أحمد عبدالمعطي حجازي - في رثاء الشهيد عمربن جلون

يستطيع ابن جلون أن ينهض الآن
فالشهداء يموتون، كي يفرغوا للسهر
عم مساء عمرا
يتململ في رقدته عمر
وينهض نصف نهوض
محتضنا في يده قلبا
أو عصفورا مبتلا
ويصيخ لصوت يعرفه
يفجؤه الصوت الذكرى
المهدي
ويرتقيان معا درج الزمن السري
يستطيع ابن جلون أن يبدأ الآن
فالفقراء يعيشون في أمة الفقراء
التي لاتموت ولا تندثر
يتذكر عمر قيسارية غرناطة
إذ كان عجوزا سقاء
ينظم شعرا ملحونا ويغنيه
عن قرب رجوع المهدي وفك الأسرى
وقضى شيخوخته في باب الجامع منتظرا
وابن جلون من جسد الأرض
من كيمياء الربيع
تحدر نهرا
فماذا عن النهر لو صار غيما
وماذا لو النهر صار مطر
آه
زغردن للعشب يا أمهات الضحايا
وخصبن شيب جدائلكن بماء الزهر
يتذكر عمر وجدة
إذ كان صبيا جوعان ضئيلا
يستوقفه كل صباح تمثال الجنرال الرومي
ويسأله من أنت؟
فلا يستطيع جوابا
حتى تأخذه الشرطة للتجربة الأولى
وتمر على التمثال به
فيقول له الجنرال أجبت
يستطيع ابن جلون أن يفلت الآن
من أعين المخبرين
وأن يتنقل في الأرض
دون جواز سفر
يتذكر عمر كمونة باريس
وكانت أول درس في الجغرافية
يمتد الوطن العربي شمالا
حتى كمونة باريس
وتمتد نيويورك إلى آبار النفط العربية
يستطيع ابن جلون أن يعرف الحزن ليلته هذه
ثم يستأنف الحرب في الغد حتى الظفر
يتذكر عمر مجلسنا حول المهدي
على سجادة ليل القاهرة الوردي
وكنا إذ ذاك شبابا
يلعب في أيدينا الزمن كوحش متبنى
والمهدي ينادمنا
ويعلمنا فن الهجرة بالوطن السري
يقاسمنا الخبر الحي،
يساقينا دمه المسفوح غدا،
يكشف ما لم يأت كتابا فكتابا...
هل كان المهدي يرى صاحبه الشاعر حنفيا
يسأل عنه في "السان جرمان"
وفي الدار البيضاء
ولايجد جوابا
هل مكان يراه وقد صار غرابا
يبكي القتلى من إخوته
ويودع كل نهار أصحابا
يستطيع ابن جلون أن يخلع الآن ثوبا
وأن يتجلى لنا في الثياب الآخر..
يتذكر عمر خارطة للوطن العربي،
مرصعة باللؤلؤ والياقوت،
مزينة بالأعلام العشرين
مطعمة بالفضة والذهب
تنفجر منها واحات خضر،
يتهادى فيها الطاووس،
ويرعى فيها البقر الوحشي عناقيد العنب
وأرى عمر الآن،
يمزق تلك الخارطة - الوهم،
ويبكي من غضب
أعلام أم خرق من عار
خنتم كلمات المهدي،
ودنستم نسبي
أنهار من عسل
أم تلك دماء فلسطين،
جرت نفطا في أمعاء التجار،
وكتاب فتاوى الطاغوت المنتخب
وأراه يقود عساكره القراء
ويهبط من فوق السحب
ليصحح خارطة الأشياء
وينصف عربا من عرب
السلام عليك عمر
وعليك السلام
تتألم ؟
لا لم يعد وقته
تتنعم ؟
لا لم يحن وقته
أنا بين المساء وبين السحر
أتردد ما زلت بين الشعاعين
حتى يعود دمي للشروق
وتزهر وردته في الحجر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى