عبد الله المعاوي - أوراق في الكوميديا الملحونية الشيخ محمد بن عمرالمراكشي نموذجا

الورقة الأولى (مدخل لتحديد الكوميديا الملحونية)

لا يمكن التحدث عن الثقافة الشعبية بالمغرب دون الإشارة إلى أدب الكوميديا أو الفعل الكوميدي قي بعض تجلياته التي تزخر بالفرجة والمرح لإدخال البهجة على المتلقي أولا ولممارسة النقد الاجتماعي في إطار ما يمارسه الفن من تربية وتعليم ثانيا .
إن الفن الشعبي المغربي زاخر بالممارسات النقدية الفكاهية في أغلب أشكاله الفنية التي توارثتها الأجيال وخاصة في لحظات احتفالاتها والتي ارتفع بعضها الى مستوى فكري فلسفي يبين من خلاله الفنان الشعبي نظرته ورؤيته في الكون وخاصة بالمواضيع المتعلقة بالموت والحياة .
وتكاد كثير من الأشكال الفنية في الجنوب المغربي عموما والمراكشي خصوصا تتميز بالحس الفكاهي عند المبدع، سواء كان الشكل جماعيا كأحواش وإسلان والحلقة والهواري أو فرديا كما هو الشأن عند الرايس وفنان الملحون والمسيح وباقشيش.
ومما لا جدال فيه أنه في إطار التمايز الجغرافي للفن الشعبي المغربي فأن أهل مراكش يتميزون بالجرأة والبساطة والقدرة على التصوير الفني الفكاهي الرائع.
ويكاد رجل الملحون أن يكون رائدا في تنميط الكوميديا في الأدب الشعبي المغربي، حيث جعلها شكلا تمثيليا في إنتاجاته الأدبية وخاصة القصيدة، كماجعلها ممارسة تمثيلية في جلساته سواء منها الأسبوعية كدارت والجمعيات (بضم الجيم )والنزايه، أو في احتفالاته الموسمية واحتفالاته العائلية .
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الكتابة والإنشاد في فن الملحون ينفردان بوضع الضوابط الأساسية للكوميديا الشعبية بالمغرب وذلك بالإبداع الرائع شكلا حتى على هامش إبداع سابق كما هو الشأن في مسألة قلب القصائد السابقة وخصوصا في إطار قلب نمطه الجدي إلى هزل كما هو الحال عند رجل الفكاهة الشيخ احمر الراس، ومن ذلك ما فعل بقصيدة احمد البغدادي:

مال حراز الدامي ما يثيق بي هيهات + غير حاضي الوقات + بالدوام مجنبني اولا يرومني قطعيا

فيصبح الحراز عند الشيخ احمر الراس خرازا حيث ينشد :

مال خراز البالي مايتم كاع الكلبات + شابات وعزبات +
كل من جات اتبات يذبحها ويفضي لها ربح واخطية

ونفس الأمر يقوم به الشيخ محمد بن عمر في قصيدة الزردة التي سنتعرض لها لاحقا أما موضوعا سنجد فنان الملحون المغربي يتخذ نوعين من القول :
+ النوع الأول الذي بثه في القصيدة كشكل من أشكال التعبير عن تفوقه وهو الذي تعارف عليه شيوخ الملحون كشكل من أشكال التوقيعات التي تحصن الإبداع من السرقة والتبني. وهذا ما نجده غالبا في خواتم القصائد المنتهية بالوصف والشخد والهجو والزرب والحرز وغير ذلك من وسائل التعبير عن أهمية الذات في هذا المجال الإبداعي الشعبي المغربي.
+ النوع الثاني هو الذي أعلن فيه رجل الملحون عن إبداع مواضيع جديدة قائمة بذاتها في القصيدة الملحونية، فكان بهذا إعلانا فنيا عن تطور المواضيع في القصيدة الملحونية، مما شرع للمتتبع أو الناقد أن يعتبر شعراء معينين مجددين لفن الملحون في مجالهم كما هو الشأن عند الشيخ الجيلالي امتيرد المراكشي، وهذا النوع من القول هو ما نجده فيما اسماه النقد الشعبي بمواضيع( الترجمة ) كما هوالشأن في الخصام أو المعيار والحوار بين شخصين : كالعروس والعكوز أوبين مجموعات من النساء بناء على اللون والمكونات الجسمانية كالبيضة والكحلة والسمراء والسفرية والغليضة والرقيقة أو بين امرأتين باعتبار المكونات الاجتماعية كالزمنية والعصرية .والمدنية والعروبية أو بين مكونات من الحياة اليومية التي يحياها الإنسان الشعبي كالتنافس بين البوطة والمجمر وبين الهاتف النقال والثابث وبين الغطاس والطوموبيل والطيارة ...الخ .
وسنقف في الورقة المقبلة عند بعض من إشراقات شاعرنا الفذ بن عمر المراكشي في كثير من مجالات الفكاهة إن شاء رب العالمين.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى