تقريرية مباشرة قليلة المجاز فى أغلب قصص المجموعة ، وكان السرد فى كثير من قصص المجموعة تقليديا ويسير فى خط طولى كذلك كان الزمن ، إلا أنه رغم ذلك احتوى فى بعض المواضع على مشاهد سردية جميلة رُسمت بعناية مثل مشهد تعاطف السيدة الأربعينية وابنتها مع الكومبارس الجديد الذى ضاع حذاؤه ثم عثر عليه فى قصة كومبارس يبحث عن حذائه " وقبل أن أنزل باركت لى صديقتى الطفلة البريئة وأمها وتعلقت بى عيونها وقالت واللهفة تطير من عينيها السوداويتين :
- هتيجى بكرة ؟
-ممكن ..هحاول !
رمقتنى بنظرة ملائكية تشبه العذراء مريم وقالت وابتسامة ساحرة تملا وجهها
-هستناك ."ص43
جاء وصف المرأة حسيا فى فى كثير من القصص مثل وصف سعاد فى قصة حكايات الست سعاد " وحين نضجت قرر أبوها أن يزوجها إبراهيم رجل أربعينى ثرى عائد من إحدى دول الخليج فعندما رآها ورأى أنوثتها البارزة التى تتخطى عدد سني حياتها وعندما لقطت عينيه الخبيرة جسمها الملفوف حيث الأرداف البارزة والأثداء النافرة الشهية كالبرتقال ، سال لعابه وتفجرت بداخله الشهوة وقرر أن يتزوجها" ص 15 ، وكذلك وصف نيرمين فى قصة لقاء فى الدير كان وصفا حسيا . ص47
كانت اللغة بسيطة وإخبارية أكثر منها أدبية ، وقد حفلت بأخطاء لغوية كثيرة مثل : لم يتخطى بعد الخامسة والأربعون وصحتها لم يتخط ..والاربعين ص15، أتمت عامها السابع عشر بالكاد وصحتها كادت تتم عامها السابع عشر ، من رجل ملتحى وصحتها ملتح ، كى يتركوا المنزل ويلعبون وصحتها يلعبوا ، برغم من أن وصحتها رغم أن ، ويقيموا كلهم فى هذه الشقة وصحتها يقيمون ، كما احتوت اللغة على عبارات تراثية إنشائية مثل (تسحب ذيول الخزى والعار) ، استخدم الكاتب كلمة بعل التراثية القديمة بدلا من زوج دون مبرر ، وهى أخطاء كان ينبغى تصحيحها عند المراجعة اللغوية .
كان الحوار فى بعض المواضع موفقا فكان مكثفا وقصيرا ومعبرا مثل مكالمة المذيعة للشاب أحمد التى تريد أن تعمل معه حلقة تلفزيونية فى قصة فخ المذيعة ص21 ، وكذلك الحوار الذى أوردناه سابقا فى قصة كومبارس يبحث عن حذائه ص43 .
رغم وجود هذه الاخطاء والتى يمكن تداركها تعتبر هذه المجموعة القصصية كعمل أدبى أول للكاتب إنجازا جيدا ، فقد طرح أفكارا سائدة فى المجتمع يجب مراجعتها والتصدى لها ، وطرح الأفكار عمل لا يعيب العمل الادبى بشرط عدم إغفال جماليات النص الأدبى والذى هو جماليا فى المقام الاول .
بقلم مصطفى فودة
May be an illustration of 1 person and text



All reactions:
4سمير الفيل, Mohamed Okda and 2 others

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى