علجية عيش - أحداث ديسمبر 1950 غيرت خريطة المغرب العربي الموحد


هكذا أجهض مشروع بناء وحدة المغرب العربي
في مؤتمر ديسمبر 1950 أنشئ الاتحاد المغاربي للطلبة المسلمين (U.N.M.A

أحيانا يصنع الطلبة ما لا يقدر السياسيون على صنعه، فقد لعب الطلبة المغاربة دورا لا يستهان به في بناء وحدة المغرب العربي و جعل شعوبه يجتمعون في جسد واحد و يكون لهم قرار موحد و مصير مشترك متخطين بذلك كل الحواجز و البرافنات من أجل وحدة شمال افريقيا، كان الحلم أن تنتقل الوحدة المغاربية من المستوى المغارب إلى المستوى القطري، لكن الأطماع السياسية للحكام دمرت شعوب المغرب العربي و جعلتهم يتصارعون كالثيران فتفرقت بهم السبل، فكان شعر مفدي زكريا عقيدة لوحدة شمال افريقيا بشبابها و طلابها، و اليوم و كما حدث في ليبيا فغزة تناشد الشباب العربي الأبيّ و الطلبة الأحرار، تناشد النقابات و الجمعيات و كل المثقفين العرب للوقوف إلى جانبها و نصرتها

يعتبر شهر ديسمبر الشهر الذي شهد تأسيس جمعيات تنادي بوحدة المغرب العربي ، فبعدما فشلت كل المحاولات السياسية في الحفاظ على تشكيلة المغرب العربي، جاء دور الطلبة في إعادة اللحمة المغاربية و خدمة القضية المغاربية، والسعي بالطرق المشروعة لتحقيق حرية و استقلال شعوب شمال افريقيا ( تونس، الجزائر و مراكش)، لم يكن تحقيق ذلك سهلا و بدون وجود هيئة تنظمهم، إلا أن طلبة المغرب العربي رفعوا التحدي و بادروا تحت إشراف نجم شمال افريقيا إلى تأسيس جمعية سمّوها "جمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين " AENMA، تم التصريح بها من طرف السلطات الفرنسية في 28 ديسمبر 1927 بباريس، انصهرت فيها جميع الجمعيات الوطنية لطلبة المغرب العربي، و كانت تهدف إلى تمتين روابط المودة و التضامن بين طلبة شمال افريقيا و تحرير المغرب العربي، يقول الدكتور محمد بلقاسم في كتابه " وحدة المغرب العربي فكرة و واقعا" أن الجمعية من خلال مؤتمراتها اتخذت عدة مواقف، و هي مواقف تساير الإصلاح الديني في المغرب العربي، كما كان الطلبة في كل مؤتمراتهم يهتفون بعبارات مغاربية ( يحيا شمال افريقيا، افريقيا الشمالية وحدة لا تتجزأ، عاشت تونس، عاشت الجزائر، عاش مراكش، عاش المغرب العربي) كانت شعارات من شأنها خلق الرأي العام في المغرب العربي، وكان الطلبة في كل مؤتمراتهم يعلقون راية كبيرة ثلاثية الألوان (الأخضر الأبيض و الأحمر) جعلوها رمزا لوحدة أقطار شمال افريقيا، و ترمز الألوان الثلاثة إلى: الأبيض رمز الجزائر البيضاء، الأخضر رمز تونس الخضراء، و الأحمر رمز مراكش الحمراء، كما ألقى الشاعر مفدي زكريا في إحدى مؤتمراتها خطابا خلص من خلاله إلى 10 نقاط أساسية سمّاها "عقيدة الوحدة لشمال افريقيا".

كانت هذه الجمعية بمثابة إيديولوجية مشتركة للطلبة لتوحيد المغرب العربي، باعتباره وطنا واحد لا يتجزأ، لدرجة أن جمعية العلماء المسلمين طورت من شعارها الجزائري إلى شعار طلابي مغاربي: "الإسلام ديننا و شمال افريقيا وطننا و العربية لغتنا" و جعل المغرب العربي جزء لا يتجزأ من الشرق العربي يرتبط به إلى الأبد بروابط اللغة و العروبة و الإسلام، و من خلال هذه المؤتمرات التي انعقدت و الخطاب الذي ألقاه مفدي زكريا دفعت أحد الطلبة الجزائريين بتونس و هو محمد العيد الجباري إلى إنشاء جمعية أخرى في نفس الشهر ( ديسمبر) من عام 1936 سمّاها " شبيبة شمال افريقيا الموحدة" التي من مبادئها : " افريقيا الشمالية وحدة لا تتجزأ" و هي أمة واحدة يجب أن تظل أبد الدهر أمة واحدة و الشمال الإفريقي شعب واحد يجب أن تكون لغته و ثقافته و عاداته واحدة، هي نفس المبادئ التي قدمها مفدي زكريا في مؤتمر تونس سنة 1934.


كان المؤتمر الحادي عشر المنعقد بتونس من 15 إلى 22 ديسمبر 1950 أهم مؤتمر الطلبة المغاربة، حضرت شخصيات سياسية و منظمات وطنية، نقابات و جمعيات و كشافة إسلامية و مثقفين، و بحضور 70 طالبا من ( الجزائر تونس و المغرب و ليبيا ) و كان عبد اللطيف بن جلول من المغرب هو من ترأس المؤتمر، ناقش فيه المؤتمرون عدة قضايا و على راسها القضية الليبية ، حيث عرضوا لائحة نوفمبر 1948 الصادر عن الأمم المتحدة و طالبوا عدم تنفيذها مؤكدين على وحدة واستقلال ليبيا، كما عارضوا فكرة انتماء المغرب العربي إلى الاتحاد الفرنسي و استنكروا تبعية الجزائر لفرنسا باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المغرب العربي، و بالتالي عدم إدخالها في نظام دفاع الحلف الأطلسي، و طالب المؤتمرون الأمم المتحدة و منظمة اليونسكو، و كذا الهيئة الأممية بتطبيق قراراته بخصوص المغرب العربي، كانت من الثمار التي جناها مؤتمر المغاربة هو إنشاء الاتحاد المغاربي للطلبة و المسلمين (U.N.M.A) Union Maghrébine des Etudiants Musulman ، كان الحلم أن تنتقل الوحدة المغاربية من المستوى المغاربي إلى المستوى القطري، لكن الأطماع السياسية للحكام دمرت شعوب المغرب العربي و حلم الطلبة و جعلتهم يتصارعون كالثيران فتفرقت بهم السبل.
الأطماع السياسية دمرت حلم شعوب المغرب العربي
البداية كانت بتحرك بعض القيادات المغاربية ( حزب السياسيين) للتنسيق مع السلطات الفرنسية و طروحاتها المتمثلة في إقامة "مجموعة شمال افريقيا مرتبطة بفرنسا" و إنشاء نظام فدرالي اقتصادي شمال افريقي مرتبط بفرنسا ، و جرى اتفاق بين بن بلة، بوضياف ، خيضر و حسين آيت أحمد الذهاب إلى المغرب لمقابلة محمد الخامس لمعالجة الخطوط الكبرى لكنفدرالية المغرب العربي قبل عقد ندوة تونس الثانية، أما الرئيس بورقيبة كان يطمح أن تتعاون الجزائر مع فرنسا لكي تصبح دولة حرة و قوية و قد خاطب الشعوب المغاربية كما جاء في الصفحة 327 من الكتاب السالف الذكر مقترحا عليهم تشكيل مجموعة فرنسية لشمال افريقيا، من أجل تعاون جديد ، طالما هذه الشعوب مرتبطة بفرنسا جغرافيا و اقتصاديا و ثقافيا، هكذا أجهض مشروع بناء وحدة المغرب العربي، و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم الاستيلاء على الأسماء، يقول صاحب الكتاب في الصفحة 372 أنه تم استبدال مصطلح مراكش و بلاد مراكش الذي اشتقت منه التسميات الأجنبية Marroco و Maroc و هذا الإسم كان شائعا للدلالة على المغرب الأقصى.
أما بخصوص خريطة المغرب العربي وقعت مشاكل حول الحدود المغربية، عندما زعم علال الفاسي أن المغرب تنتمي حدوده إلى نهر السنغال و يحتوي على منطقة تندوف و بشار و توات و القنادسة و يحتوي كذلك على السودان الفرنسي ( شمال المالي الحالي) و على تنزفورت و انتقد مشروع فرنسا بإنشاء منطقة "الصحراء" معتبرا ذلك إجراء تأميمي، كما زعم أن قبائل المناطق المذكورة كانت خاضعة للدولة العلوية، و اصبح الفاسي يلوح بهذه الخريطة في كل مناسبة مدعيا أن المناطق المذكورة هي مراكشية، و قادته الأطماع إلى جعل تيديليكت و عين صالح و تيميمون و غيرها من الواحات تابعة لمراكش، هي نفس الخريطة التي وزعها المهدي بن بركة العربي في كواليس مؤتمر طنجة الذي حضره الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنية عبد الحميد مهري و قال أنه لم يخل من مفاجآت، حيث وزعت خريطة حزب الإستقلال التي فيها المغرب العربي الذي يمتد شرقا إلى عين صالح بالصحراء الجزائرية و جنوبا إلى نهر السنغال، و طالب الفاسي الجزائريين أن يعيدوا للمغرب المناطق الصحراوية المرتبطة بالجزائر ، اي الصحراء الغربية المحدودة بخط فيقيق و بالجنوب بالخط الموازي سان لويس بالسنغال، و كان موقف رئيس الحكومة المؤقت فرحات عباس آنذاك أنه عندما تستقل الجزائر سيعاد النظر في مسالة الحدود، إلا أن المغرب لم يراع ظروف حرب الجزائر مع فرنسا و سارعت بإنشاء مديرية للشؤون الصحراوية و أسست لجنة الحدود، لكن بعد مؤتمر طنجة بدأت الأزمة المتنامية في الحدود الجزائرية المغربية في التدهور .
ورقة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى