عبدالرحمن مقلد - كنتُ وحيدًا أسندُ ألفَ المَدِّ

كنتُ وحيدًا
أسندُ ألفَ المَدِّ
وأرفو الغَامِضَ والملْتَبِسَ
وكان الظالمُ يَمْضِي
والمظلومُ يَئنُّ
وكان العالمُ يغلقُ نصفَ العينِ
وأنا بستانيُّ اللغةِ
المولعُ بالتَنْقِيطِ
ووضعِ فواصلَ
أختلسُ الوقتَ
لأزرعَ بضعَ ورودٍ
وشجيراتٍ تَصنعُ ظلًا
وأنا أرتقُ ثوبَ فتاةٍ
كان اللصُّ على الشُبَاكِ
يُراقبُ
كان الخنجرُ فوقَ الرقبةِ
كنت أُجَنُّ
وأعوي
وأنا أبصرُ ما يتطايرُ من أشلاءٍ
والدبابةُ تَنْهَشُ جسدَ المَارِ
وكنتُ أرتِّبُ للتنوينِ الدورَ الأمثلَ
كنتُ أزيلُ دموعَ النُّونِ وأضعُ النقطةَ
كنتُ أغيرُ من تكشيرةِ حرفِ الهاءِ
برسم الفِيونْكَاتِ
وكانتْ تسقطُ آخرُ مدنِ الثورةِ
والجوعى كانوا يا بِنْتَاهُ على الصُلْبَانِ
وأنا أعوي
وأتابعُ عدوي خلفَ «الفَارَةِ»
أَحْمَدُ سَهوي..
- لستُ المخطئ هذي المرة في تَنْضِيدِ حروفِ المَلكِ
ولا ترتيبِ القادةِ
لم يتجاوز أحدُ العامةِ نحو رئيسٍ -
الجوعى يا بنتاهُ بآخرِ صفٍ
والبورصةُ تقفزُ..
وأقارنُ بين دَوِيِّ الهَاونِ ورنينِ الحَرفِ الحُرِّ
تَمُرُّ زلازلُ وبراكينُ
وأنا أعْوِي
كي يسمعَني من يتسابقُ نحوَ الموت
وكي ينتبهوا قبلَ سقوطِ البيت
أرجو أن يتركَني
القابعُ فوقي
ولا ينتبه لأيِّ من أخطائي
وكأني قاتلُ من قتلُوه
ولصُّ المَالِ العَامِ
- إذا ضبطُوه -
أقاموا لي المَقْصَلةَ
وقالوا
كيفَ..
لماذا لا تنتبهُ..
وكيفَ لهذا الشاعرِ أن ينتبهَ
لخَطْوِ يديه
وتلك دماءُ الموتى تطغى فوقَ الشاشةِ
تملأ مجرى الأحرفِ
تحملُ من بصماتِ القتلةِ
ما لا يمحُوه دليلُ
لكني كنتُ أرمّمُ تلك الهُوَّةَ بين القاتلِ والمقتولِ
كأني حفارُ قبورٍ
كلُّ الجُثثِ لديه سواءُ
حفارُ قبورٍ!!
ماذا يفعلُ يا ابنتيَ
الشاعرُ بستانيُّ اللغةِ
سوى أن يرثي المَوْتَى
أو يتريثَ بضعَ دقائقَ كي تحتضنَ الأمُّ بَنِيها
أو ينفجرَ الأَبُّ ويغلقُ عينَ الولدِ
وأن يقتبسَ الغارقُ آخرَ نفسِ
ويمرَ قطارُ المنتحبينَ
ليس عليه سوى أن يضعَ زهورًا للدبابة
كي تقتاتَ
ولا تضطرُ لصيدِ مزيدٍ من صُحْبَتِه
ويَزَيِنُ وجوهَ نساءٍ منهوكات العِرضِ
ويضعُ فواصلَ كبرى بين القاتلِ والمقتولِ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى