"رأيت نجيب محفوظ لأول مرة في مقهى صفية حلمي في الخمسينيات" حوار أجراه د.خالد محمد عبدالغني

الناقد الكبير الراحل عبدالرحمن أبو عوف (1935 – 2013) أحد أبناء جيل الستينيات بدأ حياته كاتبا للقصة ولكنه تحول إلى النقد وأسهم بالعديد من المؤلفات النقدية المهمة عن جيل الستينيات وربما كتب أيضا عن أغلب من جاءوا بعد ذلك، بالاضافة لمؤلفاته عن رواد فن القصة والرواية والمسرحية في أدبنا الحديث والمعاصر، كنت قد أجريت معه هذا الحوار في مجلة الرواية قضايا وآفاق في عام 2011 وكان قد أسسها ورأس تحريرها في عام 2008– 2012، ومؤخرا صدر قرار بإيقاف المجلة ضمن خطة الهيئة المصرية العامة للكتاب لإعادة هيكلة إصداراتها.
- تقول دائما أنك من تلاميذ الاستاذ نجيب محفوظ فكيف تحقق ذلك؟
- يعود الفضل في معرفتي بنجيب محفوظ لشقيقي الأكبر د.عبدالملك أبوعوف وهو مؤسس كلية الصيدلة بجامعة أسيوط ومؤسس جامعة صنعاء، ولم يكتفي بتفوقه العلمي بل كان كجيله في لاربعينيات عاش كل التنظيمات والاحزاب في العهد الملكي وكان قارئا للأدب فأرشدني لقراءة نجيب محفوظ وأنا في الثانوي وبخاصة عام 1951 وأعطاني روايات نجيب محفوظ طبعة لجنة النشر للجامعيين ولهذه اللجنة قصة، كان نجيب محفوظ قبل أن ينشر المرحلة الواقعية بدءا من رواية القاهرة الجديدة الذي تدخل إحسان عبدالقدوس وغير اسمها في الكتاب الذهبي لروز اليوسف أثناء رئاسته لتحريرها ، فاقتنع نجيب محفوظ لأن الكتاب الذهبي كان يطبع 5000 نسخة ولكن لجنة النشر تطبع 1000 نسخة كما ان اخراجها كان سيئا ، وكان اسم الرواية فضيحة في القاهرة. قرأت القاهرة الجديدة ثم خان الخليلي وبعد ثلاثة أيام طلبت رواية أخرى وكنت أدرس في الثانوي ومقبل على التوجيهية وحصلت عليها عام 1954 ووعيت على أزمة مارس التي احتدم فيها الصراع بين جناح عبدالناصر لكي يحكم الجيش وجناح خالد محيي الدين المطالبين بالديمقراطية ولقد خرجت في المظاهرات التي تهتف بسقط البكباشية. ومن أصدقائي في تلك الفترة زميلي سمير كرم وتنبأت له بأنه سيكون مذيع أو صحفي وقد كان، ولم ألتقِ به إلا عندما التقينا في التنظيمات اليسارية السرية ثم افترقنا بعد ذلك. وكان محمد حسنين هيكب قد عينه بالاهرام ثم ترك مصر بعد أن غدر السادات بهيكل وأقاله من الأهرام.
- وما ابرز المحطات التالية لتلك الفترة في علاقتك بنجيب محفوظ؟
- أصبحت مدمنا لنجيب محفوظ فقرأت زقاق المدق وبداية ونهاية وكان أخوايا عبدالملك وإبراهيم قد وقفا بعد قراءة الرواية لدي هيكل وطه حسين عند نجيب محفوظ ، وكان أبي يقرأ أيضا لنجيب محفوظ وكانوا يتحدثون عن شخصيات الروايات وبخاصة زقاق المدق حيث سمعت منهما وشاركتهما أمي عن زيطة صانع العاهات وعن النماذج الرائعة في الرواية.


- هناك قصة وراء لجنة النشر للجامعيين ما هي؟
- هذه اللجنة أسسها عبدالحميد جودة السحار وهو من أبناء تجار الجملة في حي الحسين "الصنادقية" ومحاسبا في مطار القاهرة فأقنع زملاؤه طه مخلوف وعادل كامل أن يدفعوا من مرتباتهم وأخذ مصاغ زوجته وأسس تلك اللجنة ، وكان نجيب محفوظ موظفا عام 1935 في الاوقاف في وزارة محمد محمود باشا فكان يدفع من مرتبه لدعم اللجنة فلم يكن يقرأ له الا القليل ولم يكتب عن هذه المرحلة المجيدة إلا اثنين فقط هما سيد قطب وأنور المعداوي.

- وماذا عن دور يوسف السباعي في نشر روايات نجيب محفوظ؟
- بعد تلك المرحلة بدأ نجيب محفوظ في مجلة الرسالة الجديدة ليوسف السباعي وكانت مرحلة مهمة جدا وتظهر جانبا جميلا ليوسف السباعي هو أنه نشر لجيله والأجيال التالية حيث أقنع نجيب محفوظ بنشر بين القصرين ، فقرأتها ، وتحول مشروع لجنة النشر إلى مكتبة مصر فنشرت لنجيب محفوظ الثلاثية في اربع سنوات حوال 1100 صفحة وفي البداية رفضها السحار لكبر حجمها ولكنه أقنع نجيب بنشرها على أجزاء.

- كيف قابلت نجيب محفوظ؟
- كانت أحاديث العائلة لا تنتهي عن نجيب محفوظ فرغبتني في مقابلته وماقشته ولكن أين وكيف يحدث ذلك؟ هنا يعود الفضل لأخى ابراهيم فعندما كان في كلية الطب كان مندمجا في الحركة الأدبية وكان يكتب يومياته وكنت عند خروجه أفتش فيها لأقرأها فوجدت فيها فقرة عن ندوة نجيب محفوظ في قهوة صفية حلمي، عرفت من مفكرته أن نجيب محفوظ يلتقي في العاشرة صباحا بأعضاء الحركة الأدبية من جيله والاجيال التالية فحسمت أمري أن اقتحم ندوة نجيب محفوظ ولكن قبل ذلك بسنوات عندما قرأت زقاق المدقق قررت البحث عن الزقاق نفسه فكان هناك اتوبيس قديم للحسين ولم أكن أتجاوز منطقة السيدة زينب أو مدرسة على مبارك - أما الحسين فلم أذهب إليه الا مع أبي وجلست على مقهى الفيشاوي - وبحثت عن الزقاق وتهت وحسب تعليمات ابي اذهب الى القسم وابلغ عن نفسي لأصل إلى ابي ولم أصل الي الزقاق وعدت للبيت ، وفعلا ذهبت مع أخي وحضرت ندوة صفية في موعدها الندوة ومن بعدها صرت تلميذا لنجيب محفوظ. وتعلمت من نجيب محفوظ الكثير والكثير مثل الحفاظ على الوظيفة حتى لا أضطر للتنازل عن افكاري من أجل لقمة العيش مثلما فعل هو وبقي في وظيفته. فالأدب لا يكفي لأن يعيش الإنسان منه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى